الوجه الرابع والعشرون من سورة النساء
يقول الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 135 ) .
{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ }
لما ذكر الله سبحانه وتعالى:
{ من كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة }
من كان يريد أن يسعى إلى الدنيا , فيُرضي
ويُشبع نفسه في هذه الدنيا , فالله عز وجل عنده ثواب الدنيا كذلك و الآخرة ،
ثم قال
للذين يريدون الدنيا ويسعون إليها :
{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ }
يعني نريد منكم ونطالبكم بالعدل فقط مع أنفسكم
،
والعدل مع الله سبحانه وتعالى أو الوالدين والأقربين
{ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا }
العدل على أنواع كثيره
يأمر الله
عز وجل تعالى بالعدل ,لأنه ليس من العدل وليس من الإنصاف أنك تعمل للدنيا فقط ,
حتى مع نفسك , ليس العدل حتى مع نفسك ولا مع الناس ولامع الله عز وجل
أن تٌرضي نفسك في الدنيا فقط
لذلك قال الله عز وجل :
{من كَانَ يُرِيدُ
ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة ِوَكَانَ
اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}
وهذا من رحمته جل وعلا
أنه عنده ثواب الدنيا وعنده ثواب الاخرة سبحانه
جل وعلا
فقال :
{ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}
يعني أعدلوا فكروا , اعملوا لدنياكم واعملوا
لأخرتكم
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا :
{قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ}
والقوَّام صيغة مبالغة ،
أي : كونوا في كل
أحوالكم ماذا ؟
قائمين بالقسط الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده،
فالقسط في
حقوق الله ماذا ؟
أن لا يستعان بنعمه على معصيته
هذه النعمة نعمة البصر من نعم الله
اذا كيف تستعين بنعمة البصر على
معصيته ؟
كيف يكون هذا ! فقط نريد عقل يتحرك ويفكر
إذا القسط مع الله ماذا؟
في حق الله
احفظها معي
: أن لا يستعان بنعمه على معصيته
والقسط طبعاً في حقوق الآدميين أن تؤدي جميع
الحقوق التي عليك كما تطلب حقوقك
فتؤدي النفقات الواجبة ، والديون ، وتعامل الناس
بما تحب أن يعاملوك به، من الأخلاق والمكافأة وغير ذلك.
ومن أعظم أنواع القسط , القسط في المقالات
والقائلين، فلا يحكم لأحد القولين أو أحد المتنازعين لانتسابه أو ميله لأحدهما، بل
يجعل وجهته العدل بينهما،
ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى
على الأحباب بل على النفس
وعين الرضى عن كل عينٍ كليلةٍ كما أن عين السخط
تُبدي المساوئ
ثم قال عزوجل : {شُهَدَاءَ لِلَّهِ
وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُم}ْ
فلا تراعوا الغني لغناه، ولا الفقير لفقره بل
اشهدوا بالحق على من كان،
والقيام بالقسط من أعظم الأمور وأدلها على دين
الله القائم به، وورعه ومقامه في الإسلام،
فيتعين على من نصح نفسه وأراد نجاتها أن يهتم
له غاية الاهتمام، وأن يجعل نُصْب عينيه، ومحل إرادته، وأن يزيل عن نفسه كل مانع
وعائق يعوقه عن إرادته القسط أو العمل به،
وأعظم عائق لذلك ماهو ؟
اتباع الهوى , خطير
ولهذا نبه
الله تعالى عنه فقال :
{ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}
فلا
تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق، فإنكم إن اتبعتموها أهلكتكم،
النفس خطيره
يا اخوة , أخطر شيء على الشخص هو نفسه
احذر نفسك , حتى الخطاب معك بينك وبينها ,عندما تقول انتِ وانتِ فعلتي , اللوم الشديد على النفس, الكلام الكثير على النفس ,
أخطر شي أن الإنسان يتحدث مع نفسه
إذا جلست مع نفسك أذكر الله سبحانه وتعالى
بدلا من أن تقول :
[ ليش كذا, ليش فلان يسوي فيني كذا , ليش قالوا لي كذا , ليش فعلوا بي كذا ]
هذا اخطر شيء على النفس , حديث النفس هذا خطير, لذلك ينبغي على
الإنسان إذا جلس مع نفسه أن يذكر الله عز وجل ويتأمل بمخلوقات الله سبحانه وتعالى
{ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}
فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق، فإنكم
إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب
ثم قال الله تعالى : { وَإِن تَلْوُوا أَوْ
تُعْرِضُوا }
ماهو الفرق بين : تلووا وتعرضوا ؟
تلووا ( اللي): هو التحريف , تحريف العبارة , تحريف الكلام وتعمد الكذب
أما الإعراض : هو كتمان الشهاده وتركها
قال الله : [ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ]
وقال النبي صل الله عليه وسلم :
(خير الشهداء الذي يأتي بشهادةٍ قبل أن يُسألها
)
ثم ختم الله سبحانه وتعالى الآية :
{ فَإِنَّ
اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
خبير مطلع عالم كل شيء سبحانه
جل وعلا
أخفيت ما أخفيت , أعلنت , مطلع على كل شيء , يسمع, حتى يعلم ما يدور في خاطرك
وما في قلبك
ثم قال تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا ( 136 ) .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ }
ماهي مشكلة الذي يلوي
الأحاديث ويعرض عن الأحاديث أو يلوي الشهادة ويعرض عنها
ماهي المشكله لديه ؟
المشكلة
إنه لم يؤمن بالله ورسوله
لذلك الله سبحانه وتعالى أعاد الخطاب للمؤمنين
جددوا إيمانكم , لابد أن نعرف المشكلة الخطيرة من أين
نحن لا ننظر
للسلوك , لأن كتمان الشهادة سلوك , نحن نراه سلوك , لكن يوجد تحته شيء
يا اخوة ماهو ؟
هذا الشيء سببه عدم وجود إيمان بالله ورسوله , لا يوجد أساس
لا يوجد قيمه لذلك هو عمد إلى هذا السلوك الخاطئ
{يا أيها الذين آمنوا }
الله
عز وجل انتقل من السلوك الخاطئ , ذهب يعالج القيمة
الداخلية في هذا الشخص , لأنه سوف يحل مشكلة الإعراض عن الشهادة
إذا التصرفات والسلوكيات
الخاطئة التي نراها, تحتها قيم تحركها , لذلك
لابد نشتغل على الأسس لابد نعمل على الأسس و على القيم
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا ( 137 ) .
من تكرر منه الكفر بعد
الايمان فاهتدى ثم ضل وأبصر ثم عمى وآمن ثم كفر واستمر على كفره وازداد منه فإنه
بعيد من التوفيق والهداية لأقوم الطريق , وبعيد عن المغفرة لكونه أتى بأعظم مانع
يمنعه من حصولها فإن كفره يكون عقوبة وطبعًا لا يزول عنه : {فَلَمَّا
زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}
ودلت الآية: أنهم إن لم يزدادوا كفرا
بل رجعوا إلى الإيمان، وتركوا ما هم عليه من الكفران ، فإن الله يغفر لهم سبحانه
حتى ولو تكررت
ثم يقول الله تعالى بعدها :
(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 138 ) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ( 139 )
{بشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا}
سخريه , استهزاء , ألم نفسي
البشارة تستعمل في
الخير عادة
وكذلك تستعمل في الشر - بقيد -
{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ}
أي:
الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، بأقبح بشارة وأسوئها، وهو العذاب الأليم،
وذلك بسبب محبتهم الكفار وموالاتهم ونصرتهم، وترك لموالاتهم للمؤمنين،
فأي شيء
حملهم على ذلك؟ أيبتغون عندهم العزة ؟
وهذا هو الواقع من أحوال المنافقين، سوء ظنهم
بالله , يظنون أن العزة عند الكفار , يظنون أن النصر عند الكفار, لا يحسنون الظن بالله
سبحانه وتعالى
وهذا هو الواقع من أحوال المنافقين ساء ظنهم
بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين
ولاحظوا بعض الأسباب التي عند
الكافرين وقصر نظرهم عما وراء ذلك فاتخذوا الكافرين أولياء يتعززون بهم ويستنصرون
بهم
والحال أن العزة لله جميعًا ، فإن نواصي العباد
بيده، ومشيئته نافذة فيهم , وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين، ولو تخلل ذلك
بعض الامتحان لعباده المؤمنين وذلك رفعة لهم وإذلال للعدو , حتى لو انتصر العدو انتصار
وقتي , لكن العاقبة والاستقرار للمؤمنين
ثم يقول الله تعالى :
( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ( 140 )
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي
الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ
بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ }
وقد بيَّن الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي
عند حضور مجالس الكفر والمعاصي
{أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ
يُكْفَرُ بها }
يعني يستهان بها، فالواجب أن يُعظم الله سبحانه وتعالى
كل مكلف في آيات الله , الإيمان بها
وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها،
وهو الذي خَلَق الله الخَلْق
لأجله، فضد الإيمان الكفر بها، وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها، ويدخل في ذلك
مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم.
وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم ، فإن
احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بآيات الله لأنها لا تدل إلا على حق، ولا
تستلزم إلا صدقا،
بل وكذلك يدخل في ذلك حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان
بها فيها بأوامر الله ونواهيه،
والآن يا اخوة عبر أجهزة التواصل , الاستهزاء
الكثير بالمؤمنين والصالحين وشرائع الله سبحانه وتعالى وهذه تدخل تحت هذه الاية لذلك
لا يجوز السكوت عن هذا أبداً بل لابد من إنكاره
{حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ}
حتى يتأدبوا هؤلاء المستهزئين
ويتراجعوا لكنكم إذا رضيتم وضحكتم معهم
{إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ.}
قعدتم معهم في حالهم فأنكم مثلهم
لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم،
والراضي بالمعصية كالفاعل لها
{إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ
وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}
لما اجتمعت الأهداف , لما اجتمعت الموالاة , خلاص
اجتمع بذلك المكان , يكون مكانهم ونصيبهم في الدنيا والاخرة واحد
نسأل الله عز وجل أن يعفو عنا وأن يغفر لنا يا حي
يا قيوم وأن يكفينا شر أنفسنا يا ذا الجلال والإكرام نسأله الثبات يا ذا الجلال
والإكرام
وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد
(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ
أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق