الأحد، يوليو 10، 2016

تفريغ سورة آل عمراان من آية 38 إلى آية 45




















بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ


الوجه السادس من سورة آل عمران


 يقولُ اللهُ تَعالَى:
( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ )( 38)

{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً }:
لما رأى زكريَّا عليهِ السَّلامُ أنَّ اللهَ يَرزق مريمَ عليها السَّلامُ فاكهةَ الشِّتاءِ في الصَّيفِ، وفاكهةَ الصَّيفِ في الشِّتاءِ، طمعَ حينئذٍ في شيءٍ عظيمٍ، وهو الولدُ.

وكان شيخاً كبيراً، قد وهنَ منهُ العظمُ، و اشتعلَ رأسُهُ شيبًا،
وكانَت امرأتُهُ مع ذلك كبيرةً عاقرًا،

لكنَّه مع ذلك كلِّهِ، سألَ ربَّهُ، ونادَاه نداءً خفيًّا، لا يعلمه أحدٌ،
فقالَ: (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ):
أي من عندِك،

( ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً):
أي ولداً صالحًا،

(إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ):
فكان لدى زكريَّا عليهِ السَّلامُ يقينٌ عظيم بالاستجابة ،
يقينٌ بأنَّ اللهَ سيستجيبُ له،

وهذا هو سرُّ تَقَبّلُ الله دعاء الصالحين، أنَّ لديهم يقيناً بأنَّ اللهَ سيستجيب دعائهم، طالَ الزمان أو قصرَ،
يقينٌ شديدٌ،

فكانوا أيَّ دعوةٍ يدعونَها، يتأكّدُون ويجزِمُون بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قابلٌ هذه الدَّعوةَ, ومستجيبٌ لها،


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ )( 39)

{ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ }:
- الفاءُ للمباشرةِ-
أي خاطبتْهُ الملائكةُ شفاهاً خطاباً أسمعتْهُ،

{ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}:
وهو قائمٌ يصلِّي في محرابِ عبادتِهِ، ومحلِّ خلوتِهِ، ومجلسِ مناجاتِهِ وصلاتِهِ،

{ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ }:
ثمَّ أخبرَ تَعالَى عمَّا بشَّرتْهُ به الملائكةُ: أنَّ اللهَ يبشرُّك بيَحيَى، أي بولدٍ يوجد لك من صلبك، اسمه يَحيَى .
يقول قتادة: أنه سُمِّي يَحيَى لأنَّ اللهَ أحياه بالإيمان

{ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ }:
أي بعيسى ابن مريمَ .

{ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ }:

{ وَسَيِّدًا }:
السيِّدُ: الحكيمُ،
وقيلَ السيِّدُ: الحكيمُ التقيُّ،
وقيلَ الفقيهُ العالمُ ،
وقيلَ هو السيِّدُ في خلقِهِ ودينِهِ،
وقيلَ الكريمُ على اللهِ عزَّ وجلَّ،

{وَحَصُورًا}:
ليس معناه هنا أنه لا يأتي النِّساءَ، لا،  بل معناهُ أنَّه معصومٌ من الفواحشِ والقاذوراتِ،
ولا يمنعُ ذلك من تزويجِهِ بالنِّساءِ الحلالِ، وغشيانهنَّ وإيلادهنَّ،

بل قد يُفهم إيجادُ النَّسلِ له، من دعاءِ زكريَّا لما قالَ:
{ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً }
كأنَّه قال: ولداً له ذريةٌ ونسلٌ وعقبٌ، واللهُ تَعالَى أعلمُ.

{وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}:
هذه بشارةٌ أخرَى،
فاللهُ عزَّ وجلَّ صاحبُ فضلٍ عظيمٍ،

زكريَّا عليهِ السَّلامُ لم يطلب إلا ولدًا:
{ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً
لكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يمُنُّ على عبادِهِ الصَّالِحين، ويجزلُ لهم المثوبةَ والأجرَ- سُبحانَهُ جلَّ وعلَا،

{وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}:
هذه بشارةٌ ثانيةٌ بنبوَّة يَحيَى، بعد البشارةِ بولادتهِ،
وهي لاشكَّ أنَّها أعلَى من الأولَى،
كقولِهِ لأمِّ موسَى:
{ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }،
كانت أم موسى فقط تطلب من الله عزَّ وجلَّ أن يرجعه إليها،
لكن الله عزَّ وجلَّ وعدها بأن يرجعه ويجعله من المرسلينَ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )( 40)

فلما تحقَّقَ زكريَّا عليهِ السَّلامُ هذه البشارةَ، أخذ يتعجَّبُ من وجودِ الولدِ لهُ بعد الكبرِ،
{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ }

فقال الملكُ:
{ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}
أي: هكذا أمرٌ عظيمٌ عندَك, لكنَّهُ سهلٌ وهيِّنٌ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ،
لا يعجزُهُ شيءٌ، ولا يتعاظمُهُ شيءٌ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:

( قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ )( 41)

{قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ}:
أي علامةً أستدلُّ على وجودِ الولدِ منِّي، وأجزمُ بأنَّ الولدَ منِّي.

{ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا }:
أي إشارةً، لا تستطيعُ النُّطقَ مع أنك سويٌّ صحيحٌ، إلَّا بذكرِ اللهِ،
تستطيعُ فقط أن تذكرَ اللهَ،
هذه الآيةُ هي العلامةُ

{ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ }:

كما في قولِهِ { ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا }
يعني ثلاثَ ليالٍ متكاملةٍ،

ثمَّ أمرَهُ بكثرةِ الذِّكرِ والشُّكرِ والتَّسبيحِ في هذه الحالِ،

واللهُ عزَّ وجلَّ دائمًا بعد النِّعمِ يطلبُ منَّا الشُّكرَ،
حتَّى مع أنبيائِهِ، ومع أصفيائِهِ، ومع أفضلِ خلقِهِ، يطلبُ منْهُم الشُّكرَ مباشرةً،

لذلك مع النِّعم التي أعطاها الله عزَّ وجلَّ لزكريَّا عليهِ السَّلامُ، لما أعطاهُ الولدَ أرادَهُ أن يخلوَ بربِّهِ، ويُكثرَ الذِّكرَ والشُّكرَ والتَّسبيحَ لهُ، فقال:
{وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )( 42)

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ }
هذا إخبارٌ من اللهِ تَعالَى، بما خاطبَتْ به الملائكةُ مريمَ عليها السَّلامُ عن أمرِ اللهِ لهم بذلكَ،
أنَّ اللهَ قد اصطفَاها: أي اختارَها، لكثرةِ عبادتِها، وزهادتِها، وشرفِها، وطُهرِها من الأكدارِ والوسواسِ،
واصطفَاها ثانيًا مرةً بعدَ مرةٍ، لجلالتِها على نساءِ العالَمينَ.

روَى هشامُ بن عروةَ عن أبيهِ عن عليٍّ بن أبي طالب، قال: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، يقول: "خيرُ نسائِها مريمُ ابنةُ عِمرانَ، وخيرُ نسائِها خديجةُ بنتُ خويلدَ".
أخرجَه في الصحيحين.

وروَى ابنُ جريرٍ عن أبي موسَى الأشعَري، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :" كَمُل من الرجالِ كثيرٌ، ولم يَكْمُل من النِّساء إلا مريمَ ابنةَ عِمرانَ ،وآسيا امرأةَ فرعونَ ".

ولفظُ البُخاريِّ قالَ: " كَمُلَ من الرجالِ كثيرٌ، ولم يَكْمُلْ من النِّساءِ إلا آسيا امرأةَ فرعونَ ،ومريمَ ابنةَ عِمرانَ، وإنَّ فضلَ عائشةَ على النِّساءِ كفضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطَّعامِ".

ثمَّ أخبرَ اللهُ تَعالَى عن الملائكةِ، أنَّهم أمرُوها بكثرةِ العبادةِ، والخشوعِ والخضوعِ والسُّجودِ والرُّكوعِ، والدؤوبِ في العملِ لها، ما يريدُ اللهُ  تَعالَى  بها من الأمرِ الذي قدَّرَهُ وقضاهُ، مما فيه محنةٌ لها، ورفعةٌ في الدَّارين،

كما ذكرنا أنَّ اللهَ أمر زكريَّا عليهِ السَّلامُ بكثرة التَّسبيحِ والشُّكرِ،
الآن يأمرُ مريمَ عليها السَّلامُ،
وهذا الأساسُ التعبديُّ،
فلابدَّ أنْ نؤسِّسَ أنفسَنا، ونؤسِّسَ أبنائَنا على العبادةِ،
الآن اللهُ عزَّ وجلَّ سيمتحنُها وسيبتليها اختبارًا شديداً،
فعلى الشَّخصِ أنْ يستعدَّ قبلَ الاختبارِ،
إذا كان عندَك اختبارٌ في المدرسةِ أو الجامعةِ، عليك بالاستعدادِ حتَّى تستطيعَ الإجابةَ،
والآن مريمُ تُعدُّ لهذا الابتلاءِ العظيمِ،
فقالَ عزَّ وجلَّ:
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}
بما أنَّ اللهَ اصطفَاكِ وطهَّرَكِ على نساءِ العالَمين، إذن المطلوبُ منْكِ يا مريمُ أنْ تستعدِّي، فهناكَ بلاءٌ عظيمٌ سيأتيكِ،
نأخذُ من هذا، أنَّ كثرةَ العبادةِ تخفِّفُ البلاءَ،
ودائمًا الصَّالحون وأهلُ الصَّلاةِ والعبادةِ، عندما يحلُّ بهم البلاءُ، يكونون أصبرَ الناسِ وأجلدَهم،
لذلك أمرَ اللهُ مريمَ عليها السَّلامُ أنْ تستعدَّ لذلك .


يقولُ اللهُ تَعالَى:
(يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )( 43)

{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}
أما القنوتُ: فهو الطَّاعةُ في خشوعٍ،

والقنوتُ نوعان:
- قنوتٌ عامٌّ: ونعلمُ أنَّ الكونَ كلَّه قانتٌ للهِ،
- أما القنوتُ الخاصُّ: فهو قنوتُ الصَّالِحينَ، قنوتُ الخاشِعينَ،
الطَّاعةُ في خشوعٍ،

كما قال عزَّ وجلَّ:
{ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } .


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ )( 44)

قالَ اللهُ لرسولِهِ بعد ما أطلعَهُ على جَليَّةِ الأمرِ
{ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ }:
أي نقصُّهُ عليك،

{ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
أي ما كنْتَ عندهم يا مُحَمَّدُ، فتخبرَهم عنهم معاينةً عمَّا جرَى،

وهذا دلالةٌ واضحةٌ أنَّ رسولَنا صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، لا يعلمُ الغيبَ،
ما كنْتَ يا مُحَمَّدُ تعلم بهذا،
بل أطلعَكَ اللهُ على ذلك، كأنَّكَ كنْتَ حاضرًا وشاهدًا لما كانَ من أمرِهِم، حين اقترَعُوا في شأنِ مريمَ، أيُّهُم يكفلُها، وذلك لرغبتِهِم في الأجرِ.

أمَّا زكريَّا فمن هو؟
زكريَّا هو الذي كفلَ مريمَ عليها السَّلامُ،

كيفَ كفلَها؟
روَى ابنُ جريرٍ عن عكرمةَ، قالَ: ثمَّ خرجَتْ بها - يعني أمُّ مريمَ بمريمَ - تحملُها في خرقِها، إلى بني الكاهنِ بن هارونَ أخي موسَى، عليهما السَّلامُ -
قالَ : وهم يومئذٍ يلُونَ في بيتِ المقدسِ ما يلي الحُجبة من الكعبةِ -
فقالَتْ لهُم : دونَكم هذه النَّذيرةُ، فإنِّي حرَّرْتُها، وهي ابنتي، ولا تدخلُ الكنيسةَ حائضٌ، وأنا لا أردُّها إلى بيتي؟
فقالوا هذه ابنةُ إمامِنا - وكان عِمرانُ يؤمُّهُم في الصَّلاةِ - وصاحبِ قُربانِنا،
فقالَ زكريَّا ادفعُوها إليَّ، فإنَّ خالتَها تحتي - أي خالةُ مريمَ عليها السَّلامُ هي زوجَتي-
فقالُوا: لا تطيبُ أنفسُنا لذلكَ, فهي ابنةُ إمامِنا،
وذلكَ حين اقترعُوا بأقلامِهِم، أي طلبُوا القرعةَ بأقلامِهِم عليها، التي يكتبُون بها التَّوراةَ، فقرعَهُم زكريَّا فكفلَها.

ويُقالُ أنَّهم دخلُوا إلى نهرِ الأردن، واقترعُوا هنالك على أنْ يلقُوا أقلامَهُم، فأيَّهُم يثبتُ في جريةِ الماءِ فهو كافلُها،
فألقَوا أقلامَهُم، فاحتملَها الماءُ، إلَّا قلم زكريَّا فإنَّهُ ثبتَ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
(إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)( 45)


{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ }
يخبرُ اللهُ تَعالَى أنَّ الملائكةَ بشَّرَتْ مريمَ عليها السَّلامُ، بأعظمِ بشارةٍ, وهو كلمةُ اللهِ، عبدُهُ ورسولُهُ عيسَى ابنُ مريمَ،

سمِّي بكلمةِ اللهِ لأنَّ وجودَهُ بكلمةٍ من اللهِ، أي: بقولِهِ لهُ:
{ كُن فَيَكُونُ }
وحالتُهُ خارجةٌ عن الأسبابِ،

وجعلَهُ اللهُ من آياتِهِ، وعجائبِ مخلوقاتِهِ،
فأرسلَ اللهُ جبريلَ إلى مريمَ، فنفخَ في جيبِ درعِها،
فولجَتْ فيها تلكَ النَّفخةُ الزَّكيةُ، من ذلك الملكِ الزَّكيِّ.
فأنشأَ اللهُ منها تلك الرُّوحَ الزَّكيةَ،
فكانَ روحانياً، نشأَ من مادةٍ روحانيَّةٍ، فلذلك سُمِّيَ بالرُّوحِ،

{وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}:
لهُ الوجاهةُ العُظمى في الدُّنيا،
جعلَهُ اللهُ أحدَ أولي العزمِ من المُرسَلين، وأصحابِ الشَّرائعِ الكبارِ،  والأتباعِ،
ونشرَ اللهُ  له من الذِّكرِ، ما ملأَ به ما بين المشرقِ والمغربِ،

وفي الآخرةِ وجيهاً عندَ اللهِ,
ويشفعُ لإخوانِهِ مع الأنبياءِ والمُرسَلينَ، ويظهر فضلُهُ على أكثرِ العالمين،

{ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}:
فلهذا كانَ من المقرَّبِين إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو من أقربِ الخلقِ إلى ربِّهم، بل هو عليهِ السَّلامُ من ساداتِ المقرَّبِين،

ولاشكَّ بأن سيدَنا مُحَمَّدًأ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هو أفضلُ الخلقِ أجمعين.



سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليك.

اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.

وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينِ.




ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق