الثلاثاء، مايو 31، 2016

تفريغ سورة البقرة من آية 164 إلى آية 169







الوجه الرابع والعشرون من سورة البقرة



يقول الله تعالى :
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

يخبر الله تعالى أن في هذه المخلوقات العظيمة


آيات أي: أدلة على وحدانية الله سبحانه وتعالى الباري ، وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته،

{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

لقوم يفهمون : لمن لهم عقول يعملونها فيما خلقت له

{ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ }

و ارتفاعها واتساعها, وإحكامها, وإتقانها, وما جعل الله فيها من الشمس والقمر, والنجوم, وتنظيمها لمصالح العباد.

وفي خلق { الْأَرْضِ }
كيف أن الله عز وجل مهدها للخلق ؟
وكيف ينتفعون بها؟


والاعتبار و ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير, والملك سبحانه جل وعلى .


ثم يقول تعالى :{والأرض}

يعني أن في خلق السموات والأرض
و الأرض أي فيها مخلوقات عظيمه
أتقنها, وأحسنها ونظمها, بعلمه ورحمته 

أودع بها ما أودع, من منافع الخلق ومصالحهم, وضروراتهم وحاجاتهم.

وفي ذلك أبلغ الدليل على كماله, واستحقاقه أن يفرد الله عز وجل بالعبادة, لانفراده بالخلق والتدبير _سبحانه_

و{ اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }

تعاقبهما على الدوام, إذا ذهب أحدهما, خلفه الآخر، وفي اختلافهما في الحر, والبرد, والتوسط, وفي الطول, والقصر, والتوسط, وما ينشأ عن ذلك من الفصول, التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم , وجميع ما على وجه الأرض , من أشجار ونوابت، كل ذلك بانتظام وتدبير, وتسخير, تنبهر له العقول, وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول, ما يدل ذلك على قدرة مصرفها, وعلمه وحكمته, ورحمته الواسعة, ولطفه الشامل, وتصريفه وتدبيره, الذي تفرد به, وعظمته, وعظمة ملكه وسلطانه.

ثم يقول : { وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ }

وهي السفن والمراكب ونحوها, مما ألهم الله به عباده صنعتها, وخلق لهم من الآلات الداخلية والخارجية ما أقدرهم عليها.

ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح, التي تحملها بما فيها من الركاب والأموال, والبضائع التي هي من منافع الناس, وبما تقوم عليه مصالحهم وتنتظم معايشهم.

ثم يقول الله تعالى :{ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ }

وهو المطر النازل من السحاب.

{ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }

فأظهرت من أنواع الأقوات, وأصناف النباتات, ما هو من ضرورات الخلائق, التي لا يعيشون إلا بها.

أليس ذلك دليلا على قدرة من أنزله, وأخرج به ما أخرج ورحمته, ولطفه بعباده, وقيامه بمصالحهم, وشدة افتقارهم وحاجتهم إليه - سبحانه وتعالى - 

ما يوجب ذلك أن يكون هو معبودهم وإلههم
أليس ذلك دليلا على إحياء الموتى ومجازاتهم بأعمالهم ؟

ثم يقول الله تعالى : { وَبَثَّ فِيهَا }

أي: في الأرض

{ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ }
أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة, ما هو دليل على قدرته وعظمته, ووحدانيته وسلطانه العظيم، وسخرها للناس, ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع.

فمنها : ما يأكلون من لحمه, ويشربون منه ،

ومنها: ما يركبون،
ومنها: ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم, و ما يعتبرون به .

ثم يقول الله تعالى : { وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ }
-سبحان الله -أي أن الرياح قد تكون  باردة وقد تكون حارة, جنوبا ،شمالا, شرقا دبورا وبين ذلك، وتارة تثير السحاب, وتارة تؤلف بينه, وتارة تلقحه, وتارة تدره, وتارة تمزقه وتزيل ضرره, وتارة تكون رحمة, وتارة ترسل بالعذاب.


فمن الذي صرفها هذا التصريف؟
ومن الذي أودع فيها من منافع العباد ما لا يستغنون عنه؟
أليس هو الله -سبحانه وتعالى ؟
أليس من القبيح بالعباد, أن يتمتعوا برزقه, ويعيشون ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه؟
أليس ذلك دليلا على حلمه وصبره, وعفوه وصفحه, وعميم لطفه؟ -سبحانه -
فله الحمد أولا وآخرا,  وظاهرا وباطنا.

ثم يقول الله -تعالى - :
{
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}


ما أحسن اتصال هذه الآية بما قبلها،

فإنه تعالى, لما بين وحدانيته وأدلتها القاطعة, وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين المزيلة  للشك

قال : { ومِنَ النَّاسِ }
 مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين أندادا : نظراء مثلاء, يسوونهم بالله -عز وجل -  بالمحبة,والعبادة والتعظيم والطاعة.

في قوله : { اتخذوا }

 دليل على أنه ليس لله ند حقيقة وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادا , تسمية مجردة, ولفظا فارغا من المعنى،

فالمخلوق ليس ندا لله لأن الله هو الخالق, وغيره مخلوق, والرب الرازق ومن عداه مرزوق, والله هو الغني وأنتم الفقراء، وهو الكامل من كل الوجوه, والعبيد ناقصون من جميع الوجوه، والله هو النافع الضار, والمخلوق ليس له من النفع والضر والأمر شيء،


فعلم لنا علما يقينا, بطلان قول من اتخذ من دون الله آلهة وأندادا، سواء كان ملكا أو نبيا , أو صالحا, أوصنما، وأن الله  _عز وجل_ وحده هو المستحق للمحبة الكاملة, والذل التام،

فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله: { َالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }
 أي: من أهل الأنداد لأندادهم, لأنهم أخلصوا محبتهم لله وهؤلاء أشركوا بها، ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة, الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه، والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئا,

{ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } 
باتخاذ الأنداد والانقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله, وسعيهم فيما يضرهم.

 { إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ } 
أي: يوم القيامة عيانا واضحا بأبصارهم، 

{ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاِ } 
لعلموا علما جازما, أن القوة والقدرة كلهالله, وأن أندادهم ليس فيها من القوة شيء، فتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها, لا كما اشتبه عليهم في الدنيا, وظنوا أن لها من الأمر شيئا, وأنها تقربهم إليه وتوصلهم إليه، فخاب ظنهم, وبطل سعيهم, وحق عليهم شدة العقاب .

ثم يقول الله :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ...}
هذا خطاب للناس كلهم, مؤمنهم كافرهم، فامتن الله عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض، من حبوب, وثمار, وفواكه, وحيوانات,


{ِ حَلَالًا }
محللة لكم تناوله، ليس بغصب ولا سرقة.

 { طَيِّبًا } 

ليس بخبيث, كالميتة والدم, ولحم الخنزير,
وهذا يدل على أن الأصل الحلال ، إلا ما اتى دليل على ذلك

ثم قال الله -سبحانه وتعالى - :
 { وَلَاتَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ }

أي : طرقه التي يأمر بها, وهي جميع المعاصي من كفر, وفسوق, وظلم.

 { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }

ظاهر العداوة, فلا يريد أن يأمركم إلا فيه ما يغشكم, وأن تكونون من أصحاب السعير.

{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ }

الشر الذي يسوء صاحبه, فيدخل في ذلك, جميع المعاصي،

فيكون قوله: { وَالْفَحْشَاءِ } 
من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الفحشاء من المعاصي ما تناهى قبحه, كالزنا, وشرب الخمر, والقتل, والقذف, والبخل ونحو ذلك, مما يستفحشه من له عقل،

 { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } 

فيدخل في ذلك, القول على الله بلا علم, في شرعه, وقدره، فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله, أو نفى عنه ما أثبته لنفسه, أو أثبت له ما نفاه عن نفسه, فقد قال على الله بلا علم

ومن زعم أن لله ندا, وأوثانا, تقرب من الله -عز وجل- زلفى, فقد قال على الله بلا علم، ومن قال: إن الله أحل هذا, و حرم هذا, أو نهى عن هذا, وليس له علم بذلك وليس هو على بصيرة, فقد قال على الله بلا علم،

ومن أعظم القول على الله بلا علم, أن يتأول المتأول كلامه , أو كلام رسوله, على معان اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال, 

فالقول على الله بلا علم , من أكبر المحرمات, وأشملها, وأكبر طرق الشياطين التي يدعون إليها،
أما الله -عز وجل -, فإنه يأمر بالعدل والإحسان, وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر .

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق