الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 106 الى آية 113

 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ







الوجه العشرون من سورة النساء

يقول الله تعالى :

(وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)( 106)
{ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ } مما صدر منك إن صدر. 
الله أكبر - الله عز وجل يخاطب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } أي: يغفر الذنب العظيم لمن استغفره، وتاب إليه وأناب ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجِب لثوابه وزوال عقابه.
ثبت في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم سلمة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبةَ خصمٍ بباب حجرته ، فخرج إليهم فقال : " ألا إنما أنا بشرٌ ، وإنما أقضي بنحوٍ مما أسمع ، ولعلّ أحدكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعضٍ ، فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلمٍ فإنما هي قطعةٌ من نارٍ فليحملها أو ليذرها " .

يقول الله تعالى :
(وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا)( 107)
{ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } "الاختيان" و "الخيانة" بمعنى الجناية والظلم والإثم، وهذا يشمل النهي عن المجادلة، عن من أذنب وتوجه عليه عقوبة من حدٍ أو تعزيرٍ، فإنه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة، أو بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية. 
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا } أي: كثير الخيانة والإثم، وإذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البُغْض، وهذا كالتعليل، للنهي.


يقول الله تعالى :
( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)( 108)
لماذا يخون الخائن عادةً؟
لقد ذكر الله عن هؤلاء الخائنين أنهم { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ }  - العياذ بالله - جعلوا الله سبحانه وتعالى أهون الناظرين, تعالى الله عن ذلك علواً كبيرًا, وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافةٌ الخلق عندهم أعظمَ من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم بذلك قد بارزوا الله بالعظائم- العياذ بالله - ولم يبالوا بنظره واطّلاعه عليهم.
وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول، من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيّتوه.

{ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } - والإحاطة ناسبت ما ذكره الله عز وجل عنهم من إخفائهم للحق-
قد أحاط بذلك علمًا، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة - سبحان الله.

يقول الله تعالى :
(هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)( 109)

أي: هب أنكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا، ودفع عنهم جدالُكم العذابَ, وبعض ما تحذرون من العار والفضيحة عند الخَلْق، فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله َعنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجةُ، وتشهد عليهم ألسنتُهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون؟ 

وفي هذه الآية إرشادٌ إلى المقابلة بين ما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه، وبين ما يفوت من ثواب الآخرة أو يحصل من عقوباتها.

فيقول من أمّرته نفسُه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسلًا وتفريطًا فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟

هب أنك فعلت هذا الفعل وما اشتهيت فإن لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات، وفوات الثواب وحصول العقاب -
 الهوى عظيمٌ, لو نطيع الهوى فإننا نحس باللذةِ في لحظتِها, ثم تأتينا الهمومُ والشقاءُ والغمومُ والكدرً
فعلى قدر ما تستطيع أضعف هذه النفس , أضعف هذا الهوى, تجد الرضا والسعادة والاطمئنان والأمان. 

يقول الله تعالى :
( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)( 110)
 أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارًا تامًا يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود.

فهذا قد وعده الله الذي لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة- سبحانه جل وعلا.
 إن أعظمَ ظلمِ النفسِ هو الشركُ, ثم ظلمُ المعاصي, ثم ظلمُ الناس, إذا ظلمت الناس اعتبر أنك ظلمت نفسك, لأن الدائرةَ ستعود عليك, وستمر الأيامُ, وتجدي نفسك في موقف الذي ظلمته سابقاً

يقول الله تعالى :
(وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)( 111)

{ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ } وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغيرٍ وكبيرٍ، فمن كسب سيئةً فإن عقوبتَها الدنيويةِ والأخرويةِ على نفسه، لا تتعداها إلى غيرها، كما قال تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } لكن إذا ظهرت السيئاتُ فلم تُنكَر عمّت عقوبتُها وشمل إثمُها، فلا تخرج أيضًا عن حكم هذا الشخص، بل تشمل جميع الموجودين الذين سكتوا على هذا المنكر .

 { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي: له العلم الكامل والحكمة التامة.
ومن علمه وحكمته أنه يعلم الذنب وما صدر منه، والسبب الداعي لفعله، والعقوبة المترتبة على فعله، ويعلم حالة المذنب، أنه إن صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الأمارة بالسوء مع إنابته إلى ربه في كثير من أوقاته، أنه سيغفر له ويوفقه للتوبة.


يقول الله تعالى :
( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )( 112)

{ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً } أي: ذنبًا كبيرًا  .
{ أَوْ إِثْمًا } ما دون ذلك, أي أصغر من الخطيئة- فالخطيئة أعظم. 
{ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ } أي يتهم بذنبه أحدًا آخر.
{ بَرِيئًا } من ذلك الذنب. 
{ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } احتمل شيئين عظيمين, فقد حمل فوق ظهره :بهتًا للشخص البريء, وإثمًا ظاهرًا بينًا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد:
أولاً كسب الخطيئة والإثم،
ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها،
ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء،
ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية
 نسأل الله السلامة والعافية.


يقول الله تعالى :
( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا )( 113)

وذلك أن هذه الآيات الكريمات قد ذكر المفسرون أن سبب نزولها: أن أهل بيت سرقوا في المدينة، فلما اطُّلِع على سرقتهم خافوا الفضيحة، وأخذوا سرقتَهم فرموها ببيت من هو بريءٌ من ذلك.
واستعان السارق بقومه أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يبرئ صاحبهم على رؤوس الناس، وقالوا: إنه لم يسرق وإنما الذي سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء.

فهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ صاحبهم، فأنزل الله هذه الآيات تذكيرًا وتبيينًا لتلك الواقعة العظيمة, وتحذيرًا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين، فإن المخاصمةَ عن المبطلِ من الضلال،

وإن الضلال نوعان:
ضلالٌ في العلمِ، وهو الجهلُ بالحقِ.
وضلالٌ في العملِ، وهو العملُ بغيرِ ما يجب.
فحفظ الله رسوله عن هذا النوعِ.

ثم قال: { وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ } لكون هذا الكيد والمكر يرجع عليهم .
 وهذه نعمةٌ كبيرةٌ على رسوله صلى الله عليه وسلم تتضمن النعمة بالعمل، وهو التوفيق لفعل ما يجب، والعصمة له عن كل محرمٍ.

ثم بدأ الله تعالى يذكر نعمه على محمد صلى الله عليه وسلم :
فذكر نعمته عليه بالعلم فقال: { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }أي: أنزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل شيءٍ وعلم الأولين والآخِرين.

والحكمة: قيل هي السُّنَّة التي تنزل عليه كما ينزل القرآن.

وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها، وتنزيل الأشياء منازلها وترتيب كل شيء بحسبه. 

{ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فإنه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله: { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } 
ثم لم يزل يوحي الله إليه ويعلمه ويكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الأولين والآخرين، فكان أعلمَ الخلقِ على الإطلاقِ، وأجمعَهم لصفاتِ الكمالِ، وأكملَهم فيها، ولهذا قال: { وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} 
ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من فضله على كل مخلوق وأجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤها ولا يتيسر إحصاؤها.
نسأل الله عز وجل أن نكون ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه .

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

اللهم اجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً, واجعل تفرقنا من بعده تفرّقا معصوماً, ولا تجعل معنا شقياً ولا محروماً.

وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعينِ.



ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق