بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجه الثالث من سورة
آل عمران
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( الَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ)( 16)
{ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }:
توسَّلوا
بمنَّةِ اللهِ عليهِم بتوفيقِهِم للإيمانِ، أن يغفرَ لهم ذنوبَهُم، ويقيَهُم شرَّ
آثارِها، وهو عذابُ النَّارِ.
ثم فصَّلَ أوصافَ التَّقوَى،
فقال اللهُ تَعالَى:
( الصَّابِرِينَ
وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ)( 17)
{ الصَّابِرِينَ }:
أنفسَهم على ما يحبُّه
اللهُ من طاعتِهِ، وعن معصيتِهِ، وعلى أقدارِهِ المؤلمةِ،
{ وَالصَّادِقِينَ }:
في إيمانِهِم وأقوالِهِم
وأحوالِهِم،
{ وَالْمُنفِقِينَ }:
ممَّا رزقَهُم اللهُ عزَّ
وجلَّ بأنواعِ النفقاتِ، على المحاويجِ من الأقاربِ، وغيرِهِم.
أيُّ نفقةٍ كانت:
الابتسامةُ صدقةٌ!
الكلمةُ الطيبةٌ صدقةٌ!
أنْ تقِفُوا مع إخوانِكم
في حاجةٍ لهم وتسعوا لهم حتَّى ينتَهُوا صدقةٌ!
أنْ تشفعوا لإخوانِكم
صدقةٌ!
أنْ تتصدَّقوا بمالِكُم
صدقةٌ!
أنْ تُسعِدوا أحدًا وتفرحوه
صدقةٌ!
{ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ }:
لمَّا بيَّن صفاتَهم
الحميدةَ، ذكرَ احتقارَهم لأنفسِهم، وأنَّهم لا يرَون لأنفسِهِم، حالًا ولا مقامًا،
بل يرَون أنفسَهُم مُذنِبين مُقصِّرين، فيستغفرون ربَّهم، ويتوقَّعون أوقاتِ
الإجابةِ، وهي السَّحَرُ،
من شدَّةِ خوفِهم على
أنفسِهِم، كانوا ينتظرون أشدَّ أوقاتِ إجابةِ الدُّعاءِ،
فكانوا يدعُون اللهَ عزَّ
وجلَّ، أنْ يغفرَ لهم تقصيرَهم.
أيَّها الإخوةُ! علينا
أنْ نعرفَ قدرَ أنفسِنا فلا نضخِّمها، ولا نكبِّرها، ولا نزكِّيها، بل نحنُ محتاجون دائمًا إلى تعاهدها
على الأعمالِ الصَّالحةِ،
علينا أن نحتقرَ أنفسَنا
دائمًا، وأن لا نغتابَ، ولا نحسدَ، ولا نحقدَ، ولا نحتقرَ من الآخرين، ولا نهوِّنَ من
شأنِهم.
لأنَّ تهوينَنا من
شأنِ الآخرين، يعني أنَّنا رفعْنا أنفسَنا،
وأعظمُ شيءٍ على
النفسِ تضخيمُها والتهويلُ منها.
قال الحسنُ: مَدُّوا
الصَّلاةَ إلى السَّحَرِ، ثمَّ جلسوا يستغفرون ربَّهم.
فتضمَّنَت هذه الآياتُ
حالةَ الناسِ في الدُّنيا وأنَّها متاعٌ ينقضي،
ثم وصفَ الجنَّةَ وما
فيها من النَّعيمِ، وفاضلَ بينهما، وفضَّلَ الآخرةَ على الدُّنيا.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
(شَهِدَ اللَّهُ
أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا
بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )( 18)
{ شَهِدَ اللَّهُ
أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ}:
هذا تقريرٌ من اللهِ تَعالَى
للتوحيدِ، بأعظمِ الطرقِ الموجبةِ له، وهي شهادتُهُ تَعالَى، وشهادةُ خواصِّ الخلقِ،
وهم الملائكةُ وأهلُ العلمِ،
- أمَّا شهادتُهُ تَعالَى:
فيما أقامَهُ من الحججِ والبراهينِ القاطعةِ على توحيدِهِ،
وأنه لا إله إلا هوَ،
فنوَّعَ
الأدلةَ في الآفاقِ والأنفسِ على هذا الأصلِ العظيمِ،
ولو لم يكنْ في ذلك
إلا أنَّه ما قامَ أحدٌ بتوحيدِهِ، إلا ونصرَهُ على المشركِ الجاحدِ المنكرِ
للتوحيدِ،
وكذلك إنعامُهُ
العظيمُ، الذي ما بالعبادِ من نعمةٍ إلا منهُ، ولا يدفعُ النِّقمَ إلا هوَ،
والخلقُ كلهم عاجزون
عن المنافعِ والمضارِّ لأنفسِهِم ولغيرِهِم،
ففي هذا برهانٌ قاطعٌ،
على وجوبِ التَّوحيدِ، وبُطلانِ الشِّركِ،
{ وَالْمَلَائِكَةُ }:
- وأمَّا شهادةُ
الملائكة بذلك: فنستفيدُها بإخبارِ اللهِ لنا بذلك، وإخبارِ رسلِهِ،
{ وَأُولُو الْعِلْمِ
}:
- وأمَّا شهادةُ أهلِ
العلمِ: فلأنَّهم هم المرجعُ، في جميعِ الأمورِ الدينيةِ، خصوصًا في أعظمِ الأمورِ
وأجلِّها وأشرفِها وهو التَّوحيدُ،
فكلُّهم من أوَّلِهِم
إلى آخرِهِم، قد اتَّفَقُوا على ذلك، ودعَوا إليه، وبيَّنُوا للناسِ الطرقِ الموصلةِ
إليه،
وفي هذا دليلٌ على أنَّ
أشرفَ الأمورِ علمُ التوحيدِ؛
لأنَّ اللهَ شهدَ به بنفسِهِ وأشهد عليه خواصَّ خلقِهِ،
والشهادةُ لا تكونُ
إلا عن علمٍ ويقينٍ، بمنزلةِ المُشاهدةِ للبصرِ،
ففيهِ دليلٌ على أنَّ
من لم يصلْ في علمِ التَّوحيدِ إلى هذه الحالةِ، فليس من أولي العلمِ.
وفي هذه الآية دليلٌ
على شرفِ العلمِ، ومكانتِهِ من وجوهٍ كثيرةٍ:
- الأمرُ الأوَّلُ: أنَّ
اللهَ خصَّهُم بالشهادةِ، على أعظمِ مشهودٍ عليه، دونَ الناسِ،
- ثانيًا: أنَّ اللهَ
قرنَ شهادتَهم بشهادتِهِ، وشهادةِ ملائكتِهِ، وكفى بذلك فضلًا،
- ثالثًا: أنَّه جعلَهم
أولي العلمِ، فأضافهم إلى العلمِ، إذ هم القائمون به المتَّصِفون بصفتِهِ،
- رابعًا: أنَّه تَعالَى
جعلَهم شهداءَ، وحجةً على النَّاسِ، وألزم النَّاسَ العملَ بالأمرِ المشهودِ به،
فيكونون هم السببُ في
ذلك، فيكونُ كل من عملَ بذلك نالَهم من أجرِهِ، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاءُ،
خامسًا: أنَّ إشهادَه
تَعالَى أهلَ العلمِ، يتضمَّنُ ذلك تزكيتَهم، وتعديلَهم، وأنَّهم أمناءُ على ما
استرعاهُم اللهُ عزَّ وجلَّ عليه،
ولما قرَّرَ توحيدَهُ قرَّرَ عدلَهُ،
فقال:
{ قَائِمًا بِالْقِسْطِ }:
{ قَائِمًا بِالْقِسْطِ }:
أي: لم يزلْ متصفًا
بالقسطِ في أفعالِهِ وتدبيرِهِ بين عبادِهِ،
فهو على صراطٍ مستقيمٍ
في ما أمرَ بِهِ ونهَى عنْهُ، وفيما خلقَهُ وقدَّرَهُ،
ثم أعادَ تقريرَ
توحيدِهِ
فقالَ:
{ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
{ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
واعلمْ أنَّ هذا
الأصلَ الذي هو توحيدُ اللهِ وإفرادُهُ بالعبوديةِ قد دلَّتْ عليه الأدلةُ النقليةُ
والأدلةُ العقليةُ، حتى صار لذوي البصائرِ أجلَى من الشَّمسِ،
فأمَّا الأدلةُ
النقليَّةُ، فكلُّ ما في كتابِ اللهِ، وسنَّةِ رسولِهِ، من الأمرِ به، وتقريرِهِ،
ومحبَّةِ أهلِهِ، وبغضِ من لم يقمْ به، وعقوباتِهم، وذمِّ الشركِ وأهلِهِ، فهو من
الأدلَّةِ النقليَّةِ على ذلك.
وأمَّا الأدلَّةُ
العقليَّةُ، فمِن أعظمِها: الاعترافُ بربوبيَّةِ اللهِ،
فإنَّ منْ عرفَ أنَّه
هو الخالقُ الرازقُ، المدبِّرُ لجميعِ الأمورِ، أنتج له ذلك أنَّه هو المعبودُ الذي
لا تنبغي العبادةُ إلَّا لهُ.
ولمَّا كان هذا من
أوضحِ الأشياءِ، وأعظمِها، أكثرَ اللهُ تَعالَى من الاستدلالِ به في كتابِهِ.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( إِنَّ الدِّينَ
عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ
بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )( 19)
ولمَّا قرَّرَ أنَّهُ
الإلهُ الحقُّ المعبودُ، بيَّنَ العبادةَ والدِّينَ، الذي يتعيَّنُ أن يُعبَدَ بهِ،
ويُدانَ لهُ،
{ إِنَّ الدِّينَ
عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }:
والإسلامُ: هو
الاستسلامُ لله بتوحيدِهِ وطاعتِهِ التي دعَتْ إليها رسلُهُ، وحثَّتْ عليها كتبُهُ،
وهو الذي لا يُقبَلُ من أحدٍ دينٌ سواهُ،
وهو متضمنٌ للإخلاصِ
له في الحبِّ والخوفِ والرجاءِ والإنابةِ والدعاءِ ومتابعةِ رسولِهِ في ذلك،
وهذا هو دينُ الرُّسلِ
كلِّهم، وكلِّ من تابعَهُم فهو على طريقِهِم،
وإنَّما اختلفَ أهلُ
الكتابِ بعد ما جاءتْهُم كتبُهُم تحثُّهُم على الاجتماعِ على دينِ اللهِ، بغيًا
بينهم، وظلمًا وعدوانًا من أنفسِهِم،
وإلا فقد جاءَهُم السببُ الأكبرُ الموجبُ أن يتَّبِعوا الحقَّ ويتركوا الاختلافَ،
{ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }
{ وَمَن يَكْفُرْ
بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }
فيجازيَ كل عاملٍ
بعملِهِ، وخصوصًا من تركَ الحقَّ بعد معرفتِهِ، فهذا مستحقٌ للوعيدِ الشَّديدِ،
والعقابِ الأليمِ.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
(فَإِنْ حَاجُّوكَ
فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ
اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)( 20)
ثم أمرَ تَعالَى رسولَهُ
صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، عند محاجَّةِ النَّصارَى وغيرِهم، ممن يفضِّلُ غيرَ دينِ
الإسلامِ عليه، أن يقولَ لهم:
قدْ { أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ
اتَّبَعَنِ }:
أي: أنا ومن اتَّبَعني،
قد أقررْنا وشهدْنا، وأسلمْنا وجوهَنا لربِّنا، وتركنا ما سوى دينِ الإسلامِ،
وجزمنا ببطلانِهِ،
ففي هذا تأييسٌ لمن
طمعَ فيكم، وتجديدٌ لدينِكم عند ورودِ الشبهاتِ، وحجةٌ على من اشتبهَ عليه الأمرُ،
لأنه قد تقدَّمَ أنَّ
اللهَ قد استشهدَ على توحيدِهِ بأهلِ العلمِ من عبادِهِ ليكونوا حُجَّةً على غيرِهِم،
وسيِّدُ أهلِ العلمِ
وأفضلُهم وأعلُمهم هو نبيُّنا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
ثمَّ من بعدِهِ أتباعُهُ
على اختلافِ مراتبِهِم وتفاوتِ درجاتِهِم،
فلهم من العلمِ الصَّحيحِ
والعقلِ الرَّجيحِ ما ليسَ لأحدٍ من الخلقِ ما يساويهِم أو يقاربُهُم،
فإذا ثبتَ وتقرَّرَ
توحيدُ اللهِ ودينُهُ بأدلتِهِ الظاهرةِ، وقام به أكملُ الخلقِ وأعلمُهُم،
حصل
بذلك اليقينُ، وانتفى كلُّ شكٍّ وريبٍ وقادحٍ.
{ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ }:
من النَّصارَى
واليهودِ،
{ وَالْأُمِّيِّينَ }:
من مُشرِكي العربِ
وغيرِهم،
{ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا }:
أي: بمثلِ ما آمنْتُم
بهِ،
{ فَقَدِ اهْتَدَوا }:
كما اهتديتُم، وصارُوا
إخوانَكم، لهُم ما لكُم، وعليهِم ما عليكُم.
{ وَّإِن تَوَلَّوْا }:
عن الإسلامِ، ورضَوا
بالأديانِ التي تخالفُهُ،
{ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ }:
يا مُحَمَّد! فقد وجبَ
أجرُكَ على ربِّكَ، وقامَتْ عليهم الحُجَّةُ،
ولم يبقَ بعد هذا إلا
مجازاتُهم بالعقابِ على جرمِهِم،
فلهذا قالَ :{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }
يقولُ اللهُ تَعالَى:
(إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)( 21)
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ
اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ }:
هؤلاء الذين أخبرَ
اللهُ عنهم في هذه الآيةِ، أشدُّ الناسِ جرمًا،
وأيُّ جرمٍ أعظمُ من الكفرِ بآياتِ اللهِ!
التي تدلُّ دلالةً
قاطعةً على الحقِّ، الذي من كفرَ بها، فهو في غايةِ الكفرِ والعنادِ.
{ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ
حَقٍّ }:
ويقتلون أنبياءَ اللهِ،
الذين حقُّهم أوجبُ الحقوقِ على العبادِ، بعد حقِّ اللهِ،
الذين أوجبَ اللهُ طاعتَهُم، والإيمانَ بهِم، وتعزيرَهم، وتوقيرَهم، ونصرَهم،
الذين أوجبَ اللهُ طاعتَهُم، والإيمانَ بهِم، وتعزيرَهم، وتوقيرَهم، ونصرَهم،
وهؤلاء قابَلُوهم بضدِّ ذلك،
{ وَيَقْتُلُونَ
الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ }:
ويقتلون أيضًا الذين
يأمرون الناسَ بالقسطِ، الذي هو العدلُ،
وهو الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ،
الذي حقيقتُهُ إحسانٌ إلى المأمورِ، ونصحٌ لهُ، فقابَلوهُم شرَّ مقابلةٍ،
{ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }:
فاستحقُّوا بهذه
الجناياتِ المُنكراتِ أشدَّ العقوباتِ، وهو العذابُ المؤلمُ البالغُ في الشدَّةِ،
إلى غايةٍ لا يمكنُ وصفُها، ولا يقدرُ قدرها،
المؤلمُ للأبدانِ والقلوبِ والأرواحِ.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
(أُولَٰئِكَ
الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن
نَّاصِرِينَ)( 22)
{ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ }:
بطلَتْ أعمالُهُم، بما
كسبَتْ أيديهم،
{ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }:
وما لهم أحدٌ ينصرُهُم
من عذابِ اللهِ ولا يدفعُ عنهم من نقمتِهِ مثقالَ ذرَّةٍ،
بل قد أيِسوا من كلِّ خيرٍ، وحصلَ لهم كلُّ شرٍّ وضيرٍ،
وهذه الحالةُ صفةُ
اليهودِ ونحوِهم،
قبَّحَهُم اللهُ ما أجرأَهم على اللهِ وعلى أنبيائِهِ وعبادِهِ
الصَّالحِين.
سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إله إلا
أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليك.
اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً،
واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا محمَّدٍ
وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينِ.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق