الأربعاء، يوليو 13، 2016

تفريغ سورة آل عمران من آية 154 إلى آية 157








الوجه الواحد والعشرين من سورة آلِ عمران

بِسْم الله الرحمن الرحيم 


(  ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا  )
من بعد الغم الذي أصابكم، أمنة نعاسا 
ولا شك أن هذا رحمة بهم وإحسانا وتثبيتا لقلوبهم وزيادة طمأنينه .. لأن الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف ، 
فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس ..وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس : هم المؤمنين الذين ليس لهم همّ إلا إقامة دين الله تعالى ورضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصلحة إخوانهم المسلمين،
 اما الطائفة الأخرى الذين قد أهمّتهم أنفسهم فليس لهم همّ في غيرها فلا يهتمون إلا بأنفسهم لضعف إيمانهم فلهذا لم يصيبهم من النعاس ما أصاب غيرهم .

يقول تعالى :
 ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ)

 وهذا إستفهام إنكاري، أي مالنا من الأمر أي ، النصر والظهور ، شيء ، فأسائوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ،وظنوا انّ الله لا يتم أمر رسوله وأنّ هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله .


 وقد ثبت في البخاري عن أنس عن أبي طلحة قال : 
( كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وأخذه ويسقط وأخذه)

 وعن أبي طلحة قال : ( رفعت رأسي يوم أحد وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس ) حسن صحيح.


والطائفة الاخرى هم المنافقون ليس لهم همّ الا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعنه وأخذله للحق يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، 
أي إنما هم كذبه ، أهل شك وريب في الله عز وجل . 



يقول الله تعالى (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ  )


يعني أهل الإيمان وأهل اليقين والثبات والتوكل الصادق وهم الجازمون بأن الله  عز وجل سينصر رسوله وينجز له مأموله 

ولهذا قال ( وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ )
يعني لا يغشاهم  النعاس من القلق والجزع والخوف
(يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ    )


(بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا  ) وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها هي الفيصلة وأن الاسلام قد بادو أهله ، وهذا شأن أهل  الريب وأهل شك إذا حصل أمر من الأمور الفضيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة .

ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم يقولون في تلك الحال
( هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ )


رد عليهم الله سبحانه وتعالى فقال:
(   قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ )

ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم


( يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ )
أي يسرون هذه المقالة، 

عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن الزبير قال :
قال الزبير ( لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، يعني من النوم  من شدة النعاس ، قال: فوالله إني لأسمع قول معتب إبن قشير ما أسمعه الا كالحلم يقول (لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ ) فحفظتها منه ' 
هذه مقولتهم يقولونها في الحرب من شدة الخوف والجزع والهلع الذي بهم ،

 أما المؤمنون فأصابهم النعاس ، وهذه سكينة لا شك من الله سبحانه وتعالى

 وهذا هو حسن الظن بالله سبحانه وتعالى
أن تحسن بأن الله سبحانه وتعالى , إذا أصابك أمر سيتكفل بأمرك سبحانه جل وعلى ، إذا أصابتك مصيبة ، إذا أصابك ألم ، سيتكفل بك جل وعلى .


فتخيل أثناء الحرب وأثناء السجال وأثناء القتال يصيبهم النعاس حتى أن رؤوسهم تسقط على صدورهم من شدة النعاس وهذا لا شك أن النعاس راحة وطمأنينة وسكينة ،
وأما المنافقون فقد إشتد الخوف عليهم حتى الزبير يقول : كأنه حلم أسمعه يقول (  لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ ) وهذه مقولة معتب إبن قشير من أحد منافقين المدينة يقولها أثناء الغزوة وأثناء الحرب .


قال الله تعالى :
( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ )

 هذا قدر مقدر من الله عز وجل وحكم حتم لازم لا يحاد عنه ، ولا مناص منه ، 

( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ)
 يعني أنتم أيها المؤمنون لماذا أصابتكم هذه المصيبة ؟ 
( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ )  أي يختبركم  بما جرى عليكم ليميز الخبيث من الطيب ويظهر أمر المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال ، لانه دائما لا يظهر المنافق الا أثناء الشده ، أثناء الشده يظهر المنافق من غير المنافق ، يظهر المحب من المبغض ،

( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
 بما يختلج في الصدور من السرائر والضمائر ،


ثم يقول الله عز وجل :
( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ )

 أي : ببعض ذنوبهم السالفة ، كما قال بعض السلف : إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، وإن من جزاء السيئة السيئة بعدها .


(  وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ )
أي : عما كان منهم من الفرار,, 
 إِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى غفور حليم يغفر الذنب ويحلم عن خلقه ، ويتجاوز عنهم ،

ثم يقول الله  بعدها :
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا )

هنا نجد النهي عن مشابهة الكفار في تعليق الموت وأمور القدر بغير مشيئة الله تعالى، 
ينهى الله  تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد ، الدال عليه لقولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار وفي الحروب : لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم .



 قال تعالى  : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ) 

أي : عن إخوانهم

( إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ  )
أي : سافروا للتجارة ونحوها

( أَوْ كَانُوا غُزًّى )
أي كانوا  في الغزو

(  لَّوْ كَانُوا عِندَنَا)
أي : في البلد

(مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا  )
أي ماماتوا  في السفر وما  قتلوا في الغزو .


وقوله : (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ )
 أي : خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتهم وقتلهم ..

ثم قال تعالى ردا عليهم : ( وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ ) 
بيده الحياة بيده الموت سبحانه  جل وعلا  أي : بيده الخلق وإليه يرجع الأمركله لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها  ،

 إنّ ما يحصل لنا هو أسباب ' ولا يحيا أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئة الله وقدره ، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه إلا بقضائه وقدره .


( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)  
أي : وعلمه وبصره نافذ في جميع خلقه ، لا يخفى عليه من أمورهم شيء .

وقوله : ( وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )

 تضمن هذا أن القتل في سبيل الله ، والموت أيضا ، وسيلة إلى نيل رحمة الله تعالى وعفوه ورضوانه ، وذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني .

ثم أخبر الله بأن كل من مات في قتل فمصيره ومرجعه إلى الله ، عز وجل ، فيجازيه بعمله ، إنّ خيرا فخير ، وإنّ شرا فشر.

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق