الثلاثاء، مايو 24، 2016

تفريغ سورة البقرة من آية 146 إلى آية 153






الوجه الثاني والعشرون من سورة البقرة





يقول تعالى :(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ

أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)


يُخبر الله تعالى عن أهل الكتاب و قد تقرر عندهم و عرفوا أن محمد رسول الله , و أن ما جاء به حق و صدق و تيقنوا ذلك كما تيقنوا أبناءهم , وهذا وصف دقيق من الله –سبحانه و تعالى-
لما قال :

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ )
يعني أهل الكتاب – اليهود و النصارى –


( يَعْرِفُونَهُ )
يعني يعرفون محمد – صلى الله عليه وسلم –
و يعرفون دينه و يعرفون كتابه



(كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ )
بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم , فمعرفتهم بمحمد وصلت إلى حد لا يشكون فيه و لا يمترون .


وفي هذا تسلية للرسول – صلى الله عليه وسلم - و للمؤمنين و تحذيرا من شرهم و شبههم , وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون ,

ومنهم عبد الله بن سلام لما سأله عمر بن الخطاب قال : أتعرف محمد كما تعرف ولدك ؟ قال : نعم و أكثر
( نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعْتِه فعرفته ).



ثم يقول الله تعالى : ( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ)

أي هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حقا من كل شيء , لما أشتمل عليه من المطالب العالية و الأوامر الحسنة وتزكية النفوس و حثها على مصالحها و دفع مفاسدها ,

فلا تكونن يا محمد من الممترين وهذه النصيحة له و لأمته , أي فلا يحصل لك أدنى شك و ريب فيه , بل تفكر فيه و تأمل حتى تصل بذلك إلى حد اليقين , فإن التفكر فيه لا محالة دافع للشك موصول لليقين .


هذا الله – سبحانه و تعالى – يُخاطب محمد – صلى الله عليه وسلم - اليقين يا اخوة من أصول ديننا .



 قال تعالى :
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا

يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)



(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)

أي لكل أهل دين و ملة له وجهة يتوجه إليها في عباداته , وليس الشأن في استقبال القبلة فإنه من الشرائع التي تتغير بها الأزمنة و الأحوال , ويدخلها النسخ و النقل – تغيير القبلة يدخلها النسخ يدخلها النقل من جهة إلى جهة - ولكن الشأن كل الشأن في امتثال طاعة الله تعالى والتقرب إليه وطلب الزلفى عنده , فهذا هو عنوان السعادة و منشور الولاية وهو الذي إذا لم تتصف به النفوس حصلت له خسارة الدنيا و الآخرة .



(الحق من ربك )
هذا هو الأساس هذا هو الأصل , فلا تكونن يا محمد من لممترين .



(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )

العبرة بماذا بالاستباق إلى الخيرات

يقول ابن السعدي : والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها, يتضمن فعلها, وتكميلها, وإيقاعها على أكمل الأحوال, والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات, فهو السابق في الآخرة إلى الجنات,فالسابقون أعلى الخلق درجة،
( اللهم ارزقنا الجنة يا حي يا قيوم )


والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل, من صلاة, وصيام, وزكوات وحج, عمرة, وجهاد, سباق ياخوة


, ونفع متعد وقاصر. ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير, وينشطها,
ما رتب الله عليها من الثواب قال :

( أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا )

أي عمل تقدمه , في أي مكان , و أي ساعة و في أي لحظ و مع أي مخلوق من المخلوقات هو لك ثواب – بإذن الله -
فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته, فيجازي كل عامل بعمله


ويستدل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل، كالصلاة في أول وقتها, والمبادرة إلى إبراء الذمة, من الصيام, والحج, والعمرة, وإخراج الزكاة, والإتيان بسنن العبادات وآدابها, فلله ما أجمعها وأنفعها من آية



ثم يقول الله تعالى :
( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )




في أي سفر في أي مكان اتجهت له
(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )


ثم خاطب الأمة عموما فقال:
( وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ )

أولا خاطب محمد –صلى الله عليه وسلم –
(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )


ثم خاطب الأمة عموما قال:
(وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه )

وهذا يدل عندما تغيرت القبلة - سبحان الله - على أنه ستحصل فتنة عظيمة أشاعها أهل الكتاب و المنافقون و المشركون و أكثروا فيها من الكلام والشبه ,

فلهذا بسطها الله تعالى وبينها أكمل بيان , و أكدها بأنواع التأكيدات ومنها أنه خاطب النبي – صلى الله عليه وسلم بالبداية ثم خاطب الأمة بعدها , وهذا يدل على عظم الأمر و فداحة الأمر ,


{ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}

بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم, فتأدبوا معه, وراقبوه بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه، فإن أعمالكم غير مغفول عنها, بل مجازون عليها أتم الجزاء, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر.




{ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }
أي: شرعنا لكم استقبال الكعبة

المشرفة, لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل الكتاب والمشركين،

فماهي هذه الحجج ؟
سبحان الله فإنه لو بقي مستقبلا بيت المقدس, لتوجهت عليه الحجة، فإن أهل الكتاب, يعلمون أن القبلة ستتغير إلى الكعبة , البيت الحرام وأنها هي القبلة المستقرة,

والمشركون يرون أن من مفاخرهم, هذا البيت العظيم, وأنه من ملة أبينا إبراهيم, وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم, توجهت نحوه حججهم


وقالوا: كيف يدّعي أنه على ملة إبراهيم, وهو من ذريته, وقد ترك استقبال قبلته؟
فباستقبال الكعبة قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين, وانقطعت حججهم عليه.


{ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }
أي:إلا الظالم 


فلهذا قال تعالى:
{ فَلَا تَخْشَوْهُمْ }
لأن حجتهم باطلة, والباطل كإسمه مخذول, مخذول صاحبه،
وهذا بخلاف صاحب الحق, فإن للحق صولة وعزا, يوجب خشية

من هو معه,

فكان صرف المسلمين إلى الكعبة, مما حصلت فيه فتنة كبيرة و عظيمة


فقال الله تعالى:
(وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ)
فمجرد إخبار الله الصادق العظيم , كاف شاف


(وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ)
وهو العالم سبحانه وتعالى بالخفيات لأن أهل الكتاب متقرر عندهم صحة هذا الأمر ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم بها


ولما كان توليته لنا إلى استقبال القبلة, نعمة عظيمة, وكان لطفه بهذه الأمة ورحمته, لم يزل يتزايد, وكلما شرع لهم شريعة, فهي نعمة عظيمة منه

فقال:
{ وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ }

فأصل النعمة, الهداية لدينه,ولقد قلنا أن أعظم نعمة

يعطينا الله إياها هي الهداية ولأتم نعمتي بإرسال رسوله, وإنزال كتابه، و تغيير تغيير القبلة , ثم بعد ذلك النعم المتممات لهذا الأصل, فالحمد لله على فضله الذي لا نبلغ له عدا ،


{ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
أي: تعلمون الحق, وتعملون به، فالله تبارك وتعالى - من رحمته - بالعباد, قد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير, ونبههم على سلوك طرقها ( كيف تطرق هذه الهداية ؟), وبينها لهم أتم تبيين.



ثم يقول الله تعالى بعدها :  
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ

وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)



يقول تعالى: إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة, ليس ذلك بغريب بل هو من إحسان الله سبحانه وتعالى ,لأن هذه الأمة أعظم الأمم فأنعم على هذه الأمة بنعم عظيمة .


(يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا }
وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل, والهدى من الضلال, التي دلتكم أولا, على توحيد الله وكماله, ثم على صدق رسوله صل الله عليه وسلم 

{ وَيُزَكِّيكُمْ }
أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم, بتربيتها على الأخلاق الجميلة, وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة,.


{ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ }
أي: القرآن

{ وَالْحِكْمَةَ }

السنة,

{ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }
فالله سبحانه وتعالى هنا يعدد نعمه العظيمة علينا سبحانه , لأنهم كانوا قبل بعثته, في ضلال مبين, لا علم ولا عمل، فكل علم أو عمل, نالته هذه الأمة فعلى يده صلى الله عليه وسلم, وبسببه كان،


فهذه النعم هي أصول النعم على الإطلاق, كل النعم التي ذكرناها هي أصول النعم وهي أسس النعم , وأي نعم غيرها تندرج تحتها ,


ثم بعدها علمنا كيف نشكر الله –عزوجل – على هذه النعم
قال تعالى:
{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم}

فأمر تعالى بذكره, ووعد عليه أفضل جزاء, وهو ذكره لمن ذكره, كما قال تعالى على لسان رسوله صل الله عليه وسلم :
{ من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم } 

ثم قال: { وَلَا تَكْفُرُونِ }
المراد بالكفر هاهنا ما يقابل الشكر, فهو كفر النعم
أي نعمة يعطينا إياها الله سبحانه وتعالى لا نشكرها معناها كفر بها وهذه حقيقة , فلابد أن نعدد نعم الله و نشكرها .

ثم قال بعدها :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )

فهذه النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى تحتاج إلى استعانة , كيف نستعين يالله ؟ كيف نشكر الله ؟


استعينوا بأمرين

أمر الله تعالى المؤمنين, بالاستعانة على أمورهم الدينية والدنيوية { بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ }

فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره, 
الصبر محتاج إليه العبد, بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله، فلهذا أمر الله تعالى به, وأخبر أنه { مَعَ الصَّابِرِينَ }


فهذه أكبر معية أن يكون الله معك ، فلو لم يكن

للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله, لكفى بها فضلا وشرفا،

وأما المعية العامة, فهي معية العلم والقدرة كما في قوله تعالى:
{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ }
وهذه عامة للخلق.

وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة لأن الصلاة

هي عماد الدين, ونور المؤمنين, وهي الصلة بين العبد وبين ربه، فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة, مجتمعا فيها ما يلزم فيها, وما يسن, وحصل فيها حضور القلب الذي هو لبها فصار العبد إذا دخل فيها, استشعر دخوله على ربه –سبحانه وتعالى -



نسأل الله عزوجل أن يجعلنا ممن نجعل الصلاة نبراسا لنا وهدى ونورا



الصلاة يا اخوة عظيمة أي أمر تشتك منه , أي أمر تتألم منه أي ذنب تعمله عليك بالصلاة , إذا اهمك أمر عليك بالصلاة , إذا اجتمعت عليك الخطوب عليك بالصلاة , إذا حزنت عليك بالصلاة . إذا أذنبت ذنبا عليك بالصلاة ,

الجئ للصلاة تجد كل الفتوحات في الصلاة , تجد أسرار الأنبياء الذين استجيب لهم اغلبهم استجاب لهم وهم في المحراب ,
المحراب سر عظيم بينك وبين الله .



سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك

و أتوب إليك .

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق