الثلاثاء، سبتمبر 15، 2015

تفريغ سورة البقرة من آيه 17 إلى آيه 24




بسم الله الرحمن الرحيم


الوجه الثالث من سورة البقرة 


 يتحدّث و يكمّل صفات المنافقين و يضرب لنا أمثلة توضيحية لصفات المنافقين و الله عزّ وجل حين يضرب للمعقولات أمثال المحسوسات ذلك لأنّ المحسوسات أقرب فهما من الشّيء المعقول و لذلك ضرب الله لنا الأمثال حتّى ندركها جيدا 


يقول تعالى :
 ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17)) 
هذا يسمى المثل النّاري في وصف المنافقين و لأنّ المنافقين فتنة للبشر و مرض في الأمّة لذلك أطال الله في توضيح هؤلاء الذّين هم أهل القلق و حياتهم دائماً في قلق و حيرة و اضطراب .

_

- أي استوقدوا نور الإيمان من المؤمنين و كلمة ( استوقد ) دليل على أنّ هؤلاء هم من آمنوا ثمّ كفروا عكس المثال الثّاني الذّين يخادعون من البداية أمّا هؤلاء فلا .


- استوقد معناها أنّه كان عنده أصل الإيمان ،
استوقدوا نور الإيمان من المؤمنين فحقنوا دمائهم وآمنوا على أنفسهم في الدّنيا فبينما هم ذلك إذ هجم عليهم الموت فسلبهم ذلك الانتفاع .


  ( فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ )
- أي استقرّوا واستقرّت حالهم اطمأنوا ، ذهب الله سبحانه وتعالى بنورهم 
( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ )
 وهذا غالبًا يوم القيامة عند الموت ينكشف حالهم فيعرفون أنّهم  كانوا ليسوا على الطّريق الصّحيح


يقول الله تعالى ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18) 
-  صمّ : لايسمعون كلام الله تعالى ،
 - بكم : لايقولون الحقّ ، 
 - عمي : لايرون الحقّ فهم لا يرجعون.


المثل المائي :
 يقول تعالى ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19))

 وهذا المثل يبين حيرتهم و قلقهم و ينطبق هذا على منافقين لم يؤمنوا أصلاً ، بخلاف المثل الأول بل كانوا كافرين من قبل لكن أظهروا الإسلام خوفًا من النّبي صلّى الله عليه و سلّم بعد أن أعزّه الله في بدر ( كاليهود والخزرج و الأوس ) 

فمثل المنافقين مع القرآن الذّي أنزله الله لا ريب فيه كحال أناس أصابهم المطر الغزير المصحوب بالمخاوف من ظلمات المطر و الليل و السّحاب و الرّعد القاصف و البرق الخاطف ،
و في هذا الجو القاتم تلمّسوا سبيل النّجاة و عقدوا الأمل على ما لاح في الأفق من نور ثمّ ما لبثوا أن وقعوا في الظّلام ، و هذا حال المنافقين إذا سمعوا القرآن و أوامره و نواهيه و وعده ،
 روعهم وعيده لأنّهم قوم يخافون و أزعجهم وعده فهم بهذا لايؤمنون.


( يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ) 
إعراضًا وخوفًا أن ينزّل القرآن فيفضحهم ويكشف خبث سريرتهم


( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ ) 
إذا ذهب النّور قاموا ،
( وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
أي السّمع و البصر الحسّي لو شاء الله عزّ وجل لنزعه منهم و هم أحياء لا زالوا في الدّنيا
 و بعد ذلك ختمها الله تعالى بقوله أنّه قادر على فعل كلّ شيء ،

ثمّ دعانا إلى الوحدانية إلى توحيد الله سبحانه و تعالى بالعبادة ، ووجوب إفراد الله تعالى بالعبادة و الأدلة على وحدانيته قال 
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) )
و بعد أن عدّد الله تعالى في مقدمة السّورة فرق المكلفين من المؤمنين و الكفار  و المنافقين و ذكر صفاتهم و أحوالهم و ما اختصت به كلّ فرقة ،
أقبل عليهم بالخطاب داعيًا إيّاهم إلى عبادته

( يا أيّها الناس )  يقصدهم كلّهم  لم يحدّد فئة بل جمعهم بقوله النّاس ،
فأقبل عليهم بالخطاب داعيًا إيّاهم لعبادته و توحيده مقيمًا عليهم الحجّة بالآيات ، فالآن الله يعدّد عليهم الآيات الكونية و الآياتّ الشرعية .
و بدأ يدلّل على ربوبيته و على فضله و إحسانه و كيف أن مدّ الإنسان بكلّ الأسباب التّي يحتاج إليها في حياته و معيشته ،
بسط الأرض حتّى مستقر عليها وحتّى ننتفع بالأبنية و الزّراعة و جعل السّماء سقفًا لنا و أودع فيها من المنافع ما هو من ضرورياتكم و حاجياتكم كالشّمس و القمر و النّجوم
 و أنزل من السّحاب المطر الذّي منه شرابكم و غذاؤكم ، فكيف جعلتم له شريكًا ؟

( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَ
خْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )
 أنتم تعلمون أنّه لا نظير له في الخلق و الرّزق و التّدبير و الملك 
و من كان هذا فعله فلا عجب أن يفرض بالعبادة و أن يكون له الكمال المطلق بالألوهية و الرّبوبية 

و لما قرّر الله سبحانه و تعالى الأصل الأول من أصول الدّين و هو توحيد القصد الذّي هو عبادة الله وحده بدأ الآن بالأصل الثّاني ،
 يقرّر الأصل الثّاني في الدّين و هو نبوة محمّد صلّى الله عليه و سلّم و وجوب اتّباع ما جاء به 

( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
 و في هذا إشارة إلى كلمتي التّوحيد و هما :  شهادة أن لا إله إلا الله و أنّ محمّدًا رسول الله ،
فالله سبحانه و تعالى يطلب منهم أن يأتوا بآية فقط تماثل القرآن في البيان و البلاغة و روعة التّشريع و الأحكام الصّالحة لكلّ زمان و مكان ،
و يظلّ العجز دائمًا في المستقبل فلن تقدروا أبدًا على الإتيان بمثله مع شدّة حرصكم على معارضته ، فارجعوا إلى الحقّ وآمنوا بالقرآن وصدّقوا برسالة النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم


 ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ )


لماذا قال الله سبحانه وتعالى (يا أيّها النّاس ) ولم يقل المؤمنين ؟

 - فأمّا المؤمنين فالمراد بعبادتهم ازديادهم منها وإقبالهم عليها وثباتهم فيها  ،
- وأمّا عبادة الكفار فمشروط فيهما لا بدّ له منه وهو الإقرار بالشّهادتين وما لا بدّ للفعل منه 
فهو مندرج تحت الأمر به وإن لم يذكر هذا 


والحمد لله ربّ العالمين  ونصلّي ونسلّم على أفضل المرسلين
نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق