يقول الله تعالى
"وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "
الله عز وجل يمحص المؤمنين
من ذنوبهم وعيوبهم على جهادهم في سبيل الله،
كذلك يمحص الله تعالى منهم
المؤمن من المنافق من الذي يتلبس بالإيمان وهو بعيد عنه.
وكذلك من الحكم أيضاً أنه
يقدّر ذلك ليمحق الكافرين أي ليكون سبباً لمحقهم وإستئصالهم بالعقوبة
ثم قال تعالى "أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ
جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ"
إذاً منزلة الشهادة ليست
باليسيرة ،
فإن الجنة أعلى المطالب
وأفضل ما به يتنافس المتنافسون ،وكلما عظم المطلوب عظمة وسيلته و العمل الموصل
إليه.
فلا يوصل إلى الراحة إلا
بترك الراحة ،ولا يدرك النعيم إلا بترك النعيم،
ولكنّ مكاره الدنيا التي
تصبيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس،لها وتمرينها عليها ومعرفة ماتأول إليه
،
إذاً حينما توطن النفس
وتدرب النفس على فعل الخيرات وعلى الرضى والتسليم والصبر ،
ثم وبخهم الله تعالى على
عدم صبرهم بأمر كانوا يتمنونه ويودون حصوله
وذلك أن كثيراً من الصحابة -
رضي الله عنهم - ممن فاتته بدر
وفي هذا دليل على أنه لا
يكره تمنى الشهادة.
ووجه الدلالة أن الله أقرهم
على أمنيتهم ولم ينكر عليهم
وكذلك من الضروري أن يعرف
الإنسان نفسه ،فلا يتمنى شيء وإذا جاءه هذا الشيء رجع ونكص على عقبيه.
فمن الضروري الإنسان يعرف
نفسه. في بعض الأحيان
في وقت الرخاء يقول
الإنسان اموراً كثيراً ،سأفعل وأفعل وأفعل ،وإذا جاء وقت الشدة لم يستطع ذلك.
وفي بعض الأحيان نرى بعض
الناس ونقول: لو كنا في مكانهم لفعلنا وفعلنا.. . .....وهذا للأسف نظرة غير
صائبة للنفس.
وهذا يدل على أن وقت الرخاء
يختلف تماماً عن وقت الشدة .. يختلف تماماً.
وقد ثبت في الصحيحين أن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال:(لا تتمنوا لقاء العدو وأسألوا الله العافية)
لا تتمنوا البلاء وأسألوا
الله العافية ،فإذا لقيتموهم فأصبروا وأعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف .
بعد ذلك لكم الأجر العظيم
ولكن انتم لا تتمنوا البلاء وأسألوا الله العافية ..
ثم قال " "وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ "
ليسوا مخلدين مثلهم مثل
غيرهم وليس بقائهم شرطاً في امتثال أوامر الله تعالى بل رسالتهم انتهت..
حينما تنتهي رسالتهم يتوفاهم
الله تعالى..
الرسول أتى بالرساله كاملة
وفية ووافية ولم ينقص منها شيئاً ثم مات ،
تركتم
ما يقول ،تركتم كل ما يأمركم به .
كما وبخ الله تعالى من
انقلب على عقبيه ،مدح من ثبت مع رسوله- صلى الله عليه وسلم-
وفي هذه الأيه أعظم دليل
على فضيلة الصديق أبو بكر وأصحابه
كما أخبر تعالى أن النفوس
جميعاً متعلقة بآجالها بإذن الله تعالى وقدرته وقضائه ،
ثم أخبر تعالى أنه يعطي
الناس من ثواب الدنيا والآخرة ما تعلقت به إرادتهم.
الموت عندما يأتي لا يرده
شيء من الأسباب
،وليعلم
أن الجزاء على قدر الشكر قلة وكثرة وحسنا ..
ثم قال الله سبحانه وتعالى :
فما ضعفت قلوبهم وما وهنت
أبدانهم وما استكانوا أي ذلوا لعدوهم بل صبروا وثبتوا وشجعوا أنفسهم
أن رجلا من المهاجرين مر
على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه
وعن ابن عباس عن أبو بكر
خرج وعمر يحدث الناس فقال: إجلس ياعمر فأبى أن يجلس
وعن سعيد بن المسيب أن عمر
قال: والله ماهو ألا أن سمعت أبي بكر تلاها فعقلت حتى ما يمسكني رجلان حتى هويت
إلى الأرض.
"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا
بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا"
وهذه الآية فيها تشجيع
للجبناء وترغيبهم على القتال فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر
لما ذكر الله عز وجل أية
" وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا " ثواب الدنيا
يراد به ثلاثة أشياء .
غالباً ثواب الدنيا تدور
على ثلاث أمور ،النصر ،والظفر،والعاقبة ،
أن ينصرك الله سبحانه تعالى
،وأن يكون الظفر لك ،وأن تكون العاقبة لك ثلاثة أمور.
أما ثواب الأخرة فهي كما
تعلمون جنات ،أجر عظيم ،ومنازل عالية ،
علموا أن الذنوب والإسراف
من أعظم أسباب الخذلان.
وسألوه أن يثبت أقدامهم عند
ملاقات الأعداء الكافرين وأن ينصرهم عليهم
لا جرم أن الله نصرهم وجعل
لهم العافية في الدنيا والآخره ،
وما ذاك إلا أنهم أحسنوا له
في الأعمال
إذاً المطلوب منا الإحسان
في عبادة الخالق
يدل ذلك
على ان الشهادة والقتال في سبيل الله يكفر الذنوب ويزيل العيوب ويمحص الذنوب ،
يمحص الله
تعالى المؤمنين من غيرهم من المنافقين فيتخلصون منهم ويعرفون المؤمن من المنافق.
فإنهم إذا انتصروا بغو وازدادوا طغياناً إلى
طغيانهم ؛
يستحقون به المعاجلة بالعقوبة رحمة بعباده
المؤمنين.
وهذا
استفهام انكاري أي لا تظنوا ولا يخطر ببالكم أن تدخلوا الجنة من دون مشقة ولا تعب
،
واحتمال
المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
فإن الجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات
،والنار حفت بالشهوات ،
واحتمال
المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
تنقلب عند
ارباب البصائر منحاً يفرحون بها ويسرون بها ولا يبالون بها ،
وذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء.
كل هذا يؤولها
بإذن الله سبحانه وتعالى إلى فضل عظيم يؤتيه من يشاء.
فقال: "وَلَقَدْ كُنْتُمْ
تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ"
يتمنون أن يحظرهم الله عز و جل مشهداً يبذلون
فيه جهدهم
قال
تعالى "ُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ " أي قد رأيتم ما تمنيتموه بأعينكم
، الذي كنتم تتمنوه قد أتاكم "وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ "
ليس فقط سماع بل ( وانتم تنظرون ) فلما تركتم
الصبر فهذه حالة لا تليق بكم
خصوصاً لمن تمنى ذلك وحصل له ما تمنى ،فإن الواجب
عليه بذل الجهد والجهاد وافراغ الوسع في ذلك.
وإنما أنكر عليهم عدم العمل بمقتضاها والله أعلم..
فإذا بالنفس نفسها التي تحدثت وتمنت إذا مرت
بنفس الموقف لم تفعل الفعل الذي ذكرته وقت الرخاء.
لا تطلبوا
الشيء وكأنكم تكلون عملكم إلى قوتكم وجهدكم
اللهم
برحمتك استغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
أي ليس
ببدع من الرسل بل هو من جنس الرسل الذين من قبله ،
وظيفتهم
تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ أوامره ،
بل الواجب على كل الامم عبادة ربهم في كل وقت
وعلى كل حال حتى لو ذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم -
صعدت روحه
إلى السماء الدنيا ،إلى ربها.
"ُ
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ ".
بترك ما جاءكم به من الإيمان أو الجهاد أو غير
ذلك.
قال الله " وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ "
الله
سبحانه تعالى لا يضره معصية العاصي "فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ
"إنما يضر نفسه ،
وإلاّ فإن
الله تعالى غني عنا وسيقيم دينه سواءً بنا أو بغيرنا ويعز عباده المؤمنين...
وامتثل
أمر ربه
فقال:"
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"
والشكر لا
يكون إلا بالقيام بعبودية،الله تعالى في كل حال..
وفي هذه
الأيه الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا في حالة لا يزعزهم
عن
إيمانهم أو عن بعض لوازمه رئيس وإن عظم هذا الرئيس ،
عبادة
الله جارية ستستمر والدين منصور بفلان أو بفلان ،وما ذاك إلا بالاستعداد لكل أمرٍ
من أمور الدنيا ،
ومن أمور
الدين بعدة أناس من أهل الكفائة فيه،
وإذا فُقد
أحدهم قام به غيره ،ما يذهب شخص إلا ويأتي بإذن الله شخص غيره يحل محله ،
وأن يكون
عموم المؤمنين قصدهم اقامة دين الله سبحانه و تعالى والجهاد عنه بحسب الامكان
،لا يكون
لهم قصد في رئيس دون رئيس ،
فبهذه
الحالة يستتب لهم الأمر و تستقيم أمورهم ،
إذا كان قصدهم الله عز وجل تسير الأمور
على ما يرام....
الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-
لأنهم هم
سادة الشاكرين..
فمن حتم
عليه بالقدر أن يموت مات ولو بغير سبب،
ومن أراد بقائه فلو أتى من الأسباب بكل سبب لم
يضره ذلك قبل بلوغ أجله،
وذلك
أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجلٍ مسمى
كما قال "إِذا
جاء أجلهُم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".
لذلك يقول الله تعالى "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا
نُؤْتِهِ مِنْهَا
وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا "
ولم
يذكر جزائهم ليدل ذلك على كثرته
"وَكَأَيِّنْ
مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا"
هذا تسلية
للمسلمين والحث على الإقتداء بهم والفعل كفعلهم ،
وأن هذا
الأمر قد كان متقدماً لم تزل سنة الله جارية بذلك .
قال تعالى : "وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ
قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا
وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا
اسْتَكَانُوا َۗ "
أي جماعات
كثيرة من اتباعهم الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة فأصابهم قتل
وجراح وغير ذلك
ولهذا قال
الله سبحانه "وَاللَّهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ
"
فقال يا فلان أشعرت أن محمداً قد قتل فقال
الأنصاري إن كان محمداً قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم
فنزلت "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ "
وكذلك لما
مات النبي-صلى الله عليه وسلم- روى البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
أن أبو
بكر الصديق - رضي الله عنه - أقبل على فرس من مسكنه بالسنه حتى نزل فدخل المسجد
فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مغشى
بثوب فكشف عن وجه
ثم أكب عليه وقبله وبكى ،ثم قال: بأبي أنت وأمي والله لا يجمع
الله عليك بين موتتين أما الموتة الأولى التي كتبت عليك فقد متها...
فأقبل الناس إلى أبي بكر
وتركوا عمر
فقال: ابو بكر أما بعد ( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ،ومن
كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت )
قال الله تعالى "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ "..
فوالله
لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الأيه حتى تلاها أبو بكر ،فتلاقاها الناس
منه كلهم..
أي أن أي إنسان لا يستطيع أن يموت إلا
بقدر الله سبحانه وتعالى.
ولا يزيد فيه
أبدا. "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا
مُؤَجَّلًا
"
الله سبحانه وتعالى جمع لهم ثواب الدنيا
وثواب الأخرة. (والله يحب المحسنين )
والله عز وجل يحب المحسنين.
اية " وَمَا
ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا "
أي ماضعفت قلوبهم ولا وهنت أبدانهم ،ولا
ستكانوا أي ولا ذلوا لعدوهم بل ثبتوا وشجعوا أنفسهم "
"ثم ذكر قولهم وانتصارهم لربهم وما كان قولهم في تلك
المواطن الصعبة .
أي موطن يمر به الإنسان لا
بد أن يقول "وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا "
والإسراف
هو مجاوزة الحد إلى ما حرم الله.
ولا شك ان الإسراف في الذنوب من أعظم أسباب الخذلان
وأن
التخلي منهما من أسباب النصر ،
فسألوا
مغفرتها ثم أنهم لم يتكلوا على ما بذلوا من جهودهم بل
اعتمدوا
على الله وسألوه أن يثبت أقدامهم.
فجمعوا بين الصبر وترك ضده والتوبة
والإستغفار والإنتصار بربهم.
ولهذا قال "فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ
الدُّنْيَا"
من النصروالظفر والغنيمة وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وهو الفوز برضى ربهم والنعيم المقيم الذي سلم من جميع المنكدات .
فجازاهم الله عز وجل بأحسن الجزاء وقال الله : "وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ(١٤٨) " في عبادة الخالق ومعاملة الخلق.
( اعبد الله كأنك تراه فإن لك تكن تراه فإنه يراك) كذلك الإحسان
في معاملة الخلق ،
الإحسان القولي والإحسان الفعلي ومن الإحسان أن يفعل عند جهاد
الأعداء كفعل هاؤلاء الموصوفين بهذه الصفات الجميله
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق