الأحد، نوفمبر 27، 2016

سورة الأعراف من آيه 44 إلى آية 51




سورة الأعراف الوجه السادس

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى:
(وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )


لماذكر استقرار كل من الفريقين في الدارين ، ووجدوا ماأخبرت به الرسل ونطقت به الكتب من الثواب والعقاب أنّ أهل الجنه نادوا أصحاب النار قالوا:

[ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا ]
حين وعدنا على الإيمان والعمل الصالح بالجنه فأدخلناها وأرانا ماوصفه لنا .


[فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ ]
فهل وجدتم ماوعد ربّكم حقا ، على الكفر والمعاصي حقا قالوا :نعم
قد وجدناه حقا .
فتبين للخلق كلهم بيانا لا شك فيه صدق وعد الله عز وجل ،ومن أصدق من الله قيلا ،
ذهبت عنهم الشكوك والشبه وصاراﻷمر حق اليقين، وفرح المؤمنون بوعد الله واغتبطوا وأيس الكفار من كل خير ،وأقروا على أنفسهم بأنّهم مستحقون للعذاب .

[فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ ]
أي: بين أهل النار وأهل الجنه بأن قال 
[أن لَّعْنَةُ اللَّهِ] أي : بعده وإقصاءه عن كل خير عن الظالمين .



( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ) (45)


إذ فتح الله لهم أبواب رحمته فصدفوا أنفسهم عنها ظلما وصدواعن سبيل الله بأنفسهم وصدوا غيرهم فضّلوا وأضلوا،
والله تعالى يريد أن تكون مستقيمه ويعتدل سير السالكين إليه ،
وهؤلاء يريدونها عوجا منحرفين صادّه عن سواء السبيل وهم في الاخرة كافرون .


وهذا الذي أوجب لهم الانحراف عن الصراط والإقبال على الشهوات النفوس المحرمه عن عدم إيمانهم بالبعث وعدم خوفهم من العقاب ورجائهم لثواب ،
ومفهوم هذا النداء أنّ رحمة الله على المؤمنين وبرّه شاملا لهم وإحسانه متواتر عليهم.




قال تعالى:
(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)

 [وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ]
أي: بين أصحاب الجنه والنار حجاب يقال له الاعراف لا من الجنة ولا من النار ، يشرف على الدارين وينظر من عليه حال الفريقين .


[وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ] : وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كل من أهل الجنه والنار بسيماهم (أي علاماتهم ) يعرفون ويميزون.


[وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ] 
فإذا نظروا لأهل الجنه نادوهم سلام عليكم أي يحيوهم ويسلموا عليهم .


[ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ]
وهم إلى الأن لم يدخلوا ولكن يطمعون في دخولها ،
ولم يجعل الله الطمع في قلوبهم إلا لما يريد بهم من كرامته .



ثم يقول تعالى:

(وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )

أي : إذا رأوا منظرا شنيعا قالوا : لا تجعلنا مع القوم الظالمين ،
واذا رأوا اهل الجنه يطمعون في دخولها ويحيونهم ويسلمون عليهم ، واذا انصرفت أعينهم بغير إختيارهم نحو أهل النار بدون إرادتهم استجاروا الله من عذابها ،
وهذا على نحو العموم .


ثمّ ذكر الخصوص فقال عز وجل :


( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ) (48) 


[وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ]
نادوا اصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم وهم من أهل النار، وهم قد كانوا في الدنيا لهم شرف وأموال وأولاد .


فقال لهم اصحاب الاعراف لما راؤهم منفردين بالعذاب بلا ناصر ولا مغيث :

[قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ] 
أي: ما أغنى عنكم جمعكم في الدنيا الذي تستدفعون به المكاره وتتوسلون به 
إلى مطالبكم في الدنيا  ، 
فاليوم اضمحل وما أغنى عنكم شيئا ، فأي شئ نفعكم من استكباركم عن الحق وعلى من جاء به وعلى من اتبعه .



( أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ
 وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) (49) 

ثم أشار لكم عن أناس من أهل الجنه ، كانوا في الدنيا فقراء ضعفاء يستهزء بهم أهل النار

[ أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ]

احتقار لهم وازدراء وإعجاب بأنفسكم ،
وبدا لكم من الله مالم يكن لكم في الحسبان .


[ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بما كُنْتم تعملون] 
أي : قيل لهؤلاء الضعفاء المساكين إكراما واحتراما ادخلوا الجنه بأعمالكم الصالحه لا خوف عليكم فيما يستقبل من المكاره .


[وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ] أي : ولا أنتم تحزنون فيما مضى  ، بل أنتم آمنون مطمئنون 
فرحين بكل خير.


(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ )
 [ سورة المطففين آية 29 إلى آية 33 ]


واختلف أهل العلم والمفسرون من هم أصحاب الأعراف وماهي أعمالهم
والصحيح في ذلك:
أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلا رجحت سيئاتهم فدخلوا النار ولا رجحت حسناتهم فدخلوا الجنه ، فصاروا في الأعراف ماشاء أن صاروا ،
 وأنّ الله تعالى يدخلهم برحمته الجنّه فإنّ رحمته تسبق عذابه وتغلب غضبه ورحمته وسعت كل شئ .




(وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) (50) 


ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ الموجع يستغيثون بهم فيقولون : أفيضوا وأعطونا من الماء أو مما رزقكم الله من الطعام فأجابهم أهل الجنه بقولهم: إنّ الله حرمهما على الكافرين .



(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )(51)


[ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا] : وذلك جزاء لهم على كفرهم بآيات الله ، 
واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن يستقيموا عليه ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه.


[ لَهْوًا وَلَعِبًا ] أي : لهت قلوبهم وأعرضت عنه ، ولعبوا واتخذوه سخريا أو أنهم جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب واستعاضوا بذلك عن الدين القيم .


[ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ] بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها فأطمأنوا إليها ورضوا بها وفرحوا وأعرضوا عن الاخره ونسوها .


[ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا ] أي :نتركهم في العذاب كما نسوا هذا اليوم 
يوم البعث والجزاء ، وما اكثرهم الأن من فتياتنا وشبابنا ممن نسوا هذا اليوم العظيم،
يوم الجزاء والحساب ، فينبغي على المربين أن يذكروا الناس باليوم الاخر.
فالرسول عليه الصلاة والسلام يربط كثيرا باليوم الاخريقول :
(من يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه).


[وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ]
أي : جحودهم ليس قصور في الآيات ، ولم يكونوا يعرفوا هذه الايات أو
أنها لم تكن بينه لهم ولم تكن واضحه  ، بل هي واضحة جليه وبينه.




نسأل الله السلامة والعافيه ونسئله ان يعفوا عنا
اللهم امنّا يوم الفزع الأكبر ، اللهم اجعلنا من الأمنين 
اللهم اجعلنا ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ،
اللهم اجعلنا ممن امنتهم يوم الفزع الاكبر.
سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك
والحمد لله والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق