بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجهُ
الرَّابعُ عشر من سورة الأنعام
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( ذَٰلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ
وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) ( 102)
يقولُ اللهُ
تَعالَى:
{
ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ }:
أي:
الذي خلقَ كلَّ شيءٍ، ولا ولدَ لهُ، ولا صاحبةَ،
{ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ }:
فاعبدُوهُ
وحدَهُ، لا شريكَ لهُ، وأقرُّوا لهُ بالوحدانيَّةَ،
وأنَّهُ
لا إله إلّا هوّ، وأنَّهُ لا ولدَ لهُ ولا والدً،
ولا
صاحبةَ لهُ، ولا نظيرَ، ولا عديلَ.
{
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }:
أي:
حفيظٌ ورقيبٌ،
يدبِّرُ
كلَّ ما سواهُ، ويرزقُهُم ويكلؤُهُم باللَّيلِ والنَّهارِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( لَّا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (
103)
وقولُهُ تَعالَى:
{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }:
لا تدرِكُهُ في الدُّنيا، وإنْ كانَتْ ترَاهُ في الآخرةْ،
كما تواترَتْ بهِ الأخبارُ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ،
وفي معنَى هذا الأثرِ ما ثبتَ في الصَّحيحَين، عنْ أبِي
موسَى الأشعريِّ، رضيَ اللهُ عنْهُ،
قالَ:
قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
" إن الله لا ينامُ، ولا ينبغِي لهُ أنْ ينامَ،
يخفضُ القِسْطَ ويرفعهُ، يُرفَعُ إليهِ عملُ اللَّيلِ قبلَ عملِ النَّهارِ، وعملَ
النَّهارِ قبلَ عملِ اللَّيلِ،
حجابُهُ النُّورُ - أو: النَّارُ - لو كشفَهُ لأحرقَتْ
سَبَحاتُ وجهِهِ ما انتهَى إليهِ بصرُهُ منْ خلقِهِ"
وفي الكتبِ المتقدِّمةِ:
إنَّ اللهَ تَعالَى، قالَ لموسَى لمَّا سألَ الرُّؤيةَ:
يا موسَى، إنَّهُ لا يراني حيٌّ إلا ماتَ، ولا يابسٌ
إلا تدَهْدَهَ.
أي: تدَعْثَرَ.
( فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ
مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا
أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )
[ الأعراف: 143 ]
ولهذا كانَتْ أمُّ المؤمِنين عائشةُ، رضيَ اللهُ عنْها،
تُثبِتُ الرُّؤيةَ في الدَّارِ الآخرةِ، وتنفِيها في
الدُّنيا،
وتحتجُّ بقولِهِ:
{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ
الْأَبْصَارَ }:
فالذي نفَتْهُ الإدراكَ الذي هو بمعنَى رؤيةِ العظمةِ
والجلالِ،
على ما هو عليهِ،
فإنَّ ذلكَ غيرُ ممكنٍ للبشرِ، ولا للملائكةِ، ولا لشيءٍ.
وقولُهُ:
{ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ }:
أي: يحيطُ بها، ويعلَمُها على ما هيَ عليهِ; لأنَّهُ
خلقَها.
كما قالَ تَعالَى:
( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ )
[ الملك: 14 ]
وقد يكونُ عُبِّرَ بالأبصارِ، عنِ المُبصِرِين،:
{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ }:
لا يرَاهُ شيءٌ، وهو يرَى الخلائِقَ - سُبحانَهُ جلَّ
وعَلا.
{ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }:
اللَّطيفُ باستخراجِها ، الخبيرُ بمكانِها.
واللهُ أعلمُ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ
مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ
وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ) ( 104)
{ قَدْ
جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ }:
البصائرُ: هي البيِّناتُ والحججُ التي اشتملَ عليها
القرآنُ،
وما جاءَ بهِ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
{
فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ }:
مثلَ قولِهِ:
( مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ
وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا )
[ الإسراء: 15 ]
ولهذا، لمَّا ذكرَ البصائرَ، قالَ:
{
وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا }:
أي: فإنَّما يعودُ وبالُ ذلكَ عليهِ.
كقولِهِ:
( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن
تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )
[ الحج: 46 ]
{
وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }:
أي: لسْتُ بحافظٍ ولا رقيبٍ، بل أنا مُبلِّغٌ،
واللهُ سُبحانَهُ جلَّ وعَلا، يهدِي من يشاءُ، ويُضِلُّ
من يشاءُ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ
الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( 105)
{
وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ }:
أي:
وكما فصَّلْنا الآياتِ في هذهِ السُّورةِ، من بيانِ التَّوحيدِ،
وأنَّهُ
لا إلهَ إلا هوَ،
هكذا
نوضِّحُ الآياتِ، ونفسِّرُها، ونبيِّنُها في كلِّ موطنٍ، لجهالةِ الجاهِلينَ.
{
وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ }:
وليقولَ
المُشرِكون والكافِرون المُكذِّبُون:
دارَسْتَ
يا مُحَمَّدُ مَنْ قبلَكَ مِنْ أهلِ الكتابِ، وقارَأْتَهُم، وتعلَّمْتَ منْهُم.
هكذا
قالَ ابنُ عباسٍ.
{
وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }:
أي: ولِنوضِّحَهُ
لقومٍ يعلمُون الحقَّ فيتَّبِعُونَهُ، والباطلَ فيجتَنِبُونَهُ.
فللَّهِ
تَعالَى الحكمةُ البالغةُ في إضلالِ أولئكَ، وبيانِ الحقّ لهؤلاءِ.
كقولِهِ:
( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي
بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ )
[
البقرة: 26 ]
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ ) ( 106)
يقولُ اللهُ تَعالَى آمِرًا لرسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ،
ولِمَنْ اتَّبعَ طريقتَهُ:
{
اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ }:
أي: اقتدِ بهِ، واقتفِ أثرَهُ، واعملْ بهِ;
فإنَّ ما أوحِيَ إليكَ منْ ربِّكَ هو الحقُّ الذي لا مِريَةَ
فيهِ;
لأنَّهُ لا إلهَ إلا هوَ.
{
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ }:
أي: اعفُ عنْهُم واصفحْ، واحتَمِلْ أذاهُم،
حتى يفتحَ اللهَ لكَ، وينصرَكَ، ويظفرَكَ عليهِم.
واعلمْ أنَّ للهِ حكمةٌ في إضلالِهِم،
فإنَّهُ لو شاءَ لهدَى النَّاسَ كلَّهُم جميعًا،
ولو شاءَ اللهُ لجمعَهُم على الهُدَى.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا
أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم
بِوَكِيلٍ ) ( 107)
{
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا }:
أي: بلْ
لهُ المشيئةُ والحكمةُ فيما يشاؤُهُ ويختارُهُ،
لا يُسأَلُ
عمَّا يفعلُ، وهُم يُسأَلُون.
{
وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }:
أي:
حافِظًا، تحفظُ أعمالَهُم وأقوالَهُم.
فلسْتَ
مسؤولًا يا مُحَمَّدُ، عنْ حفظِ أقوالِهِم وأفعالِهِم.
{
وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }:
أي: موُكَّلٍ
على أرزاقِهِم وأمورِهِم.
{ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ }:
[
الشورى: 48]
كما
قالَ تَعالَى:
(
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ )
[
الغاشية: 21، 22 ]
وقالَ:
( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ )
[
الرعد: 40 ]
النَّتيجةُ
والثَّمرةُ والحسابُ على اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ
كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم
مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( 108)
{
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ }:
النَّهيُ
عنْ سبِّ آلهةِ المُشرِكِين،
حتّى
لا يسبُّوا اللهَ تَعالَى، ويتجرَّؤُوا عليهِ.
فهُم
لا يعرفُون اللهُ حقَّ المعرفةِ، ولا يقدِّرُونَهُ.
(
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )
[
الأنعام: 91]
يقولُ تَعالَى
ناهيًا لرسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، والمؤمِنِين
عنْ سبِّ
آلهةِ المُشرِكِين، وإنْ كانَ فيهِ مصلحةٌ،
إلا أنَّهُ
يترتَّبُ عليهِ مفسدةٌ أعظمُ منْها،
وهي
مقابلةُ المُشرِكِين بسبِّ إلهِ المُؤمِنِين، وهوَ اللهُ لا إلهَ إلّا هوَ.
قالوا:
يا مُحَمَّدُ، لتَنْتَهِيَنَّ عنْ سبِّكَ آلهتَنا، أو لنهجُوَنَّ ربَّكَ،
فنهاهُم
اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يسبُّوا أوثانَهُم،
{
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }:
كان
المُسلِمُون يسبُّون أصنامَ الكفَّارِ،
فيسُبُّ
الكفَّارُ اللهَ عَدْوًا بغيرِ علمٍ،
فأنزل
اللهُ:
{
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ }:
ومنْ
هذا القبيلِ - وهو تركُ المصلحةِ التي ترَاها،
لمفسدةٍ
أرجحُ منْها، وأقوَى -
وهذهِ
قاعدةٌ شرعيَّةٌ:
ما جاءَ
في الصَّحيحِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
قالَ: "
ملعونٌ منْ سبَّ والدَيهِ "
قالُوا:
يا رسولَ اللهِ، وكيفَ يسبُّ الرَّجلُ والدَيهِ؟
قالَ: "
يسبَّ أبا الرَّجلِ فيسُبَّ أباهُ، ويسُبُّ أمَّهُ فيسُبَّ أمَّهُ "
{ كَذَٰلِكَ
زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ }:
أي:
وكما زيَّنا لهؤلاءِ القومِ حُبَّ أصنامِهِم، والمُحاماةَ لها، والانتصارَ،
كذلك
زيَّنا لكلِّ أمَّةٍ منَ الأممِ الخاليةِ،- على الضَّلالِ-
عملَهُم
الذي كانوا فيهِ.
وللهِ
الحُجَّةُ البالغةُ، والحكمةُ التَّامةُ فيما يشاؤُهُ ويختارُهُ.
{
ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ }:
أي:
معادُهُم ومصيرُهُم،
{
فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }:
أي :
يجازِيهِم بأعمالِهِم، إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ
جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ
إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ
لَا يُؤْمِنُونَ ) ( 109)
طلبُ
المُعجِزاتِ، والقسَمُ بالأَيمانِ عندَ مجيئِها.
يقولُ
اللهُ تَعالَى إخبارًا عنِ المُشرِكِين،
إنَّهُم:
{
َأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ }:
شدَّةَ
أيمانِهِم،
أي:
حلفُوا أيمانًا مؤكَّدةً،
{
لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ }:
أي: مُعجِزةٌ
وخارِقةٌ،
{
لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا }:
أي :
ليُصدِّقُنَّها،
{ قُلْ
إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ }:
أي: قلْ
يا مُحَمَّدُ، لهؤلاءِ الذين يسألونَكَ الآياتِ،
تعنُّتًا
وكفرًا وعنادًا،
لا على
سبيلِ الهُدَى والاسترشادِ:
إنَّما
مرجِعُ هذهِ الآياتِ إلى اللهِ تَعالَى،
إنْ
شاءَ أجابَكُم، وإنْ شاءَ تركَكُم.
{
وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ }:
- قيلَ:
المخاطَبُ بـِ { وَمَا يُشْعِرُكُمْ }: - المُشرِكُون،
وإليهِ
ذهبَ مجاهدُ
وكأنَّهُ
يقولُ لهُم:
وما
يدرِيكُم بصدقِكُم في هذهِ الأيمانِ التي تُقسِمُون بها؟
وعلى
هذا،
فالقراءةُ:
{ إنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ }، بكسرِ { إنَّهَا }: على استئنافِ
الخبرِ عنْهُم،
بنفيِ
الإيمانِ عندَ مجيءِ الآياتِ التي طلبُوها،
- وقيلَ:
المُخاطَبُ بقولِهِ: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ }: - المُؤمِنُون،
أي:
وما يدريكُم أيُّها المُؤمِنون!
وعلى
هذا فيجوزُ في: { إنَّهَا }:
الكسرُ
كالأوَّلِ،
والفتحُ
على أنَّهُ معمولُ { يُشْعِرُكُمْ }:
{
وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ }:
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ
وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( 110)
{
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ }:
لمَّا
جحدَ المُشرِكُون ما أنزلَ اللهُ تَعالَى،
لم تثبَتُ
قلوبُهُم على شيءٍ، ورُدَّتْ عنْ كلِّ أمرٍ.
{
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ }:
ونَحُولُ
بينَهُم وبينَ الإيمانِ،
ولو
جاءَتْهُم كلُّ آيةٍ، فلا يُؤمِنُون،
كما حُلْنا
بينَهُم، وبينَ الإيمانِ أوَّلَ مرَّةٍ.
أخبرَ
اللهُ ما العبادُ قائِلُون، قبلَ أنْ يقولُوهُ، وعملَهُم قبلَ أنْ يعملُوهُ.
قالَ:
(
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )
[
فاطر: 14 ]
وقالَ:
( أَن
تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ
لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ * وْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً
فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )
[
الزمر: 56- 58 ]
فأخبرَ
اللهُ تَعالَى أنَّهُم لو رُدُّوا، لم يقدِرُوا على الهُدَى،
وقالَ:
( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا
نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )
[
الأنعام: 28 ]
وقالَ:
(
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ )
[
الأنعام: 110 ]
قالَ:
ولو رُدُّوا
إلى الدُّنيا، لحِيلَ بينَهُم وبينَ الهُدَى،
كما حُلْنا
بينَهُم وبينَهُ أوَّلَ مرَّةٍ، وهُم في الدُّنيا.
{
وَنَذَرُهُمْ }:
أي:
نترُكُهُم
{
طُغْيَانِهِمْ }:
في كفرِهِم،
وضلالِهِم.
{
يَعْمَهُونَ }:
يلعبُون،
وفي كفرِهِم يتردَّدُون.
نسألُ
اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!
سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا
أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ
تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد
وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق