الجمعة، أكتوبر 02، 2015

تفريغ سورة البقرة من آية 38 إلى آية 48

بسم الله الرحمن الرحيم 
الوجه السادس من سورة البقرة


يقول تعالى :- ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ  (38))


" قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا .." 
كرّر الإهباط ليترتب عليه ما ذكر وهو قوله تعالى
 "  فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى "
 أيّ وقتٍ وأيّ زمانٍ جاءكم مني يا معشر الثّقلين الجنّ و الإنّس هدى : أي رسول وكتاب يهديكم  ، 


- ماهو الهدى ؟ 
رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم منّي ، و يدنيكم من رضاي حتى أرضى عنكم


- من الذّي يأتي بالهدى ؟ 
الرّسول و الكتاب عن طريق الله سبحانه و تعالى 
فمن تبع هداي منكم بأن آمن برسلي و كتبي و اهتدى بهم و ذلك بتصديق جميع أخبار الرسل و الكتب و الامتثال للأمر 
و الاجتناب للنّهي .
 بعدها وعد من الله سبحانه و تعالى و هو اليقين الذي ذكره الله عزّ و جل في بداية السّورة :


- (( آلٓم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ  (2)) 


هنا قاعدة : لا ريب فيه ،  لا شكّ فيه وهو يقين من الله سبحانه
 و تعالى ، 


- ماهو الوعد ؟ 
 الوعد ( ... فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ  (38))



- ماهو الفرق بين الخوف و الحزن ؟ 
الحزن :- إن كان منتظراً أحدث المكروه  
         و إن كان المكروه قد مضى أحدث الحزن  
          و إن كان المكروه منتظرا أحدث الخوف .


فنفاهم الله عز وجل 
- عمن نفاهم ؟  


( .. فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ  (38)
فنفاهما عن من اتّبع هداه 
 وهذا عكس من لم يتبع هداه فكفر به و كذب بآياته فلهم النّار
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  (39))


ملازمون لها ملازمة الصّاحب لصاحبه و الغريم لغريمه ، هم فيها خالدون لا يخرجون منها و لا يفترّ عنهم العذاب و لا هم ينصرون .


ثمّ يقول الله تعالى بعدها :- ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  (40))


والمراد بإسرائيل هو يعقوب عليه السّلام 
و الخطاب مع فرق بني إسرائيل الذين بالمدينة و ما حولها و يدخل فيهم من أتى من بعدهم فأمرهم الله تعالى بأمر عام 


الأمر :- ( ..اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي )
ويشمل سائر النّعم التّي سيذكرها في السّورة
 و الشّكر و هو ذكرها بالقلب اعترافًا و باللسان ثناءً و بالجوارح باستعمالها فيما يحبّه ويرضيه .



  ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي ) .. وهو ماعهده إليهم من الإيمان به و برسله و إقامة شرعه .


  ( أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) ... و هو المجازاة على ذلك أنه سيجازيهم على ذلك .
( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) ... وحدي أنا فقط اتقون و خافون.


(( وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ  (41) [البقرة:٤١] 


أمرهم بسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده ، و هو الرّهبة منه وخشيته وحده فإن من خشيته أوجبت أمتثال أمره و اجتناب نهيه .


ثم أمرهم بالأمر الخاص الذي لا يتم إيمانهم ولا يصح إلا به :- 
( وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ) .. بما أنزلت يقصد القرآن  
يا بني إسرائيل يا أهل الكتاب " اليهود و النّصارى في المدينة " آمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم هو يصدّق لما معكم .


- ماهو الذّي معهم ؟ 
التّوراة و الإنجيل ، أي أنّ هذا القرآن هو مصدّق  لما معهم .
إشارةً إلى أنّكم إن لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم ، لأنّ ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم هو الذّي جاء به موسى وعيسى و غيرهما من الأنبياء ، 
فتكذيبكم به تكذيبًا لما معكم .


( وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ) ..
 يعني لا تكونوا أول كافر بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم و بالقرآن هذا لا يليق بكم لأنّكم أنتم أهل كتاب فكيف يليق بكم أن تكونوا أول من يكفر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم و أول من يكذّب القرآن ، 
وهو مصدقًا لما معكم من الكتب . 
وهذا أبلغ قوله سبحانه و تعالى " أول كافرٍ به " أبلغ من قول : ولا تكفروا به .


( .. وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا ...)
-  ماهو الثّمن القليل ؟ هو ما يحصل لهم من مناصب و مأكل و لذّات 
(.. وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ  (41) )
 أي اتقوني أنا الله سبحانه و تعالى ، فإنكم إذا اتّقيتم الله وحده أوجبت لكم تقواه و تقديم الايمان بآياته .


ثمّ يقول الله تعالى :- ( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  (42))


"وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ .." أي لا تخلطوا الحقّ بالباطل
"وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ .."
هنا نهاهم عن شيئين - عن خلط الحقّ بالباطل 
- و كتمان بيان الحقّ
لأنّ المقصود من أهل الكتاب و العلم تميّيز الحقّ من الباطل و إظهار الحقّ للنّاس ليهتدي بذلك المهتدون و يرجعوا بذلك الضّالون و تقوم الحجّة على المعاندين . 


ثمّ يقول تعالى :- ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  (43))


أي ظاهراً و باطناً وآتوا الزّكاة أي أعطوها مستحقيها و اركعوا مع الراكعين أي صلّوا مع المصلّين فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله و آيات الله فقد جمعتم بين الإخلاص للمعبود و الإحسان لعبده و بين العبادات القلبية و البدنية و المالية 


( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) صلّوا مع المصلين وفيه الأمر بالجماعة للصّلاة ووجوبها وفيه أنّ الركوع ركن من أركان الصّلاة لأنّه عبر عن الصّلاة بالرّكوع و خصّ الله سبحانه و تعالى الركوع في الآية يدل ذلك على فضله و عظم شأنه .




ثمّ يقول تعالى ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ  (44)) 
بعد كلّ هذه التوجيهات لبني إسرائيل يوجههم 
ويقول أتأمرون النّاس بالإيمان والخير و تنسون أنفسكم تتركونها عن أمرها بذلك و هذا أمرٌ خطير .
(.. وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ..) 
 تعرفون الكتاب تفهمون الكتاب 

(....أَفَلا تَعْقِلُونَ  )) 
سمّي العقل عقلاً لأنّه يعقل به ما ينفعه من الخير و ينعقل به عمّا يضرّه ولأنّ العقل يحضّ صاحبه على أن يكون أول فاعلٍ لما يأمر به الله سبحانه و تعالى .
وليس في الآية أنّ الإنسان إذا لم يقم بما أُمر به أنّه يترك الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر ..  ..
لأنّه دلّت على التّوبيخ بالنسبة إلى الواجبين . 
 أنّ الإنسان لديه واجبين :-
أمر غيره و نهيه 
وأمر نفسه و نهيها 
فترك أحدهما لا يكون رخصةً في ترك الآخر
فالشّريعة الإسلامية كاملة مكمّلة 
فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين والنّقص الكامل أن يتركهما جميعاً . 



ثمّ يقول تعالى :- ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ  (45))


أمرهم الله تعالى أن يستعينوا في أمورهم كلّها بالصّبر بجميع أنواعه . 
وهو الصّبر على طاعة الله حتّى يؤديها ، 
والصّبر على معصية الله حتّى يتركها ،
 والصّبر على أقدار الله المؤلمة فلا يسخطها ..
فالصّبر و حبس النّفس على ما أمر الله بالصّبر معونةٌ عظيمة على كلّ أمرٍ من الأمور ، ومن يصبّر يصبّره الله . 
لكبيرة شاقّة إلّا على من ؟!
 إلّا على فئةٍ من النّاس منهم ؟ 
هؤلاء الخاشعين .. فإنّها سهلةٌ عليهم ، خفيفة . 
لأنّ الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعله منشرحًا صدره يرتقب الثّواب ، يخشى من العقاب بخلاف مالم يكن كذلك فإنّه لا داعي له يدعوه إليها . 



ثمّ يقول الله سبحانه وتعالى :- ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  (46))


هذا هو اليقين .. يظنّون عندهم الظن اليقين الذي لا شك فيه يستيقنون أنّهم ملاقوا الله و سيجازيهم بأعمالهم و أنّهم إليه راجعون ،
 فهذا الذّي خفّف عليهم العبادات ، و أوجب لهم التّسلّي في المصيبات ،و نفّس عنهم الكربات ، وزجر عنهم فعل السّيئات، فهؤلاء لهم النّعيم المقيم في الغرفات العاليات. 



- وَاتَّقُوا يَوْمًا >  ( احذروا هذا اليوم )
 - لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا >
( أي لا تغني نفس لو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء و الصّالحين عن نفس ولو كانت من العشيرة الأقربين شيئاً لا كبيرةً ولا صغيرة )


 - وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ > 
( لا يقبل منها أي النّفس شفاعةٌ لأحد بدون إذن الله تعالى و رضاه عن المشفوع له ، ولا يرضى عن العمل إلا ما أريد به وجهه جلّ وعلى وكان على السّبيل و السّنة )
 - وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ > ( أي فداء ) وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ 
 يدفع عنهم المكروه فنفي الانتفاع من الخلق بأيّ وجه من الوجوه .


.. لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ..> 
هذا في تحصيل المنافع
...  وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ  >  هذا في دفع المضار 
فهذا النّفي للأمر المستقلّ بالنّفع .

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق