الوجه العشرون من سورة آل عمران
(
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ
عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ )
نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكفار من منافقين ومشركين فإنهم
سيردوهم للكفر وعاقبة ذلك الخيبة و الخسران.
فكلمة يردوكم في الآيه :
اي يرجعوكم خاسرين.
( بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ )
ثم اخبر الله أنه سبحانه مولاهم وناصرهم وبشاره لهم أنه تولى امورهم بلطفه ويحفظهم ويعصمهم من
الشرور.
وفيه حث لهم لاتخاذهم الله وحده وليّا وناصرا من دون كل احد
فمن من اتخذ الله وليا ينصره وهو سبحانه خير الناصرين
( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ )
ومن ولايته ونصره لهم أن وعدهم أن يلقي الرعب في قلوب الكفار وهو
الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم.
فقد فعل ذلك عندما انصرفوا من وقعة أحد تشاوروا
كيف ننصرف بعد ان
قتل من قتل وهزمناهم ولم نستأصلهم وهموا بذلك.
فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا خائبين وهو من اعظم النصر
للمؤمنين.
فنصر الله لعباده المؤمنين يكون بأمرين:
1- ان يقطع طرفا من الذين كفروا.
2- ان يكبتهم فينقلبوا خائبين.
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا
أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ
النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ).
وضّح سبب الرعب في قلوب الكافرين
فقال سبحانه : (بِمَا
أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ )
: أي برهان
لانهم اتخذوا أصنام واندادا حسب أهوائهم وارادتهم بدون
حجة ولا برهان.
وكان المشرك مرعوب من المؤمن لا يعتمد على ركن وثيق , وليس له ملجأ
عند كل شدة هذا حاله في الدنيا , وفي اﻵخرة اشد وأعظم وهو النار مثواهم ليس لهم
خروج .
(وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ )
بسبب ظلمهم وعدوانهم.
وثبت في الصحيحين عن جابر عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اعطيت
خمسا لم يعطهن أحد من الانبياء قبلي فنصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الارض مسجدا
وطهورا , وأحلت لي الغنائم واعطيت الشفاعه وبعثت للناس عامه وكان النبي يبعث لقومه
خاصه)
ثم يقول الله سبحانه وتعالى :
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم
بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ )
أي وعدكم بالنصر عليهم حتى ولوكم أكتافهم.
فلما حصل منكم الفشل والضعف اختلفتم وتنازعتم في الامر وهو ترك امر
الله بالإتلاف وعدم الاختلاف فاختلفتم فيمن قال نقيم في مركزنا الذي جعلنا فيه
النبي وقال قائل ما مقامنا فيه وقد انهزم العدو أي انتهت الحرب
ولم يبق محذور، فعصيتم الرسول وتركتم امره من بعد ما أراكم الله ما تحبون وهو النصر
وانخذال اعدائكم ولأن الواجب على من أنعم الله عليه بما يحب أعظم من غيره فالواجب في هذا الحال خصوصا وفي غيرها عموما الامتثال والطاعة لله ورسوله .
( مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا )
وهم الذين أوجب لهم ذلك ما أوجب،
( وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ )
وهم الذين لزموا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتوا حيث أمروا.
وهذا في غزوة أحد
يقول البخاري عن البراء قال : لقينا المشركين واجلس الرسول جيش من
الرماة وأمر عليهم عبدالله بن الجبير وقال لا تبرحوا أن ظهرنا عليهم وان ظهروا
علينا لا تعينونا فلما لقيناهم هربوا حتى رأينا النساء يشتددن في الجبل رفعن عن
سوقهن وبدت خلاخيلهن فبدؤوا يقولون الغنيمة الغنيمه
فقال عبدالله بن الجبير ان الرسول عهد إلي ألا تبرحوا فأبوا
فلما
أبوا صرف وجوههم واصيب سبعين قتيلا فأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد
فقال :لا
تجيبوه
فقال :أفي القوم ابي قحافه
فقال: لا تجيبوه
فقال :أفي القوم أبو
الخطاب.
فقال ان هؤلاء قد قتلوا لو كانوا أحياء لأجابوا
فلم يملك عمر نفسه فقال:
كذبت يا عدو الله فلقد ابقا الله ما يحزنك.
فقال ابو سفيان اعلو هبل
فقال الرسول : أجيبوه
قالوا :ما نقول
قال: قولوا الله أعلى وأجل.
فقال ابو سفيان: العزة لنا ولا عزة لكم.
فقال الرسول: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
قال ابو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال وتجدون مثله.
هذا يبين أن الرسول تكلم وغضب لما قالوا اعلوا هبل ولم يدافع عن
نفسه ولم يتكلم إلا لما أساؤوا الى الله.
فلذلك لا تأخذنا امور تافهة وأمور ليس لها وزن.
(ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ)
أي: بعدما وجدت هذه الأمور منكم، صرف الله وجوهكم عنهم، فصار الوجه لعدوكم،
النصر والفوز كان لكم لكن عندما لم تشكروا الله ولم تمتثلوا لأمره صرف الفوز والنصر لعدوهم
ابتلاء من الله لكم وامتحانا، ليتبين المؤمن من الكافر، والطائع من العاصي، وليكفر الله عنكم بهذه المصيبة ما صدر منكم،
فلهذا قال: ( وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )
ومن فضله على المؤمنين أنه لا يقدّر عليهم خيرا ولا مصيبة، إلا كان خيرا لهم. إن أصابتهم سراء فشكروا جازاهم جزاء الشاكرين، وإن أصابتهم ضراء فصبروا، جازاهم جزاء الصابرين.
نأخذ من هذا أنه عندما يبتلي الله المؤمن فالله هو صاحب الفضل فالله يبتلي حتى يعفو فابتلائه فضل ونعمه.
أكثر ابتلاء هم الانبياء ثم الصحابه وهكذا
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 153 ) .
يذكرهم تعالى حالهم في وقت انهزامهم عن القتال، ويعاتبهم على ذلك،
فقال: ( إِذْ تُصْعِدُونَ )
أي: تجدّون في الهرب
تسرعون تهربون
( وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ )
أي: لا يلوي أحد منكم على أحد، ولا ينظر إليه، بل ليس لكم هم إلا الفرار والنجاء عن القتال.
والحال أنه ليس عليكم خطر كبير، إذ لستم آخر الناس مما يلي الأعداء، ويباشر الهيجاء،
بل ( وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ )
أي: مما يلي القوم يقول: « إليَّ عباد الله » فلم تلتفتوا إليه، ولا عرجتم عليه، فالفرار نفسه موجب للوم، ودعوة الرسول الموجبة لتقديمه على النفس، أعظم لَوْمًا بتخلفكم عنها،
( فَأَثَابَكُمْ )
أي: جازاكم على فعلكم
(غَمًّا بِغَمٍّ )
فالغم قد يكون تكفير بسبب الذنوب
فالله يبتلي أحبابه الأصفياء
الصحابة الذين هم أفضل الخلق بعد الأنبياء
فالغم ليس لفئة معينة حتى الصحابة أصابهم غم
(غَمًّا بِغَمٍّ )
أي: غما يتبع غما، غم بفوات النصر وفوات الغنيمة، وغم بانهزامكم، وغم أنساكم كل غم، وهو سماعكم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل.
فلا تستعجل لرزقك
ما مشكلة التي وقعوا بها الصحابه ؟
هي استعجالهم للغنيمة
ولكن الله - بلطفه وحسن نظره لعباده- جعل اجتماع هذه الأمور لعباده المؤمنين خيرا لهم،
فقال: ( لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ )
من النصر والظفر،
(وَلا مَا أَصَابَكُمْ)
من الهزيمة والقتل والجراح، إذا تحققتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل هانت عليكم تلك المصيبات، واغتبطتم بوجوده المسلي عن كل مصيبة ومحنة، فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الأسرار والحكم، وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته بأعمالكم، وظواهركم وبواطنكم،
ولهذا قال:
(واللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
مطلع على كل شي وكل أمر جل علاه .
قال السّدي في قوله : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ)
لما شد المشركون على المسلمون في أحد فهزموهم
دخل بعضهم المدينه
وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة
فقاموا عليها وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوا الناس
: إليّ عباد الله إليّ عباد الله
فذكر الله صعودهم على الجبل ثم ذكر دعاء الرسول
إياهم فقال : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ)
وهكذا قالها ابن عباس .
فقد ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد أنه سئل عن جرح الرسول صلى الله عليه وسلم فقال جرح وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته وهشمت البيضه على رأسه , فكانت فاطمه رضي الله عنها تغسل الدم وعلي رضي الله عنه يسكب عليها
الماء فلما رات فاطمه أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقتها حتى
صارت رمادا فألصقته بالجرح فأستمسك الدم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق