الوجه
الثامن والعشرون من سورة البقرة
يقول
تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ
لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ
بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )
(أُحِلَّ
لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ)
كان
هذا في أول فرض الصيام , كان يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب
والجماع , حرم عليهم في الليل بعد النوم حين ينامون وتنتهي مدة الفطر عندهم , تبدأ
مباشرة
مدة
الصيام
فحصلت
المشقة لبعض المسلمين ,فخفف الله تعالى لهم ذلك , وأباح في ليالي الصيام كلها
الأكل والشرب والجماع سواء نام أم لم ينم .
سابقا
كان إن نام احد المسلمين انتهى فطره وبدأ صيامه ,لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض
ما أمروا به , فتاب الله عليكم فوسع عليكم أمرا كانوا لولا توسعته موجبا للأثم
وعفا عليكم
ماسلف
من التخون .
فالآ
أي بعد هذه الرخصة والسعه من الله عز وجل سبحانه وتعالى (بَاشِرُوهُنَّ) وطئا
وقبلة ولمسا وغير ذلك
واعفاف
فرج الزوجة والزوج وحصول مقاصد النكاح
(وَابْتَغُوا
مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ)
أي
أنوو في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى ,
والمقصود
الأعظم من الوطء هو حصول الذرية,و اعفاف فرج الزوجة والزوج وحصول مقاصد النكاح
ممكن
يدخل فيها ليلة القدر الموافقة لليالي صيام رمضان , فلا ينبغي لكم أن تشتغلوا بهذه
اللذات وتضيعوا هذه الليلة العظيمه .
ليلة
القدر إذا فاتت لم تدرك لكن غيرها ممكن أن يدرك .
(وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)
هذا
غاية للأكل والشرب والجماع , وفيه أنه إذا اكل ونحوه شاكا في طلوع الفجر فلا بأس
عليه ,
وفيه
دليل على إستحباب السحور للأمر , وأنه يستحب تأخيره , أخذا من معنى رخصة الله عز
وجل وتسهيله للعباد .
فيه
دليل أيضا على أنه يجوز أن يدركه الفجر وهو جنب من الجماع قبل ان يغتسل ويصح صيامه
,
ثم
إذا طلع الفجر قال تعالى : (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)
أي
الإمساك عن المفطرات على الى الليل وهو غروب الشمس , ولما كان إباحة الوطء في
ليالي الصيام ليست إباحة عامة لكل أحد فإن المعتكف لايحل له ذلك
(وَلَا
تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)
أي
وانتم متصفون بهذه الصفه , وهي صفة الإعتكاف .
دلة
الأية على مشروعية الإعتكاف
(وهي
لزوم المسجد لطاعة الله تعالى )
وانقطاعا
إليه , وأن الإعتكاف لايصح إلا في المسجد ,
ويستفاد
كذلك أن الوطء من مفسدات الإعتكاف تلك أي
(تحريم
الأكل والشرب والجماع )
ونحوه
من المفطرات في الصيام , وتحريم الفطر على غير المعذور , وتحريم الوطء على المعتكف
ونحو ذلك من المحرمات .
(تِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ)
تلك
حدود الله التي حدها لعباده ونهاهم عنها ,
فلا
تقربوها , أبلغ من قوله (فلا تفعلوها)
لأن
القربان يشمل النهي عن فعله المحرم بنفسه , والنهي عن وسائله الموصلة إليه ,والعبد
مأمور بترك المحرمات والبعد عنها غاية مايمكنه , أي طريق ممكن يصل إلى هذا أبعده ,
كذلك يبين الله لعباده الأحكام السابقه أتم التبيين وأوضحها لهم أكمل
الإيضاح
.
(كَذَٰلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )
لماذا
يارب ؟ مالغايه ؟ مالمقصود ومالهدف ؟
لعلهم
يتقون
فإنهم
إذا بان لهم الحق إتبعوه
وإذا
تبين لهم الباطل إجتنبوه فإن الإنسن قد يفعل المحرم على وجه الجهل بأنه محرم .
أي
لايعرف ولو عرف تحريمه لم يفعله فإذا بين الله للناس أياته لم يبقى لهم عذر ولا حجه
ثم
يقول تعالى :
(وَلا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
)
(وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)
أموالكم
أي أموال غيركم أضافها الله إليهم لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه مايحب لنفسه
(مالك
أنت مال لأخيك المسلم)
ويحترم
ماله كما يحترم مال نفسه , ولأن أكله لمال غيره , يجرىء غيره على أكل ماله عند القدره
,
والأكل
نوعين :
نوع
بحق ونوع بباطل ,
وكان
المحرم إنما هو أكلها بالباطل لذلك قيدها الله عز وجل بقوله : (بالباطل)
ويدخل
في ذلك أكلها اكلها على وجه الغصب , والسرقه والخيانه في وديعة أو عارية أو غيرها
,
كذلك
يدخل في أخذها باب غش في البيع والشراء ونحو ذلك ,
فمن
أدلى إلى الحاكم بحجة باطله وحكم له بذلك , فإنه لا يحمل له , ويكون أكلا لمال
غيره بالباطل والأثم , وهو عالم بذلك فيكون أبلغ في عقوبته , وأشد في نكاله
وعلى
هذا فالوكيل إذا علم ان موكله مبطل في دعواه , لم يحل له ان يخاصم عن الخائن
(
ولاتكن للخائنين خصيما) .
(وَتُدْلُوا
بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )
ثم
يقول الله تعالى :
(
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ
مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
(يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْأَهِلَّةِ)
وهي
جمع هلال أي مافائدتها ؟ ماحكمتها ؟
(قُلْ
هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ )
جعلها
الله بلطفه ورحمته على هذا التدبير
يبدو
الهلال ضعيفا في أول الشهر , ثم يتزايد الى نصفه , ثم يشرع بالنقص إلى كماله
وممكن
تبين حتى حال الدنيا تبدأ بالصغر مثل المولود و الطفل والشجره لما تنبت تبدأ صغيره
ثم حتى يصل إلى عمر معين ويبدأ بالنزول ,
وهو
مثل الأهله وهي قد تكون درس لنا , تبين حال نحن بني البشر , وحال هذه الدنيا
بأكملها , وأنه لا أحد علا و ارتفع وصعد إلا ينزل يوما ما,
وهكذا
الدنيا تتقلب بأهلها , اليوم نحن مسرورين وغدا الله أعلم بأحوالنا , فنسأل الله عز
وجل أن نكون جميعا بخير , وان نكون في مسرة لانقول دائمه لأن هذا محال , لكن نقول نسأل
الله عز وجل السرور في الحيوة الدنيا والأخره .
ثم
يتزايد إلى نصفه وهكذا ليعرف الناس بذلك مواقيت عباداتهم من الصيام وأوقات الزكاة والكفارات
و أوقات الحج لذلك خص الله عز وجل الحج وقال :
(
وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ) .
ولما
كان الحج يقع في أشهر معلومات ويستغرق أوقات كثيره خصه الله عز وجل فقال : (
والحج)
وكذلك
حتى يعرف الإنسن أوقات الديون المؤجلات , ومدة الإجارات ومدة العدد والحمل وغير
ذلك ...
(وَلَيْسَ
الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا )
وهذا
كما كان الأنصار ومن غيرهم من العرب إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت من أبوابها تعبدا
لله بذلك , وظنا أنه بر , فأخبر الله ان هذا ليس ببر , لأن الله تعالى لم يشرعه
لهم .
وهناك
قاعده خذوها : ( كل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله عز وجل ولا رسوله فهو متعبد
ببدعه)
وأمرهم
أن يأتوا البيوت من أبوابها , لما فيه من السهولة عليهم , التي هي قاعدة من قواعد
الشرع يسروا ولاتعسروا بشروا ولاتنفروا .
ويستفاد
من هذا أنه ينبغي في كل أمر من الأمور أن يأتيه الإنسن من الطريق السهل القريب
الذي قد جعل الله له موصلا ,
فالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ينظر في حالة المأمور ويستعمل معه الرفق والسياسه التي
أمر الله عز وجل بها وممكن
تحصل
المقصود
والمتعلم
والمعلم ينبغي أن يمتلك أقرب طريق وأسهله , وقيسوا على هذا واختاروا الطريق الأسهل
, أهم شي الوصول بأي وصلت لاحرج في ذلك
(
واتقوا الله )
هذا
هو البر الذي أمر عز وجل به وهو لزوم تقواه على الدوام بامتثال أوامره واجتناب
نواهيه , فإنه سبب للفلاح في الدراين ,
والفلاح
الذي هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب .
من
لم يتق الله لم يكن له سبيل إلى الفلاح , ومن إتقاه فاز بالفلاح و النجاح , اللهم إجعلنا
منهم يا أكرم الأكرمين .
(وَقَاتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .
(وَقَاتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ )
هذه
الأيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله عز وجل وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينه
, لما قوي المسلمون للقتال , أمرهم الله به بعدما كانوا مأمورين بكف أيديهم ,
وفي
تخصيص القتال في سبيل الله حث على الإخلاص ونهي عن الإقتتال في الفتن بين المسلمين
.
(
في سبيل الله )
تتكرر
دائما
(إجعل
دائما اهدافك وأعمالك في سبيل الله , فإن لم تكن في
سبيله
فعلينا التوقف وان لا نتعب أنفسنا ) .
والنهي
عن الإعتداء يشمل أنواع الإعتداء كلها من قتل من لم يقاتله سواء من النساء أو
المجانين أو الأطفال أو الرهبان أ و التمثيل بالقتلى أو قتل الحيوانات وقتل
الأشجار في غير مصلحة تعود للمسلمين .
ومن
الإعتداء كذلك مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها فإن ذلك لايجوز .
وخذوا
هذه الأية قاعده :
(وَلَا
تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )
في
كل الأمور بكل المقاييس , لاتكونوا انتم البادئين المعتدين فإن الله لايحب
المعتدين ,
من
هو المعتد ؟
الذي
تجاوز الحد يأخذ فوق حقه ويزيد على حقه هذا هو المعتد .
سبحانك
اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك
وأتوب إليك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق