الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة الأنعام من آية 95 إلى آية 101




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجهُ الثَّالثُ عشر من سورة الأنعام


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ) ( 95)

{ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ }:
يخبرُ اللهُ تَعالَى أنَّهُ فالقُ الحبِّ والَّنوَى،
أي: يشُقُّهُ في الثَّرَى،
فتنبتُ الزُّروعُ على اختلافِ أصنافِها منَ الحبوبِ،
والثِّمارِ على اختلافِ أشكالِها وألوانِها وطعومِها منَ النَّوَى.

{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ }:
أي: يخُرِجُ النَّباتَ الحيَّ من الحبِّ والنَّوَى،
الذي هو كالجمادِ الميِّتِ.

كقولِهِ:
( وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ )
[ يس: 33، 36 ]

وقولِهِ:
{ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ }:

وقد عبَّرُوا عنْ ذلك بعباراتٍ، مثلَ:
البيضةَ منَ الدَّجاجةِ،
والفاجرَ منَ الصَّالحِ،
وهكذا.

ثمَّ قالَ:
{ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ }:
أي: فاعلُ هذهِ الأشياءِ هو اللهُ وحدَهُ، لا شريكَ لهُ!

{ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ }:
أي: فكيفَ تصرفُون منَ الحقِّ، وتعدِلُون عنْهُ إلى الباطلِ،
فتعبدُون مع اللهِ غيرَهُ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( 96)

{ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا }:
أي: خالقُ الضِّياءِ والظَّلامِ.

{ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا }:
أي: يجريان بحسابٍ مقنَّنٍ مقدَّرٍ، لا يتغيَّرُ ولا يضطربُ،

بلْ كلٌّ منْهُما لهُ منازلُ يسلكُها في الصَّيفِ والشِّتاءِ،
فيترتَّبُ على ذلك اختلافُ اللَّيلِ والنَّهارِ طولًا وقصرًا.

كما قالَ تَعالَى:
( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )
[ يونس: 5 ]

وكما قالَ:
( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )
[ يس: 40 ]

وقولُهُ:
{ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }:
أي: الجميعُ جارٍ بتقديرِ العزيزِ الذي لا يمانَعُ ولا يخالَفُ،
العليمِ بكلِّ شيءٍ، فلا يعزبُ عنْ علمِهِ مثقالُ ذرَّةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ،

وكثيرًا ما إذا ذكرَ اللهُ تَعالَى خلْقَ اللَّيلِ والنَّهارِ، والشَّمسِ والقمرِ،
يختمُ الكلامَ بالعزَّةِ والعلمِ،

كما في قولِهِ:
( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )
[ يس: 38 ]

وكما ذكرَ خلْقَ السَّماواتِ والأرضَ، وما فيهِنَّ في الآيةِ:
( وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )
[ فصلت: 12 ]

نلاحظُ دائمًا عندما يأتي مثلُ هذا التَّعبيرِ،
فإنَّ اللهَ يختمُ بهذَين الاسمَين: العزيزِ العليمِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( 97)

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }:
قالَ بعضُ السَّلفِ: من اعتقدَ في هذهِ النُّجومِ غيرَ ثلاثٍ،
فقدْ أخطأَ وكذبَ على اللهِ:
أنَّ اللهَ جعلَها زينةً للسَّماءِ،
ورجومًا للشَّياطِين،
ويُهتَدَى بها في ظلماتِ البرِّ والبحرِ.

والآنَ، ما يسمُّونَهُ بـ علمِ النُّجومِ،
وأقوالُهُم مثلُ: الكوكبُ الفلانيُّ معناهُ يخرجُ الشَّيءُ الفلانيُّ
ومواليدُ الكوكبِ الفلانيِّ يملكُون صفاتًا معيَّنةً،
هذا كلُّهُ منْ كلامِ أهلِ الباطلِ!

{ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ }:
أي : قدْ بيَّنَاها ووضَّحَناها

{ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }:
أي : يعقِلُون ويعرِفُون الحقَّ، ويجتنَّبُون الباطلَ.

ولا شكَّ أنَّ التَّنجيمَ شركٌ باللهِ سُبحَانَهُ وتَعالَى - والعياذُ باللهِ!
وهذا أمرٌ خطيرٌ، أنْ يُعطَى النَّجمُ أمرًا، ليسَ عندَهُ.

فالنُّجومُ كما نعلمُ هي فقط:
- زينةٌ للسَّماءِ،
- ورجومًا للشَّياطِينِ،
- ويُهتَدَى بها في ظلماتِ البرِّ والبحرِ.
هذهِ فوائدُها.

ومن اتَّخذ منْها علمًا آخرَ غيرَ هذهِ الفوائدِ،
فلا شكَّ أنَّهُ خالفَ الحقَّ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ) ( 98)

{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ }:
يعني: آدمَ عليهِ السَّلامُ،

كما قالَ:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً )
[ النساء: 1 ]

{ فَمُسْتَقَرٌّ }:
أي: في الأرحامِ

{ وَمُسْتَوْدَعٌ }:
أي : في الأصلابِ.

وكذلكَ قيلَ:

{ فَمُسْتَقَرٌّ }:
في الدُّنيا،

{ وَمُسْتَوْدَعٌ }:
حيثُ يموتُ.

وقولُهُ:
{ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }:
أي: يفهمُون ويَعُون كلامَ اللهِ، ومعنَاهُ، ويعملُون بهِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( 99)

{ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً }:
أي بقدرٍ، مُباركًا، رزقًا للعبادِ، وغياثًا للخلائقِ،
رحمةً منَ اللهِ عزَّ وجلَّ لخلقِهِ.

{ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ }:

كما قالَ:
( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )
[ الأنبياء: 30 ]

{ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا }:
أي: زرعًا وشجرًا أخضرَ،
ثمَّ بعدَ ذلك يخلقُ فيهِ الحبَّ والثَّمرَ;

ولهذا قالَ تَعالَى:

{ نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا }:
أي: يركُبُ بعضُهُ بعضًا، كالسَّنابلِ ونحوِها.

{ وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ }:
أي: جمعُ قَنُو، وهي عذُوق الرُّطبِ

{ دَانِيَةٌ }:
أي: قريبةٌ منَ المُتناولِ، سهلةُ الوصولِ إليها.

{ قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ }:
يعني بالقِنوانِ الدَّانيةِ: قِصارَ النَّخلِ اللَّاصقةِ عذُوقها بالأرضِ.
رواهُ ابنُ جريرٍ، عنْ ابنِ عباسٍ.

{ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ }:
أي: ونُخرِجُ منْهُ جنَّاتٍ من أعنابٍ،

وهذان النَّوعان: الرُّطبُ والعنبُ، هما أشرفُ عندَ أهلِ الحجازِ،
وربَّما كانا خِيارَ الثِّمارِ في الدُّنيا وأعظمَهُما.

قالَ تَعالَى:
( وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا )
[ النحل: 67 ]

وكانَ ذلكَ قبلَ تحريمِ الخمرِ.

وقالَ:
( وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ )
[ يس: 34 ]

وقولُهُ:
{ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ }:
يتشابهُ في الورقِ، قريبُ الشَّكلِ بعضُهُ منْ بعضٍ،
ويتخالفُ في الثِّمارِ شكلًا وطعمًا وطبعًا.

وقولُهُ:
{ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ }:
أي: نضجِهِ

فكِّرُوا في قدرةِ خالقِهِ منَ العدمِ إلى الوجودِ،
بعدَ أنْ كانَ حطبًا، صار عنبًا ورطبًا.

وغيرِ ذلكّ،
ممَّا خلقَ تَعالَى من الألوانِ والأشكالِ والطُّعومِ والرَّوائحِ.

{ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ }:
أي: دلالاتٍ على كمالِ قدرةِ خالقِ هذهِ الأشياءِ جلَّ وعَلا،
وحكمتِهِ، ورحمتِهِ.

منْ الذي يفهمُ ويعِي هذا الكلامَ؟

{ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }:
أي : يُصدِّقُون بهِ، ويتَّبِعُون رسلَهُ.

اللَّهُمَ اجعلْنا منْهُم يا ذا الجلالِ والإكرامِ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( 100)


هذهِ الآيةُ تذمُّ المُشركِينَ.

وهذا ردٌّ على المُشركِيِن الذين عبدُوا معَ اللهِ غيرَهُ،
وأشركُوا في عبادةِ اللهِ،
أنْ عَبَدُوا الجنَّ، فجعلُوهُم شركاءَ اللهِ في العبادةِ.

العياذُ باللهِ!

تَعالَى اللهُ عن شركِهِم وكفرِهِم علوًّا كبيرًا!

فإنْ قيلَ: فكيفَ عُبِدَتِ الجنُّ، وإنَّما كانُوا يعبدُون الأصنامَ؟
فالجوابُ: أنَّهُم إنَّما عبدُوا الأصنامَ عنْ طاعةِ الجنِّ،
وأَمْرِهِم إيَّاهُم بذلكَ.

كما قالّ تَعالَى:
( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا *يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا )
[ النساء: 117 - 120 ]

وقالَ إبراهيمُ لأبيهِ:
( يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا )
[ مريم: 44 ]

وقالَ تَعالَى:
( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )
[ يس: 60، 61 ]

وتقولُ الملائكةُ يومَ القيامةِ:
( قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ۖ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ )
[ سبأ: 41 ]

ولهذا قالَ تَعالَى:
{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ }:
أي: وقدْ خلقَهُم،

فهوَ الخالقُ وحدَهُ، لا شريك لهُ، فكيفَ يُعبَدُ معَهُ غيرُهُ؟!

كما قالَ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ
( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )
[ الصافات : 95، 96 ]

وقولُهُ تَعالَى:
{ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ }:
ينبِّهُ بهِ اللهُ تَعالَى علَى ضلالِ منْ ضلَّ في وصفِهِ تَعالَى،
بأنَّ لهُ ولدًا،

كما يزعمُ منْ قالَهُ من اليهودِ في العُزيرِ،
ومن قالَ منَ النَّصارَى في المسيحِ،
وكما قالَ المُشرِكُون من العربِ في الملائكةِ: أنَّها بناتُ اللهِ.

تَعالَى اللهُ عمَّا يقولُ الظَّالمون عُلُوًّا كبيرًا!

ومعنَى قولِهِ تَعالَى:

{ وَخَرَقُوا لَهُ }:
أي: واختلقُوا وائتفكُوا، وتخرَّصُوا وكذبُوا،
كما قالَهُ علماءُ السَّلفِ.

ولهذا قالّ تَعالَى:
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ }:
أي: تقدَّسَ وتنزَّهَ وتعاظمَ، عمَّا يصفُهُ هؤلاءِ الجهَلَةِ الضَّالُّون
منَ الأولادِ والأندادِ، والنُّظراءِ والشُّركاءِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى في ختامِ الوجهِ:
( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( 101)

{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }:
أي: مُبدِعُ السَّماواتِ والأرضِ،
وخالقُهما ومُنشِئُهما ومحدِثُهما على غيرِ مثالٍ سابقٍ.

{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ }:
أي: كيفَ يكونُ لهُ ولدٌ، ولمْ تكُنْ لهُ صاحبةٌ؟

والولدُ إنَّما يكونُ مُتولِّدًا عنْ شيئَين متناسبَين،

واللهُ لا يناسبُهُ ولا يشابهُهُ شيءٌ من خلقِهِ;
لأنَّهُ خالقُ كلِّ شيءٍ، فلا صاحبةَ لهُ، ولا ولدًا.

كما قالَ تَعالَى:
( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )
[ مريم : 88، 89، 95 ]

{ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }:
فبيَّنَ اللهُ تَعالَى أنَّهُ الذي خلقَ كلَّ شيءٍ، وأنَّهُ بكلِّ شيءٍ عليمِ،

فكيفَ يكونُ لهُ صاحبةٌ منْ خلقِهِ تناسبُهُ؟
وهو الذي لا نظيرَ لهُ، فأنَّى يكونُ لهُ ولدٌ؟

تَعالَى اللهُ عنْ ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا!



سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.





ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق