الخميس، يونيو 02، 2016

تفريغ سورة البقرة من آية 253 إلى آية 256








الوجه الواحد والأربعون من سورة البقرة


قال تعالى:
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )


يخبر الله تعالى انه فضل بعض الرسل على بعض بما خصهم من بين سائر الناس بإيحائه وإرسالهم إلى الناس ودعائهم الخلق إلى الله تعالى

ثم فضل بعضهم على بعض بما أودع فيهم من الأوصاف الحميدة  والأفعال السديدة والنفع العام

فمنهم من كلمه الله كموسى بن عمران خصه بالكلام

ومنهم من رفعه على سائرهم درجات كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره وجمع الله له من المناقب ما فاق به الأولين و الآخرين

و ءاتينا عيسى ابن مريم البينات الدالات على نبوته وانه عبد الله ورسوله وأيدنه بروح القدس , إما ان يكون  بالإيمان واليقين الذي أيده الله به وقواه على ما أمره به وإما أن يكون أيده بجبريل عليه السلام  يلازمه في أحواله .


(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ)
الموجبة للاجتماع على الإيمان

( وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ )
فكان موجب هذا الاختلاف التفرق والمقاتلة ومع ذلك لو شاء الله بعد هذا الاختلاف ما اقتتلوا

فدل ذلك على أن مشيئة الله نافذة غالبة للأسباب وإنما تنفع الأسباب مع عدم معارضة المشيئة فإذا وجدت اضمحل كل سبب وزال كل موجب

ولهذا قال الله عز وجل:
(وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )

فإرادته غالبه ومشيئته نافذة لم يزل يفعل ما اقتضته مشيئته وحكمته ومن جملة مايفعله ما أخبر به عن نفسه وأخبر به عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الاستواء والنزول والأقوال والأفعال التي يعبرون عنها  بالأفعال الاختيارية

فائدة: كما يجب على المكلف معرفته بربه، فيجب عليه معرفته برسله، ما يجب لهم ويمتنع عليهم ويجوز في حقهم، ويؤخذ جميع ذلك مما وصفهم الله به في آيات متعددة، منها:

أنهم رجال لا نساء
أنهم من أهل القرى لا من أهل البوادي
أنهم مصطفون مختارون جمع الله لهم من الصفات الحميدة مابه الاصطفاء والاختيار
أنهم سالمون من كل ما يقدح في رسالتهم من كذب وخيانة وكتمان وعيوب مزرية
أنهم لايقرون على خطأ فيما يتعلق بالرسالة والتكليف
و أن الله تعالى خصهم بوحيه فلهذا وجب الايمان بهم وطاعتهم ومن لم يؤمن بهم فهو كافر ومن قدح في واحد منهم  او سبه فهو كافر يتحتم قتله ودلائل هذه الجمل كثيرة ومن تدبر القرآن تبين له الحق

ثم قال الله تعالى :
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ(254)


وهذا من لطف الله بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم الله

هذا لطف من الله ان أمرنا أن نقدم شيء مما رزقنا الله من صدقة واجبة او مستحبة لتكون لنا ذخرا وأجرا موفرا يوم أن نلقاه 
 في يوم يحتاج فيه العاملون  الى مثقال ذرة من الخير فلا بيع فيه ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه، ولم ينفعه خليل ولا صديق لا بوجاهة ولا بشفاعة،

وهو اليوم الذي فيه يخسر المبطلون ويحصل الخزي على الظالمين، وهم الذين وضعوا الشيء في غير موضعه، فتركوا الواجب من حق الله وحق عباده وتعدوا الحلال إلى الحرام،

وأعظم أنواع الظلم الكفر بالله الذي هو وضع العبادة التي يتعين أن تكون لله فيصرفها الكافر إلى مخلوق مثله ،

أي نوع من أنواع العبادة تصرفها إلى غير الله فيعتبر هذا شرك وكفر

( والكافرون هم الظالمون )
وهذا من باب الحصر،
أي: الذين ثبت لهم الظلم التام، كما قال تعالى:
 ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )


 ثم قال تعالى :
(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .


هذه اعظم آية في القران الكريم وأفضلها وأجلها

لماذا ؟
لما اشتملت عليه من الأمورالعظيمة و الصفات الكريمة
فلهذا كثرت بها الأحاديث لترغيب في قراءتها وجعلها وردا صباحا ومساء وعند نومه

فأخبر الله تعالى عن نفسه الكريمة في قوله :
( لا إِلَهَ إِلا هُوَ )

أي لا معبود بحق سواه فهو الاله الحق الذي تتعين ان تكون جميع انواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه ولكون العبد مستحقا ان يكون عبد لربه ممتثلا اوامره ومجتنبا نواهيه وكل ما سوى الله باطل

فعبادة ما سواه باطلة لكن ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه فلم يستحق شيء من أنواع العبادة

الانسان فقير الانسان مدبر الانسان ناقص الانسان مخلوق كيف يُعبد ؟


( الْحَيُّ الْقَيُّومُ )
هذان اسمان كريمان يدلان على سائر اسماء الله الحسنى
لذلك اختتمها الله بأعظم آية في كتاب الله تعالى
يدلان على سائر الاسماء الحسنى
دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما

فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات كالسمع والبصر والقدرة ونحو ذلك

 القيوم هو الذي قام بنفسه وقام به غيره وذلك مستلزم لجميع الافعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والخلق والاحياء والاماتة وسائر انواع التدابير كل ذلك داخل في قيومته الباري
فلذلك قال بعض المحققين انهما هما الاسم الأعظم الذي اذا دعي الله به اجاب واذا سئل به أعطى

ومن تمام حياته وقيومته أنه
( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ )
السنة : هي النعاس

(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )
أي هو المالك وماسواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق ومرزوق لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات و لا في الارض

ولهذا قال الله تعالى :
( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ )
أي لا أحد يشفع عنده بدون إذنه
فالشفاعة كلها لله تعالى ولكنه تعالى اذا أراد ان يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه

لا يبتدي الشافع قبل الأذن
لا يستطيع احد أن يشفع إلا بإذنه جل وعلا


( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )
تأمل , يعلم ما بين أيديهم يعني ما مضى من جميع الأمور يعلمه سبحانه جلا وعلا

وما خلفهم أي ما يُستقبَل منها فعلمه تعالى محيط بالتفاصيل الأمور متقدمها ومتأخرها بالظواهر والبواطن بالغيب والشهادة

والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة الا ما علّمهم الله ولهذا قال :
(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ )

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )
أين الذين يعظمون الانسان الضعيف الذي لا يستطيع ان يقدم أو يؤخر ولا يخلق ولا يدبر

الانسان فقير ضعيف محتاج لا يستطيع تدبير نفسه فكيف بتدبير الخلق

أين هؤلاء من يتحدثون , أيقظ العملاق الذي بداخلك
افعل شيء مستحيل أو من هذه الامور

 لا نقصد النجاحات , لأن النجاحات كلها بإعانة الله سبحانه وتعالى 

أي نجاح أي توفيق توفق به , وفقك الله له
صحيح انك تكون قد بذلك الأسباب لكن أعانك الله عز وجل بإعانته

كم من ناس بذلوا الأسباب ما استطاعوا أن يصلوا إلى ماوصلت إليه

اذا القضية ليست بذل أسباب فقط إنما توفيق من الله تعالى

نحن أمة نبذل السبب ونتوكل على الله عز وجل
لكن لا نبذل السبب وحده

كم من المرات فتح الله لنا فتوحات ونحن لم نبذل أسبابه
فكل شيء بأمره سبحانه



(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)
هذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه اذا كان حالة الكرسي أنه يسع السموات والأرض على عظمتها وعظمة من فيها 

 والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله هناك اعظم منه وهو العرش وما لا يعلمه إلا هو 

وفي عظمة هذه المخلوقات أمور تحيّر الأفكار والأبصار وتقلق الجبال وتكع عنها فحول الرجال  فكيف بعظمة خالقها ومبدعها الذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع وأمسك السموات والارض ان تزولا من غير تعب ولا نصب

ولهذا قال تعالى:
(وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا )
أي يثقله ,
لا تثقله السموات والأرض والكرسي والعرش وكل مخلوقات الله لا تثقله سبحانه كيف انا الانسان الضعيف المحتاج الفقير هل لا يستطيع ان يدبر اموري دبر السموات والأرض وكل المخلوقات والكرسي والعرش بعظمته وجبروته فهل لا يستطيع تدبير أموري

(وهو العلي
)
بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته

( العظيم )
الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء،


فقد اشتملت هذه الأية على توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الاسماء والصفات وإحاطة علمه وملكه وسعة سلطانه وجلالة و مجده وعظمته وعلوه على جميع المخلوقات

فهذه الاية بمفردها عقيدة في اسماء الله وصفاته متضمنة لجميع الاسماء والصفات العلا


ثم قال تعالى :
( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).

ديننا غني عنا
يخبر الله تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة على الاكراه عليه

لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر خفية أعلامه غامضة آثاره أو أمر في غاية الكراهية للنفوس

أما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد ثبتت أعلامه للعقول وظهرت طرقه وتبين أمره وعرف الرشد من الغي فالموفق اذا نظرأدني نظر اليه آثره  واختاره

واما من كان سيء المقصد فاسد الإرادة خبيث النفس يرى الحق فيختار الباطل ويبصر الحسن ويميل الى القبيح

فهذا ليس لله حاجة في اكراهه على الدين لعدم النتيجة والفائدة فيه،
والمكره ليس إيمانه صحيحا،

ولا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين، وإنما فيها أن حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله 

(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ )
فيترك عبادة ما سوى الله وطاعة الشيطان، ويؤمن بالله إيمانا تاما أوجب له عبادة ربه وطاعته

(فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)
أي من اتبع الدين وأحبه عن قصد وعن إرادة

(فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)
أي: بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ورسخت أركانه، وكان المتمسك به على ثقة من أمره، لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي
(لا انْفِصَامَ لَهَا)

وأما من عكس القضية فكفر بالله وآمن بالطاغوت، فقد أطلق هذه العروة الوثقى التي بها العصمة والنجاة، واستمسك بكل باطل مآله إلى الجحيم

(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
ختمها بالسميع العليم , يعلم مافي قلبك , يعلم المكره من غير المكره , يعلم مايكنه صدرك
فيجازي كلا منهما بحسب ما علمه منهم من الخير والشر،
وهذا هو الغاية لمن استمسك بالعروة الوثقى ولمن لم يستمسك بها.



اللهم اجعلنا من اهل العروة الوثقى واللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك وصل الله عليه وسلم .


ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق