الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 102 الى آية 105

بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ


الوجه التاسع عشر من سورة النساء

يقول الله تعالى :
(وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا
فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً 
وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)( 102)

هذه الآية والتي تليها  تبين صلاةِ الخوفِ,

 وصلاةٌ الخوفِ لها أنواعٌ كثيرةٌ ،
 فإن العدو تارةً يكون تجاه القبلةِ ، وتارةً يكون في غير صوبها ، 
والصلاة تارةً تكون رباعيةً ، وتارةً ثلاثيةً كالمغرب ،

 وتارةً ثنائيةً ، كالصبح وصلاة السفر ، 
ثم تارة يصلون جماعةً ، وتارةً تلتحم الحرب
فلا يقدرون على الجماعة ،

 بل يصلون فرادى مستقبلي القبلةَ وغيرَ مستقبليها ، 
ورجالاً وركبانًا
، ولهم أن يمشوا والحالةَ هذهِ ويضربوا الضربَ المتتابعَ في متنِ الصلاةِ .

- الله أكبر - ألا يتركون الصلاةَ حتى في وقتِ الحرب؟! 
لا, لا يتركونها.

أفلا تجمع؟ لا , لا تجمع, الصلاة تؤدى في وقتها, حتى في أشدِّ الأوقاتِ وأقسى الظروفِ.

وهذا موضوعٌ ليس فيه مناقشةٌ . . 
هل توجد حالةٌ أشدُّ من الحربِ ؟ بالطبعِ, لا توجد.

يا الله! أين المتكاسلين عن وقتِ الصلاةِ ؟ اين المضيعين لوقتِها ؟ أين مؤخرّيها ؟ 
أين هم منهذهِ الآيةِ؟

طبعاً سنذكر سبب نزولِ الآيةِ ثم سنذكر صفة صلاةِ الخوفِ .

سبب النزولِ :
روى الإمام أحمدُ عن أبي عياشَ قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسَفَان ،
فاستقبلنا المشركون ، عليهم خالدُ بن الوليد ، وهم بيننا وبين القبلة ،
 فصلى بنا النبي صلى الله
عليه وسلم الظهر ،

 فقالوا : لقد كانوا على حالٍ لو أصبنا غرّتهم - لأنهم كانوا يصلّون- .
ثم قالوا : تأتي عليهم الآن صلاةٌ هي أحبٌّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم. - هذا قول المشركين -

قال : فنزل جبريلُ بهذه الآيات بين الظهر والعصر : {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} قال :
فحضرت ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح ، قال: فصفّنا خلفه صفّين ، قال :
ثم ركع فركعنا جميعًا ، ثم رفع فرفعنا جميعًا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصفِّ الذي يليه والآخرون قيامٌ يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهِم ثم تقدم هؤلاءِ إلى مصافِ هؤلاءِ ،
 وجاء هؤلاء إلى مصافِ هؤلاء ، ثم ركع فركعوا جميعا ، 

ثم رفع فرفعوا جميعا ، ثم سجد النبيٌّ صلى الله عليه وسلم والصفٌّ الذي يليه ، والآخرون قيامٌ
يحرسونهم ، فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ، ثم سلم عليهم ، ثم انصرفَ .


قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين : مرة بعسَفاَن ، 
ومرة بأرضِ بني سليم .رواه أبو داود ، والنسائي .

وهذا إسنادٌ صحيحٌ ، وله شواهدُ كثيرةٌ ،

فمن ذلك ما رواه البخاري ، عن ابن عباس قال : 
قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه
، فكبر وكبروا معه ، وركع وركع ناسٌ منهم ، ثم سجد وسجدوا معه ،
 ثم قام الثانيةَ فقام الذين
سجدوا ، وحرسوا إخوانهم ، وأتت الطائفةُ الأخرى فركعوا وسجدوا معه ،
 والناس كلهم في الصلاةِ ، ولكن يحرس بعضهم بعضًا .

وروى الإمامُ أحمدُ ، عن جابرٍ بن عبد الله ; أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف ، فقام صفٌّ بين يديه ، وصفٌّ خلفَه ،
 فصلى بالذي خلفه ركعةً وسجدتين ، ثم تقدم هؤلاء
حتى قاموا في مقامِ أصحابهم ، 

وجاء أولئك حتى قاموا مقامَ هؤلاء ، فصلى بهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ركعة وسجدتين ، ثم سلم . فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ولهم ركعة .


وهذه هي صلاةُ الخوف ، صلّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم 
بإحدى الطائفتين ركعةً ،
والطائفةُ الأخرى مقبلةٌ على العدو ، وأقبلتِ الطائفةُ الأخرى التي كانت مقبلةً على العدوِّ فصلّى بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ركعةً أخرى ،
 ثم سلّم بهم ، ثم قامت كلُّ طائفةٍ منهم فصلت
ركعةً ركعةً .


أما الأمرُ بحملِ السلاحِ في صلاةِ الخوفِ ، فمحمولٌ عند طائفةٍ من العلماءِ على الوجوبِ لظاهرِالآيةِ 

{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا
حِذْرَكُمْ } أي : بحيث تكونون على أهبّةٍ إذا احتجتم إليها لبستموها بلا كلفةٍ.
{ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا }


يقول الله تعالى :

(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)( 103)

أي: فإذا فرغتم من صلاتكم، صلاة الخوف وغيرها، فاذكروا الله في جميع أحوالكم وهيئاتكم،


ولكن خُصّت صلاةُ الخوفِ بذلك لفوائدَ منها: أن القلبَ صلاحَه وفلاحَه وسعادتَه بالإنابةِ إلى اللهِ تعالى في المحبةِ وامتلاءِ القلبِ منذكره والثناءِ عليه.

وأعظمُ ما يحصلُ به هذا المقصودُ الصلاةُ، التي حقيقُتها أنها صلةٌ بين العبدِ وبين ربه.
هذا الوجه كله يدل على عظمةِ الصلاةِ وعظمةِ الذكرِ,
والصلاة كلها ذكرٌ.

ومنها: أن فيها من حقائق الإيمان ومعارف الإيقان ما أوجب أن يفرضها الله 
على عباده كل يوم وليلة.

ومن المعلوم أن صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف, فأمر بجبرها بالذكر بعدها.

أوَ ليست السكينةُ مطلوبةٌ في الصلواتِ ؟!
نعم, مطلوبةٌ, لكن لأنكم الآن خائفين , في صلاة الخوف, فلا توجد سكينةٌ .

فما المطلوب ؟
المطلوب : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ)

اجبروا ما أصابَ صلاتَكم من الكسرِ والخوفِ وعدمِ السكينةِ بالذكرِ, فالذكرُ يجبرُ الصلاةَ.

والآن اسألوا أنفسَكم, كيف حال صلاتِكم مع السكينةِ !
اذا السكينة مطلب في الصلاة
ومنها: أن الخوفَ يوجبُ من قلقِ القلبِ وخوفِه ما هو مظنةٌ لضعفِه،
 وإذا ضعُف القلبُ ضعُف البدنُ عن مقاومةِ العدوِّ، وذكرُ اللهِ والإكثارُ منه من أعظمِ مقوياتِ القلبِ والجسمِ.


ومنها: أن ذكرَ اللهِ تعالى مع الصبرِ والثباتِ سببٌ للفلاحِ والظفرِ بالأعداءِ، كما قال تعالى: 

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } 
فأمر بالإكثار منه في هذه
الحال إلى غير ذلك من الحِكَم.


ثم قال: { فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } أي: إذا أمنتم من الخوف واطمأنت قلوبكم وأبدانكم فأتموا صلاتكم على الوجه الأكمل ظاهرًا وباطنًا، بأركانها وشروطها وخشوعها وسائرمكملاتها.

{ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } أي: مفروضًا في وقته،
 فدل ذلك على فرضيتها،
وأن لها وقتًا لا تصح إلا به، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:;صلوا كما رأيتموني أصلي .


ودل قوله: { عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } على أن الصلاة ميزان الإيمان وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتتم وتكمل، ويدل ذلك على أن الكفار وإن كانوا ملتزمين لأحكام المسلمين كأهل الذمة -
أنهم لا يُخاطبون بفروعِ الدينِ كالصلاةِ، ولا يؤمرون بها، 
بل ولا تصح منهم ما داموا على كفرهم.


يقول الله تعالى :
(وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَايَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)( 104)

{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ }أي: لا تضعفوا ولا تكسلوا في ابتغاء عدوكم من الكفار، أي: في جهادهم والمرابطة على ذلك، فإن وَهن القلب مستدعٍ لوَهن البدن، 
وذلك يضعف عن مقاومة الأعداء. بل كونوا أقوياء نشيطين في قتالهم.

 . اذا الجهاد لا يكون بالسلاح فقط, وإنما بالقلم واللسان, الجهاد في تربية الناس وفي
تعليمهم, كونوا أقوياء.

 { وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ
مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ }

حيث ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين:

الأول: أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك 
فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم،- أنتم مسلمون ومعكم الكتاب,

فكيف إذا كنتم أضعف منهم - وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك، لأن العادة الجارية أنه لا يضعف إلا من توالت عليه الآلامُ, 
وانتصر عليه الأعداءُ على الدوامِ.

الأمر الثاني: أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، فترجون الفوز بثوابه والنجاة من عقابه،- أنتم ترجون رجاءاتٍ عظيمةً, ترجونها في الجنة, وترجونها في الدنيا, أنتم معكم الله, وهم ليس معهم أحد .

بل إنّ خواص المؤمنين لهم مقاصدُ عاليةٌ وآمال رفيعةٌ من نصرِ دينِ اللهِ، وإقامةِ شرعِه، واتساعِ دائرةِ الإسلامِ، وهدايةِ الضالين، وقمع أعداءِ الدينِ .


{وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}
فهذه الأمور توجب للمؤمنِ المصدقِ زيادةَ القوةِ، وتضاعفُ النشاطَ والشجاعةَ التامةَ؛ لأن من يقاتل ويصبر على نيل عزه الدنيوي إن ناله، ليس كمن يقاتلُ لنيلِ السعادةِ الدنيويةِ والأخرويةِ،

والفوزَ برضوانِ اللهِ وجنتِه، فسبحان من فاوت بين العباد وفرق بينهم بعلمه وحكمته،

ولهذا ختمها تعالى بقوله: { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي :كامل العلم كامل الحكمة - سبحانه جل وعلا .


يقول الله تعالى :
(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)
( 105)

يخبر تعالى أنه أنزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق، أي: محفوظًا في إنزاله من الشياطين، أن يتطرق إليه منهم باطل، بل نزل بالحق، ومشتملًا أيضًا على الحق، فأخبارُه صدقٌ، وأوامرُه ونواهيه عدلٌ.


{ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } أي: لا بهواك, بل بما علَّمك الله وألهمك، ووجّهك, وأرشدك وليس بهواك أنت.

الله يخاطب محمدّا صلى الله عليه وسلم, يقول { بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ }
وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يُبَلِّغ عن الله من جميع الأحكام وغيرها،


وأنه يشترط في الحاكم العلم والعدل
قال { بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } ولم يقل: بما رأيت أنت. 
{ وَمَايَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }


{ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } أي: لا تخاصم عن مَن عُرفت خيانته،
 من مدعٍ ما ليس له، أو منكرٍ حقًا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطلٍ، والنيابة عن المبطلِ في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية. 



نسألك اللهم أن تعفو عنا وتغفر لنا وترحمنا برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
اللهم اجعل هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً, واجعل تفرقَنا من بعده تفرّقا معصوماً, ولا تجعل معنا شقياً ولا محروماً.
وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعينِ.


ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق