بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ
الرَّحِيمِ
الوجه العاشر من سورة آل عمران
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )( 71)
يوبِّخُهُم
اللهُ عزَّ وجلَّ على إضلالِهِم الخلقَ، فقالَ:
{ يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }:
فوبَّخَهُم
على أمرَين:
لبسُ
الحقِّ بالباطلِ، وعلى كتمانِ الحقِّ،
لأنَّهم
بهذين الأمرَين، يُضلُّون من انتسبَ إليهِم،
فإنَّ
العلماءَ إذا لبَّسُوا الحقَّ بالباطلِ فلم يميِّزُوا بينَهما، بل أبقُوا الأمرَ
مبهمًا، وكتمُوا الحقَّ الذي يجبُ عليهِم إظهارَهُ،
ترتَّبَ
على ذلك من خفاءِ الحقِّ، وظهورِ الباطلِ ما ترتَّبَ،
ولم
يهتدِ العوامُّ الذين يريدُون الحقَّ لمعرفتِهِ، حتَّى يؤثرُوهُ.
والمقصودُ
من أهلِ العلمِ أن يُظهِرُوا للناسِ الحقَّ، ويُعلِنُوا بهِ، ويُميِّزُوا الحقَّ
من الباطلِ، ويُظهِرُوا الخبيثَ من الطَّيبِ، والحلالَ والحرامَ، والعقائدَ الصَّحيحةَ
من العقائدِ الفاسدةِ،
ليهتديَ
المُهتَدُون، ويرجعَ الضَّالُّون، وتقومُ الحُجَّةُ على المعانِدِين.
قال تَعالَى:
{ وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ
وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا
قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } آل عمران - 187
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا
بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )( 72)
ثم
أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفةُ الخبيثةُ، وإرادةِ المكرِ بالمؤمنين،
فقال
تَعالَى:
{ وَقَالَت
طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ
آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ }:
أي:
ادخلُوا في دينِهِم، على وجهِ المكرِ والكيدِ أوَّلَ النَّهارِ،
آمِنُوا
بهذا الدِّين - الإسلاميِّ - أوَّلَ النَّهارِ، وهذا من أشدِّ مكرِهِم، ويدلُّ على
خبثِهِم، وخبثِ طويَّتِهم.
ادخلُوا
في هذا الدِّينِ.
لماذا
يدخلُون في هذا الدِّينِ ؟
على
وجهِ المكرِ والكيدِ أوَّلَ النَّهارِ.
{
وَاكْفُرُوا آخِرَهُ }:
فإذا
كانَ آخرُ النَّهارِ، فاخرجُوا منْهُ
ما الدَّاعي
لذلك؟!
حتَّى
يزعزِعُوا المسلِمينَ، وثوابتَهُم،
{ لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ }:
أي يرجعُ
المؤمِنُون عن دينِهِم، فيقولُون لو كانَ صحيحًا، لما خرجَ منْهُ أهلُ العلمِ
والكتابِ،
هذا
الذي أرادُوهُ عُجبًا بأنفسِهِم، وظنًّا أنَّ الناسَ سيحسِنُون ظنَّهُم بهِم،
ويتابعونَهم على ما يقولونَه ويفعلونَه،
فأُعجِبُوا
بأنفسِهِم،
ولكن
يأبَى اللهُ إلا أنْ يتمَّ نورَهُ ولو كرهَ الكافِرونَ.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ
إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ
يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ
مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )( 73)
قالَ بعضُهُم لبعضٍ:
{ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ }:
فهؤلاءِ الآنَ:
فئةٌ لبسَتْ الحقَّ بالباطلِ،
وفئةُ كتمَتْ الحقَّ،
وفئةٌ منهُم قالَتْ: آمِنُوا بالذي أُنزِلَ على الذين
آمَنُوا وجهَ النَّهارِ واكفُروا آخرَهُ،
والفئةُ الرابعةُ قالَتْ: لا تؤمِنُوا إلا لمَنْ تبعَ
دينَكم، فإذا أتَّبَعُوا اليهوديَّةَ، وأتَّبَعُوا النصرانيِّةَ، فآمنوا أنتُم، الدُّنيا
فيها حقوقٌ،
وهذا يدلُّ على فسادِ عقولِهِم ودينِهِم،
المسألةُ أصبحَ فيها هوىً ، فكيفَ لا تؤمِنُوا إلا لمَنْ
تبِعَ دينَكُم؟! وإذا تدخَّلَ الهوَى في أمرٍ أهلكَهُ.
أي: لا تثِقُوا ولا تطمئِنُّوا ولا تصدِّقُوا إلا من
تبعَ دينَكم، واكتمُوا أمرَكُم،
فإنَّكُم إذا أخبرْتُم غيرَكُم وغيرَ من هو على دينِكُم،
حصلَ لهُم من العلمِ ما حصلَ لكُم، فصارُوا مثلَكُم،
أو حاجُّوكُم عند ربِّكُم وشهِدُوا عليكُم أنَّها قامَتْ
عليكُم الحُجَّةُ، وتبيَّنَ لكُم الهُدَى، فلم تتَّبعوهُ.
فردَّ اللهُ عليهِم بأنْ:
{قُلْ}
يا مُحَمَّد
{ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ
يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ }:
فالحاصلُ أنَّهم جعلُوا عدمَ إخبارِ المؤمِنينَ بما معَهُم
من العلمِ، قاطعًا عنْهُم العلمَ، حسدًا،
لأنَّ العلمَ بزعمِهِم لا يكونُ إلا عندَهُم، وموجبًا
للحجَّةِ عليهِم،
إذا علَّمْتُم المؤمِنينَ الذين عندَكُم، سيكونُ عندَهم
علمٌ من الذي عندَكُم، وكذلك سيكونُ لديهِم علمُهُم بالذي عند مُحَمَّدٍ،
- غرورٌ، وعجبُ نفسٍ!
قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن
يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
{ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ }:
فمادَّةُ الهُدَى من اللهِ تَعالَى لكلِّ من اهتدَى،
فإنَّ الهُدَى إمَّا عِلمُ الحقِّ، أو إيثارُه،
ولا علمَ إلا ما جاءَتْ بهِ رسلُ اللهِ، ولا موفَّقَ
إلا من وفَّقَهُ اللهُ،
اللهُمَّ وفِّقْنا بتوفيقِكَ يا أرحمَ الرَّاحِمِين!
اللهُمَّ ارحمْ ضعفَنا، واجبرْ كسرَنا، واختمْ بالصَّالحاتِ
أعمالَنا!
وأهلُ الكتابِ لم يُؤتَوا من العلمِ إلا قليلًا،
وأمَّا التَّوفيقُ فقد انقطعَ حظُّهم منْهُ، لخبثِ نيَّاتِهم،
وسوءِ مقاصِدِهِم،
ما الذي قدْ يحرِمُنا من التَّوفيق إذن؟
أحيانًا نقولُ لم نوفَّقْ لهذا، أو ذاكَ.
قد يكونُ خبثُ النَّوايا، وسوءُ المقاصدِ سببُ عدمِ
التَّوفيقِ،
ونحنُ نقولُ: إنَّ النفسَ خطيرةٌ علينا.
"اللهُمَّ برحمتِكَ أستغيثُ، اصلحْ لي شأنِي كلَّهُ،
ولا تكلْنِي إلى نفسِي طرفةَ عينٍ"
" اللهُمَّ عالمَ الغيبِ والشَّهادةِ، فاطرَ السَّمواتِ
والأرضِ، ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَهُ، أشهدُ أنْ لا إله إلا أنتَ، أعوذُ بكَ من شرِّ
نفسِي، ومن شرِّ الشَّيطانِ"
وأمَّا هذه الأمَّةُ، فقد حصلَ لهُم - وللهِ الحمدُ، من
هدايةِ اللهِ من العلومِ والمعارفِ، مع العملِ بذلك، ما فاقُوا به وبرزُوا على كلِّ
أحدٍ،
فكانوا هم الهُداةُ الذين يهدُون بأمرِ اللهِ، وهذا من
فضلِ اللهِ عليهَا، وإحسانِهِ العظيمِ.
فلهذا قال تَعالَى:
{ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ }
أي: اللهُ هو الذي يحسنُ على عبادِهِ بأنواعِ الإحسانِ.
اللهُمَّ إنَّا نبرأُ إليكَ من حولِنا وقوَّتِنا،
فأعنَّا يا اللهُ!
{ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ }:
ممَّن أتى بأسبابِهِ ، ممَّن سعَى إلى أسبابِهِ واجتهدَ
فيها، يختصَّ برحمتِهِ من يشاءُ.
{ وَاللَّهُ وَاسِعٌ }:
الفضلِ، كثيرُ الإحسانِ
{ عَلِيمٌ }:
بمن يصلحُ للإحسانِ فيعطِيه، ومن لا يستحقُّهُ فيحرمُهُ
إيَّاه - سُبحانَهُ وتَعالَى.
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )( 74)
{ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ }:
أي: برحمتِهِ المطلقةِ، التي تكونُ في الدُّنيا متصلةً
بالآخرةِ، وهي نعمةُ الدِّينِ ومتمِّماتِهِ.
{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }:
الذي لا يصفُهُ الواصِفُون ولا يخطرُ بقلبِ بشرٍ، بل
وصلَ فضلُهُ وإحسانُهُ إلى ما وصلَ إليهِ علمُهُ،
ربَّنَا وسعْتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا.
{ رَبَّنَا
وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا }
يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ
بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )( 75)
{ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ
بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ }
يخبرُ تَعالَى عن حالِ أهلِ الكتابِ، في الوفاءِ والخيانةِ
في الأموالِ، لما ذكرَ خيانتَهُم في الدِّينِ ومكرَهُم وكتمَهُم الحقَّ،
فأخبرَ أنَّ منهُم الخائنَ والأمينَ،
وهذا عدلٌ منهُ وإنصافٌ - جلَّ وعَلا.
وأنَّ منهُم:
{ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَار}:
وهو المالُ الكثيرُ، ويؤدِّهِ وهو على أتمِّ أداءٍ، وما
دونَهُ من بابِ أولَى.
{ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ }:
وهو على أداءِ ما دونَهُ من بابِ أولَى،
{ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا }:
وهو يدلُّ على عدمِ أداءِهِ، فعدمُ أداءِ ما فوقَهُ من
بابِ أولَى وأحرَى،
فالذي لا يستطيعُ أن يؤدِّي دينارًا، من بابِ أولَى أنْ
لا يستطيعَ أنْ يؤدِّي قنطارًا،
والذي يؤدِّي قنطارًا، من بابِ أولَى أنْ يؤدِّي الدِّينارَ،
والذي أوجبَ لهم الخيانةَ وعدمَ الوفاءِ إليكُم، بأنَّهُم
زعمُوا أنَّهُ:
{ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ }:
إذن ما السببُ؟ لماذا يخونونَكم أيُّها العربُ؟ أيُّها
المسلِمُون؟ يا أتباعَ مُحَمَّدٍ؟
{ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي
الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
}
أي: ليسَ عليهِم إثمٌ في عدمِ أداءِ أموالِهِم إليهِم،
لأنَّهم بزعمِهِم الفاسدِ، ورأيِهِم الكاسدِ، قد احتقَرُوهم
غايةَ الاحتقارِ، ورأَوا أنفسَهُم في غايةِ العظمةِ،
وهمُ الأذلَّاءُ الأحقَرُون، فلم يجعلُوا للأمييِّن
حرمةً، وأجازُوا ذلك،
وهذا يدلُّ على فسادِ دينِهِم، فجمعُوا بينَ أكلِ
الحرامِ، واعتقادِ حلِّهِ، وكانَ هذا كذبًا على اللهِ.
لأنَّ العالمَ الذي يحلِّلُ الأشياءَ المحرَّمةَ، قد
كان عندَ الناسِ معلومٌ أنَّهُ يخبرُ عن حكمِ اللهِ، ليس يخبرُ عن نفسه، وذلكَ هو
الكذبُ،
فلهذا قال:
{ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ }:
لأنَّهم ينسِبُون هذا العلمَ للهِ عزَّ وجلَّ،
وهذا أعظمُ إثمًا من القولِ على اللهِ بلا علمٍ،
ثم ردَّ عليهِم زعمَهُم الفاسدَ،
فقالَ اللهُ تَعالَى:
( بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )( 76)
{ بلَى }:
أي: ليسَ الأمرُ كما تزعمُون، أنَّهُ ليسَ عليكُم في
الأمييِّن حرجٌ، بل عليكٌم في ذلك أعظمُ الحرجِ، وأشدُّ الإثمِ.
{ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ }:
والعهدُ يشملُ العهدَ الذي بين العبدِ وبين ربِّه، وهو
جميعُ ما أوجبَهُ الله عزَّ وجلَّ على العبد من حقه،
ويشملُ العهدَ الذي بينَهُ وبينَ العبادِ،
والتَّقوَى تكونُ في هذا الموضعِ، ترجعُ إلى اتِّقاءِ
المعاصِي التي بين العبدِ وبين ربِّهِ، وبينَهُ وبين الخلقِ،
فمن كان كذلك فإنَّهُ ضمنُ المتَّقِين الذين يحبُّهم
اللهُ تَعالَى، سواءً كانوا من الأمييِّن أو غيرِهم،
فمن قالَ ليسَ علينا في الأمييِّن سبيلٌ، فلم يوفِ بعهدِهِ،
ولم يتَّقِ اللهَ عزَّ وجلَّ،
فلم يكن ممَّن يحبُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، بل ممَّن يبغضُهُ
اللهُ.
وإذا كان الأمييُّون قد عُرِفُوا بوفاءِ العهودِ، وبتقوَى
اللهِ، وعدمِ التجرُّؤ على الأموالِ المحترمةِ،
كانوا همُ المحبُوبين للهِ، المتَّقِين الذين أُعِدَّتْ
لهم الجنَّةُ، وكانوا أفضلَ خلقِ اللهِ وأجلَّهَم،
بخلافِ الذين يقولُون ليس علينا في الأمييِّن سبيلٌ،
فإنَّهُم داخِلُون في قولِهِ تَعالَى:
( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )( 77)
ويدخلُ في ذلكَ كلُّ من أخذَ شيئًا من الدُنيا، في
مقابلةِ ما تركَهُ من حقِّ اللهِ، أو حقِّ عبادِهِ،
إذا أخذْتَ شيئًا من الدُّنيا، لتتركَ حقًّا من حقوقِ
اللهِ تَعالَى، تدخلُ في هذه الآيةِ.
لماذا وصفَهُ الله عزَّ وجلَّ بالثمنِ القليلِ؟
لأنَّ أيّ شيءٍ مقابلُهُ دُنيا، فهو يعتبرُ ثمنًا
قليلًا زائلًا.
وكذلك من حلفَ على يمينٍ يقتطعُ بها مالَ معصومٍ، فهو
داخلٌ في هذه الآيةِ.
{ أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ }:
أي: لا نصيبَ لهُم من الخيرِ
{ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ }:
يومَ القيامةِ، غضبًا عليهم وسخطًا، لتقديمِهِم هوَى
أنفسِهِم على رضَا ربِّهِم.
{ وَلَا يُزَكِّيهِمْ }:
أي: لا
يطهِّرُهُم من ذنوبِهِم، ولا يزيلُ عيوبَهُم.
{ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
أي:
موجعٌ للقلوبِ والأبدانِ، وهو عذابُ السَّخَطِ والحجابِ، وعذابُ جهنَّمَ، نسألُ
اللهَ العافيةَ.
سبحانَكَ
اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ
اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا
معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى
اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق