سورة البقرة الوجه السابع والأربعون
يقول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى )
هذه آية الدين وهي أطول آيه في القران وقد اشتملت على أحكام عظيمه جليلة المنفعه والمقدار .
سأعدد بعض الفوائد من هذه السورة نقول :
أولا : أنه يجوز جميع أنواع المداينات من سلم وغيره
لأن الله أخبر عن المداينة التي عليها المؤمنون إخبارا مقررا لها ، هذا دليل إن الدين يجوز وإن الله عز وجل أقره في الآيه
ذاكرا أحكامها وإذا ذكر الأحكام معناه أنه أساسا يجوز ، ولو أنه لم يجوز الدين من الأساس يكون المنع فذلك يدل على الجواز .
الثاني والثالث : لابد للسِلم من أجَل وأنه لا بد أن يكون معينا معلوما ، فلا يصح حالا ولا إلى أجل مجهول ،
لا بد هذا الدين أن يكون معين ويكون معلوم معروف هذا الدين و معلوما الى وقت معروف معين .
الرابع: الأمر بكتابة جميع عقود المداينات
إما وجوبا وإما إستحبابا
لشدة الحاجة إلى كتابتها لأنها بدون الكتابة يدخلها شيء من الخطاء والنسيان والمنازعة والمشجارة ، شر عظيم ، والإسلام يكره المشاجرة ويكره المنازعة، لذلك تجدينه فصل في بعض الأمور تفصيلا وتوضيحا .
الخامس : أمر الكاتب أن يكتب لقوله تعالى:
( وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)
لماذا أمر الكاتب أن يكتب؟
لأمور كثيره منها عدم النسيان، منها حتى يحصل الفصل ، منها حتى يتم الرجوع إليها، منها حتى تطمئن النفس، منها حتى لا يحصل مشاجرة.
السادس : أن يكون عدلا في نفسه لأجل إعتبار كتابته ،
لأنه سيؤخذ كتابته في الإعتبار فلا بد أن يكون عدلا في نفسه ، لأن الفاسق لا يعتبر قوله ولا كتابته .
السابع : أنه يجب عليه العدل بينهما فلا يميل لأحدهما لقرابة او صداقة او صلة او غير ذلك .
الثامن : أن يكون الكاتب عارفا بكتابة الوثائق وما يلزم فيها كل واحد منهما وما يحصل به التوثق،
لأنه لا سبيل الى العدل إلا بذلك
وهذا مأخوذ من قوله:
( وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)
هذا يدل على أن ديننا منظم ، ديننا مرتب.
التاسع : أنه إذا وجدت وثيقة بخط المعروف بالعدالة المذكورة يعمل بها ولو كان هو والشهود قد ماتوا.
العاشر : قوله ( وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ)
أي لا يمتنع من منّ الله عليه بتعليمه الكتابة أن يكتب بين المتداينين ، فكما أحسن الله إليه بتعليمه فليحسن إلى عباد الله المحتاجين الى كتابته ، كما أحسن الله عزوجل إليك بتفهيمك ، بتعليمك، أحسن الى الناس بتعليمهم ، أحسن الى الناس بتوجيههم ، كما رزقك الله عز وجل التوجيه أحسن الى الناس بالتوجيه، رزقك الله عز وجل بالكتابة أحسن الى الناس بالكتابة لهم ، رد شيء مما أعطاك الله عزو جل من النعم وهذا هو الشكر ، شكر النعم ، ولا يمتنع من الكتابة لهم بالذات إذا كان لايوجد إلا هو أو ندرة الكاتبين .
الحادي عشر : أمر الكاتب أن لا يكتب إلا ما أملاه عليه الحق.
الثاني عشر : الذي يملي من المتعاقدين من عليه الدين ، الذي يملي هو صاحب الدين الذي عليه الدين .
الثالث عشر : أمره أن يُبين جميع الحق الذي عليه ولا يبخس منه شيئا .
الرابع عشر : أن إقرار الانسان على نفسه مقبولا ، لأن الله عز وجل أمر من عليه الحق أن يملي على الكاتب،الذي عليه الحق هو الذي يملي على الكاتب
لأنه دائما الشخص اذا كتب على نفسه شيء يقره ، فإذا كتب إقراره بذلك ثبت موجبه ومضمونه ، وهو ما أقر به على نفسه ، حتى لو ادعى بعد ذلك الخطاء والسهو، لا ، يوخذ بالكاتب ، يؤخذ بالأمور التي كتبها على نفسه وأمر الكاتب أن يكتبها.
الخامس عشر : أن من عليه حق من الحقوق أن يأتي بالبينة على مقدارها وصفتها من كثرة وقلة وتعجيل وتأجيل ، أن قوله هو المقبول دون قول من له الحق ،
يؤخذ بقوله هو لأنه تعالى لم ينهه عن بخس الحق الذي عليه إلا أن قوله مقبول على مايقوله من مقدار الحق وصفته.
السادس عشر : أنه يحرم على من عليه حق من الحقوق أن يبخس أو ينقص شيء من مقداره أو طيبه أو حسنه أو أجله أو غير ذلك من توابعه ولواحقه.
السابع عشر : أن من لا يقدر على إملاء الحق ،
لماذا ؟
لصغره، لسفهه ، خرسه ، ونحو ذلك فإنه ينوب وليه منابه في الإملاء والإقراء، يأتي أحد من أوليائه وينوبه .
الثامن عشر : أنه يلزم الولي من العدل ما يلزم من عليه الحق من العدل ، كلهم مطالبين بالعدل سواء الولي أو الذي عليه الحق، عدم البخس لقوله (بِالْعَدْلِ).
التاسع عشر : أنه يشترط عدالة الولي لأن الإملاء بالعدل مذكور لا يكون من فاسق.
العشرون : ثبوت الولاية في الأموال.
الحادي والعشرون : أن الحق يكون على الصغير والسفيه والمجنون والضعيف لا على وليهم.
الثاني والعشرون : أن إقرار الصغير ، والسفيه، والمجنون ، والمعتوه، ونحوهم وتصرفها غير صحيح
لأن الله جعل الإملاء لمن؟
لم يجعل لهم الإملاء، لا، وإنما جعل لوليهم ولم يجعل لهم منه شيئا لطفا بهم ورحمة بهم وخوفا من إتلاف أموالهم.
الثالث والعشرون : صحة تصرف الولي في مال من ذكر.
الرابع والعشرون : فيه مشروعية كون الإنسان يتعلم الأمور التي يتوثق بها المتداينون على واحد من صاحبه ، كل واحد من صاحبه ، لأن المقصود من ذلك التوثق والعدل وما لا يتم المشروع إلا به فهو مشروع.
الخامس والعشرون : أن تعلم الكاتبة مشروع ، بل هو فرض كفاية لأن الله أمر بكتابة الديون وغيرها ولا يحصل ذلك إلا بالتعلم .
السادس والعشرون : أنه مأمور بالإشهاد على العقود وذلك على وجه الندب لان المقصود من ذلك الإرشاد إلى ما يحفظ الحقوق فهو عائد لمصلحة المكلف ،
نعم إن كان المتصرف ولي يتيم ، او وقف ونحو ذلك مما يجب حفظه ، تعين أن يكون الإشهاد الذي به يحفظ الحق واجب.
السابع والعشرون : أن من نصاب الشهادة في الأموال ونحوها رجلان أو رجل و امرأتان ، ودلة السنه ايضا أنه يقبل الشاهد مع يمين المدعي .
الثامن والعشرون : أن من شهادة الصبيان غير مقبوله لمفهوم لفظ الرجل .
التاسع والعشرون : أن شهادة النساء منفردات في الأموال ونحوها لا تقبل ، لأن الله لم يقبلهن إلا مع الرجل ، وقد يقال أن الله أقام المرأتين مقام الرجل للحكمة التي ذكرها وهي موجودة سواء كن مع رجل او منفردات والله أعلم.
الثلاثون : أن شهادة العبد البالغ مقبولة كشهادة الحر
(واسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ )
والعبد البالغ من رجالنا.
الحادي والثلاثون : أن شهادة الكفار ذكورا كانوا او نساء غير مقبولة ، لأنهم ليسوا منا ،
لأن الله عز وجل ماذا قال؟
قال ( من رِّجَالِكُمْ )
ولأن مبنى الشهادة على العدالة وهو غير عدل.
الثاني والثلاثون : فيه فضيلة الرجل على المرأة ، وأن الواحد في مقابلة المرأتين ، لقوة حفظه ونقص حفظها.
الثالث والثلاثون : أن من نسي شهادته ثم ذكّرها فذكر فشهادته مقبولة "نسيها في البداية ولما ذكر ، ذكرها،
تقبل (فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)
الرابع والثلاثون : يؤخذ من المعنى أن الشاهد إذا خاف نسيان شهادته في الحقوق الواجبة ، وجب عليه كتابتها ،لأنه مالا يتم الواجب الا به فهو واجب.
الخامس والثلاثون : أنه يجب على الشاهد اذا دعي للشهادة وهو غير معذور لا يجوز له أن يأبى
(وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ ).
السادس والثلاثون : أن من لم يتصف بصفة الشهداء المقبولة شهادتهم لم يجب عليه الإجابة ، لعدم الفائدة بها ولأنه ليس من الشهداء.
السابع والثلاثون : النهي عن السآمة والضجر من كتابة الديون كلها من صغير وكبير وصفة الأجل وجميع ما احتوى عليه العقد من الشروط والقيود.
الثامن والثلاثون : بيان الحكمة في مشروعية الكتابة والإشهاد في العقود ، وأنه أقسط عند الله
( وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ )
فإنها متضمنة للعدل الذي به قوام العباد والبلاد ، والشهادة المقترنة بالكتابة تكون أقوم وأكمل وأبعد من الشك والريب والتنازع والتشاجر .
التاسع والثلاثون : يؤخذ من ذلك أن من اشتبه وشك في شهادته لم يجز له الإقدام عليها بل لابد من اليقين .
الأربعون : قوله ( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا )
فيه الرخصة في ترك الكتابة إذا كانت التجارة حاضرا بحاضر لعدم شدة الحاجه إلى الكاتبة .
الحادي والأربعون : أنه وإن رخص في ترك الكتابة في التجارة الحاضرة فإنه يشرع الإشهاد لقوله
(وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ) .
الثاني والأربعون : النهي عن مُضارات الكاتب، بأن يدعى وقت اشتغال وحصول مشقة عليه .
الثالث والأربعون : النهي عن مُضارات الشهيد ، بأن يدعى إلى تحمل الشهادة أو وأدائها في مرض أو شغل يشق عليه أو غير ذلك،
هذا على جعل قوله : (ولاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) مبنيا للمجهول
وأما من جعلها مبنية للفاعل ففيه نهي الشاهد والكاتب أن يضارا صاحب الحق بالامتناع أو طلب أجرة شاقة ونحو ذلك ، وهذان هما الرابع والأربعون والخامس والأربعون.
أما السادس والأربعون : أن ارتكاب هذه المحرمات من خصال الفسق ، لقوله :
( وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ).
السابع والأربعون : أن الأوصاف كالفسق والإيمان والنفاق والعداوة والولاية ونحو ذلك تتجزأ في الإنسان فتكون فيه مادة فسق وغيرها ، وكذلك تكون فيه مادة إيمان وتكون فيه مادة كفر وغير ذلك ،
لأن الله عز وجل يقول :( فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ)
هذا دليل على أن قد يكون الإنسان مؤمن لكن فيه شيء من الفسوق ولم يقل فأنتم فَاسِقُون او فساق.
الثامن والأربعون : وحقه أن يتقد على ما هنا اشتراط العدالة على الشاهد لقوله : ( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء).
التاسع والأربعون : أن العدالة يشترط فيها العرف في كل مكان وزمان ، فكل من كان مرضيا معتبرا عند الناس قبلت شهادته .
الخمسون : يؤخذ منها عدم قبول شهادة المجهول حتى يَزَّكَّى ،
فهذه الأحكام مما يستنبط من هذه الآية الكريمة على حسب الحال الحاضرة والفهم القاصر ،
والله في كلامه حكم وأسرار يخص بها من يشاء من عباده ، سبحانه جل وعلى .
إذا استخرجنا خمسون حكما من هذه الآية .
إذا استخرجنا خمسون حكما من هذه الآية .
نسال الله عز وجل أن يفتح لنا فتوح العارفين به ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق