الوجه الثامن والثلاثون من سورة البقرة
(حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)
يأمر الله تعالى بالمحافظة علي الصلوات عموما وعلى الصلاة
الوسطي وهي العصر خصوصا والمحافظة عليها اي المحافظة على أداؤها بوقتها وشروطها
واركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب.
وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة علي سائر العبادات تعني انك عندما تحافظ علي صلاتك تحافظ علي سائر عبادتك بإذن الله .
لماذا؟
لأنها تفيد النهي عن الفحشاء
والمنكر خصوصا إذا أكملنها وأديناها حق الأداء
(وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)
ذليلين خاشعين.
(فَإِنْ خِفْتُمْ )
لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف مثلا من كافر من
ظالم من حيوان وسبع وغير ذلك من انواع المخاوف.
اي ان خفتم بصلاتكم علي تلك الصفة
فصلوها رجالا
ما معنى رجالا ؟
اي ماشين علي اقدامكم.
و ركبانا على الخيل
والابل وغيرها.
ويلزم على ذلك ان يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.
وإذا كان مستقبل القبلة
فهذا أفضل
وفي هذا زيادة تأكيد علي المحافظة علي وقتها وهذا فيه دلالة صريحة وواضحة على أن من أهم شروط الصلوات هي أدائها بوقتها حيث امر الله بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الاركان والشروط.
وانه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة ,يعني حتى لو خفتم لا يجوز تأخير الصلاة, تصلوها على اية حال انتم فيه ,فصلاتها على تلك الصورة افضل واحسن من تأخيرها بل اوجب من صلاتها مطمئناً خارج الوقت.
ثم يقول الله تعالى : (فَإِذَا أَمِنتُمْ)
اي زال الخوف عنكم
(فَاذْكُرُوا
اللَّهَ)
وهذا يشمل جميع انواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها.
(كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)
فإنها
نعمة عظيمة ومنة جسيمة تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم
عليها.
ثم يقول عز وجل بعدها :
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ )
اي الازواج الذين يموتون ويتركون خلفهم ازواجا فعليهم ان يوصوا
(وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ )
اي يوصون ان يلزمن بيوتهن مدة سنة لا يخرجن منها.
(فَإِنْ خَرَجْنَ)
هنَ من أنفسهن
( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ )
لا جناح عليكم أيها الأولياء ان خرجن من انفسهن
(فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
اي من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك.
واكثر المفسرين ان هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله عز وجل:
(وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .
وقيل لم تنسخها, لان هذه الآية منسوخه أمراً ليس بالسهل , بل الآية الأولي دلت علي ان اربعة اشهر وعشر واجبة وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج ومراعاة للزوجة.
والدليل على ان ذلك مستحب انه هنا نفي الجناح عن الأولياء, إن خرجن
قبل تكميل الحول فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم.
(وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ )
اي لكل مطلقة متاع بالمعروف
( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )
ما السبب ,ما
الهدف ,ما المقصود ؟
جبرا لخاطرها واداء لبعض حقوقها.
وهذه المتعة واجبة على من طلقت قبل المسيس والفرض سنة في حق غيرها ,هذا أحسن ما قيل فيها.
وقيل إن المتعة الواجبة على كل مطلقة احتجاجا بعموم هذه الآية.
(كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ )
اي حدوده وحلاله وحرامه والأحكام النافعة لكم
( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
فتعرفونها وتعرفون المقصود منها فإن من عرف ذلك اوجب له العمل .
ثم قال تعالي :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ
أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ)
يقص الله تعالى علينا قصة
الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم بأن الذي اخرجهم منها حذر الموت
من وباء او غيره يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت ولكن لا يغني حذر عن قدر.
(فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ)
فماتوا , ثم ان الله
تعالي احياهم إما بدعوة نبي أو بغير ذلك رحمة بهم ولطفا وحلما و بيانا
لآياته سبحانه جل وعلا لخلقه بإحياء الموتى.
ولهذا قال :
( إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاس)
اي عظيم على الناس
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)
صفة الشكر صفة نادرة
وقليلة نسال الله ان يعيننا عليها ويفتح علينا ويجعلنا من الشاكرين.
فلا تزيدهم النعمة شكرا بل ربما استعانوا بنعم الله علي معاصيه وقليل
منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم.
ثم امر الله تعالى بالقتال في سبيله وهو قتال الأعداء الكفار
لإعلاء كلمة الله ونصر دينه
فقال:
(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
اي فأحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله.
واعلموا انه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا ولو ظننتم ان في القعود حياتكم وبقاءكم فليس الأمر كذلك.
واعلموا انه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا ولو ظننتم ان في القعود حياتكم وبقاءكم فليس الأمر كذلك.
ولهذا ذكر الله عز وجل القصة السابقة تقريب وفتح للآية التي بعدها
وكما لا ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم بل أتاهم ما حذروا من غير ان يحتسبوا فاعلموا انكم كذلك.
كون الانسان يمنع نفسه من أجل ان يحذر لا يعني أنه لا تأتي عليه
الأقدار ,وإنما الأقدار تنزل سواء حذرنا ام لم نحذر فعلنا الأسباب ام لم
نفعل.
ولما كان القتال في سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الاموال في
ذلك امر الله تعالى بالإنفاق في سبيله ورغب فيه وسماه قرضا.
فقال:
(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا)
فينفق ما تيسر من امواله في طرق الخيرات خصوصا في الجهاد.
والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالي.
والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالي.
(فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)
الحسنة بعشر امثالها الى
سبع مائة ضعف الي اضعاف كثيرة بحسب حال المنفق ونيته ونفع نفقته والحاجة اليها.
ولما كان الإنسان ربما توهم انه اذا انفق افتقر دفع الله تعالى هذا الوهم
بقوله: (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ)
الله سبحانه وتعالى هو الذي
يقبض وهو الذي يبسط سبحانه جل وعلا اي يوسع الرزق علي من يشاء ويقبضه عن من يشاء.
فالتصرف كله بيديه ومدار الأمور راجع اليه.
فالإمساك لا يبسط الرزق والإنفاق لا يقبضه.
ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على اهله بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا.
فلهذا قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
فيجازيكم بأعمالكم.
ففي هذه الآيات دليل على ان الأسباب لا تنفع مع القضاء والقدر وخصوصا الأسباب التي تترك بها اوامر الله.
وفيها الآية العظيمة بإحياء الموتى اعيانا في هذه الدار.
وفيها الأمر بالقتال والنفقة في سبيل الله وذكر الأسباب الداعية لذلك الحاثة عليه من تسميته قرضا ومضاعفته وان الله يقبض ويبسط سبحانه جل وعلا واليه ترجعون.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب
اليك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق