الخميس، أكتوبر 01، 2015

فوائد التدبر


تدبّر القرآن دواء القلوب وشفاؤه

  إنّ القرآن كلام الله الذّي أنزله ليُعمل به ويكون منهاج حياة للنّاس، ولا شك أنّ قراءة القرآن قربة وطاعة من أحبّ الطّاعات إلى الله، لكن ممّا لا شك فيه أيضًا أنّ القراءة بغير فهمٍ ولا تدبّر ليست هي المقصودة 
بل المقصود الأكبر أن يقوم القارئ بتحديق ناظر قلبه إلى معاني القرآن وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله ، وإجالة الخاطر في أسراره وحِكَمه.
____________________


وإنّ من أعظم الحِكم والغايات من إنزال الآيات ، التدبّر والتفكّر واستخراج المكنونات والدّرر،

قال تعالى ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )،
ليتدبّر النّاس آياته ، 
فيستخرجوا علمها ويتأمّلوا أسرارها وحكمها ، 
- فإنّه بالتّدبّر فيه والتأمّل لمعانيه ، وإعادة الفكر فيها مرّة بعد مرّة ، تدرك بركته وخيره ،
وهذا يدلّ على الحثّ على تدبّر القرآن ، وأنّه من أفضل الأعمال، *وأنّ القراءة المشتملة على التدبّر أفضل من سرعة التّلاوة التّي لا يحصل بها هذا المقصود ؛

كان ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول : 
" ركعتان في تفكّرٍ خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب ".

وكان الفضيل – رحمه الله –
يقول: " إنّما نزل القرآن ليُعمل به فاتّخذ النّاس قراءته عملاً . 
قيل : كيف العمل به ؟ 
قال : ليحلّوا حلاله ، 
ويحرّموا حرامه ،
ويأتمروا بأوامره ، 
وينتهوا عن نواهيه ، 
ويقفوا عند عجائبه ".
_______________

وعمليًا كان منهم من يقوم بآيةٍ واحدةٍ يردّدها طيلة الليل يتفكّر في معانيها ويتدبّرها. ولم يكن همّهم مجرد ختم القرآن ؛ بل القراءة بتدبّر وتفهّم .. 
عن محمد بن كعب القُرَظِي قال :
" لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح بـ( إذا زلزلت ) و( القارعة )
لا أزيد عليهما ، وأتردّد فيهما ،
 وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن ( أي أقرأه بسرعة )".

وإنّ من ثمار التدبّر :

اعلم رعاك الله أنّ العبد إذا وُفِّق لتدبّر آيات الله تعالى فاز بالخير العميم ، يقول ابن القيّم – رحمه الله -:

" فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده ، وأقرب إلى نجاته : من تدبّر القرآن ، وإطالة التّأمّل ، وجمع الفكر على معاني آياته ؛ فإنّها تطلع العبد على معالم الخير والشّر بحذافيرهما .
وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ، ومآل أهلهما ، 
وتَتُلُّ في يده ( تضع ) مفاتيح كنوز السّعادة والعلوم النّافعة .
وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه . وتحضره بين الأمم ، 
و تُريه أيام الله فيهم .
وتبصّره مواقع العبر .
وتشهده عدل الله وفضله . 
وتعرّفه ذاته ، وأسماءه وصفاته وأفعاله ، 
وما يحبّه وما يبغضه ،
وصراطه الموصل إليه ،
وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه ،
وقواطع الطريق وآفاتها . 
وتعرّفه النّفس وصفاتها ، 
ومفسدات الأعمال ومصحّحاتها
وتعرّفه طريق أهل الجنّة وأهل النّار وأعمالهم ،
وأحوالهم وسيماهم .
ومراتب أهل السّعادة وأهل الشّقاوة ،
وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه .
وافتراقهم فيما يفترقون فيه .

وبالجملة تعرِّفُهُ الربّ المدعو إليه ،
وطريق الوصول إليه ، وما له من الكرامة إذا قدم عليه .

وتعرّفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى :
ما يدعو إليه الشّيطان ،
والطّريق الموصلة إليه ،
وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه .

فهذه أمور ضروريّ للعبد معرفتها ، ومشاهدتها ومطالعتها ،
فتشهده الآخرة حتى كأنّه فيها ، وتغيّبه عن الدّنيا حتّى كأنّه ليس فيها . وتميّز له بين الحقّ والباطل في كلّ ما اختلف فيه العالم . فتريه الحقّ حقًّا ، والباطل باطلًا . وتعطيه فرقانًا ونورًا يفرّق به بين الهدى والضّلال ، والغيّ والرّشاد . وتعطيه قوةً في قلبه ، وحياةً واسعةً وانشراحًا وبهجةً وسرورًا ، فيصير في شأن والنّاس في شأنٍ آخر .
_____________










هناك 8 تعليقات