يقول الله تعالى :
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}
وهذه الآيات لها دلالة صريحة بتوحيد الربوبية،
ونحن نعرف أن أنواع التوحيد ثلاثة :
1/ توحيد الربوبية 2/ الألوهية 3/ الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية : هو أن تقر أنِّ الله سبحانه وتعالى هو المالك المدبر الخالق،هو المالك لما في السماوات وما في الأرض وهو الذي أقر به كفار قريش.
إذا كان عندنا العلم اليقين أن الله سبحانه وتعالى هو المالك سبحانه في السماوات والأرض..
فلماذا نخشى غيره؟ ولماذا نخاف من غيره؟ ولماذا نسأل غيره؟ ولماذا نستعين بغيره؟ ولماذا نستغيث بغيره؟ ولماذا نتوكل على غيره سبحانه؟
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}
عاقبة الأمور كلها له سبحانه جل وعلا، فاستعينوا وأملوا وأبشروا .
ثم قال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس،
وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به،
وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر}
هو الذي كملكم وجعلكم خير أمة أخرجت للناس، إذن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست أمر سهل أبدا، وهو الذي جعل أمتنا من خير الأمم،
وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم
عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كنا خير أمة أخرجت للناس،
ثم قال تعالى {وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
إذن ماالذي كملكم وأنكم خير أمة؟ أنكم تؤمنون بالله.
{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}
لو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم،ولشملتهم الخيرية التي ذكرها الله عز وجل في هذه الأمم .
( مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون )
الأصل أن أهل الكتاب فيهم إيمان إلا أن الأكثرية والأغلبية لمن؟ للفساق
إذن هل أهل الكتاب كلهم كفار؟ لا ،
الله سبحانه وتعالى عادل لايظلم أحد، ولايؤاخذ أحد،
ولايعمم سبحانه جل وعلا
فلذلك قال: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون}.
روى الإمام أحمد عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:إني لأرجو أن يكون من يتّبعني من أمتي يوم القيامة ربع الجنة، قالوا: فكبرنا، ثم قال:أرجو أن تكونوا ثلث الجنة، فكبرنا، فقال:أرجوا أن تكونوا الشطر.
الشطر أمر ليس بالقليل، هذا ثبت في الصحيحين ..
كذلك في رواية أخرى عن ابن مسعود قال:أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ فكبرنا، فقال:أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ فكبرنا ، ثم قال:إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة.
وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: نحن الآخرون الأولون يوم القيامة،
الآخرون يعني بين الأمم ، والأولون يوم القيامة يعني نحن
أول الناس دخولا للجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ونحن أتيناه من بعدهم،
فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه الناس ،
الناس لنا فيه تبع،غدا لليهود ،وللنصارى بعد غد...رواه البخاري ومسلم.
( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُون )
يقول الله تعالى مخبرا عباده المؤمنين ومبشرا لهم بالنصر والظفر على أهل الكتاب الكفرة الملحدين
فقال: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى) وهكذا وقع فإنهم يوم خيبر أذلهم الله سبحانه وتعالى وأرغم أنوفهم وكذلك الذين قبلهم من اليهود، يهود المدينة، بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم الله عز وجل،وكذلك النصارى بالشام .
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}
أي مكان يتجهون له فالذلة مضروبة عليهم،
أي ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنوا
(إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّه) أي بذمة من الله،
وضربت عليهم الجزية وإلزامهم أحكام الملةِ (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاس) أي أمان من الناس لهم كما في المهادنة والمعاهدةِ والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين،
ثم يقول الله تعالى :
(وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه)
أي ألزموا فالتزموا بغضب من الله سبحانه وتعالى وهم يستحقون هذا الغضب ِ.
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَة)
أي ألزموها قدرا وشرعا ،
فدائما الذي يعصي الله سبحانه وتعالى يعيش بذل ومسكنة واحتقار ،
وهذا هو الطريق الذي اختاروه،
هربوا عن عبودية الله سبحانه وتعالى وللأسف وقعوا في عبودية الخلق،
ولاشك أن عبودية الخلق أمر وشر عظيم،
فلذلك قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا) ماالسبب يارب؟
أن لاحقتهم الذلة لأي مكان يذهبون له؟ ألزمتهم الذلة قدرا وشرعا ؟،
لهذا قال الله عزوجل يخبرنا السبب
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ)
أي وإنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبدا متصلا دائما بهم .
(ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون)
إنما حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسل الله وقيضوا لذلك أنهم كانوا يكثرون المعاصي لأوامر الله عز وجل وغشيان معاصي الله والإعتداء في شرع الله ،
إذن طريق المعاصي وطريق العصيان كلها قد تكون سببا للكفر والخروج عن الملة ،
لماذا وصل اليهود والنصارى إلى ماوصلوا إليه؟ماالسبب؟
(ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون)
فعياذا بالله من ذلك والله عزوجل المستعان.َ
ثم يقول الله تعالى:
(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب)
الله سبحانه وتعالى ينسب لأهل الفضل فضلهم ، ولاينسى ذلك لهم ..
فلذلك نزلت هذه الآية في من آمن من أحبار أهل الكتاب ، فيثني عليهم ،
ويبين فضل من أسلم من أهل الكتاب : كعبدالله بن سلام وأسد بن عبيد
وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم،
أي لايستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين أسلموا
ولهذا قال: (ليسوا سواء) أي ليس كلهم على حد سواء بل
منهم المؤمن ومنهم الكافر ومنهم المجرم
ولهذا قال (مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ)
قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه متبعة لنبي الله سبحانه وتعالى فهي قائمة يعني مستقيمة،
وكلمة قائمة في الآية تعني مستقيمة .
(يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)
يقومون بالليل ويكثرون التهجد ويتلون القرآن في صلواتهم .
(يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)
يقصد المؤمنين وأن الله عزوجل لن يضيع أجرهم بل يجازيهم سبحانه جل وعلا فهو لايخفى عليه خافية .. لذلك قال :
( وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ )
لايخفى عليه عمل عامل ولايضيع لديه أجر من أحسن عملا بل يجزيهم به أوفر الجزاء..
( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)
والله عليم بالخائفين ، والله عليم بالوجلين ، والله عليم بالعاملين، والله سبحانه وتعالى لن يضيع عنده شي سبحانه فهو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين سبحانه جل وعلا .
.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق