الأربعاء، يوليو 13، 2016

تفريغ سورة آل عمرآن من آية 195 إلى آية 200

 





الوجه السابع والعشرون من سورة آل عمران



يقول الله تعالى :
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)
يعني أن الله عز وجل سبحانه استجاب دعائهم ،


والدعاء نوعان :
 [دعاء العبادة - ودعاء الطلب ]


قال -سبحانه جل وعلا - :
( أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم )

سواءً كان هذا العامل
( ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ )
فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملة موفرة
(ولا يظلم ربك أحدا).


 (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)
أي كل من بعض،
أي كلكم على حد سواء , سواء كان ذلك  في الثواب أو العقاب .




(فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا)


عن أم سلمة قالت يا رسول الله :" لانسمع لله ذكر "
يعني أن الله عز وجل لم يذكر النساء في الهجرة بشيء،


فأنزل الله تعالى :
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ)

قال لهم مجيبا أنه لا يضيع عمل عامل لديه ،
بل يوفى كل عامل بقسط عمله ،


( بَعْضُكُم مِّن بَعْض )
أي جميعكم في الثواب سواء .


(فَالَّذِينَ هَاجَرُوا)
هجروا ماذا ؟
يعني تركوا الشرك وأتوا إلى دار الإيمان،
وفارقوا الأحباب و الأخوان والخلان والجيران ،


( وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم )
أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجأوهم إلى الخروج من بين أظهرهم .


كثيرا منا من يعاني سواءَ من الأهل أو الأقارب أو الأزواج ،
الأقارب القريبين أو الذين يبعدون قليلا ،

بعض النساء الصالحات يعانين من أهلهم ،
والرسول صلى الله عليه وسلم قد عانى ،

وهذه سير الأنبياء كلهم قد عانوا من أهليهم ومن أقرب الناس إليهم ،

لوط عليه السلام كان يعاني من زوجته ،
كثيرا من الأنبياء , والرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد عمه أن يسلم ومع ذلك لم يستطيع ،


لا تتألم أو تحزن ،
( لست عليهم بمسيطر )
قالها لمن ؟ قالها لمحمد صلى الله عليه وسلم .



عملك لن يضيع ، أجرك لن يضيع ، جهدك لن يضيع ،
لا تتألم كثيرا ، لا تتحسر عليهم.



 (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا)
فإذا هجرت مجالسهم ،
مجالس اللغو ومجالس الغلط ومجالس الباطل إذا تركتها فأنت تدخل في قوله عز وجل :
( فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي )



( وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ) ماذا تفعل فيهم يا رب ؟
جمعوا هؤلاء بين الإيمان والهجرة ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال طلبا لمرضات ربهم وجاهدوا في سبيل الله .

أنا أقول حتى من يعاني من أهله ومن أقاربه ثم يهجرهم،
وبعض الاخوة يجلسون في غرفهم وقتا طويلا ﻷنهم يروا ان  الجلوس بين العائلة , جلوس يبعد عن الله عزوجل ، وجلوس فيه من المعاصي والذنوب مافيه فهم يبتعدوا عنه فهذه هجرة عظيمة ،
هؤلاء لهم أجر عظيم ،

وعدهم الله عزوجل بوعد عظيم جدا !
ماهو؟



يقول الله تعالى :
" فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ "


من يعاني من أقاربه أو من أهله ،
كلما اقترب الأذى ،
أي كلما كان الأذى من البيت نفسه كلما كان الأجر أعظم ،
وكل من يعاني يدخل في هذه الآية أجره بإذن الله،
-فضل ربي واسع ورحمته واسعة سبحانه جل وعلا-
وإذا أعطى أجزل ، الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل .


( وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ )
مما لاعين رأت ، ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر .


فمن أراد ذلك فليطلبه , من أين ؟؟
من الله تعالى ،بطاعته والتقرب إليه بما يقدر عليه العبد ،
كلما تقربت إلى الله عز وجل كلما ابتعدت عن المعاصي ،
كلما كنت بإذن الله عز وجل إلى الطاعة وإلى الصلاح أقرب .



ثم يقول الله تعالى بعدها :
( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ )
بعض الأحيان تجد الذين حولك قد يكونون بعيدين عن الله عزوجل، ومع ذلك يتقلبون بنعمة الله تعالى ،  ثم يبدأ الشيطان يوسوس لك ، قد يكونون هم على صواب


يقول الله تعالى : 
 (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ متاع قليل)
وهذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا وتمتعهم فيها، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب والملذات ، وأنواع العز والغلبة في بعض الأوقات ،


فإن هذا كله ما تراه أنت متاع قليل ، هو متاع زائل لا محالة ليس له ثبوت ولابقاء ، بل يتمتعون به قليلا ويعذبون عليه طويلا ، هذه أعلى حالة تكون للكافر .


وأما المتقون لربهم ، المؤمنون به ،
فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها فلهم في الآخرة شيء عظيم

( لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا )
فلو قدر أنهم في دار الدنيا قد حصل لهم من بؤس وشدة ،
وعناء ومشقة ، لكان هذه بالنسبة إلى النعيم المقيم ، والعيش السليم
والسرور والحبور والبهجة نُزرا يسيرا ومنحة في صورة محنة .


قد نراها محنة ، قد تظهرلنا اﻵن أنها محنة لكنها منحة من الله عزوجل، فلنشكره على كل أمر ، ولنرضى بما قدر الله وقضى لنا .


ولهذا قال:
( وماعِندَ اللهِ )
  ماذا يارب ؟

( خَيرُ لِّلأَبرَارِ )
وهم الذين برت قلوبهم ، فبرت أقوالهم وأفعالهم ،
قدموا الخير للناس فأثابهم الله ، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيماً وعطاءً جسيما ، وفوزا دائما .


اللهم اجعلنا منهم ياذا الجلال والإكرام



(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)



روى بن جرير عن أبي الدرداء أنه كان يقول: مامن مؤمن إلا والموت خير له ، وما من كافر إلا والموت خير له ، ومن لم يصدقني فإن الله يقول : ( وماعند الله خيرٌ للأبرار )
(ولايحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين )



( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم )

وإن من أهل الكتاب طائفة موفقة للخير، يؤمنون بالله و يؤمنون بما أنزل إليكم وما أنزل إليهم وهذا اﻹيمان النافع ، لا كمن يؤمن ببعض الرسل و الكتب ويكفر ببعض .


ولهذا لما كان إيمانهم إيمانا حقيقيا - صار نافعا -
من كان إيمانه مِنا إيمانا حقيقيا سينفعه هذا الإيمان،


فأحدث لهم خشية الله ، هذا هو أصل الإيمان -
الإيمان لابد أن يحدث خشية ،


إذا لم يوجد في قلبك خشية فمعناها هناك ضعف في الإيمان أساسا
- إذا لم يوجد في قلوبنا خشية معناها هناك ضعف في الإيمان-


إذا الأصل في الإيمان أنه ماذا يعمل ؟
 أنه يحدث خشية لله عزوجل - خضوع لله تعالى - سكينة ووقارا،




إذا خضوعهم لجلاله الموجب للإنقياد لأوامره ونواهيه ،

هذا هو أصل الإيمان ،  أن يجعلك تنقاد لأوامر الله عزوجل ونواهيه والوقوف عند حدوده ،  وهؤلاء أهل الكتاب والعلم على الحقيقة .


كما قال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء "
هؤلاء هم أهل العلم على الحقيقة.


ومن تمام خشيتهم لله أنهم :
( لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ  )
فلا يقدمون الدنيا على الدين ،
هذه الصفة واضحة هذا معيار ، هذه سمة ﻷهل الايمان ،
أنهم لايقدمون الدنيا على الدين كما فعل أهل الإنحراف ،


على العكس تماما من أهل الإنحراف
ماذا يفعلون ؟  الذين يكتمون ما أنزل الله عزوجل ويشترون به ثمنا قليلا ويشترون ماذا ؟
يشترون الدنيا بالدين ،



وأما هؤلاء فعرفوا الأمر على الحقيقة وعلموا أن من أعظم الخسران الرضا بالدون عن الدين ،  والوقوف مع بعض حظوظ النفس ، 


دائما حظوط النفس صغيرة ، دائما النفس تبحث عن سفاسف الأمور ، لكن الأصل أن نرفع أنفسنا عن حظوظها .


وترك الحق الذي هو أكبر حظ وفوز بالدنيا والآخرة ،
فآثروا الحق وبيّنوه ودعوا إليه وحذروا عن الباطل فأثابهم الله على ذلك ،  بأن وعدهم ماذا  - الله أكبر - وعدهم الأجر الجزيل والثواب الجميل، وأخبرهم بقربه سبحانه جل وعلا لهم ،
وأنه سريع الحساب ،  فلا يستبطؤون ماوعدهم الله ، لان ماهو آت محقق حصوله ، فهو قريب .



ثم حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح وهو الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر ،
الذي هو حبس النفس على ماتكرهه من ترك المعاصي .


فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا )
ومن الصبر, الصبر على المصائب ،
والصبر كذلك على ترك المعاصي،
والصبر على حبس النفس على ما تكرهه،
والصبر على الأوامر الثقيلة على النفوس ،
هناك أوامر ثقيلة ، يصعب على النفوس أن تعمل بهذه الأوامر ،


والمصابرة أي الملازمة و الإستمرار على ذلك على الدوام ،
ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال ،


تقاوم الأعداء ، عندك عدو , عندك قرين، عندك شيطان ، وبعض الأحيان يكون شيطان الإنس ، هناك شياطين جن وهناك شياطين إنس ، لابد من أن تقاوم هؤلاء الأعداء .



والمرابطة وهي لزوم المحل الذي يخاف وصول العدو منه ،
وأن يراقبوا أعدائهم ، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم لعلهم ماذا ؟؟
- الله أكبر -


( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)
تفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي وتنجون من المكروه كذلك . 



فعلم من هذا أنه لاسبيل إلى الفلاح بدون الصبر
 - الله أكبر - 


تريد الفلاح؟ عليك بالصبر ،
تريد الفوز ؟
تريد أن تصل إلى مبتغاك و مقصودك ؟
عليك بالصبر والمصابرة والمرابطة ،
فلم يفلح من أفلح إلا بها،
ولم يفت أحد الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها . 



وقد استدركت فائدة
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين ، فذكر منهم ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ". 




سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق