الوجه العاشر من سورة الأعراف
يقول الله تعالى:
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)
{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ}
في الأرض تتمتعون بها وتدركون مطالبكم ،
{مِنْ بَعْدِ عَادٍ}
الذين أهلكهم اللّه، وجعلكم خلفاء من بعدهم،
{وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ}
أي: مكن لكم فيها، وسهّل لكم الأسباب الموصلة إلى ما تريدون وتبتغون ،
{تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا}
أي: من الأراضي السهلة التي ليست بجبال، تتخذون فيها
القصور العالية والأبنية الحصينة،
{ وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا }
كما هو مشاهد إلى الآن من أعمالهم التي في الجبال، من المساكن والحجر ونحوها، وهي باقية ما بقيت الجبال،
{فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ}
أي: نعمه، وما خولكم من الفضل والرزق والقوة،
{وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
أي: لا تخربوا الأرض بالفساد والمعاصي، فإن المعاصي تدع
الديار العامرة بلاقع، وقد أخلت ديارهم منهم، وأبقت مساكنهم
موحشة بعدهم.
الديار العامرة تدمرها المعاصي.
(قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ)
{ قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ }
أي: الروؤساء والأشراف الذين تكبروا عن الحق،
نسأل الله السلامة والعافية.
{ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا }
ولما كان المستضعفون ليسوا كلهم مؤمنين،
قالوا {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ}
أي: أهو صادق أم كاذب؟.
فقال المستضعفون المؤمنون: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}
من توحيد اللّه والخبر عنه وأمره ونهيه.
(قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)
حملهم الكبر أن لا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء.
ياإخوتي الكبر مرض خطير، وتضخيم النفس فوق مستواها هو
كبر، والترفع عن الناس ليس الترفع عن الدنايا وإنما الترفع عن الخلق وتسفيه الخلق والتقليل من شأنهم هذا كله كبر ومرض في القلب .
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ}
التي توعدهم إن مسوها بسوء أن يصيبهم عذاب أليم،
{وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ}
أي: قسوا عنه، واستكبروا عن أمره الذي من عتا عنه أذاقه
العذاب الشديد.
لا جرم أحل اللّه بهم من النكال ما لم يحل بغيرهم
{وَقَالُوا}
مع هذه الأفعال متجرئين على اللّه، معجزين له، غير مبالين بما
فعلوا، بل مفتخرين بها: {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا}
- إن كنت من الصادقين - من العذاب
فقال: [تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌغَيْرُ مَكْذُوبٍ] .
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )
على ركبهم، قد أبادهم اللّه، وقطع دابرهم.
لاإله إلا أنت سبحانك إنَّا كنا من الظالمين.
اللهم اقطع دابر الظالمين
اللهم من أراد الإسلام بسوءٍ فأشغله في نفسه ،واهد ضال
المسلمين، وردهم إليك رداً جميلاً.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ}
صالح عليه السلام حين أحل اللّه بهم العذاب،
{ وَقَالَ }
مخاطبا لهم توبيخا وعتابا بعدما أهلكهم اللّه:
{يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ}
أي: جميع ما أرسلني اللّه به إليكم، قد أبلغتكم به وحرصت على
هدايتكم، واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيموالدين القويم.
{وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}
بل رددتم قول النصحاء، وأطعتم كل شيطان رجيم.
واعلم أن كثيرا من المفسرين يذكرون في هذه القصة أن الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء اقترحوها على صالح وأنها
تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وأن لها
فصيلا حين عقروها رغى ثلاث رغيات وانفلق له الجبل ودخل
فيه وأن صالحا عليه السلام قال لهم: آية نزول العذاب بكم،
أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني: محمرة، والثالث: مسودة، فكانكما قال.
وكل هذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب اللّه، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه، بل لو كانت صحيحة لذكرها اللّه تعالى، لأن فيها من العجائب والعبر
والآيات ما لا يهملهتعالى ويدع ذكره، حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله، بل القرآن يكذب بعض هذه المذكورات،
فإن صالحا قال لهم: [تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ]
أي: تنعموا وتلذذوا بهذا الوقت القصير جدا، فإنه ليس لكم من
المتاع واللذة سوى هذا، وأي لذة وتمتع لمن وعدهم نبيهم وقوع
العذاب، وذكر لهم وقوع مقدماته، فوقعت يوما فيوما، على وجه يعمهم ويشملهم
[ احمرار وجوههم، واصفرارها واسودادها من العذاب ] .
هل هذا إلا مناقض للقرآن، ومضاد له؟. فالقرآن فيه الكفاية
والهداية عن ما سواه.
نعم لو صح شيء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما
لا يناقض كتاب اللّه، فعلى الرأس والعين، وهو مما أمر القرآن
باتباعه
[وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ]
وقد تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاباللّه بالأخبار الإسرائيلية، ولو
على تجويز الرواية عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن
معاني كتاب اللّه يقينية، وتلك أمور لا تصدق ولا تكذب،
فلا يمكن اتفاقهما.
(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) إلى آخر القصة .
أي: {وَ}
اذكر عبدنا { لُوطًا }
عليه الصلاة والسلام، إذ أرسلناه إلى قومه يأمرهم بعبادة اللّه وحده، وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين،
فقال: { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ }
أي: الخصلة التي بلغت - في العظم والشناعة - إلى أن استغرقت أنواع الفحش،
{ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ }
لم يات بها أحد غيركم فكونها فاحشة من أشنع الأشياء، وكونهم ابتدعوها وابتكروها،
وسنوها لمن بعدهم، من أشنع ما يكون
(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)
ثم بينها بقوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ}
أي: كيف تذرون النساء اللاتي خلقهن اللّه لكم، وفيهن المستمتع
الموافق للشهوة والفطرة، وتقبلون على أدبار الرجال، التي هي
غاية ما يكون فيالشناعة والخبث، ومحل تخرج منه الأنتان
والأخباث، التي يستحيي من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها،
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}
أي: متجاوزون لما حده اللّه متجرئون على محارمه.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل معنا شقياً ولا محروماً
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق