الوجه الخامس والعشرون من سورة البقرة
يقول تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ )
يخبر الله تعالى عن حال المشركين اذا أمروا بإتباع ما أنزل الله على رسوله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ابائنا
بمعنى ما اعتدنا علية فاكتفوا بتقليد الآباء وزهدوا في الايمان بالأنبياء ، بالرغم من ان آبائهم اجهل الناس وأشدهم ضلاله وهذه شبهة لرد الحق واهية
بعض كبار السن حينما تقوم بنصحه وتوجيهه لوجود بعض الاخطاء في العقيدة يردون عليك ( جميع آبائنا كانوا يفعلون هكذا )
(بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)
بعض الذين يكون لديهم بدع وخرافات , وعندما أبنائهم تعلموا واستزادوا علما وأرادوا أن يوجهوهم
يردون عليهم : انتم الصغار تعلمونا وتوجهونا ونحن طوال عمرنا نعرف هذه المقولة أو نصلي هذه الصلاة
يقول الله عز وجل لما أتى محمد صلى الله عليه وسلم إلى قريش
ماذا قالوا ؟ (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا )
يرد الله عز وجل يقول : ( أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)
أي لا يفهمون ولن يصلوا إلى الحق
( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )
اوضح الله هنا عدم انقيادهم لما جائت به الرسل وردهم لذلك بالتقليد لآبائهم , في الحقيقة ليس دائم الاباء على حق وعمل الاباء والأجداد ليس دليل على صحتهم , وعلم من ذلك أنهم غير قابلين للحق ولا مستجيبين له بل كان معلوم لكل أحد أن عنادهم لن يزول وهنا اخبر الله تعالى ان عند دعاء الداعي لهم للإيمان مثلهم كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها وليس لها علم بما يقول داعيها ومناديها وهم يسمعون مجرد الصوت الذي تقوم به عليهم الحجة الذي لا يفقهونه فقها ينفعهم
فلهذا كانوا صم لا يسمعون الحق , السماع الذي يستجيبون فيه ويقبلونه
عميا لا ينظرون نظرة اعتبار
بكم فلا ينطقون مافيه خير لهم
والسبب الموجب لذلك كله أن ليس لهم عقل صحيح , عقولهم ليست نظيفة
لذلك دائما يجب أن نراجع قلوبنا وعقولنا لأن من الممكن ان تأتي وتدخل شوائب فلابد من تطهيرها بالقرآن بتدبر وتلاوة القرآن وفهم كتاب الله عز وجل
والسبب الموجب لذلك أن ليس لهم عقل صحيح , فهم أسفل السفهاء وأجهل الجهلاء , فهل يستريب العاقل أن من دعا إلى الرشاد , وديد عن الفساد , ونُهي عن اقتحام العذاب , وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه وفوزه ونعيمه , فعصى الناصح , وتولى عن أمر ربه , واقتحم النار على بصيرة , واتبع الباطل ونبذ الحق
أن هذا ليس له ذرة من عقل ولو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء فإنه من أسفه السفهاء
ولقد ذكرنا أن السفيه لا يعرف مصلحة نفسه
حتى اذا سُمي عند الناس ذكي , بما انه لا يعرف مصلحة نفسه فهو جاهل سفيه
حتى لو أنه يملك أعلى الشهادات
وكيف يتم معرفة مصلحة النفس ؟ يفترض على العاقل أن يعرف مصلحة نفسه في الآخرة فهي الحياة الأبدية الباقية
يهتم فيها أولا ثم يهتم بالدنيا
( وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا )
الله سبحانه قال ولا تنسى لم يقل اشتغل عليها ولا تنسى الآخرة مثل حالنا الآن
الأصل العمل والجد والاجتهاد للآخرة
ثم خذ من الدنيا شيء بسيط يجعلك تسير السير الصحيح
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
هنا خص الله تعالى الخطاب للمؤمنين وهذا امر للمؤمنين خاصة وذلك لأنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي بسبب ايمانهم فأمرهم الله عز وجل بأكل الطيبات من الرزق والشكر لله على انعامه
كيف نشكر الله ؟
يجب علينا أن نستعمل نعمه في طاعته
هذا هو الشكر الحقيقي , هذا هو تجسيد للشكر الحقيقي
ليست كلمات تقال فقط , لا نحن نحتاج شكر قول وشكر فعل
أن الشاكرين هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي
بسبب ايمانهم فأمرهم الله عز وجل بأكل الطيبات من الرزق والشكر لله على إنعامه, باستعمالها بطاعته, والتقوي بها على ما يوصل إليه
فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا )
الشكر في هذه الآيه بمعنى العمل الصالح
(إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
أي: فاشكروه، فدل على أن من لم يشكر الله, لم يعبده وحده
كما أن من شكره, فقد عبده, وأتى بما أمر به، ويدل أيضا على أن أكل الطيب, سبب للعمل الصالح وقبوله
اذا تهتم وتجعل أكلك حلال وتطهر نفسك من الربا وأكل الحرام
هذا كله بإذن الله يدعوك إلى العمل الصالح
اذا الهداية لا تأتي هكذا
يوجد أشياء يجب أن تعملها حتى تصل إلى درجة أن تكون هادي صالح ومصلح
والأمر بالشكر, عقيب النعم؛ لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة, ويجلب النعم المفقودة
اذا تريد أن تحافظ على النعم التي لديك وصلاح ابنائك وهدوء بيتك واستقرارك وعافيتك وعلاقاتك وعملك ومالك
كل هذا ؟ يجب ان تركز على الشكر وتحفظها بالشكر
الشكر يحفظ النعم الموجودة, ويجلب النعم المفقودة
كما أن الكفر, ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة.
( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
( الْمَيْتَةَ ) : وهي من ماتت بغير تذكية شرعيه لان الميته خبيثة ومضره وهي غالبا ماتكون فيها مرض بردائتها في نفسها فيكون زيادة ضرر
واستثى الشارع من هذا ميتت الجراد والسمك فانه حلال طيب
( وَالدَّمَ ) : يقصد به الدم المسوح
(وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) : اي ما ذبح لغير الله كالذي يذبح عند الاصنام والأوثان والأحجار والقبور ونحوها
( فَمَنِ اضْطُرَّ ) أي: ألجئ إلى المحرم, بجوع أو إكراه
( غَيْرَ بَاغٍ ) أي: غير طالب للمحرم, مع قدرته على الحلال, أو مع عدم جوعه
يعني هو لا يطلب الحرام بل اضطر له
( وَلا عَادٍ ) أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له, اضطرارا
يعني يفترض بما انه اضطر لهذا الشيء يأخذ على مقدار الحاجه فقط لا يزيد
( فَلا إِثْمَ ) : أي يرتفع الجناح
الانسان بهذه الحالة مأمور بالأكل بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة أو يقتل نفسه
الله سبحانه وتعالى غفور رحيم
لذلك ختم الآية: ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
لأن الأمور هذه كلها تحتاج إلى رحمته ومغفرته سبحانه وتعالى
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم )
تكررت هذه الآيه كثير في سورة البقرة لان اليهود لديهم هذه الظاهرة في كتمان الحق ومن كتم الحق فهو يتشبه في اليهود
اذا حصل أمر أو موقف وكان ذلك يتطلب شهادة الحق
فاذا كنت متواجد وكتمت الحق هذا يعني انك تشبهت باليهود
أو وقفت مع فلان من أجل فلان فقد تشبهت باليهود لأن اليهود
لأن اليهود أصحاب هوى
شخص جاء يفتيك وأنت تعلم أن الأمر حرام فأنت تعلم اذا قلت له هذا حرام سوف تفقد وتخسر الشخص فذهبت لتلوي الأدلة من أجل رضائه هذا يعتبر هوى
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا )
الثمن القليل ليس بالشرط أن يكون مال
قد يكون رضا الناس أو جاه أو منصب أو مدح وثناء
( أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ )
هذا وعيد شديد لمن كتم ما انزل الله على رسله من العلم الذي اخذ الله الميثاق على أهله ان يبينوه للناس ولا يكتمونه
تبيع الحطام الدنيوي للآحرة !
تشتري الحطام الدنيوي بالآخرة !
(مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ )
لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه إنما حصل لهم بأقبح المكاسب وأعظم المحرمات فكان جزائهم من جنس عملهم والله سبحانه وتعالى
عادل حكيم رحمن
هذه الأسماء الثلاثة أسماء الله الحسنى أفهمها أعقلها تدبرها
أن الله حاكم عادل حكيم رحمن
لماذا قال سبحانه وتعالى بطونهم ؟ لأن دائما الاشتراء معناه مكسب والمكسب دائما يكون في البطن
فلذلك الله تعالى خصّ البطن هنا
(وَلَا يُزَكِّيهِمْ )
بل قد سخط عليهم واعرض عنهم
لايطهرهم من الاخلاق الرذيله وليس لهم اعمال تنفع للمدح والرضا والجزاء عليها
ولا يكلمهم يوم القيامة بل قد سخط عنهم واعرض عنهم وهذا اعظم عليهم من عذاب النار
اما التزكية فكيف يزكيهم وهم لم يبذلوا أسباب التزكية
أبدل دائما أسباب التزكية زكي نفسك وطهر نفسك
لا ترضي هواك والنفس
أخطر شي عليك , هي النفس التي بين جنبيك
هي التي قد ترديك
اللهم غني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان
بدأ الرسول صل الله عليه وسلم بالنفس قبل أن يقول الشيطان
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)
إذا هؤلاء نبذوا كتاب الله وأعرضوا عنه واختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار فكيف يصبرون عليها وأنّ لهم الجلد الذي يصبر عليها
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ )
هذا شي عظيم وصف من الله تعالى كلمة وقاعدة جميلة
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ )
وقفنا معها في بداية السورة
الآن الله سبحانه أضاف
( وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ )
هم اشتروا حياة العذاب حتى يرضوا انفسهم وهواهم بمغفرة الله سبحانه وتعالى
وفي فرق شاسع بين أن ترضي الله سبحانه وتعالى وبين أن ترضي الناس
الناس أطراف كثيرة لكن الله سبحانه وتعالى واحد
افرديه بالعبادة ترضينه
ماذا يرضي الناس ؟
الله سبحانه وتعالى رحيم غفور حكيم عزيز عليم غني
لكن سفه عقولنا أننا نبحث عن رضى الناس على رضاه
على الرغم من أنه هو المنعم والمتفضل هو الغفور والرحيم والمعطي وهو المانع
( فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)
احتقار لهم واستهزاء بهم لأنهم لا يستطيعون أن يصبروا على النار ابدا
النار لا تطاق ( اللهم إني أعوذ بك من حر جهنم )
( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)
( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) :
ومن الحق, مجازاة المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته.
وأيضا في قوله : ( نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) ما يدل على أن الله أنزله لهداية خلقه,
اذا لم يهدينا هذا الكتاب ولا غير قلوبنا ونفوسنا معناها تشبهنا باليهود والنصارى وأساسا هذا الكتاب نزل لهداية خلقه وتبيين الحق من الباطل, والهدى من الضلال، فمن صرفه عن مقصوده, فهو حقيق بأن يجازيه بأعظم العقوبة.
( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) أي: وإن الذين اختلفوا في الكتاب, فآمنوا ببعضه, وكفروا ببعضه، والذين حرفوه وصرفوه على أهوائهم ومراداتهم
( لَفِي شِقَاقٍ ) أي: محادة،
( بَعِيدٍ ) عن الحق لأنهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض، فكثر شقاقهم,
وقد تضمنت هذه الآيات, الوعيد للكاتمين لما أنزل الله, المؤثرين عليه, عرض الدنيا بالعذاب والسخط, وأن الله لا يطهرهم بالتوفيق, ولا بالمغفرة، وذكر السبب في ذلك بإيثارهم الضلالة على الهدى، فترتب على ذلك اختيار العذاب على المغفرة، هم هذا طريقهم هم الذي أرادوا ذلك
نسأل الله عز وجل أن يعفو عنا ويغفر لنا يا ذا الجلال والإكرام
وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق