الأربعاء، أكتوبر 07، 2015

تفريغ سورة البقرة من آية 70 إلى آية 76






[ الوجه العاشرمن سورة البقرة ]

قال تعالى : 


﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ 


هنا تكملة قصّة بني إسرائيل مع البقرة . 

فلم نهتدي إلى ما تريد لم نعلم يا موسى ماذا تريد ، 

إنّها بقرة لا ذلول أي غير مذلّـلة بالعمل ، 

تثير الأرض بالحراثة ، 

ولا تسقي الحرث أي ليست بساقية ، 

مسلّمة يعني مسلّمة من العيوب أو من العمل ، 

لاشية فيها لا لون فيها غير لونها الموصوف الذّي ذكر ، 


( قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) 

يعني يقصدون بالبيان الواضح طبعاً هذا من جهلهم وإلا فقد جاء بالحقّ من أول مرّة ، 

من البداية كان موسى عليه السّلام جادّاً ،وكان يقول الحقّ من أول مرّة ، فلو أنّهم اعترضوا أي بقرة وجدوا أي بقرة وقتلوها وذبحوها لحصل المقصود ، 

ولكنّهم شدّدوا بكثرة الأسئلة فشدّد الله عليهم ، ولم يقولوا إن شاء الله ولم يهتدوا أيضاً إليها ، 

فذبحوها أي ذبحوا تلك البقرة التّي وُصِفت بتلك الصّفات ، 

وما كادوا يفعلون : يعني بالكاد فعلوا هذا الفعل بسبب التّعنّت الذّي جرى منهم ، 


﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ 

فلمذا ذبحوها قال الله : لهم اضربوه ببعضها يعني اضربوا القتيل ببعضها ، أي بـعُضُو منها ، إمّا بـعُضُو معيّن أو أي عُضُو منها، فليس في تعيّنه فائدة ، فضربوه ببعضها فأحيا الله هذا الميت واخرج ما كانوا يكتمون ، فأخبر بقاتله وكان في إحيائه وهم يشاهدون ما يدل على إحياء الله الموتى آيات عظيمة .


( لعلّكم تعقلون ) فتنزجرون عما يضرّكم ، 

وهذه آية من آيات الله عزّ وجل أعطى الله عزّ وجل موسى عليه السّلام ، إذ لا رابط في المعقول بين أن تذبح البقرة ويضرب القتيل ببعضها فيحيا . 
وإنّما هذه فقط آية من آيات الله سبحانه وتعالى . 

يعني اذكروا يا بني إسرائيل عندما حدثت جريمة قتل في مجتمعكم ؛ فاختلفتم و تدافعتم فكلٌّ يدفع التّهمة عن نفسه ،
والله تعالى مظهر ما كنتم تخفونه من تعيين القاتل وذلك بالآية العظيمة التي بينها فقلنا اضربوه ببعضها أي اضربوا جسد القتيل بـعُضُوٍ من البقرة المذبوحة ، ففعلوا فأحيا الله هذا القتيل وأخبر بنفسه عن قاتله فكانت تلك آية باهرةً معجزة كاملة دلّت على كمال قدرته الكونية سبحانه جلّ وعلا ، 


ومثل إحياء هذا القتيل يحي الله سبحانه وتعالى الموتى بكلمة واحدة ويظهر لكم آياته الكونية والشّرعية 
لأجل أن تفهمون ، لأجل أن تعقلون ما في هذه الواقعة من دروس وهذا الدّرس لنا جميعاً ، كذلك يحي الله الموتى بكلمة واحدة ، كذلك يشفي الله المرضى بكلمة واحدة .


عظيم سبحانه جلّ وعلا يحي الله الموتى ويريكم آياته حتّى ترونها عين اليقين لعلّكم تعقلون ، 

ثمّ يقول الله عزّ وجل عنهم كلام عظيم : 

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ ) 

يا الله .. يا الله ..

رأوا عين اليقين و رأوا إحياء الموتى أمام أعينهم ،
ثمّ يقول الله عزّ وجل : ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك ،
فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة 
قد تتعجبين لماذا اختار الله عزّ وجل الحجارة ولم يختر الحديد مع أنّ الحديد يعرف بقوته ؟! 

تشبيه المعقول بالمحسوس في قوله تعالى :
( ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة ) .
لأنّ الحجارة أمر محسوس والقلب قسوته أمر معقول ،

إذ أنّه يقسو قسوة معنوية بإعراضه عن الحقّ واستكباره عليه . 

- خصّ الله تعالى الحجارة من الجمادات لأنّها أشدّ قسوة مع أنّه سبحانه ذكر في سورة أخرى الحديد وقد يتبادر إلى الأذهان بأنّ الحجارة تنكسر ولكن لما كان الحديد إذا وضع في النّار ذاب بخلاف الأحجار وصف الحقّ سبحانه قلوبهم بالحجارة وأنّ قلوبهم أشدّ قسوة منها وما كان ينبغي لهم أن تقسو قلوبهم لأن ما شاهدوه يوجب رقّة القلب وانقياده ، 
بعض الأحيان تأتينا آيات عظيمة ومع ذلك قلوبنا هي نفس قلوبنا، بعض الأحيان نرى آيات مبهرة ومع ذلك القلب نفس القلب،

هذه الآية يعطينا دلالة أنّ الجمادات تعرف الله لقوله تعالى 
( وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ) 

هذا دليل أن الجمادات تعرف الله ،
يا الله .. يا رحمن .. ارحم قلوبنا ، 
الجمادات تعرف الله أكثر منّا ! 
تخشى من الله أكثر منّا ! 

السّؤال الذّي نسأل أنفسنا : كيف نخشى الله ؟ 
وكيف نخاف من الله ونحن لا نعرفه حقّ المعرفة ؟ 
هل تعرف معنى السّميع ؟؟ 
هل تعرف معنى الحليم .. العليم ؟؟ 
هل تعرف معنى الرّؤوف ؟؟ 
هل تعرف معنى الرّحيم .. الكريم .. القريب .. الأول ..
الظّاهر .. الباطن ..؟؟! 


اقرأوا في أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى فمن أحصاها دخل الجنّة ، 

فهذه الآية دلّت على عظمة الله سبحانه وتعالى ،
 لقوله تعالى : من خشية الله ، 

والخشية هي : الخوف المقرون بالعلم . 

كيف تخاف من الله وتخشاه وأنت لا تعرفه حقّ المعرفة ، 

لقوله تعالى : إنّما يخشى الله ، من يارب الذّي يخشاك ، 
إنّما يخشى الله من عباده العلماء ، 

وتذكر بداية سورة البقرة : 
( آلم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) 


اليقين : اليقين بالله سبحانه وتعالى وبوعده وبأسمائه الحسنى وبرحمته وبمغفرته و بعفوه وبكرمه بأنّه هو واسع الفضل وبجوده سبحانه ، إنّما يخشى الله من عباده العلماء ، فمن علم الله سبحانه وتعالى وعظمه لا بدّ أن يخشاه ، 

( وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) 
ليس بغافل عن حركاتنا وليس غافلاً عن تصرفاتنا حتّى لو نرى 
بعض الأحيان نتقلب بنعم الله سبحانه وتعالى ونظنّ أنّ هذه أمور عادية أو تعوّدنا عليها ،

نتقلّب بنعمة السّمع والبصر ، نتقلّب بنعمة العقل ، نتقلّب بنعمة النّوم ، نتقلّب بنعمة الأمن وننظر نراها أمور عادية ولا نشكر الله سبحانه وتعالى ، وإذ تسلب النّعمة بلحظه ندرك بأنّها شيء عظيم شيء مهول 

( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ(182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) ) . الأعراف 


اتق الله سبحانه وتعالى ، عد ذنوبك ذنباً ذنباً .. 
احصيه ذنباً ذنباً ..َ 
قبل أن تحاسب ، حاسب نفسك ، اجلس مع نفسك .. 
استغفر ربّك دومًا .. تُب إلى الله سبحانه وتعالى .. 
فالذّنوب تهلك .. 



البلايا التّي تأتينا .. من ذنوبنا ،
المصائب التّي تأتينا .. من ذنوبنا ،
الآلام التّي تأتينا .. من ذنوبنا ،
الأحزان التي تأتينا.. من ذنوبنا ،
الهموم التي تأتينا .. من ذنوبنا ،
الغموم التي تأتينا .. من ذنوبنا ،


إذا تعسّرت الأمور فاعلم أنّ لك ذنباً فاستغفره سبحانه وتعالى ،
 إذا ضاقت عليك الدّنيا فاعلم أن هذا بذنب فاستغفره سبحانه وتعالى.

لكن قد تتساءلين وتقولين : 

فيه ناس لا تحسّ بهذا تجدهم يتقلّبون نعمة تتلو نعمة ،
فقد يستدرج الله عزّ وجل على العبد فيعطيه ،
و أما الآخر فيجعله بين فترة وفترة يصحى كأنّه نائم ،
ويصحى غافل وينتبه للبلايا التي تأتي ، المصائب التي تأتي ،
كأنّها تكون إنذارات ،

ارجع إلى ربّك تعالى ، ربّك يناديك ، أقبل إلى ربك ،
اقترب من ربّك القريب سبحانه و تعالى
الله قريب منّا .

أرشدت الآية أنّ الله تعالى لم يخلق شيئاً في هذا الوجود عبثاً؛
وإنّما كل شيء لفائدة ،

ثمّ قال بعدها :

( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) 

بدأ يتكلّم عن بني إسرائيل وعن أفعال بني إسرائيل وعن شناعة تصرفات بني إسرائيل ،

وهذه الآية تدلّ على استبعاد إيمان اليهود .

( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب ، 

أي فلا تطمعون في إيمانهم وحالتهم لا تقتضي الطّمع فيهم ،

فإنّهم كانوا يحرّفون كلام الله ، ناس تحرّف كلام الله كيف تطمعون أن يؤمنوا ؟!

كيف تريدون أن يؤمنوا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم ،
وهم كانوا يحرّفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه ،
فيضيفون لها معاني ما أرادها الله ليوهموا النّاس أنّها من عند الله وما هي من عند الله ، فإذا كانت هذه حالهم مع كتابهم الذّي يرونه شرف لهم ودينهم ، ويصدّون به النّاس عن سبيل الله عز وجل ؛ فلا يرجى منهم إيماناً لكم فهذا من أبعد الأشياء . 

- ( من بعد ما عقلوه ) :
من بعد ما عرفوه لم يحرّفوه جهلاً منهم؛
بل بعدما فهموه ، بعدما عقلوه


- ( يحرّفونه ) قيل فيها قولين : أنّ المراد بذلك التوراة يسمعونها ثمّ يحرفونها أي يغيرونها ؛ من ذلك تحريفهم إيّاها في صفات نبينا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وتحريفهم آية الرّجم ؛ حيث أخفوها ووضعوا في مكانها التّسخيم وتسويد الوجه .


- القول الثّاني : أنّ المراد بذلك السّبعين الذين اختارهم موسى عليه السّلام ليذهبوا معه للقاء الله تعالى ، فلما سمعوا كلام الله تعالى لنبيه موسى عليه السّلام ، حرّفوا ما سمعوه والله أعلم بمراده ، فإذا كانت هذه حالهم مع كتابهم الذّي يرونه شرفٌ لهم ودينهم يصدّون به النّاس عن سبيل الله ؛ فكيف يرجى من أن يؤمنوا لكم 


ثمّ يقول الله عزّ وجل عن أشنع صفة من صفاتهم :

وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) 


فأظهروا لهم الايمان قولاً بألسنتهم وما ليس في قلوبهم ،
وإذا خلا بعضهم إلى بعض فلم يكن عندهم أحد من غير دينهم قال بعضهم لبعض : أتحدّثونهم بما فتح الله عليكم أي أتظهرون لهم الإيمان وتخبرونهم أنّكم مثلهم ، فيكون ذلك حجّة لهم عليكم .


- القول الآخر أنّهم قد أقرّوا ما نحن عليه حقّ وما هم عليه باطل فيحتجّون بذلك عند ربّهم يحتجّون بذلك عند ربّهم يوم القيامة أفلا تعقلون . 


أفلا يكون لكم عقل فتتركون ما هو حجّة عليكم ،

فهذا الكلام يقول بعضهم لبعض إذا انفردوا مع بعضهم ،
 وبخوا أنفسهم على ذلك أين عقولكم ؟ 

كيف تحدّثونهم باتّباع محمّد صلّى الله عليه وسلّم ،
وبما أنزل الله عليكم في التّوراة من العلم بصّحة رساله محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، فيكون ذلك حجّة لهم عليكم عند الله يوم القيامة .. 


ولكنّ اليهود ولسفههم نسوا أو تناسوا حين وبّخ بعضهم بعضاً بهذا الأمر ، طبع الله على قلوبهم بسبب أفعالهم وتصرفاتهم
ينطمس القلب فهم الآن يخفون عن الله ، والله سبحانه وتعالى يعلم كلّ شيء ، إنّ الله لا يخفى عليه خافية فسواءً أقرّوا أو لم يقرّوا أنّ الرّسول حقّ فإنّ الله تعالى عالم بهم


هناك تعليق واحد

  1. أحسن الله اليك أختي الفاضلة جوهرة السيف ونفع بك ورفع قدرك وجعل جهودك الطيبة المباركة في ميزان حسناتك
    وجزى الله كل القائمين على تيسير هذه الدروس خير الجزاء

    ردحذف