الوجه العشرون من سورة البقرة:
يقول تعالى :
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَو نَصَـٰرَىٰ تَهتَدُواْ}
روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال : قال عبد الله ابن صورية الأعور لرسول الله
صلى الله عليه وسلم : ما الهُدى إلا مانحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتدي.
وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله عز وجل:
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَو نَصَـٰرَىٰ تَهتَدُواْ}
{قُل بَل مِلَّةَ إِبـَرهِيمَ حَنِيفاً}
أي لا نريد مادعوتم إليه من اليهودية والنصرانية بل نتبع ملة
ابراهيم حنيفاً مستقيماَ متبعاً
والحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم .
دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين إلى الدخول في دينهم زاعمين أنهم هم المهتدون وغيرهم ضال
قُل لهم يا محمد مجيباَ جواباَ شافياَ بل نتبع ملة ابراهيم حنيفا , مقبلاَ على الله تعالى معرضاَ عما سواه قائماً بالتوحيد , تاركاَ للشرك والتنديد , فهذا الذي في اتباعه
الهداية وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية.
لم يقل الله عز وجل لمحمد يا محمد تنازل بعض الشيء تساهل معهم , دع الأمور تمشي , لعلهم يقتربون إليك
لعلهم مثل ما يقول الآن من بعض من بدأ ـن يتنازل عن دينهِ لا ,
نحن دينا قوي يؤخذ بقوة
قال الله عز وجل لمحمد :
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا )
المسلم يؤمن بجميع ما أنزل الله لا نفرق بين نبي ونبي , وفي هذه الآية قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به
واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام بهذه الأصول وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح
وبهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها , فهي من الإيمان وأثر من آثاره فحيث اذا أطلق
الإيمان دخل فيه كل ما ذكر وكذلك الإسلام إذا أطلق دخل فيه الإيمان
فإذا قُرن بينهما
كان الإيمان اسماً لما في القلب من الإقرار والتصديق
وكان الإسلام اسماً للأعمال الظاهرة
وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة
قولوا بألسنتكم متواطئة عليها قلوبكم , وهذا هو القول التام المترتب عليه الثواب والجزاء
فكما أن النطق باللسان دون الاعتقاد بالقلب نفاق وكفر
فالقول الخالي من عمل القلب عديم التأثير قليل الفائدة وإن
كان العبد يؤجر عليه إن كان خيرا ومعه أصل الإيمان
لكن يوجد فرق بين القول المجرد والقول المقترن به عمل القلب , في فرق بين أنك تقول كلام لا تفهم معناه وبين أنك تقول والقلب متحرك والقلب يعرف هذه المعاني التي تذكرها:
التوكل اليقين الخشية الخوف الرجاء الاستعانة الاستغاثة
لابد أن تقولها بلسانك وتعرف معناها وتُقر بها في قلبك
(قُولُوا ): إشارة إلى الإعلام بالعقيدة والصدع بها وعدم الاستحياء منها والدعوة لها إذ هي أصل الدين وأساسهُ
روى البخاري عن أي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام , فقال صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا
وروى مسلم عن أبي داود والنسائي عن ابن عباس قال : كان صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بآمنا بالله وما أنزل إلينا هذه الآية وآمنا بالله واشهد بأنا مسلمون
ثم ذكر الله عز وجل الأسباط , من هم الأسباط؟
الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل
احفظها مني , مثل القبائل لدينا , تذكر قصة موسى عليه السلام عنده 12 قبيلة التي الله عز وجل جعل لهم الماء ينفتح لهم كل قبيلة بمعنى كل مجموعة منهم يأخذون جزء من النهر
هذه الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني اسماعيل, والسبط الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد,
بعد ذلك يقول الله تعالى : ( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ )
يعني لانفرق بين أحد منهم , لماذا لا تفرقون بين الأنبياء , لماذا لا تتحيزون لمحمد لماذا لا تتعصبون لمحمد؟ مثل ماتعصب غيركم لماذا ؟
(وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )
من هو ؟ هو الرب جل وعلا
مشكلتهم أن لديهم تعصب وهوى من أجل ذلك اختلف الدين لديهم, ليس هدفهم الله سبحانه تعالى
(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ )
لاحظ بين المقصود والغاية
لماذا لا تفرقون أنتم أيها المسلمون بين أحد منهم
(وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
نحن مقصدنا ومرجعنا هو الله عز وجل من أجل ذلك لا نفرق بين أحد من الأنبياء
( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ )
فإن صدقوا بمثل ماصدقتم به
فإن اتبعوا بمثل ما اتبعتم به
(فَقَدِ اهْتَدَوْا )
خلاص صاروا مثلكم بالضبط
الله عز وجل حكيم عادل (فَقَدِ اهْتَدَوْا )
(وَإِنْ تَوَلَّوْا)
عن ذلك , أعرضوا تعصبوا كان المقصد عندهم اتباع الهوى فقط اتباع قبيلتهم واتباع نبيهم والتعصب في ذلك
إن كان هذا قصدهم
(فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ)
وسيضلون في شقاق , أي سينصرك عليهم يا محمد ويظفرك بهم وهو السميع العليم,
الشقاق النزاع , سيضلون في شقاق ونزاع
المسلمون دائما يقاتلون اليهودية ويقاتلون النصرانية
خلاص الله عز وجل ذكر هذا , لذلك الذين ينادون
الآن بتقارب الأديان , لا مستحيل لن يكون هذا
بدليل قول الله عز وجل :
{فَإِن ءَآمَنوا بِمِثلِ مَا آمَنتم بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا }
لا يوجد شيء اسمه تقارب أديان , لا يوجد تقارب
شيء اسمه خط مستقيم
بينهم خط يا أبيض يا أسود
(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ )
ما هو الذي آمنا به نحن؟
الله عز وجل
( فَقَدِ اهْتَدَوْا )
سارو على الطريق المستقيم
( وَإِنْ تَوَلَّوْا )
بعدوا وضلوا فإنما هم في شقاق , سيضل بينكم الشقاق لن تجتمعون
هذا قول الله عز وجل لن تجتمعون ,
يا محمد : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
سبحانه جل وعلا
يقال أن عثمان لما قتل , أنهُ سبحان الله ، أن مصحفهُ كان مفتوح وكان في حجره حين قتل فوقع الدم على فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم , فقال نافع : بصرت عيني بالدم على هذه الآية , خلاص الله عزوجل قد كفانا شرهم
(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
جل وعلا
سميع يسمع كل شيء , يستجيب سبحانه جل وعلا
عليم يعلم الظاهر والباطن يعلم ما يفعلون بنا يعلم ماي مكرون بنا يعلم سبحانه كل شيء
إذا لماذا نخشى شرهم؟
ولله عز وجل قد كفانا شرهم
أما قضية تقارب أديان لا , فإنما هم في شقاق
(صِبْغَةَ اللَّهِ )
فطرة الله دين الله ألزموه صبغة الله
لا يوجد شيء اسمه تقارب لن تقتربون , لن يتقارب الإسلام مع النصرانية واليهودية ,لا يوجد بينهم أي صلة
(صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ )
في أحسن من الله صبغة
فيه صبغه أفضل من صبغة الله سبحانه وتعالى ؟
لا يوجد أحسن من صبغة الله سبحانه وتعالى
(وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)
مخلصون في العبادة والتوجه لهُ سبحانه وتعالى
, برآء منكم كما أنتم برآء منا ونحن له مخلصون
أحسن من الله صبغة ؟
ولن يذكر أنه يوجد شيء أفضل من ديننا إلا رجل أعوذ بالله ليس في قلبه ذرة من إيمان أو إسلام لأن الله عز وجل يقول صبغة الله ما في أحد يشك أن الله سبحانه وتعالى أعطانا الأصلح في ديننا ودنيانا حتى لو تألمنا في بعض الأمور
ليس لدينا نحن المسلمين أدنى شك بأن هذه الأمور التي ستحصل لنا وحصلت لنا هي مصلحة لنا في ديننا ودنيانا صبغة الله أحكام الله شرع الله ومن أحسن .
في أحسن صبغة من صبغة الله سبحانه وتعالى
لا يقول هذا إلا في قلبه شيء من الكفر ولا حول ولا قوة إلا بالله
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ )
من الذي يقول؟
الله عز وجل يقول لمحمد
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ )
أنكر عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهم سواء كانت اليهودية أو النصرانية
يقول تعالى: (أَمْ تَقُولُونَ )
يقصد أهل الكتاب أن ابراهيم و اسماعيل وإسحاق ويعقوب
والأسباط كانوا هودا أو نصارى , وهذا ادعائهم يرد الله عز وجل عليهم ( أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ )
يعني بل الله أعلم سبحانه جل وعلا , وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى , مكان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما و ماكان من المشركين
ثم قال تعالى :( أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ )
يا الله آية عظيمة
هل يوجد أحد أعلم من الله سبحانه وتعالى ؟
(وَمَنْ أَظْلَمُ )
: هل في أحد أظلم من هذا؟
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ)
يعني هم يعرفون في حقيقة أنفسهم أن ابراهيم
عليه السلام وإسماعيل وإسحاق كلهم لم يكونوا يهود ولا نصرانية
وإنما اليهودية والنصرانية إنما هي ديانة مستحدثة كلها كفر لا تعرف الله سبحانه وتعالى
وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ)
قال الحسن البصري : كانوا يقرؤون في كتاب الله الذي أتاهم أن الدين الإسلام وأن محمدا رسول الله وأن ابراهيم و اسماعيل ويعقوب وإسحاق كانوا برآء من اليهودية والنصرانية,
فشهدوا بذلك وأقروا على أنفسهم فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك, لذلك يقول الله عزوجل عنهم:
(وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )
تهديدا ووعيدا شديدا أن علمه محيط بعملكم
وسيجازيكم عليه .
يقول تعالى : ( وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ )
دلالة على أن عطية الدين هي العطية الحقيقية
المتصلة بالسعادة الدنيوية و الآخروية , أعظم عطية عطية الدين
( وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ )
من أين ؟ من الله
من الرب
وهذه الربوبيية التي ذكرناها الربوبية الخاصة, المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية , أعظم عطية عطية الدين أعظم عطية
ويكفي أنها عطية الأنبياء , يكفي شرف أن هذه العطية هي عطية الأنبياء يكفيك شرف أن هذه العطية هي عطية الأنبياء, وهذا من كمال ربوبيته لعباده سبحانه وتعالى أنه ينزل عليهم الكتب ويرسل عليهم الرسل فلا تقتضي ربوبيته أن تكون سدى
ولا هملا ,
ثم قال تعالى:
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
كررها مرة أخرى سبحانه جل وعلا :
أي تلك أمة قد مضت لهم أعمالهم ولكم أعمالكم ولا تسألون عما كانوا يعملون , وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم, ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم , حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله الذين بعثوا مبشرين ومنذرين , فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائرالرسل ولا سيما بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الجن
والإنس من المكلفين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله سبحانه وتعالى
كررها مرة أخرى , لقطع التعلق بالمخلوقين , حتى لا تتعلق بأبيك ولا جدك , لا تتعلق بأخيك الصالح وزوجك الصالح وابنك الصالح
كررها لقطع التعلق بالمخلوقين وأن المعول عليه ما اتصف به الإنسان لا عمل أسلافه وآبائه
فالنفع الحقيقي في الأعمال لا بالانتساب المجرد للرجال , لا شك أن الولد إذا كان صالح في أعمالك لكن لا تظن أن صلاح أبيك أو صلاح جدك سينفعك عند الله سبحانه وتعالى
لم ينفع اليهودية ولا النصرانية
مع أن اليهودية كان أبيهم من ؟
يعقوب عليه السلام وإسحاق عليه السلام , لم ينفعهم
العرب كان أبيهم اسماعيل لم ينفعهم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق