بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعراف الوجه الرابع
( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )(31)
[ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ] :
أي يابني آدم البسوا مايستر عوراتكم وماتتجملون به من
اللباس النظيف الطاهرعند الصلاة والطواف.
[وَكُلُواوَاشْرَبُوا ] :
كذلك كلوا واشربوا ماشئتوا من الطيبات التي أحلها
الله عزوجل .
[وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ] :
ولاتتجاوزوا حد الاعتدال في ذلك ولاتتجاوزوا الحلال الى
الحرام ان الله لايحب المتجاوزين لحدود الاعتدال .
النهي عنى الأسراف في المطعم والمشرب ماروى الْإِمَام أَحْمَد عن
الْمِقْدَام بْن مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " مَا مَلَأَ اِبْن آدَم
وِعَاء شَرًّا مِنْ بَطْنه بحَسْب اِبْن آدَم أَكَلَات يُقِمْنَ صُلْبه
فَإِنْ كَانَ فَاعِلًا لَا مَحَالَة فَثُلُث لِطَعَامِهِ وَثُلُث
لِشَرَابِهِ وَثُلُث لِنَفَسِهِ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح "
[ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ ]
حَدّه فِي حَلَال أَوْ حَرَام الْغَالِينَ
فِيمَا أَحَلَّ بِإِحْلَالِ الْحَرَام أَوْ بِتَحْرِيمِ الْحَلَال
وَلَكِنَّهُ يُحِبّ أَنْ يُحَلِّل مَا أَحَلَّ الله وَيُحَرِّم مَا حَرَّمَ الله
وَذَلِكَ الْعَدْل الَّذِي أَمَرَالله عزوجل بِهِ .
وهَذِهِ الْآيَة
الْكَرِيمَة رَدّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ
مِنْ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ عُرَاة كَمَا رَوَاهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ
وَابْن جَرِير وَاللَّفْظ لَهُ مِنْ حَدِيث شُعْبَة عَنْ سَلَمَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر
عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة الرِّجَال وَالنِّسَاء ,الرِّجَال بِالنَّهَارِ
وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ فقال الله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) .
وكذلك فسره غير واحد من أئمة السلف تفسيرها : أنها نزلت
في طواف البيت طواف المشركين في البيت عراة وَلِهَذِهِ الْآيَة وَمَا
وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ السُّنَّة يُسْتَحَبّ التَّجَمُّل عِنْد الصَّلَاة وَلَا سِيَّمَا يَوْم الْجُمْعَة
وَيَوْم الْعِيد وَالطِّيب لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَة وَالسِّوَاك لِأَنَّهُ مِنْ تَمَام ذَلِكَ
وَمِنْ أَفْضَل اللِّبَاس الْبَيَاض كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَدعَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا
قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اِلْبَسُوا مِنْ ثِيَابكُمْ الْبَيَاض فَإِنَّهَا مِنْ خَيْر ثِيَابكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ
وَإِنَّ خَيْر أَكْحَالكُمْ الْإِثْمِد فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَر وَيُنْبِت الشَّعْر " .
هَذَا حَدِيث جَيِّد الْإِسْنَاد رِجَاله عَلَى شَرْط مُسْلِم
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حديث حَسَن صَحِيح .
ثم قال تعالى :
( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الايه 32
قل ياأيها الرسول ردا على المشركين الذين يحرمون ماأحل الله من اللباس
والطيبات من المأكولات وغيرها :
من الذي حرم عليكم اللباس الذي هو زينة لكم ؟
ومن الذي حرم عليكم الطيبات والمأكولات والمشروبات وغيرها مما رزقكم الله ؟
قل ياأيها الرسول أن تلك الطيبات من المأكولات والمشروبات والملبوسات
وغيرها .. للمؤمنين في الحياة الدنيا وإن شركهم غيرهم فيها في الدنيا فهي
خاصة بهم يوم القيامة لايشركهم فيها كافر لأن الجنة محرمة ع الكافرين .
[كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ]
مثل هذا التفصيل يقول الله عزوجل لأنهم هم الذين ينتفعون بها .
يَقُول الله تَعَالَى رَدًّا عَلَى مَنْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ الْمَآكِل أَوْ الْمَشَارِب قُلْ
لهم يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ مَا
يُحَرِّمُونَ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَة وَابْتِدَاعهمْ في أي مَخْلُوقَة
لِمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ سبحانه جل وعلا .
ثم يقول الله تعالى :
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِالْحَقِ
وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )الاية 33
[ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِالْحَقِ ]
قل ياأيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ماأحل الله إنّ الله أنما
حرم على عباده الفواحش .
والفواحش هي : قبائح الذنوب ظاهرة كانت او باطنة .
وحرم المعاصي كلها والاعتداء ظلما على الناس في دمائهم او
أموالهم او في أعراضهم .
[وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ]
حرم عليكم أن تشركوا مع الله غيره مما ليس لكم حجة فيه .
[ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ]
وحرم عليكم القول عليه بغير علم بأسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه
روى الْإِمَام أَحْمَد قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" لَا أَحَد أَغْيَر مِنْ اللَّه فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَلَا أَحَد أَحَبّ إِلَيْهِ الْمَدْح مِنْ اللَّه " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
ثم يقول الله عزوجل :
( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) (34)
يَقُول تَعَالَى [ وَلِكُلِّ أُمَّة ] أَيْ : قَرْن وَجِيل
[فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ ] أَيْ : مِيقَاتهمْ الْمُقَدَّر لَهُمْ .
ولكل جيل وقرن مدة وميقات محدد لأجالهم فاذا
جاء ميقاتهم المقدر لايتأخرون عنه زمنا وان قل ولايتقدمون عليه .
( يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ
عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (35)
[ يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي ]
أَنْذَرَالله تَعَالَى بَنِي آدَم أَنَّهُ سَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ
رُسُلًا يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاته ويبشرون ويحذرون
[ فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ ] أَيْ : تَرَكَ الْمُحَرَّمَات وَفَعَلَ الطَّاعَات .
[فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ]
ي بني اذ جاءكم رسل مني من أقوامكم يتلون عليكم ما أنزلت عليهم
من كتابي فأطيعوهم واتبعوا ماجاءو به فالذين يتقون الله بامتثال أوامره
واجتناب نواهيه ويصلحون أعمالهم لاخوف عليهم يوم القيامة
ولاهم يحزنون ع مافاتهم من حظوظ الدنيا .
ثم قال تعالى :
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(36)
[ وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا ]
أَيْ : كَذَّبَتْ بِهَا قُلُوبهمْ وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ الْعَمَل بِهَا
[ أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ]
أَيْ :مَاكِثُونَ فِيهَا مُكْثًا مُخَلَّدًا .
فالكافرون الذين كذبوا بآياتنا ولم يؤمنوا بها وترفعوا تكبرا عن
العمل بما جاءتهم به رسلهم فأنهم أصحاب النار الملازمون لها الماكثون
فيها ابدا.
ثم يقول الله :
( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)
[ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ
يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ ]
لاأحد أظلم من الذين يفترون على الله الكذب بنسبة الشريك
إليه او النقص او القول عليه بما لم يقله او كذب بآياته الجليله الهاديه
إلى صراطه المستقيم أولئك المتصفون بذلك ينالهم حظهم المكتوب لهم في
اللوح المحفوظ من ملذات دنيا ,
[ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ
قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ]
أي : حتى اذا جاءهم ملك الموت وأعوانه من
الملائكة لقبض أرواحهم قالوا لهم توبيخا لهم : أين الآلهه التي كنتم
تعبدونها من دون الله أدعوها لتنفعكم ؟ قال المشركون للملائكة لقد ذهبت عنا
الآلهه التي كنا نعبد وغابت فلاندري أين هي.
[وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ]
أقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين و لكن أقرارهم في ذلك الحين
حجة عليهم ولن تنفعهم .
المؤمن مأمور بتعظيم شعائر الله من خلال ستر العورة والتجمل في أثناء
صلاته وخاصة عند التوجه للمسجد .
و من تمام عناية الله عزوجل لخلقه أن أباح لهم الطيبات لتكون لهم عونا على الطاعة كما حرم عليهم الخبائث لما لها من آثار سيئة في الدنيا والأخرة .
وذلك دليل على أن المؤمنين يوم القيامة لايخافون ولايحزنون
ولايلحقهم رعب ولافزع ولاخوف واذا لحقهم فمآلهم الأمن .
و أظلم الناس من عطل مراد الله تعالى من جهتين جهة ابطال مايدل ع مراده
وجهة إيهام الناس أن الله أراد منهم مالم يرده سبحاه جل وعلا .
سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب اليك .
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق