الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة الأنعام من آية 119 إلى آية 124




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجهُ السَّادسُ عشر من سورة الأنعام


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) ( 119)

فأيُّ شيءٍ يمنعُهُم منْ أكلِ ما ذُكِرَ اسمُ اللهِ عليهِ،
وقد فصَّلَ اللهُ لعبادِهِ ما حرَّمَ عليهِم، وبيَّنَهُ، ووضَّحَهُ؟

فلمْ يبقَ فيهِ إشكالٌ ولا شبهةٌ، توجبُ أنْ يمتنعَ منْ أكلِ بعضِ الحلالِ،
خوفًا من الوقوعِ في الحرامِ.

ودلَّتْ الآيةُ الكريمةُ، علَى أنَّ الأصلَ في الأشياءِ والأطعمةِ الإباحةُ،

وأنَّهُ إذا لم يردْ الشَّرعُ بتحريمِ شيءٍ منْها، فإنَّهُ باقٍ على الإباحةِ،
فما سكتَ اللهُ عنْهُ فهو حلالٌ،

لأنَّ الحرام قد فصَّلَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ،
فما لم يفصِّلْهُ اللهُ عزَّ وجلَّ فليسَ بحرامٍ.

ومع ذلكَ، فالحرامُ الذي قد فصَّلهُ اللهُ وأوضحَهُ،
قدْ أباحَهُ عند الضَّرورةِ والمخمصةِ،

كما قالَ تَعالَى:
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }

إلى أنْ قالَ:
{ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

ثمَّ حذَّرَ عنْ كثيرٍ منَ النَّاسِ، فقالَ:

{ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ }:
أي: بمجرَّدِ ما تهوَى أنفسُهُم

{ بِغَيْرِ عِلْمٍ }:
ولا حُجَّةٍ.

فليحذَرِ العبدُ منْ أمثالِ هؤلاءِ،

وعلامتُهم - كما وصفَهُم اللهُ لعبادِهِ-
أنَّ دعوتَهُم غيرُ مبنيَّةٍ على برهانٍ، ولا لهُم حجَّةٌ شرعيَّةٌ،

وإنَّما يوجدُ لهُم شُبَهٌ بحسبِ أهوائِهِم الفاسدةِ، وآرائِهِم القاصرةِ،

فهؤلاءِ مُعتَدُون على شرعِ اللهِ، وعلى عبادِ اللهِ،
واللهُ لا يحبُّ المعتَدِين!

بخلافِ الهادِين المُهتَدين،
فإنَّهُم يدعُون إلى الحقِّ والهُدَى،
ويؤيِّدُون دعوتَهُم بالحُججِ العقليَّةِ والنَّقليَّةِ،
ولا يتَّبعُون في دعوتِهِم إلا رضَا ربِّهم عزَّ وجلَّ، والقربَ منْهُ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ) ( 120)

المرادُ بالإثمِ: جميعُ المعاصِي، التي تُؤثِمُ العبدَ،
أي: تُوقِعُهُ في الإثمِ والحرجِ،
من الأشياءِ المُتَعلِّقةِ بحقوقِ اللهِ، وحقوقِ عبادِهِ.

فنهَى اللهُ عبادَهُ، عنِ اقترافِ الإثمِ الظَّاهِر والباطنِ،
أي: السِّرِ والعلانيَّةِ،
سواءً المتعلِّقةِ بالبدنِ والجوارحِ، والمتعلِّقةِ بالقلبِ.

ولا يتمُّ للعبدِ، تركُ المعاصِي الظَّاهرةِ والباطنةِ، إلا بعد معرفتِها،
والبحثِ عنْها.

فيكونَ البحثُ عنْها، ومعرفةُ معاصِي القلبِ والبدنِ، والعلمُ بذلك،
 واجبًا متعيِّنًا على المكلَّفِ.

وكثيرٌ منَ النَّاسِ، تخفَى عليهِ كثيرٌ من المعاصِي،
خصوصًا معاصِي القلبِ، كالكِبرِ والعُجبِ والرِّياءِ، ونحوِ ذلكَ،
حتى إنَّهُ يكونُ به كثيرٌ منْها، وهو لا يحسُّ به ولا يشعرُ،

وهذا منَ الإعراضِ عن العلمِ، وعدمِ البصيرةِ.

ثمَّ أخبرَ تَعالَى، أنَّ الذينَ يكسبُون الإثمَ الظَّاهرَ والباطنَ،
سيُجزَون على حسبِ كسبِهِم، وعلى قدرِ ذنوبِهِم،
قلَّتْ أو كثُرَتْ.

وهذا الجزاءُ يكونُ في الآخرةِ، وقدْ يكونُ في الدُّنيا،
يعاقَبُ العبدُ، فيُخَفَّفُ عنْهُ بذلكَ من سيِّئَاتِهِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) ( 121)

ويدخلُ تحتَ هذا المَنهيِّ عنْهُ، ما ذُكِرَ عليهِ اسمُ غيرِ اللهِ،
كالذي يُذبحُ للأصنامِ، وآلهتِهِم،

فإنَّ هذا ممَّا أُهِلَّ لغيرِ اللهِ بهِ، المحرَّمِ بالنَّصِّ عليهِ خصوصًا.

ويدخلُ في ذلكَ، متروكُ التَّسميةِ، ممَّا ذُبِحَ للهِ،
كالضَّحايا، والهَدايا، أو للَّحمِ والأكلِ،
إذا كانَ الذَّابحُ مُتَعمِّدًا تركَ التَّسميةِ، عندَ كثيرٍ منَ العلماءِ.

ويخرجُ من هذا العمومِ: النَّاسِي بالنُّصوصِ الأخَرِ،
الدَّالةِ على رفعِ الحرجِ عنْهُ،

ويدخلُ في هذهِ الآيةِ، ما ماتَ بغيرِ ذكاةٍ منَ المَيتاتِ،
فإنَّها ممَّا لم يُذكَرُ اسمُ اللهِ عليهِ.

ونصَّ اللهُ عليها بخصوصِها، في قولِهِ:
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ }

ولعلَّها سببُ نزولِ الآيةِ،
لقولِهِ:

{ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ }:
بغيرِ علمٍ.

فإنَّ المُشركِين - حينَ سمعُوا تحريمَ اللهِ ورسولِهِ المَيتةَ،
وتحليلِهِ للمذَكَّاةِ، وكانُوا يستحلُّون أكلَ المَيتةِ-
قالُوا - معاندةً للهِ ورسولِهِ، ومجادلةً بغيرِ حُجَّةٍ ولا برهانٍ-
أتأكُلون ما قتلتُم، ولا تأكلُون ما قتلَ اللهُ؟
يعنُون بذلكَ: المَيتةَ.

أرأيْتَ إلى أهلِ الرأيِ الفاسدِ، كيف يحاجُّون؟!

وهذا رأيٌ فاسدٌ، لا يستندُ على حجَّةٍ ولا دليلٍ،
بلْ يستندُ إلى آرائِهِم الفاسدةِ التي لو كانَ الحقُّ تبَعًا لها،
لفسدَتِ السَّماواتُ والأرضُ، ومن فيهِنَّ.

فتبًّا لمَنْ قدَّمَ هذهِ العقولَ على شرعِ اللهِ وأحكامِهِ،
الموافقةِ للمصالحِ العامَّة، والمنافعِ الخاصَّةِ.

ولا يُستَغربُ هذا منْهُم، فإنَّ هذهِ الآراءِ وأشباهِها،
صادرةٌ عنْ وحيِ أوليائِهِم من الشَّياطينِ،
الذين يريدون أنْ يُضِلُّوا الخَلقَ عن دينِهِم،
ويدعُوهم ليكونُوا من أصحابِ السَّعيرِ.

{ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ }:
في شركِهِم وتحليلِهِم الحرامَ، وتحريمِهِم الحلالَ،

{ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }:
لأنَّكُم اتَّخذتُمُوهُم أولياءَ من دونِ اللهِ،
ووافقتُمُوهُم على ما بهِ فارقُوا المُسلِمِين،
فلذلكَ كانَ طريقُكُم، طريقَهُم.

ودلَّتْ هذهِ الآيةُ الكريمةُ على أنَّ ما يقعُ في القلوبِ منَ الإلهاماتِ والكشوفِ،
التي يكثرُ وقوعُها عندَ الصُّوفيَّةِ ونحوِهِم،
لا تدلُّ – بمجرَّدِها على أنَّها حقٌّ،
ولا تُصَدَّقُ حتى تُعرَضَ على كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ.

فإنْ شهدَا لها بالقبولِ قُبِلَتْ، وإنْ ناقضتْهُما رُدَّتْ،
وإنْ لمْ يُعلَمُ شيءٌ من ذلكَ، تُوُقِّفَ فيها، ولم تُصَدَّقْ ولم تُكَذَّبْ،

لأنَّ الوحيَ والإلهامَ، يكونُ من الرَّحمَنِ، ويكونُ من الشَّيطانِ،
فلا بدَّ منَ التَّمييزِ بينَهُما والفُرقانِ.

وبعدمِ التَّفريقِ بينَ الأمرينِ،
يحصلُ من الغلطِ والضَّلالِ، ما لا يحصِيهِ إلا اللهُ عزَّ وجلَّ.



يقولُ اللهُ تَعالَى:
( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( 122)

{ أَوَمَنْ كَانَ }:
منْ قبلِ هدايةِ اللهِ لهُ،

{ مَيْتًا }:
في ظُلُماتِ الكفرِ، والجهلِ، والمعاصِي،

{ فَأَحْيَيْنَاهُ }:
بنورِ العلمِ والإيمانِ والطَّاعةِ،

فصارَ يمشِي بينَ النَّاسِ في النُّورِ، مُتَبصِّرًا في أمورِهِ،
مُهتَدِيًا لسبيلِهِ،
عارِفًا للخيرِ، مُؤثِرًا لهُ، مُجتهِدًا في تنفيذِهِ، في نفسِهِ وغيره،
عارِِفًا بالشَّرِّ مُبغضًا لهُ، مُجتهدًا في تركِهِ وإزالتِهِ،
عن نفسِهِ وعن غيرِهِ.

أفيستَوِي هذا بمنْ هو في الظُّلماتِ،
ظلماتِ الجهلِ والغيِّ، والكفرِ والمعاصِي.

{ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }:
قد التبسَتْ عليهِ الطُّرقُ، وأظلمَتْ عليهِ المسالكُ،
فحضَرَهُ الهمُّ والغمُّ والحزنُ والشَّقاءُ.

فنبَّهَ تَعالَى العقولَ بما تُدركُهُ وتعرفُهُ، أنَّهُ لا يستوِي هذا ولا هذا،
كما لا يستوِي اللَّيلُ والنَّهارُ، والضِّياءُ والظُّلمةُ، والأحياءُ والأمواتُ.

فكأنَّهُ قيلَ:
فكيفَ يُؤثِرُ من لهُ أدنى مسكةٌ من عقلٍ، أنْ يكونَ بهذهِ الحالةِ،
وأنْ يبقَى في الظُّلماتِ مُتَحيِّرًا؟!

فأجابَ بأنَّهُ:
{ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!

فلمْ يزَلْ الشَّيطانُ يحسِّنُ لهُم أعمالَهُم، ويزيِّنُها في قلوبِهِم،
حتى استحسَنُوها ورأَوها حقًّا.

وصارَ ذلكَ عقيدةً في قلوبِهِم، وصفةً راسخةً ملازمةً لهُم،
فلذلكَ رضُوا بما هُم عليهِ منَ الشَّرِّ والقبائحِ.

وهؤلاءِ الذين في الظُّلماتِ يعمهُون،
وفي باطلِهِم يتردَّدُون، غيرُ مُتساوِين:

فمنْهُم: القادةُ، والرُّؤساءُ، والمَتبُوعُون،
ومنْهُم: التَّابِعُون المَرؤُوسُون،
والأوَّلُون منْهُم: الذين فازُوا بأشقَى الأحوالِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) ( 123)

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا }:
أي: الرُّؤساءَ الذين قد كبرَ جُرمُهُم، واشتدَّ طغيانُهُم،

{ لِيَمْكُرُوا فِيهَا }:
بالخديعةِ والدَّعوةِ إلى سبيلِ الشَّيطانِ،
ومحاربةِ الرُّسلِ وأتباعِهِم، بالقولِ والفعلِ،

وإنَّما مكرُهُم وكيدُهُم يعودُ على أنفسِهم،
لأنَّهُم يمكُرون، ويمكرُ اللهُ، واللهُ خيرُ الماكرِين.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ) ( 124)

وكذلكَ يجعلُ اللهُ كبارَ أئمةِ الهُدَى وأفاضِلَهُم،
يناضلُون هؤلاءِ المُجرمِين، ويرُدُّون عليهم أقوالَهُم،
ويجاهِدُونَهُم في سبيلِ اللهِ،
ويسلكُون بذلكَ السُّبُلَ المُوصلةَ إلى ذلكَ،

ويعينُهُم اللهُ، ويُسدِّدُ رأيَهُم، ويثبِّتُ أقدامَهُم،
ويُداوِلُ الأيَّامَ بينَهُم وبينَ أعدائِهِم،
حتى يدولَ الأمرُ في عاقبتِهِ بنصرِهِم وظهورِهِم، والعاقبةُ للمُتَّقِين.

وإنَّما ثبتَ أكابرُ المُجرِمِين على باطلِهِم،
وقامُوا بردِّ الحقِّ الذي جاءَتْ بهِ الرُّسُلُ،
حسَدًا منْهُم وبغيًا،

فقالُوا:
{ لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ }:
منَ النُّبُوَّةِ والرِّسالةِ.

وفي هذا اعتراضٌ منْهُم على اللهِ، وعُجْبٌ بأنفسِهِم،
وتكبُّرٌ على الحقِّ الذي أنزلَهُ اللهُ على أيدِي رسلِهِ،
وتحجُّرٌ على فضلِ اللهِ وإحسانِهِ.

فردَّ اللهُ عليهِم اعتراضَهُم الفاسدَ،
وأخبرَ أنَّهُم لا يَصلُحُون للخيرِ،
ولا فيهِم ما يوجبُ أنْ يكونُوا من عبادِ اللهِ الصَّالحِين،
فضلًا أنْ يكونُوا منَ النَّبيِّينَ والمُرسَلِين،

فقالَ:
{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }:
فيمَنْ علَّمَهُ يصلُحُ لها، ويقومُ بأعبائِها،

وهو مُتَّصِفٌ بكلِّ خلُقٍ جميلٍ، ومُتَبَرِّئٌ من كلِّ خلُقٍ دنيءٍ،
أعطاهُ اللهُ ما تقتضِيهِ حكمَتُهُ أصلًا وتَبَعًا،

ومنْ لم يكنْ كذلكَ،
لم يضعْ أفضلَ مواهِبَهُ، عندَ من لا يستأهِلْهُ، ولا يزكُو عندَهُ.

وفي هذهِ الآيةِ، دليلٌ على كمالِ حكمةِ اللهِ تَعالَى،
لأنَّهُ - وإنْ كانَ تَعالَى رحيمًا، واسعَ الجودِ، كثيرَ الإحسانِ-
فإنَّهُ حكيمٌ، لا يضعُ جودَهُ إلَا عندَ أهلِهِ.

ثمَّ توعَّدَ المُجرمِين، فقالَ:

{ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ }:
أي: إهانةٌ وذلٌّ،
كما تكَبَّرُوا على الحقِّ، أذلَّهُم اللهُ عزَّ وجلَّ.

{ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ }:
أي: بسببِ مكرِهِم،
لا ظلمًا منْهُ تَعالَى.

نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يعفوَ عنَّا، وأنْ يغفرَ لنَا!



سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.





ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق