الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة المائدة من آية 114 إلى آية 120





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجهُ الثَّاني والعشرُون من سورة المائدة

وهو ختامُ سورةِ المائدةِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى :
( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( 114)

طبعًا هذهِ تكملةٌ لقصَّةِ عيسَى عليهِ السَّلامُ، عنْ مائدةِ الحواريِّين،

فلمَّا سمعَ عيسَى عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ذلكَ، وعلمَ مقصودَهُم، ونيَّتَهُم،
أجابَهُم إلى طلبِهِم في ذلكَ، فدعَا ربَّهُ، فقالَ:

{ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ }:
أي: يكونُ وقتُ نزولِها عيدًا وموسِمًا، يُتذكَّرُ بهِ هذهِ الآيةُ العظيمةُ،
فتُحفَظَ ولا تُنسَى على مرورِ الأوقاتِ، وتكرارِ السِّنينَ.

كما جعلَ اللهُ تَعالَى أعيادَ المُسلمِين ومناسكَهُم مُذكِّرًا لآياتِهِ،
ومُنبِّهًا على سُنَنِ المُرسَلين، وطرقِهِم القويمةِ، وفضلِهِ وإحسانِهِ عليهِم.

{ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ }:
أي: عيدًا للأوَّلِين في زمانِهِ، وللآخِرِين الذين سيأتُون بعدَهُ.

{ وَآيَةً مِّنكَ }:
واجعلْها آيةً منْكَ، يا اللهُ!

{ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ }:
أي: اجعلْها لنَا رزقًا،

فسألَ عيسَى عليهِ السَّلامُ نزولَها، وأنْ تكونَ لهاتَين المصلحتَين:
- مصلحةَ الدِّينِ، بأنْ تكونَ آيةً باقِيةً،
- ومصلحةَ الدُّنيا، وهي أنْ تكونَ رِزقًا.
فعيسَى عليهِ السَّلامُ بدأَ السُّؤالَ لمصلحةِ الدِّينِ قبلَ الدُّنيا.


يقولُ اللهُ تَعالَى :
( قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ) ( 115)

{ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ }:
لأنَّهُ شاهدَ الآيةَ الباهرةَ، وكفرَ عِنادًا وظُلمًا،
فاستحقَّ العذابَ الأليمَ، والعقابَ الشَّديدَ.

كما ذُكِرَ في الآياتِ التي ستأتِي بإذنِ اللهِ تَعالَى في سورةِ الأنعامِ،
أنَّهُ إذا طلبَ العبادُ آيةً، فنزلَتْ عليهِم، ثمَّ كفرُوا،
فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يعذِّبُهم بها.

فقالَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى للحواريِّين:
{ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ }:

وهنا سكتَ الحَوارِيَّون، فلم يطلبُوها مرَّةً أخرَى،
فلا نعلمُ أهي نزلَتْ، أم لم تنزلْ!

واعلمْ أنَّ اللهَ تَعالَى وعدَ أنَّهُ سينزلُها، وتوعَّدَهُم -إنْ كفرُوا- بهذا الوعيدِ،
ولم يذكرْ أنَّهُ أنزلَها،

فيُحتملُ أنَّهُ لم ينزلْها بسببِ أنَّهُم لم يختارُوا ذلكَ، خوفًا من العذابِ،
ويدلُّ على ذلكَ، أنَّهُ لم يُذكَرْ في الإنجيلِ الذي بأيدِي الَّنصارَى، ولا لهُ وجودٌ.

ويُحتمَلُ أنَّها نزلَتْ كما وعدَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى، واللهُ عزَّ وجلَّ لا يخلفُ الميعادَ،
ويكونُ عدمُ ذكرِها في الأناجيلِ التي بأيديهِم، منَ الحظِّ الذي ذُكِّروا به فنسَوهُ.
أي من جملةِ الأمورِ التي ذُكِّروا بها فنسَوها.

أو أنَّهُ لم يُذكَرْ في الإنجيلِ أصلًا،
وإنَّما ذلكَ كانَ مُتَوارَثًا بينَهُم، ينقلُهُ الخلفُ عن السَّلفِ،
فاكتفَى اللهُ بذلكَ عن ذكرِهِ في الإنجيلِ،

ويدلُّ على هذا المعنَى قولُهُ:
{ وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ }:
فالحواريُّون يقصدُون أنفسَهُم،

واللهُ أعلمُ بحقيقةِ الحالِ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) ( 116)

{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ }:
وهذا توبيخٌ للنَّصارَى الذين قالُوا: إنَّ اللهَ ثالثُ ثلاثةٍ،
فيقولُ اللهُ هذا الكلامَ لعيسَى.

فيتبرَّأُ عيسَى، ويقولُ:

{ سُبْحَانَكَ }:
عن هذا الكلامِ القبيحِ، وعمَّا لا يليقُ بكَ.

{ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ }:
أي: ما ينبغِي لي، ولا يليقُ أنْ أقولَ شيئًا ليسَ منْ أوصافِي ولا منْ حقوقِي،

فإنَّهُ ليسَ أحدٌ من المخلوقِين، لا الملائكةُ المقرَّبُون، ولا الأنبياءُ المُرسَلون، ولا غيرُهم،
لهُ حقٌّ ولا استحقاقٌ لمقامِ الأُلوهيَّةِ،
وإنَّما الجميعُ عبادٌ، مُدبَّرُون، وخَلْقٌ مُسخَّرُون، وفقراءُ عاجِزُون.

{ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ }:
فأنتَ أعلمُ بما صدرَ منِّي

وَ { إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }:
وهذا من كمالِ أدبِ المسيحِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في خطابِهِ لربِّهِ،
فلمْ يقلْ عليهِ السَّلامُ: "لم أقلْ شيئًا منْ ذلكَ"

وإنَّما أخبرَ بكلامٍ ينفِي عنْ نفسِهِ أنْ يقولَ كلَّ مقالةٍ تُنافِي منصبَهُ الشَّريفِ،
وأنَّ هذا منَ الأمورِ المُحالةِ،
ونزَّهَ ربَّهُ عزَّ وجلَّ عن ذلكَ أتمَّ تنزيهٍ، سُبحانَهُ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( 117)

ثمَّ صرَّحَ بذكرِ ما أمرَ بهِ بنِي إسرائيلَ، فقالَ:
{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ }:

أنا لا آتِي بشريعةٍ غيرَ شريعتِكَ، يا اللهُ،

إنَّما الأنبياءُ والرُّسل هُم رسُلٌ من اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى، يرسِلُ إليهِم وحيَهُ،
فلا يبدِّلُون ولا يُعدِّلون، بل يُبلِّغُونَهُ كما هُو منَ اللهِ سُبحانَهُ جلَّ وعَلا.

فأنا عبدٌ مُتَّبِعٌ لأمرِكَ، لا مُتَجَرِّئٌ على عظمتِكَ، سُبحانَكَ!

{ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ }:
أي: ما أمرْتُهُم إلا بعبادةِ اللهِ وحدَهُ، وإخلاصِ الدِّينِ لهُ،
المتضمِّنِ للنَّهيِ عن اتِّخاذِي وأمِّي إلهَينِ منْ دونِ اللهِ،
وبيانِ أنِّي عبدٌ مربُوبٌ، فكما أنَّهُ ربُّكم فهو ربِّي سُبحانَهُ جلَّ وعَلا.

{ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ }:
أشهَدُ على منْ قامَ بهذا الأمرِ، عندَما كنْتُ موجودًا معَهُم، ممَّنْ لم يقمْ بهِ.

{ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ }:
أي: المُطَّلِعِ على سرائرِهِم وضمائرِهِم.

{ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }:
علمًا وسمعًا وبصرًا،
فعلمُكَ قدْ أحاطَ بالمعلوماتِ، وسمعُكَ بالمسمُوعاتِ، وبصرُكَ بالمُبصَراتِ،

فأنتَ الذي تُجازِي عبادَكَ بما تعلمُهُ فيهِم من خيرٍ وشرِّ.


يقولُ اللهُ تَعالَى :
( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( 118)

اُنظرُوا إلى الأدبِ الجمِّ منْ عيسَى عليهِ السَّلامُ معَ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى:

طلبَ عيسَى بكل أدبٍ منَ اللهِ تَعالَى أنْ يعفوَ عن القومِ الذين أُرسِلَ إليهِم،

ولم يطلبْ مباشرةً، بلْ قالَ:

{ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }،
فنسبَهُم إلى اللهِ،

كما لو ضربَتِ الأمُّ ابنَها، فيقالُ لها: إنْ ضربتِهِ فإنَّهُ ابنُكِ، لتحريكِ الأمومةِ فيها.

{ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ }:
وأنتَ أرحمُ بهِم منْ أنفسِهِم، وأعلمُ بأحوالِهِم،
فلولا أنَّهُم عبادٌ متمرِّدُون لمْ تعذبْهُم.

{ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ }:
أي: فمغفرتُكَ صادِرةٌ عن تمامِ عزَّةٍ وقدرةٍ،
لا كمَنْ يغفرُ ويعفُو عن عجْزٍ وعدمِ قدرةٍ.

{ الْحَكِيمُ }:
حيثُ كانَ منْ مقتضَى حكمتِكَ أنْ تغفرَ لمَنْ أتَى بأسبابِ المغفرةِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  ) ( 119)

انظرُوا إلى الجوابِ العظيمِ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ، الذي لا مجاملةَ ولا ميلَ فيهِ لأحدٍ،

جوابٌ عظيمٌ!
{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }

{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

{ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }:
فلا حسَبَ ولا نسَبَ، ولا ابنَ مَنْ تكونُ، ولا منْ أيِّ دولةٍ أنتَ؟

{ قَالَ اللَّهُ }:
مُبيِّنًا لحالِ عبادِهِ يومَ القيامةِ،
ومَنِ الفائزُ منْهُم ومَن الهالكُ، ومَنِ الشَّقيُّ ومَنِ السَّعيدُ،

{ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }:
والصَّادقُون هم الذين استقامَتْ أعمالُهُم وأقوالُهُم ونيَّاتُهُم على الصِّراطِ المستقيمِ، والهَدْيِ القويمِ،

فيومَ القيامةِ يجدُون ثمرةَ ذلك الصِّدقِ، يجدُون أثرَ تصرُّفاتِهِم وأفعالِهِم وأقوالِهِم الصَّادقةِ،
إذا أحلَّهُم اللهُ وجعلَهُم:
{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }

ولهذا قالَ:
{ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }:
وأيُّ فوزٍ أعظمُ منْ هذا!

اصدُقْ معَ اللهِ، يصدُقُ معَك.
يا مَنْ تتألَّمُ، وتحزنُ، وعندَك منَ المشاكلِ ما عندَك، وتظنُّ أنَّ الأمورَ قد أُغلِقَتْ أبوابُها جميعًا،
اصدُقْ معَ اللهِ، يصدُقُ معَك.

{ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }:
فمَنْ ينتفعُ ويستفيدُ؟ وله المنزلةُ العاليةُ؟
الصَّادقُ فقطْ.

الصَّادقُ في أفعالِهِ وتصرُّفاتِهِ وأقوالِهِ، ونصائحِهِ وتوجيهِهِ،
 وتدريسِهِ وتعليمِهِ وإدارتِهِ، وأمومتِهِ وأبوَّتِهِ، وفي بيعِهِ وشرائِهِ،
وسيرِهِ ونومِهِ، وفي سكناتِهِ وحركاتِهِ،
وفي اجتهادِهِ، وفي تقديمِهِ لبرنامجِهِ، ومحاضرتِهِ.

لا يراوغُ أحدًا، ولا يقرِّبُ أحدًا دونَ أحدٍ، ولا يظلِمُ، ولا يسفِكُ، ولا يكذِبُ ولا يجادِلُ, لا يُجارِي ولا يُبارِي أحدً.

كلُّ أفعالِهِ صدقٌ في صدقٍ، كلُّ حديثِهِ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

{ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }:

الصَّادقِين الذين لاقَوا الأذَى في الدُّنيا،
الذين لم يرضَ بهِم أحدٌ، أو يرغبْ بهِم، أو يحبّهُم،
الصَّادقِين الذين يقولُون كلمةَ الصِّدقِ، فلا يداهِنُون أحدًا.

{ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }:

يا منْ تطلبُ الفوزَ، اصدُقْ معَ اللهِ،
حتى لو خسرْتَ الدُّنيا، وكلُّ الأمورِ التي كنْتَ تتوقَّعُ أنَّك لو كذبْت لحصلَت لك،
لا، اصدُقْ معَ اللهِ!

حدِّدْ أهدافَك، وحدِّثْ نفسَك:
لماذا أنصحُ؟ لماذا أدرِّسُ؟ لماذا أوجِّهُ؟ لماذا أربِّي؟ لماذا أخرجُ؟ لماذا أتزوَّجُ؟
ابحثْ عن إجابةٍ صادقةٍ، واعملْ لها.

الصَّادِقُ ينالُ الفوزَ دائمًا بإذنِ اللهِ تَعالَى في الدُّنيا والآخرةِ.

أمَّا الكاذِبُون: فعلى الضدِّ تمامًا،
سيجدُون ضررَ كذبِهِم وافترائِهِم، وثمرةَ أعمالِهِم الفاسِدةِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( 120)

{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }:
لأنَّهُ الخالقُ لهُما والمدبِّرُ لذلكَ بحكمِهِ القدريِّ، وحكمِهِ الشَّرعيِّ، وحكمِهِ الجزائيِّ،

ولهذا قالَ:
{ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }:
فلا يعجزُهُ شيءٌ، بل جميعُ الأشياءِ منقادةٌ لمشيئتِهِ، ومسخَّرةٌ بأمرِهِ.

تمَّ تفسيرُ سورةِ المائدةِ بفضلٍ من اللهِ وإحسانٍ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمَين.



سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُم وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.

اللهُمَّ اجعلِ القرآنَ ربيعَ قلوبِنا، ونورَ صدورِنا، وجلاءَ أحزانِنا،
وذهابَ همومِنا وغمومِنا، وقائدَنا ودليلَنا إلى جنَّاتِكَ جنَّاتِ النَّعيمِ.
اللهُمَّ ذكِّرْنا منْهُ ما نُسِّينا، وعلِّمْنا منْهُ ما جَهِلْنا، وارزقْنا تلاوتَهُ آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ على الوجهِ الذي يرضِيكَ عنَّا.






ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق