الوجه الثاني والعشرون من سورة الأعراف
يقول الله تعالى:
(وَإِذ قالَت أُمَّةٌ مِنهُم لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا قالوا مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَلَعَلَّهُم يَتَّقونَ)
كما ذكرنا في الوجه السابق أنهم انقسموا إلى ثلاث فرق:
معظمهم اعتدوا وتجرأوا وأعلنوا ذلك
وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم ونهيهم لهم ،
وقالوا لهم: { لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا}
كأنهم يقولون لافائدة في وعظ من اقتحم محارم الله عزوجل ولم يصغي للنصيح ، بل استمر على اعتداءه وطغيانه ، فإنه لابد أن يعاقبهم الله عزوجل إما بهلاك أو عذاب شديد.
بعض الناس يرون أنه لاحاجة للنصح مادام أنهم يعرفون الحكم .
فافترقوا لثلاث فرق:
فقال الواعظون نعظهم وننهاهم
{ مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم} أ
ي لنعذر فيهم أمام الله سبحانه وتعالى
{ مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم} أ
ي لنعذر فيهم أمام الله سبحانه وتعالى
{ مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم}
حتى لو كانوا يعرفون الحكم أو الدليل
حتى لو كانوا يعرفون الحكم أو الدليل
فلابد أن ننصح معذرة إلى ربنا.
{ وَلَعَلَّهُم يَتَّقون }
أي يتركون ماهم فيه من المعصية،
أي يتركون ماهم فيه من المعصية،
إذاً نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر لسببين:
لنعذر فيهم ،{ وَلَعَلَّهُم يَتَّقون }
فلا نيأس من هدايتهم ،فربما نجع فيهم الوعظ وأثر فيهم اللوم،
وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر، ليكون معذرة ،وإقامة حجة على المأمور المنهي ،ولعل الله يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الأمر والنهي.
(فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ أَنجَينَا الَّذينَ يَنهَونَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذنَا الَّذينَ ظَلَموا بِعَذابٍ بَئيسٍ بِما كانوا يَفسُقونَ)
{ فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ}
تركوا ماذكروا به واستمروا على غيّهم واعتداءهم،
تركوا ماذكروا به واستمروا على غيّهم واعتداءهم،
{ أَنجَينَا الَّذينَ يَنهَونَ عَنِ السّوءِ }
أنجينا من العذاب اللذين ينهون عن السوء ،
أنجينا من العذاب اللذين ينهون عن السوء ،
وهكذا سنة الله في عباده أن العقوبة إذا نزلت نجى منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
{ وَأَخَذنَا الَّذينَ ظَلَموا }
وهم اللذين اعتدوا في السبت .
وهم اللذين اعتدوا في السبت .
{ بِعَذابٍ بَئيسٍ }
أي شديد
{ٍبِما كانوا يَفسُقون }
أي شديد
{ٍبِما كانوا يَفسُقون }
أما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين
{ لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم }
{ لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم }
اختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم ،
والظاهر أنهم كانوا من الناجين ، لأن الله خص الهلاك بالظالمين وهو لم يذكر أنهم ظالمون ، فدل على أن العقوبة خاصة بالذين اعتدوا في السبت ، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين،
فاكتفوا بإنكار أولئك لأنهم أنكروا عليهم بقولهم
{ لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا}
{ لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا}
فأبدوا من غضبهم مايقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم وأن الله سيعاقبهم أشد العقوبة.
(فَلَمّا عَتَوا عَن ما نُهوا عَنهُ قُلنا لَهُم كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ)
أي قسوا فلم يلينوا وما اتعظوا ،
أي قسوا فلم يلينوا وما اتعظوا ،
{قُلنا لَهُم}
قولاً قدرياً
قولاً قدرياً
{ كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ }
فانقلبوا بإذن الله قردة وأبعدهم الله من رحمته.
فانقلبوا بإذن الله قردة وأبعدهم الله من رحمته.
ثم ذكر ضرب الذلة والصغار على من بقي منهم فقال:
(وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبعَثَنَّ عَلَيهِم إِلى يَومِ القِيامَةِ مَن يَسومُهُم سوءَ العَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَريعُ العِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رَحيمٌ)
{ وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّك }
أعلم إعلاما صريحا
أعلم إعلاما صريحا
{ لَيَبعَثَنَّ عَلَيهِم }
من يهينهم ويذلهم
من يهينهم ويذلهم
{ إِنَّ رَبَّكَ لَسَريعُ العِقابِ }
لمن عصاه حتى أنه يعجل له العقوبة في الدنيا
لمن عصاه حتى أنه يعجل له العقوبة في الدنيا
{ِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رَحيم }
لمن تاب إليه وأناب ، يغفر له الذنوب ،ويستر عليه العيوب،
لمن تاب إليه وأناب ، يغفر له الذنوب ،ويستر عليه العيوب،
ويرحمه بأن يتقبل منه الطاعات ،ويثيبه عليها بأنواع المثوبات،
وقد فعل الله بهم ماأوعدهم به ،فما زالوا في ذل وإهانة تحت حكم غيرهم ، لا يقوم لهم راية ،ولاينصب لهم علما.
(وَقَطَّعناهُم فِي الأَرضِ أُمَمًا مِنهُمُ الصّالِحونَ وَمِنهُم دونَ ذلِكَ وَبَلَوناهُم بِالحَسَناتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُم يَرجِعونَ)
{ وَقَطَّعناهُم فِي الأَرضِ أُمَمَاً}
أي فرقناهم ومزقناهم في الأرض بعد أن كانوا مجتمعين
أي فرقناهم ومزقناهم في الأرض بعد أن كانوا مجتمعين
{ مِنهُمُ الصّالِحونَ }
منهم الصالحين القائمين بحقوق الله عزوجل وحقوق عباده
منهم الصالحين القائمين بحقوق الله عزوجل وحقوق عباده
{ وَمِنهُم دونَ ذلِك }
أي دون الصلاح إما مقتصدون وإما ظالمون لأنفسهم.
أي دون الصلاح إما مقتصدون وإما ظالمون لأنفسهم.
{ وَبَلَوناهُم }
على عاداتنا وسنتنا
على عاداتنا وسنتنا
{ بِالحَسَناتِ وَالسَّيِّئَاتِ }
أي بالعسر واليسر
أي بالعسر واليسر
{ لَعَلَّهُم يَرجِعون }
عما هم عليه مقيمون من الردى يراجعون ماخلقوا له من الهدى.
عما هم عليه مقيمون من الردى يراجعون ماخلقوا له من الهدى.
(فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ وَرِثُوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذَا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَن لا يَقولوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ وَدَرَسوا ما فيهِ وَالدّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقونَ أَفَلا تَعقِلون)
فلم يزالوا بين صالح وطالح ومقتصد حتى خَلَفَ خلف زاد شرهم ، ورثوا بعدهم الكتاب وصار المرجع فيه إليهم ، وصاروا يتصرفون فيه بأهواءهم ، وتبذل إليهم الأموال فيحكموا بغير الحق وفشت فيهم الرشوة.
{ يَأخُذونَ عَرَضَ هذَا الأَدنى وَيَقولونَ }
وهم مقرين أن هذا ذنب وظلمة،
وهم مقرين أن هذا ذنب وظلمة،
{ سَيُغفَرُ لَنا } غ
وهذا قول خالي من الحقيقة، فإنه ليس استغفار وطلب للمغفرة على الحقيقة ، فلو كان ذلك لندموا على مافعلوا ،وعزموا على ألا يعودوا ، ولكنهم إذا أتاهم عرض آخر وأتت إليهم رشوة أخرى أخذوها، فاشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، واستبدلوا الذي هو أدنى باللذي هو خير.
وهذا قول خالي من الحقيقة، فإنه ليس استغفار وطلب للمغفرة على الحقيقة ، فلو كان ذلك لندموا على مافعلوا ،وعزموا على ألا يعودوا ، ولكنهم إذا أتاهم عرض آخر وأتت إليهم رشوة أخرى أخذوها، فاشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، واستبدلوا الذي هو أدنى باللذي هو خير.
قال الله في الإنكار عليهم وبيان جراءتهم
{أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَن لا يَقولوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ}
{أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَن لا يَقولوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ}
فما بالهم يقولون عليه غير الحق اتباعاً لأهواءهم ،وميلاً مع مطامعهم ، والحال أنهم قد درسوا مافيه، فليس عليهم إشكال بل قد أتوا أمرهم معتمدين ،وكانوا في أمرهم مستبصرين ، وهذا أعظم للذنب ،وأشد لللوم ،وأشنع للعقوبة ،
وهذا من نقص عقولهم ،وسفاهة رأيهم ،بإيثار الحياة الدنيا على الآخرة.
لهذا قال تعالى{ وَالدّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقونَ}
ماحرم الله عليهم من المآكل التي تصاب وتؤكل رشوة على الحكم بغير ماأنزل الله وغير ذلك من المحرمات
{أَفَلا تَعقِلونَ}
أفلا تكون لكم عقول رزينة توازن بين ماينبغي إيثاره وماينبغي الإيثار عليه ، وماهو أولى بالسعي إليه والتقديم له على غيره، فخاصية العقل النظر إلى العواقب ،
أفلا تكون لكم عقول رزينة توازن بين ماينبغي إيثاره وماينبغي الإيثار عليه ، وماهو أولى بالسعي إليه والتقديم له على غيره، فخاصية العقل النظر إلى العواقب ،
وأما من نظر إلى عاجلٍ طفيفٍ منقطع، يفوت نعيماً عظيماً باقياً فأنَّا له العقل والرأي؟
وإنما العقلاء حقيقة من وصفهم الله عزوجل في قوله
(وَالَّذينَ يُمَسِّكونَ بِالكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ المُصلِحينَ)
(وَالَّذينَ يُمَسِّكونَ بِالكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ المُصلِحينَ)
أي يتمسكون به علماً وعملاً ، فيتعلمون مافيه من الأحكام، والأخبار التي علمها أشرف العلوم ،
ويعملون بما فيها من الأوامر التي هي قرة العيون ،وسرور القلوب، وأفراح الأرواح ،وصلاح الدنيا والآخرة .
وإن من أعظم مايجب التمسك به من المأمورات إقامة الصلاة ظاهراً وباطناً،
ولذلك خصّها الله بالذكر، لفضلها ،وشرفها ،وكونها ميزان الإيمان ، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات،
ولما كان عملهم كله إصلاحا قال تعالى :
{إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ المُصلِحينَ}
{إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ المُصلِحينَ}
في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم ،
وهذه الآية دلت على أن الله بعث الرسل عليهم السلام بالصلاح لا بالإفساد، وبالمنافع لا بالمضار ، وأنهم بعثوا بصلاح الدارين فكل من كان أصلح كان أقرب إلى اتباعهم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما واجعل تفرقنا بعده تفرقا معصوما ولاتجعل فينا شقيا ولامحروما
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق