بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجه الرابع من سورة
آل عمران
يقولُ اللهُ تَعالَى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ)(
23)
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ }:
يخبرُ تَعالَى عن حالِ
أهلِ الكتابِ الذين أنعمَ اللهُ عليهِم بكتابِهِ،
فكانَ يجبُ أن يكونوا
أقومَ النَّاسِ به، وأسرعَهُم انقيادًا لأحكامِهِ،
{ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ
كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ }:
فأخبرَ اللهُ عنهُم
أنَّهم إذا دُعُوا إلى حكمِ الكتابِ،
{ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ
فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ }:
تولَّى فريقٌ منهُم وهم
يُعرِضُون - ليتَهُم يتولَّون فقط-
تولَّوا بأبدانِهِم،
وأعرَضُوا بقلوبِهِم، وهذا غايةُ الذمِّ،
وفي ضمنِها التَّحذيرُ
لنا- نحن أمَّةُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - أنْ نفعلَ كفعلِهِم،
فيصيبَنا من الذمِّ والعقابِ ما أصابَهُم،
بل الواجبُ على كلِّ
أحدٍ، إذا دُعيَ إلى كتابِ اللهِ، أن يسمعَ ويطيعَ وينقادَ،
كما قالَ اللهُ
تَعالَى:
{ إِنَّمَا كَانَ
قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }
فقالَ اللهُ تَعالَى:
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ
فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)( 24)
{ ذَٰلِكَ }:
والسببُ الذي غرَّ أهلَ
الكتابِ، بتجرُّؤِهِم على معاصي اللهِ،
هو قولُهُم:
{ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا
مَّعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
افترَوا هذا القولَ
فظنُّوُه حقيقةً،
فعملُوا على ذلكَ، ولم
ينزجِروا عن المحارمِ،
لأنَّ أنفسَهُم
منَّتْهُم وغرَّتْهُم أنَّ مآلَهُم إلى الجنَّةِ،
- بعضُ الأحيانِ تكونُ
النفسُ خطيرةً، وتكذبُ على صاحبِها-
وكذبُوا في ذلك، فإنَّ
هذا، مجرَّدُ كذبٍ وافتراءٍ على اللهِ عز وجل، وإنَّما مآلُهُم شرُّ مآلٍ،
وعاقبتُهُم عاقبةٌ وخيمةٌ.
ولهذَا قالَ اللهُ
تَعالَى:
( فَكَيْفَ إِذَا
جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ
وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)( 25)
{ فَكَيْفَ إِذَا
جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ }:
أي: كيف يكونُ حالُهُم؟
ووخيمَ ما يُقدِمون عليه؟
حالة لا يمكنُ وصفُها،
ولا يُتَصوَّرُ قبحُها،
{ وَوُفِّيَتْ كُلُّ
نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }:
لأنَّ ذلك اليومَ يومُ
توفيةِ النفوسِ ما كسبَتْ، ومجازاتِها بالعدلِ لا بالظلمِ،
وقد عُلمَ أن ذلك على
قدرِ الأعمالِ،
وقد تقدَّمَ من
أعمالِهِم، ما يبيِّنُ أنَّهم من أشدِّ الناسِ عذابًا.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قُلِ اللَّهُمَّ
مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن
تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ
إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)( 26)
يقولُ اللهُ
لنبيِّه صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
{ قُلِ اللَّهُمَّ
مَالِكَ الْمُلْكِ }:
أي: أنتَ المَلكُ المالكُ لجميعِ الممالكِ،
فصفةُ المُلكِ المطلقِ
لكَ، والمملكةُ كلُّها، عُلويُّها وسُفليُّها لكَ، والتَّصريفُ والتَّدبيرُ كلُّه
لكَ.
ثم فصَّلَ بعضَ
التَّصاريفِ التي انفردَ البارِي تَعالَى بها، فقالَ:
{ تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ }:
وفيه الإشارةُ إلى أنَّ
اللهَ تَعالَى سينزعُ المُلكَ من الأكاسرةِ والقياصرةِ، ومن تبعَهُم، ويؤتيه
أمَّةَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
وقد فعلَ، وللهِ الحمدُ.
فحصولُ الملكِ ونزعُهُ،
تبعٌ لمشيئةِ اللهِ تَعالَى،
ولا يُنافي ذلك ما
أجرَى اللهُ به سنَّتَه، من الأسبابِ الكونيَّةِ والدينيَّةِ،
التي هي سببُ بقاءِ
المُلكِ، وحصولِهِ، وسببِ زوالِهِ، فإنَّها كلُّها بمشيئةِ اللهِ تَعالَى،
لا يوجدُ سببٌ يستقلُّ
بشيءٍ، بل الأسبابُ كلُّها تابعةٌ للقضاءِ والقَدرِ،
ومن الأسبابِ التي
جعلَها اللهُ سببًا لحصولِ المُلكِ،
الإيمانُ والعملُ
الصالحُ، التي منها اجتماعُ المسلمين واتفاقُهُم،
وإعدادُهُم الآلاتِ
التي يقدرُوا عليها،
والصبرُ، وعدمُ
التَّنازعِ.
أيُّ نعمةٍ تريدُ
المحافظةَ عليها، سواءً كانت أولادًا أو مالًا أو زوجًا أو أهلًا أو أقاربَ أو
أصدقاءً
أو هدايةً أو توفيقًا
أو هدايةً أو توفيقًا
عليك بالإيمانِ والعملِ
الصالحِ.
قالَ اللهُ تَعالَى:
{ وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }
فأخبرَ أنَّ الإيمانَ
والعملَ الصالحَ، سببٌ للاستخلافِ المذكورِ.
وقالَ تَعالَى:
{ هُوَ الَّذِي
أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}
{وَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ }
وقالَ تَعالَى:
{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
فأخبرَ أنَّ ائتلافَ
قلوبِ المؤمِنين، وثباتَهم، وعدمَ تنازعِهِم،
سببٌ للنَّصرِ على
الأعداءِ،
وأنتَ إذا استقرأْتَ
الدُّولَ الإسلاميَّةَ،
وجدتَ السَّببَ الأعظمَ
في زوالِ ملكِها، تركُ الدِّينِ، والتفرُّقُ،
الذي أطمعَ فيهم
الأعداءَ، وجعلَ بأسَهُم بينَهُم.
ثم قالَ تَعالَى:
{ وَتُعِزُّ مَن
تَشَاءُ }:
بطاعتِكَ
اللهُ عزَّ وجلَّ يرفعُ
أهلَ الطَّاعةِ، ويعزُّهُم
{ وَتُذِلُّ مَن
تَشَاءُ }:
بمعصيتِكَ
إذا عصيْتَ اللهَ عزَّ
وجلَّ فإنَّه يُذلُّك سُبحانَهُ جلَّ وعَلَا
فعليك بالطَّاعةِ
إذا كنتَ تريدُ العزّ،َ
ورفعَ الشَّأنِ، عليك بطاعتِهِ سُبحانَهُ.
{ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ }:
لا يمتنعُ عليك أمرٌ من الأمورِ،
بل الأشياءُ كلُّها
طوعُ مشيئتِكَ وقدرتِكَ - سبحانك.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( تُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ )( 27)
كلُّ ما يذكرُهُ اللهُ
الآنَ، هو من أدلَّةِ قدرتِهِ - سُبحانَهُ عز وجل
{ تُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ }:
أي: تُدخِلُ هذا علَى
هذا، وهذا علَى هذا،
أي تُدخِلُ النَّهارَ
علَى اللَّيلِ، و تُدخِلُ اللَّيلَ علَى النَّهارِ،
فينشأُ عن ذلك من
الفصولِ والضياءِ والنُّورِ والشَّمسِ والظِّلِّ والسُّكونِ والانتشارِ،
ما هو من أكبرِ
الأدلَّةِ على قدرةِ اللهِ، وعظمتِهِ وحكمتِهِ ورحمتِهِ.
{ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ }:
كالفرخِ من البيضةِ،
وكالشَّجرِ من النَّوَى، وكالزَّرعِ من بذرِهِ، وكالمؤمنِ من الكافرِ.
{ وَتُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ }:
كالبيضةِ من الطَّائرِ،
وكالنَّوَى من الشَّجرِ، وكالحبِّ من الزِّرعِ، وكالكافرِ من المؤمنِ.
وهذا أعظمُ دليلٍ على
قدرةِ اللهِ تَعالَى،
وأنَّ جميعَ الأشياءِ
مسخرةٌ مدبَّرةٌ، لا تملكُ من التَّدبيرِ شيئًا،
سُبحانَهُ جلَّ وعَلَا
هو الذي يملكُ التَّدبيرَ والتَّصريفَ.
{ وَتَرْزُقُ مَن
تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }:
أي: ترزقُ من تشاءُ،
رزقًا واسعًا- سُبحانَهُ-
من حيثُ لا يحتسبُ ولا
يكتسبُ.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
(لَّا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ
فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)( 28)
{ لَّا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }:
وهذا نهيٌ من اللهِ
تَعالَى للمؤمِنين عن موالاةِ الكافِرين،
بالمحبَّةِ،
والنُّصرةِ، والاستعانةِ بهِم على أمرٍ من أمورِ المُسلِمين،
وتوعَّدَ على ذلكَ،
فقالَ:
{ وَمَن يَفْعَلْ
ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ }:
أي: فقد انقطعَ عن
اللهِ، وليسَ له في دينِ اللهِ نصيبٌ،
لأنَّ موالاةَ
الكافِرين، لا تجتمعُ مع الإيمانِ،
لأنَّ الإيمانَ يأمرُ
بموالاةِ اللهِ تَعالَى، وموالاةِ أوليائِهِ المُؤمِنين، المُتعاوِنين على إقامةِ
دينِ اللهِ وجهادِ أعدائِهِ،
قال تَعالَى: {
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }
فمن والَى - الكافِرين
من دونِ المُؤمِنين،
الذين يريدون أنْ
يطفِئوا نورَ اللهِ، ويفتِنوا أولياءَهُ،
خرجَ من حزبِ
المُؤمِنين، وصارَ من حزبِ الكافِرين،
قال تَعالَى: { وَمَن
يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }
وفي هذه الآيةِ دليلٌ
على الابتعادِ عن الكفارِ، وعن معاشرتِهِم وصداقتِهِم، والميلِ إليهم، والرُّكونِ
إليهِم، والإعجابِ بهِم،
وأنَّهُ لا يجوزُ أنْ
يُوَلَّى كافرٌ ولايةً من ولاياتِ المُسلِمين،
ولا يُستَعانُ بهِ على
الأمورِ التي هي مصالحُ لعمومِ المُسلِمين.
قالَ اللهُ تَعالَى:
{ إِلَّا أَن تَتَّقُوا
مِنْهُمْ تُقَاةً }:
أي: تخافُوهم على
أنفسِكُم،
فيحلُّ لكُم أن تفعلُوا
ما تعصِمون بهِ دماءَكُم،
من التُّقيةِ
باللِّسانِ، وإظهارِ ما بهِ تحصلُ التُّقيةُ.
ثمَّ قالَ تَعالَى:
{ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
نَفْسَهُ }:
أي: فلا تتعرَّضوا
لسخطِهِ، بارتكاب معاصِيهِ،
فيعاقبُكُم علَى ذلك.
{ وَإِلَى اللَّهِ
الْمَصِيرُ }:
أي: مرجعُ العبادِ
ليومِ التَّنادِ،
فيُحصِي أعمالَهُم،
ويحاسبُهُم عليها، ويُجازِيهم،
فإيَّاكم أنْ تفعلوا من
الأعمالِ القباحِ، ما تستحقُّون به العقوبةَ،
احذَرُوا عقوبةَ اللهِ،
وعذابَهُ،
واعمَلُوا ما بهِ يحصلُ
الأجرُ والمثوبةُ،
يقولُ اللهُ تَعالَى:
(قُلْ إِن تُخْفُوا مَا
فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)( 29)
{ قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي
صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }:
ثمَّ أخبرَ عن سعةِ
علمِهِ،
لما في النُّفوسِ
خصوصًا، ولما في السَّماءِ والأرضِ عمومًا،
وعن كمالِ قدرتِهِ،
ففيهِ إرشادٌ إلى
تطهيرِ القلوبِ، واستحضارِ علمِ اللهِ كلَّ وقتٍ.
دائماً استحضرْ بأنَّ
اللهَ عز و جل يعلمُ كل شيءٍ - سُبحانَهُ جلَّ وعَلَا،
يعلمُ ما في نفسِك دون
أنْ تتكلَّمَ،
اللهُ عزَّ وجلَّ قريبٌ
منك، فادعُهُ، وأسألْهُ، واجعلْهُ دائماً نصبَ عينيك.
فيستحِي العبدُ من
ربِّهِ، أن يرَى قلبَهُ محلًا لكلِّ فكرٍ رديءٍ،
بل يشغلُ أفكارَهُ فيما
يقرِّبُ إلى اللهِ، من تدبُّرِ آيةٍ من كتابٍ،
أو سنَّةٍ من أحاديثِ
رسولِ اللهِ،
أو تصوُّرٍ، وبحثٍ في
علمٍ ينفعُهُ،
أو تفكُّرٍ في مخلوقاتِ
اللهِ ونعمِهِ،
أو نصحٍ لعبادِ اللهِ،
وفي ضمنِ أخبارِ اللهِ
عن علمِهِ وقدرتِهِ، الإخبارُ بما هو لازمٌ، ذلك من المجازاةِ على الأعمالِ،
ومحلُّ ذلك يومَ
القيامةِ، فهو الذي تُوَفَّى به النُّفوسُ بأعمالِها.
فلهذا قال { يَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا }
{ قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي
صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }:
أي: اللهُ يعلمُ ما في
قلوبِكُم وصدورِكُم،
وكذلك يعلمُ ما في
السَّمواتِ، وما في الأرضِ.
{ وَاللَّهُ عَلَىٰ
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }:
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ
نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا }:
موجودًا
{ وَمَا عَمِلَتْ
مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}
أسالُ اللهَ عزَّ وجلَّ
بكرمِهِ ورحمتِهِ، أن يعفوَ عنَّا، وأن يغفرَ لنا، يا ذا الجلالِ والإكرام!
سبحانَكَ اللهمَّ
وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليك.
اللهمَّ اجعلْ هذا
الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا
تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ
وباركَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينِ.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق