الثلاثاء، يناير 17، 2017

تفريغ سورة الأعراف من آية 150 إلى آية 155




بسم الله الرحمن الرحيم

الوجه التاسع عشر من سورة الأعراف 

قال تعالى :(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (150)

} وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا { 
أي: ممتلئا غضبا وحنقا وغيظا عليهم ، لتمام غيرته عليه السلام، وكمال نصحه وشفقته.
قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي }
أي: بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم
. فإنها حالة تفضي إلى الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي 
} أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ { حيث وعدكم بإنزال
الكتاب فبادرتم - برأيكم الفاسد - إلى هذه الخصلة القبيحة.

وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ }
.أي: رماها من الغضب 
{وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} 
هرون ولحيته } يَجُرُّهُ إِلَيْهِ { وقال له:} مَا مَنَعَكَ
إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي {
حينما قلت أخلفني في قومي وأصلح ولاتتبع سبيل المفسدين ، لذلك يقول موسىعليه السلام } أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي { }قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا
تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ
فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي {
و } قَالَ { هنا }ابْنَ أُمَّ {هذا ترقيق لأخيه، بذكر الأم وحدها، وإلا
فهو شقيقه لأمه وأبيه.
} إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي { أي: احتقروني
حين قلت لهم
 يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) سورة طه 

 {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي { 
أي: فلا تظن بي تقصيرا 
} فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ { بنهرك لي ومسكك إياي بسوء ، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة، أو يطلعوا لي على زلة.

} وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ { فتعاملني معاملتهم.

فندم موسى عليه السلام، على ما استعجل من صنعه بأخيه، قبل أن يعلم براءته، مما ظنه فيه من التقصير، لذلك ينبغي لنا ان لانستعجل ولانصدر
الحكم مباشرة وانما نسأل ونتثبت فموسى عليه السلام ندم.

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )  (151) 

و } قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي {هرون 
} وَأَدْخِلْنَا فِيرَحْمَتِكَ {
أي: في وسطها واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب فإنها حصن حصين من جميع الشرور وثم كل الخير وسرور.
}وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } أي: أرحم بنا من كل راحم ، أرحم بنا من آبائنا،وأمهاتنا، وأولادنا، وأنفسنا .




)إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) (152) 

قال اللّه تعالى - مبينا حال أهل العجل الذين عبدوه: 
} إِنَّ الَّذِينَاتَّخَذُوا الْعِجْلَ { أي: إلها
} سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا { كما اغضبوا ربهم واستهانوا بأمره.
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } 
فكل مفتر على اللّه، كاذب على شرعه، متقوّل عليه ما لم يقل، فإن له نصيبا من الغضب من اللّه والذل في
الحياة الدنيا.
وقد نالهم غضب اللّه حيث أمرهم أن يقتلوا أنفسهم، وأنه
لا يرضى اللّه عنهم إلا بذلك.
فقتل بعضهم بعضا، وانجلت المعركة عن كثير
من القتلى ثم تاب اللّه عليهم بعد ذلك.



) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )(153)


ولهذا ذكر حكما عاما يدخلون فيه هم وغيرهم فقال
: } وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ {
من شرك، وكبائر، وصغائر.
 } ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا }
 بأن ندموا على ما مضى، وأقلعوا عنه، وعزموا 
على أن لا يعودوا 
{وَآمِنُوا { باللّه، وبما أوجب اللّه من الإيمان به.
ولا يتم الإيمان، إلا بأعمال القلوب، وأعمال الجوارح المترتبة على
الإيمان.
}إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا { أي: بعد هذه الحالة، حالة
التوبة من السيئات والرجوع إلى الطاعات
} لَغَفُورٌ} يغفر السيئات ويمحوها، ولو كانت ملء قراب الأرض. } رَحِيمٌ { بقبول التوبة، والتوفيق
لأفعال الخير وقبولها.


( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ )(154)

{ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ }
 أي: سكن غضبه، وتراجعت نفسه
وعرف ما هو فيه، اشتغل بأهم الأشياء عنده.
فـ }أَخَذَ الْأَلْوَاحَ {التي ألقاها، وهي ألواح عظيمة المقدار،
 جليلة 
.وَفِي نُسْخَتِهَا{  مشتملة ومتضمنة}
 {هُدًى وَرَحْمَةً} 
 أي: فيه الهدى من الضلالة، وبيان الحق
 من الباطل وأعمال الخير، وأعمال الشر
والهدى لأحسن الأعمال، والأخلاق، والآداب، ورحمة وسعادة، لمن عمل بها،
وعلم أحكامها ومعانيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هدى اللّه ورحمته،
وإنما يقبل ذلك وينقاد له، ويتلقاه بالقبول
} لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ { 
يخافون منه ويخشونه، وأما من لم يخف اللّه،
ولا المقام بين يديه، فإنه لا يزداد بها، إلا عتوا ونفورا، وتقوم عليه
حجة اللّه عزوجل فيها.




( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)) 




و لما تاب بنو إسرائيل وتراجعوا إلى رشدهم 
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} :

{أي: منهم  سَبْعِينَ رَجُلًا من خيارهم ، ليعتذروا لقومهم عند ربهم،
ووعدهم اللّه ميقاتا يحضرون فيه، فلما حضروه قالوا: يا موسى { أَرِنَااللَّهَ جَهْرَةً فتجرأوا على اللّه جراءة كبيرة، وأساءوا الأدب معه فـ { أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } : فصعقوا وهلكوا، فلم يزل موسى عليه
الصلاة والسلام يتضرع إلى اللّه ويتبتل
{قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ أن يحضروا ويكونون في حالة يعتذرون فيها لقومهم فصاروا هم الظالمين.
{ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا } أي: ضعفاء العقول ، سفهاء الأحلام، فتضرع إلى اللّه، واعتذر بأن
المتجرئين على اللّه ليس لهم عقول كاملة
 تردعهم عما قالوا وفعلوا،وبأنهم حصل لهم فتنة يخطر بها الإنسان، ويخاف من ذهاب دينه فقال: 

{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ
تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ
الْغَافِرِينَ } 
أي: أنت خير من غفر، وأولى من رحم، وأكرم من أعطى،
وتفضل، فكأن موسى عليه الصلاة والسلام،
 قال: المقصود يا رب بالقصد الأول لنا كلنا، هو التزام طاعتك، والإيمان بك، وأن من حضره عقله ورشده،
 وتم على ما وهبته من التوفيق، فإنه لم يزل مستقيما، وأما من ضعف عقله وسفه رأيه, وصرفته الفتنة،
 فهو الذي فعل ما فعل، لذالك السببين،
 ومع هذا فأنت أرحم الراحمين، وخير الغافرين، 
فاغفر لنا وارحمنا.


وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 
سبحانك اللهم وبحمده أشهد أن لا إله الا الله أستغفرك وأتوب اليه.

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق