الثلاثاء، يناير 17، 2017

تفريغ سورة الأعراف من آية 88 إلى آية 95







 الوجه الثاني عشر من سورة الأعراف


قال تعالى :  

(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ )


{ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ْ} 

وهم الأشراف والكبراء منهم الذين اتبعوا أهواءهم ولهوا بلذاتهم، فلما أتاهم الحق ورأوه غير موافق لأهوائهم الرديئة، ردوه واستكبروا عنه، فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين

 { لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ْ}


 استعملوا قوتهم السبعية في مقابلة الحق، ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا، وإنما راعوا واتبعوا آهواءهم وعقولهم السفيهة التي دلتهم على هذا القول الفاسد،


 فقالوا: إما أن ترجع أنت ومن معك إلى ديننا أو لنخرجنكم من قريتنا.


ف{ شعيب ْ} عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في إيمانهم، والآن لم يسلم من شرهم، حتى توعدوه إن لم يتابعهم - بالجلاء عن وطنه، الذي هو ومن معه أحق به منهم.

فـ { قَالَ ْ}
 لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم:

 { أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ْ}

 أي: أنتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها، فإنما يدعى إليها من له نوع رغبة فيها، أما من يعلن بالنهي عنها، والتشنيع على من اتبعها فكيف يدعى إليها ؟كيف يؤمن بها 


( قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ )


{ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} انظروا الى الأسلوب ، انظروا الى الموقف الثابت ، صاحب المبدأ الذي يعرف انه على الحق ومتمسك به بأقوى ماعنده 

اسلوب قوي ليس فيه رعونه وضعف وليونه

(يايحيى خذ الكتاب بقوة )
لابد أن تكون نظرتك لدينك بهذه القوة التي نظر إليها صالح 

{ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا}

 أي: اشهدوا علينا أننا إن عدنا إليها بعد ما نجانا اللّه منها وأنقذنا من شرها، أننا كاذبون مفترون على اللّه الكذب، فإننا نعلم أنه لا أعظم افتراء ممن جعل للّه شريكا، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يتخذ ولدا ولا صاحبة، ولا شريكا في الملك.


{ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا ْ} 
أي: يمتنع على مثلنا أن نعود فيها، فإن هذا من المحال، فجعلهم ييأسون عليه الصلاة والسلام من كونه يوافقهم من وجوه متعددة،

 من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذبا، وأشهدهم أنه إن اتبعهم ومن معه فإنهم كاذبون.


ومنها: اعترافهم بمنة اللّه عليهم إذ أنقذهم اللّه منها
لم ينسب الهدايه لنفسه بل نسبها الى الله سبحانه وتعالى


ومنها : أن عودهم فيها - بعد ما هداهم اللّه - من المحالات، بالنظر إلى حالتهم الراهنة، وما في قلوبهم من تعظيم اللّه تعالى والاعتراف له بالعبودية، وأنه الإله وحده الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، وأن آلهة المشركين أبطل الباطل، وأمحل المحال.

وحيث إن اللّه منَّ عليهم بعقول يعرفون بها الحق والباطل، والهدى والضلال.



وأما من حيث النظر إلى مشيئة اللّه وإرادته النافذة في خلقه، التي لا خروج لأحد عنها ، ولو تواترت الأسباب وتوافقت القوى، فإنهم لا يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون شيئا أو يتركونه،

 { وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ْ} 

أي: فلا يمكننا ولا غيرنا، الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته،

 وقد { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ْ} 

فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه.
  معرفته لله عز وجل جعلته يسير هذا الطريق الصحيح تريد القوه في دينك اعرف من هو خالقك اعرف اسماء الله وصفاته اعرف من هو العزيز الحكيم العليم الرحيم الغفور الودود ذو العرش المجيد سبحانه جل وعلا.

 { عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ْ}

 أي: اعتمدنا أنه سيثبتنا على الصراط المستقيم، وأن يعصمنا من جميع طرق الجحيم، فإن من توكل على اللّه، كفاه، ويسر له أمر دينه ودنياه.


{ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ْ}
 أي: انصر المظلوم، وصاحب الحق، على الظالم المعاند للحق
 { وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ْ}


(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ )

 هذا الدعاء جميل عندما تريد نصح احد وتوجيهه وانت تعلم ان هذا الشخص يصعب توجيهه 
هذا الدعاء دعاء الأنبياء ،

 وفتحه تعالى لعباده نوعان :


الأول: فتح العلم، بتبيين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ومن هو من المستقيمين على الصراط، ممن هو منحرف عنه.



والنوع الثاني : فتحه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين، والنجاة والإكرام للصالحين ، فسألوا اللّه أن يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل، وأن يريهم من آياته وعبره ما يكون فاصلا بين الفريقين.


 ( وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ )

{ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ْ}
 محذرين عن اتباع شعيب، 

{ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ْ}

هذا ما سولت لهم أنفسهم أن الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى، ولم يدروا أن الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والإضلال، وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال.


( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )

{ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ْ}
 أي: الزلزلة الشديدة 

{ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ْ}

 أي: صرعى ميتين هامدين.


قال تعالى ناعيا حالهم : 
(الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ )

{ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ْ}

 أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيّئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، حين فاجأهم  العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات 

ولهذا قال: { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ْ}

 أي: الخساره محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين،
لمن قال لهم :

 { لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ْ}


( لايوجد اعظم خساره في الدنيا اعظم من خسارة الدين حتى لو كسبت منها الأموال )



فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) 



فحين هلكوا تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام


 { وَقَالَ ْ}
 معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم: 

{ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي ْ} 


أي: أوصلتها إليكم، وبينتها حتى بلغت منكم أقصى ما يمكن أن تصل إليه، وخالطت أفئدتكم 


{ وَنَصَحْتُ لَكُمْ ْ}

 فلم تقبلوا نصحي، ولا انقدتم لإرشادي، بل فسقتم وطغيتم.


{ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ْ}
 أي: فكيف أحزن على قوم لا خير فيهم، أتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق بهم إلا الشر، فهؤلاء غير حقيقيين أن يحزن عليهم، بل يفرح بإهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة، 
وأي: شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق لهم؟


ثم يقول تعالى :
{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ْ}


{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ ْ} 
يدعوهم إلى عبادة اللّه، وينهاهم عن ما هم فيه من الشر، فلم ينقادوا له : إلا ابتلاهم الله

 { بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ْ}

 أي: بالفقر والمرض وأنواع البلايا 

{ لَعَلَّهُمْ ْ} 

إذا أصابتهم، أخضعت نفوسهم فتضرعوا إلى الله واستكانوا للحق.

{ ثُمَّ ْ}
 إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم.

{ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ْ}
 فَأدَرَّ عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلاء

 { حَتَّى عَفَوْا ْ}

أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة اللّه وفضله، ونسوا ما مر عليهم من البلاء.

 { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ْ} 

أي: هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الأولين واللاحقين، تارة يكونون في سراء وتارة في ضراء، وتارة في فرح، ومرة في ترح، على حسب تقلبات الزمان وتداول الأيام، وحسبوا أنها ليست للموعظة والتذكير، ولا للاستدراج والنكير حتى إذا اغتبطوا، وفرحوا بما أوتوا، وكانت الدنيا أسر ما كانت إليهم، أخذناهم بالعذاب 

{ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ْ} 

أي: لا يخطر لهم الهلاك على بال، وظنوا أنهم قادرون على ما آتاهم اللّه، وأنهم غير زائلين ولا منتقلين عنه


وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق