الوجه الثاني والثلاثون من سورة البقرة
يقول الله تعالى :
{سَلْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ
نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
يقول الله تعالى:(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيل) أي يامحمد سل بني إسرائيل،
تدل على الحق وعلى صدق الرسل،
فتيقنوها وعرفوها، فلم يقوموا بشكر هذه النعمة
التي تقتضي القيام بها
-بل كفروا بها -
أن الحق لهذه النعمة التي أعطاهم الله إياها
( كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ )
الحق الذي جاءهم وصدق الرسل،
فعرفوا ذلك و تيقنوا ذلك ولكنهم لم يقوموا بشكر
هذه النعمة التي تقتضي القيام بها .
فماكان موقفهم ؟
بل كفروا بها وبدلوا نعمة الله كفراً.
فلهذا ماذا استحقوا ؟
استحقوا أن ينزل الله عزوجل عليهم عقابه ويحرمهم
من ثوابه .
في هذه الآية سمّى الله عزوجل كفر النعمة
تبديلاً لها ،ماالسبب؟
لأن من أنعم الله عليه بنعم دينية أو
دنيوية فلم يشكرها ولم يقم بواجبها فما مصيرها ؟
اضمحلت عنه وذهبت وتبدلت بالكفر والمعاصي ،فصار الكفر
بدل النعمة .
وأما من شكر الله تعالى وقام بحقها فإنها
تثبت وتستمر غالباً ،
إذا أديت شكر الله عز وجل بهذه النعمة التي
أعطاك إياها غالباً ماتثبت وتستمر ويزيدها الله عز وجل من فضله وجوده ،
فموقفنا من النعم شكرها..
دائماً النظر إلى من هم أقل منك
- انظر للحالات الأقل منك -
التي تعيش ظروفاً أسوأ منك،
واحمد الله
عزوجل أن جعلك بهذه العافية، وبهذه الصحة، وبهذه النعم التي تتقلب بها،
نحن ما المشكلة لدينا؟
إننا نتطلع
لأناس قد يكونون أو نحن نرى أنهم أفضل منا وقد لا يكونون أفضل ،
فنحن لانعلم
أسرار بيوتهم، ولانعلم حالاتهم، ولانعلم ظروفهم، ولانعلم الأمور التي يمرون بها ،
فقط نراهم في
حالات التزين أو في أي حال أخرى،
ولكن لا نعلم
مافي الداخل، ولانعلم ماهي ظروفهم،
فيجب علينا شكر
الله عزوجل باستمرار على نعمه التي أعطانا إياها.
وما منا إلا
وأعطاه الله عزوجل من النعم العظيمة ،
ولا يأتي أحد
ويقول أنا أعطاني الله أكثر
- اعلموا علم اليقين - أن الله عز وجل وزع
الأرزاق على الخلائق "بعدلٍ ورحمةٍ وحكمة”
وليس لدينا أدنى
شك بذلك .
ثم يقول الله تعالى :(زُيِّنَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)
قد تتزين الدنيا للذين كفروا أكثر
ـ وهذا زيادة فتنةٍ لهم -
(وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ
اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ)
يخبر الله تعالى أن الذين كفروا بالله وبآياته ورسله ولم
ينقادوا لشرعه ،
أنهم زُيّنت لهم
الحياة الدنيا فتزينت في أعينهم وقلوبهم ،
فرضوا بها
واطمأنوا لها،
وصارت أهوائهم وإراداتهم وأعمالهم كلها لها ،
فأقبلوا عليها
وأكبّوا في تحصيلها وعظموها،
وعظموا من
شاركهم في صنيعهم ،واحتقروا المؤمنين واستهزأوا بهم،
وقالوا : (أهؤلاء
منَّ الله عليهم من بيننا)
وهذا من ضعف عقولهم ونظرتهم القاصرة
فإن الدنيا
دارابتلاءٍ وامتحانٍ واختبار .
وماحصل لإخواننا المؤمنين - حجاج بيت الله الحرام-
في بيت الله الحرام
نسأل الله عزوجل أن يغفر لمن مات وأن يرحمه ، وأن يشفي المريض ياذا الجلال
والإكرام وأن يتقبل الشهداء .
ولاشك أن هذا لحكمة يعلمها الله عزوجل
فالله عزوجل لا نشك أبداً في تدابيره
ولانشك بأنه سبحانه وتعالى أراد بهؤلاء حجاج بيته خيراً،
وأراد أن يصطفيهم، وأراد لهم أماكن عالية،
فاختارهم سبحانه جلّ وعلا.
منهم الساجد، ومنهم الراكع، ومنهم العاكف، ومنهم
المستغفر، ومنهم المكبر، ومنهم الذي يطوف، ومنهم المعتكف.
اختارهم
الله عزوجل في آخر ساعة من الجمعة،
اختارهم
سبحانه وتعالى للّقاء به جل وعلا،
فهذه نعمة عظيمة ميّزهم الله عزوجل بها واختارهم
،
أما ولله الحمد الدولة لم تألوا جهداً على
سعيها للحجيج وسعيها في راحتهم،
ولكن أقدار الله عزوجل إذا أتت لاراد لحكمه جل
وعلا - والحمد لله على كل حال ـ
فإن الدنيا دار ابتلاءٍ وامتحان وسيحصل الشقاء
فيها لأهل الإيمان،
بل المؤمن في الدنيا وإن ناله مكروه فإنه يصبر
ويحتسب ،
فيخفف الله عنه بإيمانه وصبره ما لا يكون
لغيره .
وإنما الشأن كل الشأن والتفضيل الحقيقي في الدار
الباقية ،
فلهذا قال تعالى :( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
في الدنيا قد يكون أهل الشقاء وأهل البلاء وأهل الفتنة
أرفع منّا منزلة
-ولكن العبرة في الأخرة -
"
الدار الحقيقية " هي
دار الأخرة،
لذلك لانسعى إلى رفعة الدنيا -لاتسعى أبداً ولايكون هذا هدفك ومقصودك -
لتكن الآخرة هي هدفك ومقصودك .
(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة)
فيكون
المتقون في أعلى الدرجات متمتعين بأنواع النعيم والسرور والبهجة والحبور
- أما
الكفار في أسفل الدركات ، معذبين بأنواع العذاب والإهانة والشقاء السرمدي الذي
لامنتهى له ،
فهذه الآية تسلية للمؤمنين ، ونعيُّ على
الكافرين .
ولما كانت الأرزاق الدنيوية والأخروية لا
تحصل إلا بتقدير الله ، ولن تنال إلا بمشيئة الله ،
قال تعالى : (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
هذه هي العبرة
فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر ،
وأما رزق القلوب من العلم والإيمان ومحبة الله
وخشيته ورجائه -ونحو ذلك -فلا يعطيها الله إلا من يحب .
أحبكم الله عزوجل أن تستمعون إلى هذه الدروس
التدبرية،
وأسال الله عزوجل أن يرفع منزلتكم في أعلى
الدرجات ياحي ياقيوم وأن يرزقكم من حيث لا تحتسبون .
قال الله تعالى :
{كَانَ
النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ
النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ
أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ
وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
(كَانَ
النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)
أي كانوا مجتمعين على الهدى وذلك عشرة قرون بعد نوح
عليه السلام ،
فلما اختلفوا في الدين فكفر فريقٌ منهم
وبقي الفريق الآخر على الدين ،
وحصل النزاع وبعث الله الرسل ليفصلوا بين
الخلائق ويقيمو الحجة عليهم ،
ـوقيل
بل كانواـ مجتمعين على الكفر والضلال والشقاء ،
ليس لهم نور ولا إيمان ،
فرحمهم الله تعالى بإرسال الرسل إليهم { مُبَشِّرِينَ } الغاية والمقصد من إرسال الرسل مبشرين من أطاع الله
بثمرات الطاعات ، من الرزق والقوة في البدن والقلب والحياة الطيبة
،
وأعلى ذلك الفوز برضوان الله والجنة.
{ وَمُنذِرِينَ}
من عصى الله بثمرات المعصية ،
من حرمان الرزق ،
والضعف والإهانة ،
والحياة الضيّقة ،
وأشد من ذلك سخط الله والنار .
*لذلك إذا كثرت عليكم البلايا وكثرت عليكم المصائب
فاعلموا أنّها رحمةً من الله عزوجل،
فأكثروا القرب منه واستغفروه وأكثروا من الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الدعاء وبإذن الله عزوجل تجدون مايسرّكم
،
" الله رحيم ، الله عادل " ،" ربنا
حكيم ربنا عادل ربنا رحمن “
{ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ }
يعني الإخبارات الصادقة والأوامر العادلة ،
فكل مااشتملت عليه الكتب فهو حق يفصل بين
المختلفين في الأصول والفروع ،
وهذا هو الواجب عند الإختلاف والتنازع ،
أن يرد الإختلاف إلى الله وإلى رسوله .
ولولا أن في كتابه وسنة رسوله فصل النزاع لما
أمر بالرد إليهما والرجوع إليهما .
ولما ذكر نعمته العظيمة بإنزال الكتب على
أهل الكتاب وكان هذا يقتضي اتفاقهم عليها واجتماعهم،
فأخبر تعالى أنهم بغى بعضهم على بعض وحصل النزاع
والخصام، وكثرة الخلافات ،
فاختلفوا في الكتاب الذي ينبغي أن يكون أولى
بالإجتماع عليه ،
وذلك من بعد ماعلموه، وتيقنوه بالآيات والأدلة
القاطعات ،
فضلوا بذلك ضلالاً بعيداً .
(
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) من هذه الأمة،
أيّ أحد أيّ مؤمن من هذه الأمة يُحكّم
كتاب الله وسنة رسوله ويرجع إليها في صغيره وكبيره فهو يدخل في قوله تعالى : ( فَهَدَى اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ )
"
أي مؤمن يرجع في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ إلى
كتاب الله عزوجل فيجد فيه الهدى،
ويجد فيه الراحة،
ويجد فيه الأمان،
ويجد فيه الطريق المستقيم،
ويجد فيه الهداية ،
”فهذا يدخل بإذن الله عزوجل تحت قوله
{ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ }
فكل ما اختلف فيه أهل الكتاب وأخطأوا فيه الحق
والصواب،
هدى الله للحق فيه هذه الأمة بإذنه جل وعلا ،
وتيسيره لهم، ورحمته بهم ،
فرحمة الله عزوجل بك أن جعلك تهتدي
بالقرآن وتجعله نبراساً ومنهجاً لك في حياتك .
( وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ )
فعمّ
الله الخلق بالدعوة إلى الصراط المستقيم ،
عدلاً منه تعالى ،
وإقامة الحجة عليهم ،
لئلا يقولوا (ماجاءنا من بشير ولانذير) .
وهدى - بفضله ورحمته وإعانته
ولطفه - من شاء من عباده ،
فهذا فضله وإحسانه ،
وذاك عدله وحكمته .
ثم قال بعدها :
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم)
يخبر الله تعالى أنه لابد أن يمتحن عباده بالسراء
والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم ،
يعني كأن هذه الحياة ماذا ؟
كأن هذه الحياة أصل من أصولها المحن والشقاء،
وأنه
لابد أن يمتحن الله عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية التي لا تتغير ولاتتبدل ، وأن
من قام بدينه وشرعه لابد أن يبتليه ،
فإن صبر على أمر الله ولم يبالِ بالمكاره
الواقفة في سبيله فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها،
ومن السيادة آلتها .
ومن
جعل من فتنة الناس كعذاب الله ،
بأن صدته المكاره عما هو بصدده وثنته المحن عن
مقصده ،
فهو كاذب في دعوى الإيمان ،
فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني ومجرد
الدعاوى ،
حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه .
فقد جرى على الأمم الأقدمين
)مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ )
أي الفقر، هذه سنة الله الجارية
) وَالضَّرَّاء
ُ)
أي الأمراض في
أبدانهم،
(وَزُلْزِلُوا )
بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل،
والنفي، وأخذ الأموال، وقتل الأحبة ، وأنواع
المضار.
حتى وصلت بهم الحال وآل بهم الزلزال إلى أن
استبطأوا نصر الله مع يقينهم به،
ولكن لشدة الأمر وضيقه
(يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ
اللَّهِ ۗ )
متى نصر الله ؟
فلما كان الفرج عنده شدة ،وكلما ضاق الأمر
اتسع
( أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )
فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن
- والحمد لله على كل حال
-
فكلما اشتدت عليه وصعبت ، إذا صبر وثابر على
ماهو عليه انقلبت المحنة في حقه منحة بإذن الله ،
ـ وما أصابنا يوم أمس من المحنة التي آلمت قلوبنا
وأحزنتنا وهي سقوط الرافعة في الحرم ،
بإذن الله سيحصل بعدها منحة،
والمشقة بعدها راحة،
وسيعقبها بإذن الله انتصاراً على الأعداء
وشفاءاً لما في قلوبنا من الداء بإذن الله سبحانه وتعالى .
“
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين “
(آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا
وهم لايفتنون
*ولقد
فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين)
ما موقفنا في هذه الحالة ؟
قد يكون الموقف الذي يصيب المسلم فيه فتنة ،
ومن الممكن أن يسب أحداً،
لماذا لم يحرص ؟ لماذا لم ينتبه ؟ لماذا ؟ لماذا
؟
علينا أن لا نتدخل في ذمم الناس ،
ولكننا نقول بإذن الله سبحانه وأن هذا
قضاء الله عز وجل وقدره ،
وأن الأمر محكوم،
وأن الرافعة لها ثلاث سنوات لم تسقط ،
ولكن الحمد لله قضاء الله وقدره،
وهذه ولله الحمد “ريح”
والرسول صلى الله عليه وسلم قال :تعوذوا
من الريح،
والحمد لله قضاء الله عزوجل لايرده أمر،
سبحانه جل وعلا فعند الإمتحان يكرم المرء أو
يهان،
وهنا
يجب علينا الدعاء بأن تنقلب المحنة منحة ياذا الجلال والإكرام في كل مكان .
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم
مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
يسألونك عن النفقة، وهذا يعم السؤال عن
المنفق والمنفق عليه ، فأجابهم عزوجل عنهما ،
فقال (قُلْ مَا أَنفَقْتُم
مِّنْ خَيْرٍ)
أي
: مال قليل أو كثير ، فأولى الناس به وأحقهم بالتقديم هم
الوالدان ، الواجب برهما والمحرم عقوقهما.
ومن أعظم برهما النفقة عليهما ،
ومن أعظم العقوق ترك الإنفاق عليهما ،
ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة ، على الوالد
الموسر .
ومن بعد الوالدين الأقربون على أختلاف طبقاتهم ،
الأقرب فالأقرب على حسب القرب والحاجة،
فالإنفاق عليهم صدقة وصلة ،
(وَالْيَتَامَىٰ)
وهم الصغار الذين
لاكسب لهم ،
فهم في مظنة الحاجة لعدم قيامهم بمصالح أنفسهم،
وفقد الكاسب .
فوصى الله عز وجل بهم العباد رحمةً منه بهم
ولطفاً .
(وَالْمَسَاكِين ِ)
وهم أهل الحاجات وأرباب الضرورات الذين أسكنتهم الحاجة ،
فينفق عليهم لدفع حاجاتهم وإغنائهم .
(وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ )
وهو الغريب المنقطع به في غير بلاده ،
فيعان على سفره بالنفقة التي توصله إلى مقصده ،
ولما خصّص الله تعالى هؤلاء الأصناف لشدة الحاجة
،
عمّم الله تعالى في نهاية الآية فقال :
( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )
أي خير تفعله على أيّ شخص كان الله عزوجل
مطّلع عليم سبحانه جلّ وعلا ،
عليمٌ بنيّتك ،
عليمٌ ماذا أعطيت ،
عليمٌ ماذا تقصد ،
عليمٌ بما في قلبك ،
يعلم مافي قلبك من صدقه على هؤلاء وغيرهم.
بل ومن جميع أنواع الطاعات والقربات لأنها تدخل
في إسم الخير ،
فأيّ عمل، أيّ قربة إلى الله عزوجل، وأي طاعة
نقدمها إلى الله عزوجل هي محفوظة عند الله سبحانه وتعالى فيجازينا عليها ويحفظها،
لكن كلٌّ على حسب نيّته وإخلاصه ،
فأعمالٌ قليلة جداً تعظمها النية ، وأعمال
كبيرة تصغرها النية ،
* ولنأخذها قاعدة :
قد يكون عملك كبير ولكن نيتك مفقودة فلذلك لا تجدها عند
الله عزوجل ، ستجدها هباءاً منثوراً ،
وأعمال صغيرة جداً قدمتها لله عزوجل
وأخلصت النية، وجعلتها خالصة لله ،وطهرت قلبك،
وجدتها عند الله عظيمة .
هذه النتائج
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك
وأتوب اليه
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق