الثلاثاء، سبتمبر 15، 2015

تفريغ سورة البقرة من آيه 6 إلى آيه 16

 
بسم الله الرحمن الرحيم 
الوجه الثّاني من سورة البقرة 



يقول الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)) 



هذه الآيتين وصف للكافرين ، وصفهم الله عز وجل فقط في آيتين، 
اتّصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفًا لهم لازمًا ،
لايردعهم عنه رادع ولا ينفع فيهم واعظ مستمرين في كفرهم . 

يقول ابن سعدي : 
وكأنّ في هذا قطعًا لطمع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في إيمانهم. 
 وأنّك لا تأسَ عليهم ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات .


- ثمّ بدأ الله عزّ وجل يذكر الموانع ، و لماذا الله عزّ وجل ختم على قلوبهم :

الموانع التّي منعتهم من الإيمان :
 - ختم الله على قلوبهم هذا أول أمر وعلى سمعهم طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان ، ولا ينفذ فيها .


فلا يعون ما ينفعهم ، ولا يسمعون ما يفيدهم 
ثمّ قال الله تعالى بعدها ( وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَة ) 
غشاء غطاء أكنّة تمنعهم من النّظر الذّي ينفعهم ،
وهذه كما نعرف هي طرق العلم ، وهي : السّمع و البصر 
و الفؤاد 
تمنعهم من النّظر الذّي ينفعهم وهذه طرق العلم والخير قد سدّت عليهم ،
فلا يوجد أيّ منفذ :
لا للبصر منفذ ولا للقلب منفذ ولا للسّمع منفذ ،
فلا نطمع فيهم ولا خير يرجى من عندهم .

فما السّبب الذّي منعوا بذلك من أجله ؟
 سدّت عنهم أبواب الإيمان ، بسبب كفرهم ، وجحودهم ومعاندتهم، بعدما تبيّن لهم الحقّ .
 اتّضح لهم الحقّ ، مع ذلك كفروا به .


( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ  ) 

وهذا عقابٌ عاجل في الدّنيا ثمّ ذكر الله عزّ وجل .
 ( ولهم عذاب عظيم )  يعني عذاب النّار وسخط الجبار المستمر في الدّنيا وفي الآخرة .
أول عذاب لهم لما جحدوا الحقّ وكفروا بالحقّ .

إنّ الله عزّ وجل ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فهذا عقاب .
- البعض يتساءل فيقول " كيف الله سبحانه وتعالى يأمر الكافرين وبعدها يطبع الله عليهم ؟ 

ولكنّ الحقيقة لمّا أمرهم وكفروا بالله سبحانه وتعالى طبع بعد ذلك على قلبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم .
 فلم يطبعها من البداية وإنّما فطرهم على الفطرة ، جعل قلوبهم على الفطرة ، فكلّ بني آدم على فطرة .
 إلا أنّ قلوبهم لمّا كفرت بالله تعالى عاقبهم الله تعالى بأن طبع على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة
 لما انتهى من صفات الكافرين وكانت لم تأخذ سوى آيتين . 

بدأ بصفات الكافر : 
بدأ الله سبحانه وتعالى في صفات المنافقين وأطال الله سبحانه وتعالى فيها
فجعلها ثلاثة عشر آية
 السّبب .. ! 


دائمًا الشّيء الواضح مايحتاج وصف كثير .
لكن مشكلة المنافقين أنّهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .
 مشكلتهم لبّسوا على أنفسهم لبّسوا على النّاس ،
حتّى أنّ الله سبحانه وتعالى كان من الطبيعي أن يوضح أكثر للمسلمين
ووصلت تقريبًا التّوضيحات أو الآيات التّي وضّحت بها صفات المنافقين تقريبًا ثلاثة عشر آية في سورة البقرة .

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9))


أنّى لهم يخدعون الله سبحانه وتعالى وهو الذّي خلق النّفوس وهو أعلم بها . 


( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) )


يقول ابن سعدي :  واعلم أنّ النّفاق هو إظهار الخير وابطان الشّرّ ،
ويدخل في هذا التّعريف النّفاق الاعتقادي والنّفاق العملي . 
فماهو الفرق بين الاعتقادي والعملي ؟
النّفاق العملي كما ذكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم  
( آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ) وفي رواية وإذا خاصم فجر .


-  أما النّفاق الاعتقادي والذّي يتحدّث عنه في سورة البقرة المخرج عن دائرة الإسلام .


هذا لم يظهر إلا بعد غزوة بدر ، بعد أن نشط الإسلام وقوي الإسلام .
بعد وقعة بدر لما أظهر الله عزّ وجل المسلمين وأعزّهم وذلّ من في المدينة ممّن لم يسلم فأظهر بعضهم الإسلام خوفًا ومخادعةً
وحتّى تحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فكانوا بين أظهر المسلمين في الظّاهر أنّهم منهم وفي الحقيقة أنّهم ليسوا منهم .
ومن لطف الله سبحانه وتعالى أن جلّى أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميّزون بها حتّى لا ينخدعون بهم المؤمنون 
 ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَـزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ  ) .

ومن ثمّ يقول الله سبحانه وتعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا ) يقصد المنافقين .
تكلّمنا سابقًا عن عالم الغيب أول آية بالوصف أنّهم يؤمنون بالغيب المؤمنين ، يؤمنون بالغيب ، ماهو الغيب ؟ 
الغيب يبدأ من البرزخ ،  من الموت يبدأ من الصّراط ، الحساب الجنّة ، النّار ، كلّ هذا هو عالم الغيب

فيقول الله سبحانه وتعالى عنهم  ( يؤمنون بالله وباليوم الآخر ) طبعًا اليوم الآخر ما يؤمن به إلا المؤمنون الخلّص .
هم الذّين يؤمنون بالغيب ، لذلك الله عزّ وجل يستهزىء بهم يقول :
 ( فإنّهم يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم ) وماهم بمؤمنين حقيقة باليوم الآخر .
الإيمان باليوم الآخر يتطلّب أمور كثيرة . 

ثمّ يقول الله تعالى بعدها ( يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) )  
فعقوبة المعصية دائمًا المعصية بعدها ، فعندما يذنب الإنسان ولايحاسب نفسه يقوم بفعل ذنب آخر ،
 لذلك الله عزّ وجل قال في قلوبهم مرض ، ففي الأصل في قلوبهم مرض ،
ولكنّهم لم يقومو بمعالجة هذا المرض فزادهم الله سبحانه وتعالى مرضًا ،
لم يزيدهم هكذا ، لم يزيدهم ظلمًا من الله سبحانه وتعالى بل الله سبحانه وتعالى عادل . 

لكنّهم لأنّهم لم يسعوا إلى تطهير قلوبهم ، لم يسعوا إلى تنظيف قلوبهم ، زادهم الله عزّ وجل مرضًا ،
 لذلك دائمًا المعصية تجرّ معصية ، دائمًا الذنب يجرّ ذنب ، وإذا تجمّعت الذّنوب أهلكت صاحبها ، وفي بعض الأحيان قد تكون 
ذنوب صغيرة و لا نشعر بها ، لكن كلّ شي في كتاب ،
كلّ شيء محسوب في كتاب عند الله سبحانه وتعالى .


والمرض الذّي بالمنافقين هو مرض الشّك والشّبهات والنّفاق وهذا من أعظم الأمراض . 
لأنّ هنالك مرض الشّهوات وهنالك مرض الشّبهات .
 الشّهوات قد تزول وهي ليست سهلة ولكنّها أقلّ من الشّبهات . 
ومرض الشّبهات هو دائمًا مرض المنافقين .
 لذلك دائمًا الإنسان يسعى إلى تطهير قلبه من النّفاق ،
فالنّفاق ليس لفئةٍ بعيدة من النّاس . 
بل قد يدخل إلى قلوبنا ونحن لا نشعر .
وقد فصلت صفات المنافقين في سورة التّوبة وبإذن الله عزّ وجل سنمرّ عليها .


( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) ) 
الإفساد هو العمل بالكفر والمعاصي 
هذا هو أصل الإفساد وهو العمل بالكفر والمعاصي .
ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين ، يوالون الكافرين ويخرجون أسرار المؤمنين للكافرين .


فجمعوا بين العمل بالفساد بالأرض وإظهارهم أنّه ليس بفساد بل بإصلاح ،
قلبًا للحقائق ، وجمعًا بين فعل الباطل واعتقاده حقّاً وهذا من أخطر الأشياء على القلب ، أن تكون على خطأ وتعتقد أنّك على صواب 
 لأنّك إن شعرت أنّك على خطأ فستعرف أنّك على معصية . 

فالمنافقين حصروا الإصلاح على أنفسهم ،
وفي معناهم أنّ المؤمنون ليسوا من أهل الإصلاح ، هذا الذّي اعتقدوه في أنفسهم .
قلب الله عليهم دعواهم . 
( ألا إنّهم هم المفسدون ) ، فلا أعظم من إفسادهم . 

منهم من كفر بآيات الله وصدّ عن سبيل الله وخادع الله وأوليائه ووالى المحاربين لله ورسوله ومع ذلك زعم أنّ الإصلاح ينتمي له هو
 وأنّه هو المصلح وغيره ليس بمصلح ،
ففي بعض الأحيان يذنب الشّخص ولكن لايراه ذنبًا ولكن عندما يفعله شخصًا آخر يراه ذنبًا  فمعناه أنّ فيه مرض في القلب لأنّ الأصل أن تعرف ذنبك . 

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) 
بدؤوا ينصحون من ؟ يقصد الله سبحانه وتعالى المؤمنين ،
محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه . 

( قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ) من يقصدون ؟ 
يقصدون الصّحابة .
 ( َألا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) طبعًا المقصود هنا الإيمان بالقلب واللسان . 
لماذا سمّوا الصّحابة سفهاء ؟ لأنّ المنافقين يظنّون أنّ المؤمنين تركوا الأوطان وعادوا الكفار ، فليس لديهم عقول 
فكيف يتركون أوطانهم ، كيف يتركون أراضيهم ،
 كيف يتركون أموالهم ! 
 هم يظنّون أنّهم سفهاء  وللأسف هذا المفهوم يتواجد عندنا ، 
أنّ الصّالح المتجرّد من الذّنوب ليس بعاقل


هذه الاتهامات ما زالت إلى الآن .. 
أن سفههم أوجب لهم الإيمان .. وتركهم الأوطان ومعاداة الكفار ،
يظنّون أنّ هذا ليس بالعقل .
 لكنّ الله سبحانه وتعالى يثبت العقل للمؤمنين قال
( ألا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) لا يعرفون ، لا يعون ، لا يفهمون ،
عقولهم قاصرة لاتفهم ، حقيقة السّفه جهل الإنسان بمصالح نفسه . 
فالسّفيه هو أن يجهل الإنسان مصالح نفسه ، وأن يسعى في ما يضرّ نفسه . 
وهذه الصّفة تنطبق على المنافقين لا تنطبق على المؤمنين لأنّ المؤمنين تركوا الأوطان وتركوا الأهل والأموال ، جاهدوا بأنفسهم من أجل  الجنّة من أجل أن يرضى الله سبحانه وتعالى عنهم . للحياة الأبدية ،


( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14))  


هاهم عقولهم ضعيفة جدا متذبذبين ، نسأل الله السّلامة لاهم عاشوا مع الكفار ولاهم عاشوا مع المؤمنين . 
( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ  ) قالو بأنّنا معكم في الطّريق . ( وَإِذا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ  ) أي رؤساء الكفار في الشّرّ .
قالوا لهم إنّما نحن معكم في الحقيقة ، إنّما نحن مستهزئين بالمؤمنين
 وكأنّ الله لا يطلع عليهم وكأنّه لا ينظر لهم ، وكأنّه لا يعرف مافي قلوبهم ، إنّما نحن مستهزؤن بالمؤمنين بإظهارنا لهم أنّنا على طريقتهم فهذه حالهم الباطنة والظّاهرة ولا يحيق المكر السّيء إلا بأهله . 
فهم يعاندون من ؟  هم للأسف يحاربون من ؟ 
يحاربون القهّار العليم  العزيز الحكيم ، الله يستهزئ بهم .
هم يستهزؤون لكنّ الله سبحانه جلّ وعلا يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم
 يعني يزيدهم في الطّغيان وفي الفجور وفي الكفر ، يمدّهم في طغيانهم يعمهون يعني حائرون مترددون وهذا جزاء استهزائهم بالله سبحانه وتعالى

( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (16) ) 
وهنا قاعدة مهمّة جدًا نتعامل معها ، أن لا نشتري الدّنيا بالآخرة ،
تعرفنا الآن أنّ صفة المنافقين السّفه ومن صفاتهم الخداع والكذب فاحذروا أن تكونوا منهم . 

يقول ابن سعدي ( وهذا من أحسن الأمثلة فإنّه جعل الضّلالة التّي هي غاية الشّر كالسّلعة وجعل الهدى الذّي هو غاية الصّلاح بمنزلة الثّمن )


فيقول الله سبحانه وتعالى : لأنّهم باعوا الضّلالة بالهدى فلن تربح تجارتهم

أسأل الله عز وجل أن نكون من المهتدين .
وصلّى الله وبارك على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق