الوجه السادس والثلاثون من سورة
البقرة
يقول الله تَعالَى :
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ
ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ
وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )( 231)
ثم قال تَعالَى: { وَإِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ }
أي: طلاقًا رجعيًا بواحدةِ أو اثنتَينِ.
{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
}
أي: قاربْنَ انقضاءَ عدَّتِهنَّ.
{ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }
أي: إما أن تراجعوهنَّ, ونيتُّكم القيامُ
بحقوقِهنَّ, أو تتركوهُنَّ بلا رجعةٍ ولا إضرارٍ,
ولهذا قال: { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِرَارًا }
أي: مضارةً بهِنَّ
{ لِتَعْتَدُوا }
في
فعلِكُم هذا, الحلالَ إلى الحرامِ، فالحلالُ: الإمساكُ بمعروفٍ, والحرامُ:
المُضَارَّةُ.
{ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ
ظَلَمَ نَفْسَهُ }
ولو كانَ الحقُّ يعودُ للمخلوقِ, فالضَّررُ عائدٌ إلى من أرادَ
الضِّرارَ.
{ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ
اللَّهِ هُزُوًا }
لما بيَّن تَعالَى حدودَه غايةَ التبيينِ, وكان المقصودُ,
العلمُ بها, والعملُ, والوقوفُ معها, وعدمُ مجاوزتِها, لأنَّه تَعالَى لم ينزلْها
عبَثًا, بلْ أنزلَها بالحقِّ والصِّدقِ والجدِّ, نهى عن اتِّخاذِها هُزُوًا, أي:
لعبًا بِها, وهو التجرُّؤُ عليها, وعدمُ الامتثالِ لواجبِها،
ونهيُ اللهِ عن اتِّخاذِ آياتِه هُزُوًا, يعني أيضًا, نهيُه عن
اتِّخاذِ أحكامِه - بشكلٍ عامٍ - هُزُوًا, أي استهزاءً واستهتارًا, ولذا لا يجوزُ
التجرُّؤُ عليها.
{ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ }
عمومًا, باللِّسانِ ثناءً وحمدًا، وبالقلبِ اعترافًا وإقرارًا,
وبالأركانِ بصرفِها في طاعةِ اللهِ،
{ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ
مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ }
الكتابُ هو القرآنُ, والحِكمةُ هي السُّنةُ,
اللذَين بيَّنَ اللهُ
لكُمْ بهما, طُرُقَ الخيرِ ورغَّبَكم فيها, وطُرُقَ الشرِّ وحذَّرَكم إيَّاها,
وعرَّفَكم نفسَه - جلَّ وعَلا, ووقائعَه في أوليائِه وأعدائِه, وعلمَكم ما لم
تكونُوا تعلمُون.
وقيلَ: المرادُ بالحِكمةِ:
أسرارُ الشَّريعةِ, فالكتابُ فيه الحِكَمُ، والحكمةُ فيها بيانُ حكمةِ اللهِ في
أوامرِه ونواهِيهِ،
وكلا المعنيَينِ صحيحٌ،
ولهذا قالَ تَعالَى : {
يَعِظُكُمْ بِهِ }
أي: بما أنزلَ عليكُم,
وهذا مما يقوِّي أنَّ المرادَ
بالحكمةِ, أسرارُ الشَّريعةِ, لأنَّ الموعظةَ ببيانِ الحِكَمِ والحِكْمَةِ,
والتَّرغيبِ, أو التَّرهيبِ, فالحكمُ, به يزولُ الجهلُ، والحكمةُ مع التَّرغيبِ,
يوجبُ الرغبةَ، والحكمةُ مع التَّرهيبِ يوجبُ الرَّهبةَ.
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ }
اتقوه عزَّ وجلَّ في جميعِ أمورِكم,
واحذرُوه.
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
فلهذا بيَّن لكُمْ هذهِ الأحكامِ, بغايةِ الإحكامِ
والإتقانِ, التي هي جاريةٌ مع المصالحِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ, فلهُ الحمدُ
والمنَّة -جلَّ وعَلا.
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
وهذه
نعمةٌ عظيمةٌ أن لا يخفَى على اللهِ شيءٌ - أيُّها الأخُ -
فجهدُك, عملُك, أيُّ عملٍ تقدِّمه لن يضيعَ عند اللهِ
سُبحانَهُ وتَعالَى
لكن تخيَّلْ لو أنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يطَّلعُ على كلِّ شيءٍ,
لربَّما ضاعَ نصفُ أعمالِك فاحمدِ اللهَ عزَّ وجلَّ, أنه لا يضيعُ لك حسنةً بذلتَها,
ولا خيرًا قدمتَه.
والله عزَّ وجلَّ {لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ }
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
بكلِّ شيءٍ
- أيُّها الإخوةُ-
و { شَيْءٍ }
يدخلُ تحتَه كلُّ شيءٍ- مُطلقًا- أدقُّ
الأمورِ, وأكبرُها
يقول الله تَعالَى :
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا
تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ
ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )( 232)
{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ }
هذا خطابٌ
لأولياءِ المرأةِ, المطلقةِ دونَ الثلاثِ, إذا خرجَتْ من العدَّةِ, وأرادَ زوجُها
أن ينكحَها, ورضيَتْ بذلكَ, فلا يجوزُ لوليِّها, من أبٍ وغيرِه; أن يعضلَها; أي:
يمنعَها من التزوُّج به, حنقًا عليهِ; وغضبًا; واشمئزازًا لما فعلَ من الطَّلاقِ
الأوَّلِ.
وهذا - أيُّها الإخوةُ - يحصلُ كثيرًا, فقدْ يحصلُ طلاقٌ بين
الزَّوجِ وزوجتِه, ثمَّ يريدُ أن يُرجعَها في نفسِ العدَّةِ, إلا أنَّ أخاها, أو
والدَها, أو عمَّها, أو خالَها - وليُّها بشكلٍ عامٍ - يرفضُ,
فقد تأخذْهُ العزَّةُ بالإثمِ, في بعضِ الأحيانِ, وقد يشعرُ
بالألمِ من أفعالِ زوجِها, فيتساءلُ مترفِّعًا: لماذا عملَ كذا؟ أو قالَ
كذا؟ فيقابلُه بطلاقِه الأولِ, بعدمِ التَّزويجِ لهُ ثانيةً.
بينما هي تبكي, تريدُ الرُّجوعَ إلى زوجِها.
فليخشَ أولياءُ الأمورِ اللهَ عزَّ وجلَّ, وليتَّقوهُ سُبحانَهُ
وتَعالَى.
{ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن
كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }
ذكرَ اللهُ أنَّ من
كانَ يؤمنُ باللهِ, واليومِ الآخرِ, فإيمانُه يمنعُه من العضلِ،
{ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ
وَأَطْهَرُ }
فإن ذلك أزكَى لكُم, وأطهرُ وأطيبُ, ممَّا يظنُّ الوليُّ أنَّ
عدمَ تزويجِه هو الرأيُ اللائقُ,
أحيانًا, يظنُّ الوليُّ أنَّه صاحبُ الرأيِ, والفهمِ, والسّدادِ,
وأنَّ موكلتَه امرأةٌ ضعيفةٌ, ليسَ لها من الرأيِ شيءٌ, فيظنُ أنَّهُ أكثر
علمًا, ومعرفةً بمصلحتِها, لكنَّ اللهَ أعلمُ بالمصالحِ - سُبحانَهُ جلَّ وعَلا.
فإن كان يظنُّ أنَّ المصلحةَ في
عدمِ تزويجِه, فاللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ: { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ }
من الِحكَمِ - سُبحانَهُ - فامتثلوا أمرَ منْ هوَ عالمٌ بمصالحِكم,
مُريدٌ لها, قادرٌ عليها, مُيَسِّرٌ لها من الوجهِ الذي تعرفونَ, وغيرَه.
وفي هذهِ الآيةِ, دليلٌ على
أنَّه لا بدَّ من الوليِّ في النكاحِ, لأنَّه تَعالَى نهَى الأولياءَ عن العضلِ,
ولا ينهاهُم إلا عن أمرٍ, هوَ تحتَ تدبيرِهم, ولهمْ فيهِ حقٌّ.
يقولُ اللهُ تَعالَى :
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ
ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا
مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ
أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )( 233)
هذا خبرٌ بمعنَى الأمرِ, تنزيلًا
لهُ منزلةَ المتقرِّرِ, الذي لا يحتاجُ إلى أمرٍ بأنْ { يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ
حَوْلَيْنِ }
ولمَّا كانَ الحولُ, يُطلقُ على
الكاملِ, وعلى معظمِ الحولِ, قال تَعالَى: { كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ
يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }
لمَاذا قالَ اللهُ عزَّ وجل {
كَامِلَيْنِ }؟!
لأنَّ كلمةَ الحولِ, قد تُطلقُ على من لم يُتم الحولَ
كاملًا,
لذلك اللهُ عزَّ وجلَّ, قال:
{ كَامِلَيْنِ }
أي لا بدَّ أن يكمُلا
{ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }.
فإذا تمَّ للرضيعِ حَولانِ, فقد
تمَّ رَضاعُهُ, وصارَ اللَّبنُ بعد ذلكَ, بمنزلةِ سائرِ الأغذيةِ, فلهذا كان
الرَّضَاعُ بعد الحَولينِ, غيرَ معتبرٍ بهِ, أي لا يُحرِّمُ.
ويُؤخذُ من هذا النصِّ, ومن
قولهِ تَعالَى:
{ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }
أنَّ
أقلَّ مدةِ الحملِ, ستةُ أشهرٍ, وأنَّه يمكنُ وُجُودُ الولدِ بِها.
{ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ
}
أي: الأبُ
{ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ }
وهذا شاملٌ لما إذا كانَتْ في حبالِهِ, أو مطلقةً, فإنَّ
على الأبِ رزقُها, أي: نفقتُها وكسوتُها, وهي الأجرةُ للرَّضَاعِ.
ودلَّ هذا, على أنَّها إذا
كانَتْ معَهُ - أي في حبالٍهٍ - لا يجبُ لها أجرةٌ, غيرُ النفقةِ والكسوةِ, وكلٌّ
بحسبِ حالِهِ,
فلهذا قال: { لَا تُكَلَّفُ
نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا }
فلا يُكلَّفُ الفقيرُ أن ينفقَ نفقةَ الغنيِّ, ولا
من لم يجدْ شيئًا, بالنفقةِ حتى يجدَ،
{ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ
بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ }
أي: لا يحلُّ أنْ تُضارَّ
الوالدةُ بسببِ ولدِها, إمَّا بمنعِها من إرضاعِهِ, أو لا تُعطَى ما يجبُ لها من
النفقةِ, والكسوةِ أو الأجرةِ، أي لا يجوزُ أبدًا أنْ يضارُّ
الزوجُ زوجتَهُ, بسببِ المولودِ.
{ وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ }
بأنْ تمتنعَ من
إرضاعِهِ, على وجهِ المضَارَّةِ لهُ, أو تطلبَ زيادةً عن الواجبِ, ونحْو ذلكِ من
أنواعِ الضَّررِ.
فكذلك هيَ لا يجوز لها أنْ تضرُّ الزوجَ بسببِ المولودِ.
ودلَّ قولُه:{ مَوْلُودٌ لَهُ
} أنَّ الولدَ لأبيهِ, لأنَّهُ موهوبٌ لهُ, ولأنَّهُ من كسبِهِ، فلذلكَ جازَ
لهُ الأخذُ من مالِه, رضيَ أو لم يرضَ, بخلافِ الأمِّ.
وقولُه : { وَعَلَى
الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }
أي: على وارثِ الطِّفلِ- إذا عدمَ الأبُ, وكان
الطفلُ ليسَ له مالٌ- مثلُ ما على الأبِ, من النفقةِ للمرضعِ والكسوةِ،
فدلَّ ذلك على وجوبِ نفقةِ
الأقاربِ المُعسِرينَ, على القريبِ الوارثِ المُوسِرِ،
فإذا كان الأب معدومًا, أيْ لا يوجدُ أبٌ, أو كانَ الأبُ فقيرًا,
لا يستطيعُ النفقةَ, فيجبُ إنفاقُ القريبِ الوارثِ المُوسِرِ- الذي أمورُهُ
ميسرةٌ, على الأقاربِ المُعسِرين.
{ فَإِنْ أَرَادَا }
أي:
الأبَوانِ
{ فِصَالًا }
أي: فطامَ
الصبيِّ, قبلَ الحَولَين،
{ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا }
بأنْ
يكونا مُتشاورَينِ وراضيَينِ
{ وَتَشَاوُرٍ }
فيما بينَهما, هل هو مصلحةٌ للصبيَّ أمْ لا!
فإن كانَ مصلحةً للصبيِّ, ورضِيَا,
{ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
}
في فطامِهِ قبلَ الحَولَين،
فدلَّت الآيةُ بمفهومِها, على
أنَّه إنْ رضيَ أحدُهما دونَ الآخرِ, أو لم يكنْ مصلحةً للطِّفلِ, أنه لا يجوزُ
فطامُهُ.
وقوله: { وَإِنْ أَرَدْتُمْ
أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ }
أي: تطلبُوا لهمُ المراضعَ, غيرَ
أمَّهاتِهم, على غيرِ وجهِ المُضارَّةِ,
{ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ }
أي إذا سلَّمتُم ما آتيتُم
بالمعروفِ, للمُرضعاتِ,
والمعروفُ عندَكم أهلُ البلدِ.
{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ }
فمُجازيكُم على ذلك, بالخيرِ والشَّرِ.
فاللهُ بصيرٌ بما كان معروفًا عندَ أهلَ البلدَ, بصيرٌ بحاجةِ
الأمِّ, بصيرٌ بحاجةِ الطِّفلِ, بصيرٌ بحاجةِ الأبِ, بصيرٌ بالأقاربِ المُوسِرينَ,
بصيرٌ سُبحانَهُ بكلِّ شيءٍ!
في هذه الآيةِ عدّةُ أطرافٍ, لذلك ختمَ اللهُ عزَّ وجلَّ الآيةَ,
بقولِهِ تَعالَى { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا
إله إلا أنت, أستغفركَ وأتوب إليك.
اللهم اجعلْ هذا الاجتماعَ
اجتماعاً مرحوماً, واجعلْ تفرقَنا من بعده تفرّقا معصوماً, ولا تجعلْ معنا شقياً
ولا محروماً.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق