الأربعاء، يوليو 13، 2016

تفريغ سورة آل عمران من آية 181 إلى آية 186







الوجه الخامس و العشرون من سورة آل عمران

{ لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }


يخبر تعالى، عن قول هؤلاء المتمردين، الذين قالوا أقبح المقالة وأشنعها، وأسمجها، فأخبر أنه قد سمع ما قالوه - سبحانه جل و علا - وأنه سيكتبه ويحفظه، مع أفعالهم الشنيعة 

وهو : قتلهم الأنبياء الناصحين، وأنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة، وأنه يقال لهم -بدل قولهم : (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ )


{ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }
المحرق النافذ من البدن إلى الأفئدة -  وأن عذابهم ليس ظلما من الله لهم، فإنه :
{ ليس بظلام للعبيد }
فإنه منزه عن ذلك .


عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
" لما نزل قوله : "
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } قالت اليهود :  يا محمد أفتقر ربك ؟ يسأل عباده القرض ؟
- أعوذ بالله -
فأنزل : " لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا "

هذا تهديد و وعيد لهم

ثم بدأ يذكر شيء أشنع من هذا وهو قتل الأنبياء الناصحين ،

وإنما ذلك بما قدمت أيديهم من المخاز والقبائح، التي أوجبت استحقاقهم العذاب، وحرمانهم الثواب.

وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود ، تكلموا
بذلك، وذكروا منهم "فنحاص بن عازوراء
"
من رؤساء علماء اليهود في المدينة،
وأنه لما سمع قول الله تعالى:
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } -
أعوذ بالله قالها على وجه التكبر و التجريم

(وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ )
هذا القيد يراد به أنهم تجرؤوا على قتلهم مع علمهم بشناعته لا جهلا و لا ضلالا بل تمردا و عنادا و استكبارا
- كفانا الله شرهم -


ثم في الآية التي تليها :
 { ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} 
أي : لما الله سبحانه و تعالى يحرقهم - سبحانه جل و علا -

{ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }
هذه أفعالهم و هذه شناعتهم فنحن سنجازى بما قدمنا ،

الأعمال التي تقدموها تجتازون بها أي عمل ستقدمونه أنتم ستنالون جزاءه ؛ إن خيرا فخيرا و إن شرا فشر ،
فالله عز و جل لا يظلم أحدا و
{ ليس بظلام للعبيد }
سبحانه يتنزه عن ذلك.




ثم قال تعالى :
( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ۗ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )



يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفترين القائلين:
{ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا}
أي: تقدم إلينا وأوصانا، -

أوصاكم بماذا ؟! ..
أوصانا :
{لَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ}
 - يا الله -
فجمعوا بين الكذب على الله، وحصر آية الرسل بما قالوه،
من هذا الإفك المبين، وأنهم إن لم يؤمنوا برسول لم يأتهم بقربان تأكله النار،

فهم -في ذلك- مطيعون لربهم، ملتزمون عهده، وقد علم أن كل رسول يرسله الله، يؤيده من الآيات والبراهين، ما على مثله آمن البشر، ولم يقصرها على ما قالوه، ومع هذا فقد قالوا إفكا لم يلتزموه، وباطلا لم يعملوا به،

ولهذا أمر الله رسوله - صلى الله عليه و سلم - أن يقول لهم:
{ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ }
أنا لست أول رسول و إنما قد أتى من قبلي رسل ، و كلهم يأتون
بالدلالات الواضحات ،البينات ،الظاهرات ،الجليات ، الحجج و البراهين

{ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ }
بأن أتاكم بقربان تأكله النار

{ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
أي : في دعواهم الإيمان برسول يأتي بقربان تأكله النار، فقد تبين بهذا كذبهم، وعنادهم وتناقضهم.



( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ )



فقال : {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ
}
 - لا تحزن يا محمد هذا ليس بجديد عليهم -

أي: هذه عادة الظالمين، ودأبهم الكفر بالله، وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسل الله، عن قصور ما أتوا به - أي ليست المشكلة من الرسل ، ليست المشكلة من أن الرسل لم يستطيعوا إيصال الرسالة أو لم يفهموا الرسالة ،  لا أبدا ، أو عدم
تبين حجة، لا ، بل قد
{ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ }
الواضحات ، الظاهرات ،الجليات ،
أي: الحجج العقلية، والبراهين النقلية،

{وَالزُّبُرِ}
أي : الكتب المزبورة المنزلة من السماء، التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل -أبدا -.

{ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }
للأحكام الشرعية، وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية، ومنير أيضا للأخبار الصادقة، فإذا كان هذا عادتهم في عدم الإيمان بالرسل، الذين هذا وصفهم، فلا يحزنك أمرهم، ولا يهمك شأنهم أبدا.




ثم يقول الله تعالى بعدها :
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }

وهذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الحياة الدنيا بفنائها وعدم
بقائها، وأنها متاع الغرور، تفتن بزخرفها، وتخدع بغرورها، وتغر بمحاسنها ، ثم هي منتقلة، ومنتقل  كل من فيها إلى دار القرار ، كلنا سننتقل إلى دار القرار -
التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار، من خير وشر.



{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت }
اللهم أحسن لنا الختام ،

{وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
متى سنوفى ؟ متى سيظهر يا رب كل شيء على حقيقته ؟
يوم القيامة ستظهر لنا أمور ما كنا نتوقعها ، و ما كنا نتخيلها ،

{ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} ،
ظهر لهم شيء ما كانوا يتوقعونه و لا كانوا يتخيلونه ، نتوقع أناس صالحين فإذا بها تنكشف السرائر ، نتوقع أناس كانوا قريبين فإذا بها تنكشف السرائر ،

فاجعل باطنك أنظف من ظاهرك ، ستحاسب على ما في قلبك ، ليس فقط على ماذا رآك الناس تفعل ، لا ، الأصل في الأعمال الخفاء إلا ما ظهر منك بشكل إجباري ظهر ، لكن أكثر من الأعمال الخفية ، فهي التي ستنفعك دنيا و أخرى ،


{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

قم الليل يا هذا لعلك ترشد
إلى كم تنام الليل و العمر ينفد .


- لماذا الله عز و جل جعل لصلاة الليل أجرا عظيما ؟
لأنه لا يعلم بها أحد ،

يا الله اجعل سرائرنا خيرا من علانيتنا

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ }
 - يا رب متى ؟
{ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

إذا الذي يحدث الآن في الدنيا ليس بحقيقة ،الذي تراه الآن من ارتفاع لأناس و نزول لآخرين هذا ليس بالحقيقة ، ترون أناسا في العلالي و آخرين يعملون و يعملون و لا أحد يرى عملهم ، هذه ليست الحقيقة ،

{ َإِنَّمَا تُوَفَّوْن }
متى وعدنا ربي ؟ متى وعدنا أننا سنوفى كل أعمالنا ؟

{ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
لا تحزن  أن الناس لم يعطوك حقك ،لا تحزن أنك لم تأخذ أجرك ،لا تحزن أنك انتقصت و أنت تعمل كل خير


{ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
هذا الكلام ليس بكلامي ، هذا كلام الله عز و جل سبحانه و هو أصدق القائلين ، إذا وعد جل و علا صدق جل و علا ، ونحن نعرف أن شروط الوفاء بالوعد ماذا ؟
المقدرة و الصدق

المقدرة : لا شك أن الله عز و جل يقدر 
و لا نشك أن الله جل و علا  صادق .


فيا رب ما هو النجاح ؟ ما هو النجاح الحقيقي ؟
{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
هذا هو الفوز الحقيقي ،هذا هو الفوز الذي يفترض أن نسعى إليه جميعا ، ليس الفوز الدنيوي ، لماعة النجوم هذه ليست بفوز ،


{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
اللهم اجعلنا منهم يا حي يا قيوم ،


فهذه يا رب ما هي هذه الحياة الدنيا التي نركض لها و نسعى لأجلها و قد نتنازع عندنا و قد نصل إلى اللغو فيها و قد نتحاسد عليها و قد نتحاقد عليها و قد يكره بعضنا بعضا ؟
ما هي هذه الحياة الدنيا ؟

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
هذه نهاية الدنيا ، هذه هي
لا تستحق منكم أن تبيعوا دينكم لأجلها ، لا تستحق ذلك


{
فَمَنْ زُحْزِحَ }
أي : أخرج،

{ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
أي: حصل له الفوز العظيم من العذاب الأليم، والوصول إلى جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

يا سلعة الرحمن لست رخيصة,  بل انت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن من سينالها , في الألف إلا واحد أو اثنان .


يقول تعالى :
( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )

يقسم الله هنا قسما عظيما ،
ما هو القسم يا رب ؟ إن الله لا يقسم إلا لأمر عظيم :
{ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ }

- يا أهل البلاء أنتم على خير عظيم ،يا أهل البلاء رحمة الله تنتظركم ، يا أهل البلاء سكينة الله جل و علا تغشاكم ،
يا أهل البلاء
{ جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر }

يا أهل البلاء صبرا صبراً ، هي أيام قلائل و ستظهر لكم أمور لم تكونوا تتوقعونها ، و لم تتخيلوها ،

فيها مالا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ،ستغمسون في الجنة غمسه ، يذكركم الله عز و جل بالبلاء فتنسون و تقولون : يا رب ما مسنا بلاء قط ،

غمسه واحدة في الجنة تنسيكم كل البلاء الذي كان يغشاكم ،

على العكس من أهل السعادة يغمسون غمسه في النار ثم يقول الله عز و جل : أين العطايا ؟ أين السعادة في الدنيا ؟ فينكرون أنهم كانوا يشعرون بالسعادة في لحظة واحدة .



كل هذا الشقاء سينتهي من لحظة خروج أرواحنا من الدنيا ،
كل هذا الشقاء ،كل هذا الألم ، كل هذا الحزن سينتهي ،


في حديث عن موضع سوط ،من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم : " إن موضع سوط في الجنة لخير من الدنيا وما فيها ، اقرءوا إن شئتم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور .
هذا حديث ثابت في الصحيحين .



{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
يقول في الحديث :
"والله مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَرْجِع ُ " .
هذه الدنيا ، هذه الدنيا بلاؤها قصير ، بلاؤها قصير لم الحزن ؟

{وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}
{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }



هناك حديث طويل عن " لتبلون في أموالكم "
روى البخاري : يقول أسامة بن زيد عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه ركب على حمار عليه قطيفة ،
وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، وَسَارَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ
، حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَي ٍّ -ابن أبي
سلول - ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ،
فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ
وعَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَوَاحَةَ ، فَلَمَّا غَشِيَ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَة -



يعني لما كان الرسول صلى الله عليه و سلم يمشي
و تعرف انت الدابة فيها كمثل العجاج - ِ
فأخذ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ،
ثُمَّ قَالَ : لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا -


فأشعر النبي صلى الله عليه و سلم و الذين حوله أن ما هذه الرائحة التي أتتنا؟!- ،


فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الله أكبر ،

- انظر إلى المعاملة ، رد فورا السلام -

ثمَّ وَقَفَ ، فَنَزَلَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ : أَيُّهَا الْمَرْءُ ، أَنَّهُ لَا أَحْسَنُ مِمَّا تَقُولُ إِنَ كَانَ حَقًّا فَلِمَ تُؤْذِينَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا ؟ ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكِ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ
عَلَيْهِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ - رضي الله عنه - :
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَاغْشِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ ،

وَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا ،


ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ وَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ لَهُ : " يَا سَعْدُ ، أَلَمْ تَسْمَعُ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ ؟ يُرِيدُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَالَ : كَذَا وَكَذَا "

فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اعْفِ عَنْهُ وَاصْفَحْ ، فَوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ، لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْكَ ، وَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ

- أي على أن يجعلوه ملكا ، أي ان عبدالله بن أبي كان سيصبح ملكا إلا أن الله سبحانه و تعالى أرسل الرسول محمدا صلى الله
عليه و سلم فدخل على المدينة -

وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعَصَابَةِ ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرُق بِذَلِكَ

- أي اختنق ، بقي القليل و يكون الملك فيأتي شخص آخر و يأخذ مكانه !

فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه يعفون عن المشركين و أهل الكتاب كما أمرهم الله و يصبرون على الأذى ،

ليس أنتم فقط من تؤذون  ، النبي صلى الله عليه و سلم أوذي
أعظم من أذاك -،


" وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا "

يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون في أموالهم من النفقات الواجبة والمستحبة، ومن التعريض لإتلافها في سبيل الله، وفي أنفسهم من التكليف بأعباء التكاليف الثقيلة على كثير من الناس، كالجهاد في سبيل الله، والتعرض فيه للتعب والقتل والأسر والجراح، وكالأمراض التي تصيبه في نفسه، أو فيمن يحب.


" وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا "



من الطعن فيكم، وفي دينكم وكتابكم ورسولكم.

وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك، عدة فوائد:

منها : أن حكمته تعالى تقتضي ذلك ، ليتميز المؤمن الصادق من غيره.

ومنها: أنه تعالى يقدر عليهم هذه الأمور، لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم، ويكفر من سيئاتهم -

لكم منازل في الجنة , لن ترتقوها بأعمالكم
فأصابكم الله عز و جل ما أصابكم من البلاء ،
{ قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله }


يوم القيامة عندما ترى المنزلة , ترى المكانة ستقول :
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما

ومنها: أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم
- لتعتاد و تتدرب قليلا -
والصبر عليه إذا وقع؛
لأنهم قد استعدوا لوقوعه، فيهون عليهم حمله، وتخف عليهم مؤنته، ويلجئون إلى الصبر والتقوى،

ولهذا قال: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا }
أي: إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم، من الابتلاء والامتحان وعلى أذية الظالمين، وتتقوا الله في ذلك الصبر بأن تنووا به وجه الله والتقرب إليه، ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال، بل وظيفتكم فيه الانتقام من أعداء الله.


{ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }
أي: من الأمور التي يعزم عليها، وينافس فيها، ولا يوفق لها
إلا أهل العزائم والهمم العالية

كما قال تعالى:
{ وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }




نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل الجنة و أن يجعلنا من عباده الصالحين ، المؤمنين ، الأبرار يا ذا الجلال و الإكرام ،

اللهم صل و سلم و بارك على نبينا محمد .

سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق