الأربعاء، أكتوبر 28، 2015

تفريغ سورة البقرة من آية 94 إلى آية 101

الوجه الرابع عشر من سورة البقرة

قال تعالى : ( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )

أي قل لهم يامحمد على وجه تصحيح دعواهم
إذا كنتم تدعون بأنّ الدار الآخرة هي صافية لكم وهي لكم أي الجنّة خالصة من دون النّاس كما زعمتم أنّه لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى هذا زعمهم هم
وأنّ النّار لن تمسّهم إلا أياما معدودات
فإن كنتم صادقين في هذه الدعوة فتمنّوا الموت
وهذا نوع مباهلة بينهم وبين الرّسول صلّى الله عليه وسلّم
 وليس بعد هذا الإلجاء والمضايقه لهم بعد العناد منهم إلا أحد أمرين:
1- أنّ يؤمنوا بالله ورسوله 
2- أو أن يباهلو على ماهم عليه بأمر يسير عليهم
وهو تمنّي الموت الذي يوصلهم إلى الدار الآخرة إذا كانت بالفعل الدار الآخرة هي الصّافية لهم

فامتنعوا عن ذلك لأنّهم يعرفون حقيقة أنفسهم
- أنّهم يخادعون الله وهو خادعهم-
فعلم كل أحد أنّهم في غاية المعاندة والمحاداة لله ورسوله 

( وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا )

الله عزّ وجلّ هو الذي خلق النّفوس وهو أعلم بها
فهو لا يتكلم كلام متجرد 
بل يعلم بأنهم لن يتمنوه أبدا

فلما ياترى لايتمنّوه ؟

( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ )

 يعلموا أنّ ماقدموه من أعمال ليس بشي
ليس لديهم أعمال حتى يتمنّوا الموت

( وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ )

من الكفر والمعاصي 
لأنّهم يعلمون أنه طريق لهم إلى مجازاتهم بأعمالهم الخبيثة

فالموت أكره شئ لهم وهم أحرص على الحياة من كل أحد من النّاس
حتى من المشركين أنفسهم الذين لايؤمنوا بأحد من الرّسل والكتب

وهذا يحاجّ الله عزّ وجلّ ويأمر نبيه بمباهلة اليهود لبيان كذبهم وفضح أحبارهم وعلمائهم


 
ثمّ ذكر محبّتهم للدّنيا فهم يحبّون الدّنيا حبًّا شديدًا فقال :

( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ )

وهذا أبلغ مايكون من الحرص يتمنّون حاله هي من المحالاة
والحال أنهم لو عمّروا العمر كله لم يفيدهم شي ولن يدفع عنهم العذاب

( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )

تهديد لهم عن المجازاة بأعمالهم
وهذا يبين صدق ماجاء به النّبي صلّى الله عليه وسلّم
وبطلان ادّعاءات اليهود ومزامعهم
وذلك لنكوص اليهود عن المباهلة بتمنّي الموت

لن يفعلون هذه المباهلة
( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ )

وقد قال تعالى :  ( وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا )
أن الكافر يكره الموت لما يعلم من سوء العاقبة
هم يعلمون أن الدار الآخرة حقّ

( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ )
إذًا العبرة ليس فقط أن توقنين أن الآخرة حقّ
لابدّ من العمل

أن طول العمر لا يفيد المرء شئ إذا كان في معصية الله
( وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ )


الآن نأتي إلى موقف اليهود من الملائكة
آية 97 و 98 تتحدث عن موقف اليهود من الملائكة
لابد أن تعلمي موقف اليهود من ملائكة الرّحمن


( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  * مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ )


أي قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا أن الذين منعهم من الإيمان هو وليك جبريل عليه السّلام
ولو أن غيره من ملائكة الله لآمنوا بك وصدقوك
هذ كلامهم وزعمهم

أنّ هذا الزعم منكم تناقض وتهافت وتكبّر على الله
فإن جبريل عليه السلام هو الذي نزّل القرآن من عند الله على قلبك يامحمد
وهو الذي ينزل على الأنبياء من قبلك
والله هو الذي أمره وأرسله بذلك
فهو رسول محض من الله عزّ وجلّ

تتكلّم الآيات عن معاداة اليهود لبعض الملائكة كجبريل عليه السّلام
بزعمهم أنه لو كان غيره من الملائكة هو الذي نزل بالقرآن لآمنوا بالرّسول
يخادعون الله وهو خادعهم

ولكنّه تناقض وتكبّر على الله عزّ وجلّ
لأنّ جبريل نزل بالقرآن على قلب النّبي صلّى الله عليه وسلّم
بأمر الله وإذن منه سبحانه وهو الذي نزّل على الآنبياء من قبل
وهذا الوصف يقتضي ولايته لا عداوته

من المفترض أن نواليه لا أن نعاديه
هو نعمة  من الله عزّ وجلّ
هو الذي يأتي لنا بالآيات هو الذي يأتي لنا بالكتب

لو لم يكن هذا الكتاب من عند الله ماذا سنفعل ؟
لو لم يكن هذا الكتاب لدينا كيف سنسير ؟
ماهي طريقتنا ماهو منهجنا ؟
كيف حياتنا ؟
نعمة من الله عزّ وجلّ هذا الكتاب
فيقتضي منا ولايته لا عداوته -جبريل-

وأن هذا القرآن موافق لما تقدمه من الكتب السابقة كالتّوراة والإنجيل الداعية إلى توحيد الله عزّ وجلّ
جميع الكتب تدعو إلى توحيد الله و الإيمان به و برسله وملائكته

وهو هداية من الضلالة وبشارة بالخير الدنيوي والأخروي
لمن آمن وقبل حكم الله وشرعه وأذعن له وخضع

ثمّ أكّدت الآيات أنّ من عادى الله بالاستكبار عن عبادته
وعادى ملائكته بكراهة العمل بما ينزل من وحي الله عزّ وجلّ
وعادى أنبياءه بتكذيبهم بدعوى الرّسالة فقد عادى الله
وهذا كفر فيستحقّ بذلك عداوة الله عزّ وجلّ

 أنّ القرآن بشرى للمؤمنين
وعلامة ذلك أن الإنسان ينتفع به
فإذا وجد العبد نفسه منتفع به حريصا عليه تاليا له حقّ تلاوته
فهذا دليل على الإيمان فتناله البشرى
-يارب اجعلنا منهم ياحيّ ياقيوم-


الآن أنتِ في مجلس ذكر
الآن أنتِ تتدبّرين كتاب الله عزّ وجلّ
تفهمين كتاب الله سبحانه


وكلما رأى العبد من نفسه كراهة القرآن أو كراهة العمل به أو التّثاقل في تطبيقه
فليعلم أنه إما هو فاقد الإيمان أو أنّه إيمانه ناقص


إنّ من عادى الله فهو كافر وكلّ كافر فإن الله عدو له
( فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ )


إثبات الإذن لله سبحانه تعالى لقوله
( فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ )
وهو على نوعين كوني و شرعي


إثبات صفة العداوة من الله تعالى
 أي أن الله يعادي وهي صفة فعلية كالرّضا والغضب والسّخط
وضدّها الموالاة الثّابتة للمؤمنين ( الله وليّ الذّين آمنوا )

( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ )

الآن سننتقل إلى موقف اليهود من القرآن ودأبهم على نقض العهود
وإعراضهم عما جاء في التّوراة من البشارة بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم

يقول الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ )
واضحات
يقسم الله أنّه قد أنزل على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم دلائل وعلامات واضحات
لا لبس فيها تدلّ على صدق رسالته
وبها تحصل الهداية لمن استهدى -لمن طلب الهداية لمن عمل لها-
وإقامة الحجّة على من عاند
وهي من الوضوح والدّلالة على الحقّ
قد بلغت مبلغًا عظيمًا
ووصلت إلى حالة لا يمتنع من قبولها إلا من خرج عن أمر الله وطاعته
وهؤلاء من ؟ هم اليهود
الذين قد تمرّدوا وخرجوا عن طاعة الله
حتّى أنهم كلمّا أخذ الله عليهم الميثاق والعهد
طرحه جماعة منهم ونقضوه ولم يوفوا به

وذلك لأن أكثرهم لا يؤمنون
فنفى الله سبحانه عن أكثرهم
لأنّ المؤمن حقيقة لابد أن يفي بعهد الله تعالى

( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْدًا )

وهذا فيه تعجّب من كثرة معاهداتهم وعدم صبرهم على الوفاء
كلما تفيد التّكرار
فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض
السبب أن أكثرهم لا يؤمنون
فعدم إيمانهم هو السّبب

إذا نجد أن ضعف الإيمان هو سبب المشاكل كلها
قلنا أن ضعف الإيمان يرجع إلى نقص في اليقين
ونقص اليقين يرجع إلى نقص في الإيمان في علم الغيب

فلابد أن نعرف محور المشكلة أساس المشكلة
لابد أن نشخص

السبب أن أكثرهم لا يؤمنون فعدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود
ولو صدق إيمانهم لكانوا مثل من ماقال الله فيهم :
( من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه )


( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ )

أي لما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحقّ الموافق لما معهم
وكانوا يزعمون أنّهم متمسكون بكتابهم التوارة
فلمّا كفروا بهذا الرّسول وبما جاء به
( نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ )

الذي أنزل إليهم أي طرحوه رغبة منه

( وَرَاء ظُهُورِهِمْ ) وهذا أبلغ في الإعراض
كأنهم في فعلهم هذا من الجاهين وهم يعلمون صدقة وحقيقة ماجاء به

تبين بهذا أن الفريق من أهل الكتاب لم يبقَ في أيديهم شيء
حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول فصار كفرهم به كفر بكتابهم من حيث لا يشعرون

نقول أن اليهود لا يوثق منهم بعهد
لأنّهم كلّما عاهدوا نبذ فريق منهم

وأنّ منهم من لم ينبذ كتاب الله وراء ظهره بل آمن منهم
كالنّجاشي من النّصارى وعبد الله بن سلام من اليهود

أنّ من نبذ العهد من هذه الأمة فقد ارتكب محظورين
النّفاق ومشابهة اليهود

شدة كراهية اليهود للقرآن واستهانتهم به حيث نبذوه وراء ظهورهم

نقف عند حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أول من يسعر بهم النّار سأقوله كاملا
وأوضح معناه حيث يتضح للجميع

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال :
 إن أول النّاس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتى به، فعرَّفه نعمه فعرفها،
يعني ذكّره الله عزوجل
لاشكّ أن العبادة نعمة الاستغفار نعمة الشّهادة نعمة طلب العلم نعمة اليقين نعمة تدبّر كتاب الله عزّ وجلّ نعمة مجالس الذّكر نعمة
فعرّفة نعمه فعرفها
قال فما عملت فيها ؟ يعني الشّهادة قال: قاتلت فيها حتى استشهدت، قال: كذبت
ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النّار

وهذا الذي أنا أقوله أن نفتش عن قلوبنا دائما
لأنّ في بعض الاحيان أنا أٌقدم محاضرة ليقال عني كذا
فهذا مرض والشّيطان يوسوس في القلب
فلابد دائما أن نشتغل على قلوبنا نطهر قلوبنا بإستمرار

لو تركتي غرفتك مطبخك يوم كامل ما تنظيفه كيف سيكون ؟
القلب أحرى القلب هو الذي سيحدد منازلنا يوم القيامة القلب أهم من أنه ينظّف بإستمرار

ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها
يعني ذكره الله عزّ وجلّ بالحلقات التي كان يجلس فيها
ذكره كيف أنّ الله يسر له حفظ القرآن ولم ييسره لغيره
ذكره كيف أنّ الله يسره لتعليمه ولم ييسره لغيره

إذًا كونك تُيسر لك أمورا لم تيسر لغيرك هذه نعمة
وذكرنا أن أعظم نعمة وأعظم مطلب هي الهداية

 فعرَّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال: تعلّمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ،
فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار.

هذه هي النّهاية ؟ هذه النّهاية
هذا الجهد الذي بذلته ؟ هذا الجهد الذي بذلته

الموضوع ليس موضوع جهد لا بل العمل لماذا تعملين هذا الشيء
اسألي نفسك

ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النّار

الحديث أخرجه مسلم الحديث صحيح

الذي سيحدد مصيرك يوم القيامة هو قلبك هل أعمالك خالصة لله أم لا ؟

يقينك بالله عزّ وجلّ بالله وبوعده
لا ليقال عنك كذا
- نعوذ بالله من الرّياء -

ذكرنا أن أخطر مرضين على القلب الكبر والرياء
نسأل الله العافية

سبحانك الله وبحمد نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك




ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق