الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة المائدة من آية 14 إلى آية 17




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجه الخامس من سورة المائدة


يقولُ اللهُ تَعالَى:
(و مِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ( 14)

أي: وكما أخذْنا على اليهودِ، العهدَ والميثاقَ، فكذلك أخذْنا على

{ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ْ}:
لعيسَى ابنِ مريمَ،
وزكُّوا أنفسَهُم بالإيمانِ باللهِ ورسلِهِ، وما جاؤُوا بهِ،

- ألم تلاحظُوا أنَّ أغلبَ سورةِ المائدةِ تتحدَّثُ عن النًّصارَى!
حتّى أنَّها خُتِمَتْ بآياتِ النَّصارَى، آياتِ المسيحِ-
فنقضُوا العهدَ،

{ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ}:
نسيانًا علميًّا، ونسيانًا عمليًّا.

نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!

ودائمًا - أيُّها الإخوةُ - إذا طالَ البعدُ، فإنَّ الشَّرائعَ تبدأ تُنسَى،

فحتى لو ابتعدْنا زمانيًّا، عن مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، وعنْ صحابتِهِ وعن سلفِه،
- نسألُ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالَى، أنْ نرَاهُم في جنَّاتِ النَّعيمِ-
لكن علينا إعادةُ النَّظرِ، في مدَى قربِنا منَ اللهِ سبحانَهُ وتَعالَى،
وفي مدَى قربِنا منْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ.

العملُ في هذا الزَّمانِ أمرٌ صعبٌ، وليسٍ سهلًا أبدًا،
والرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، قالَ:
" طُوبَى للغُرباءِ"

نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ نكونَ منْهم، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!

نحنُ في زمنٍ، بدأ النَّاسُ فيه يبتعدُون عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ،
وقد صارَ بينَنا وبينَ الرَّسولِ، بعدٌ زمانيٌّ طويلٌ،
وهذا أمرٌ محزِنٌ ومؤلمٌ - ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ-

فأعيدُوا النَّظرَ في مدَى قربِكُم منْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، ومن الصَّحابةِ، ومن السَّلفِ الصَّالحِ.

الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ يقولُ:
" وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي"،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟،
قَالَ: " بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِنَّمَا إِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي،
العملُ منهم كعملِ خمسينَ منْكُم".

فالعملُ الذي تقومُ به، كأنه عملُ خمسينَ من الصَّحابةِ،
لأنَّ الصَّحابةَ كانوا يرَونَ الرَّسولَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، وهذا يثبِّتُهُم،
ولكنْ أنت، من ترَى؟
ترَى النَّاسَ يتساقطُون يومًا بعدَ يومٍ.

نسألُ اللهَ أنْ يعفوَ عنَّا، ويخلِّصَنا يا ذا الجلالِ والإكرامِ!

فالسَّلامةَ السَّلامةَ!

{فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ}:
هذه آيةٌ، هذه قاعدةٌ - أيها الإخوةُ-
فلا يهمَّك كثرةُ النَّاسِ، وما يفعلُون،
لا تقلْ: أهلِي يعملُون كذا، أقارِبي يعملُون كذا، أفرادُ قبيلَتي يعملُون كذا، مدينَتِي تفعلُ كذا، دولَتِي تفعلُ كذا، أصدقائِي يعملُون كذا،
لا يهمَّك!

{فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ}:

فالبعدُ الزَّمنيُّ له دورٌ، هل نحنُ مثل الصَّحابةِ، والسَّلفِ الصَّالحِ؟
القرآنُ نفسُ القرآنِ، والمنهجُ نفسُ المنهجِ، والكتابُ نفسُ الكتابِ، والسُّنةُ نفسُ السُّنةِ،

فلماذا يختلفُ الصَّحابةُ والسَّلفُ عنَّا، أيُّها الإخوةُ؟
{فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ}

{ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ْ}:
أي: سلَّطْنا بعضَهُم على بعضِ،
وصارَ بينَهُم من الشُّرورِ والمحنِ، ما يقتضِي بغضَ بعضِهِم بعضًا، ومعاداةَ بعضِهِم بعضًا، إلى يومِ القيامةِ،

وهذا هو الجزاءُ،

ألا تلاحظُ ذلكَ اليومَ؟! ألا تلاحظُ تسلُّطَ بعضِنا على بعضٍ؟!
لماذا؟

عودُوا إلى الآيةِ التي قبلَها:

{ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ْ}

إذن هذه ثمرةٌ، هذه نتيجةٌ، لأننا نسِينا حظًّا مما ذُكِّرنا بهِ،

وهذا أمرٌ مُشاهَدٌ، فإنَّ النَّصارَى لم يزالُوا، ولا يزالُون في بغضٍ وعداوةٍ وشقاقٍ.

نسألُ اللهَ العافيةَ، ونخشَى أن نكونَ منْهُم أيُّها الإخوةُ!

فهذا القرآنُ أُنزِلَ لك، ليربِّيَك ويعلِّمَك،
ويخبرَك عمّا كان منَ الأقوامِ السَّابقةِ، ولتأخذَ منْهُ العظةَ والعبرةَ،
هذا القرآنُ هُدَىً ورشادٌ لكَ.

فما وقعَ فيه النَّصارى، وقعْنا به - ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ!

{ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ْ}:
فيعاقبَهُم عليهِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) ( 15)

لمَّا ذكرَ تَعالَى ما أخذَهُ اللهُ على أهلِ الكتابِ، من اليهودِ والنَّصارَى،
وأنَّهُم نقضُوا ذلكَ، إلا قليلًا منْهُم،
أمرَهُم جميعًا أنْ يؤمنُوا بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ،
واحتجَّ عليهم بآيةٍ قاطعةٍ دالَّةٍ على صحَّةِ نبوَّتِهِ،
وهي: أنَّه بيَّنَ لهُم كثيرًا مما يُخْفُون عن النَّاسِ، حتى عن العوامِّ من أهلِ ملَّتِهِم،

فإذا كانوا همُ المشارُ إليهِم في العلمِ، ولا علمَ عندَ أحدٍ في ذلكَ الوقتِ إلا ما عندَهُم،
فالحريصُ على العلمِ لا سبيلَ له إلى إدراكِهِ إلا منْهُم،

فإتيانُ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ بهذا القرآنِ العظيمِ،
الذي بيَّنَ بهِ ما كانُوا يتكاتمُونَهُ بينَهُم،
وهو أُمِّيٌّ لا يقرأُ ولا يكتبُ-
من أدلِّ الدَّلائلِ على القطعِ برسالتِهِ،

وإلا ما أدراهُ أنَّ أهلَ الكتابِ يكتمُون الأخبارَ عن النَّاسِ؟!

وذلك مثلُ صفةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، في كتبِهِم،
ووجودِ البشائرِ به في كتبِهِم،
وبيانِ آيةِ الرَّجمِ ونحوِ ذلك.

{ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ْ}:
أي: يتركُ الرَّسولُ بيانَ ما لا تقتضِيهِ الحكمةُ،
- فهناك الكثيرُ مما سكتَ الرَّسولُ عنْهُ، ولم يبيّنْهُ، لأنَّهُ لم تقتضِي الحكمةُ ذلكَ-

{ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ ْ}:
وهو القرآنُ العظيمُ،
يُستضاءُ بهِ في ظلماتِ الجهالةِ، وعمايةِ الضَّلالةِ.

نسألُ اللهَ أنْ يكونَ خيرًا لنا، وحجَّةً لنَا يومَ القيامةِ، يا حيُّ يا قيُّوم!
وأن يكونَ قرَّةَ عينٍ لنَا، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
اللَّهُمَ اجعلِ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبنِا!

ادعُ دائمًا أنْ يجعلَ اللهُ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبِك، ونورَ صدرِك، وجلاءَ أحزانِك، وذهابَ همومِك وغمومِك، وقائدًا ودليلًا لك إلى جنّاتِ النَّعيمِ، يا حيُّ يا قيُّوم!

ليسَ هناك -أيُّها الإخوةُ - أعظمُ من الجلوسِ لمُدارسةِ كتابِ اللهِ - سبحانَه وتَعالَى .

وأنتم تسمعُون أو تقرؤُون هذا القرآنَ، في هذه الدَّقائقِ،
أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن تكونَ حُجَّةً لكُم يومَ القيامةِ،
اللَّهُمَ اجعلْه حجَّةً لنَا، يومَ أنْ نلقَاكَ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ! يا حيُّ يا قيُّوم!

فإنك وعدْتَنا على لسانِ نبيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ.
{ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ ْ}

اللهمَّ إنَّا ما جلسْنا هذهِ المجالسَ، إلا لنستضيءَ بالقرآنِ، فأعنَّا يا الله!

{ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ْ}:
كتابٌ واضحٌ مُبينٌ، لكلِّ ما يحتاجُ الخلقُ إليهِ من أمورِ دينِهِم ودُنياهُم،
منَ العلمِ باللهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، ومنَ العلمِ بأحكامِهِ الشَّرعيَّةِ، وأحكامِهِ الجزائيَّةِ.

ثمّ ذكرَ تَعالَى من الذي يهتدِي بهذا القرآنِ،
والسَّببَ الذي منَّ على العبدِ لحصولِ ذلكَ:


فقالَ اللهُ تَعالَى:
( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( 16)

{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ْ}:
أي: يهدِي بهِ منِ اجتهدَ وحرصَ على بلوغِ مرضاةِ اللهِ، وصارَ قصدُهُ حسنًا -سبلَ السَّلامِ،
التي تُسلمُ صاحبَها منْ عذابِ اللهِ تَعالَى، بإذنِه تَعالَى،
وتوصلُه إلى دارِ السَّلامِ، وهو العلمُ بالحقِّ، والعملُ به، إجمالًا وتفصيلًا.

أنتُم على خيرٍ عظيمٍ، ومباركةٍ عظيمةٍ، في مجالسِ تدبُّر القرآنِ -أيُّها الإخوةُ-

اللَّهُمَ اجعلْنِي أراكُم فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ.
الملتقَى في الجنَّةِ -أيُّها الأحبَّةُ!

{ وَيُخْرِجُهُم مِّن ْ}:
ظلماتِ الكفرِ والبدعةِ والمعصيةِ، والجهلِ والغفلةِ،
إلى نورِ الإيمانِ، والسُنَّةِ والطَّاعةِ والعلمِ، والذِّكرِ.

اسألُوا أنفسَكُم بعد هذهِ الدُّروسِ، ألم يخرجُكم الكتابُ من الظُّلماتِ إلى النُّورِ؟!

هذا ما يفعلُهُ القرآنُ - أيُّها الإخوةُ- يخرجُكم من الظُّلماتِ إلى النُّورِ، انظروا إلى وصفِهِ،

{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ْ}:
كلُّ هذهِ الهدايةِ، بإذنِ اللهِ عزًّ وجلًّ،
الذي ما شاءَ كانَ، وما لم يشأْ لم يكنْ.

فما الذي يهدِينا؟ الذي يهدِي هو كتابُ اللهِ - سُبحانَهُ وتَعالَى.

{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

أيُّها الإخوةُ! هذه المجالسُ التي تجلسُونَها، والسَّاعاتُ التي تقضونَها في تدبِّر القرآنِ،

البعضُ يقولُ: لا أستطيعُ أن أسمعَ عشرةَ دقائقَ، أو أقلّ!

أسألُ اللهَ أن لا يحرمْنا الثَّباتَ، يا حيُّ يا قيُّوم!
الثَّباتَ الثَّباتَ - أيُّها الإخوةُ-
اصبِروا أيُّها الأحبَّةُ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( 17)

لما ذَكرَ تَعالَى أخذَ الميثاقِ على أهلِ الكتابَيْنِ،
وأنَّهُم لم يقومُوا بهِ بل نقضُوهُ - نسألُ اللهَ العافيةَ والسَّلامةَ-

فذَكرَ قولَ النَّصارَى، القولَ الذي ما قالَهُ أحدٌ غيرُهُم، بأنَّ اللهَ هو المسيحُ ابنُ مريمَ،

ووجهُ شبهتِهِم أنَّهُ وُلدَ من غيرِ أبٍ، فاعتقدُوا فيهِ هذا الاعتقادَ الباطلَ،

مع أنَّ حواءَ نظيرَهُ، خُلِقَتْ بلا أمٍّ، وآدمُ أولَى منْهُ، خُلِقَ بلا أبٍ ولا أمٍّ،
فهلَّا ادَّعَوا فيهِما الإلوهيَّةَ، كما ادَّعَوها في المسيحِ؟

فدلَّ على أنَّ قولَهم اتِّباعُ هوىً، من غيرِ برهانٍ ولا شبهةٍ، وإنَّما أرادُوا الباطلَ.

ولا شكَّ أنَّ من لديهِ أمٌّ -فحتى عقلًا- أمرُه أسهلُ.

{ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
لا يعجزه شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ،

فردَّ اللهُ عليهِم بأدلَّةٍ عقليَّةٍ واضحةٍ، فقالَ:

{ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }
فإذا كانَ المذكورُونَ، لا امتناعَ عندَهُم يمنعُهُم، لو أرادَ اللهُ أنْ يهلكَهُم، ولا قدرةَ لهُم على ذلك -

دلَّ على بطلانِ ألوهيَّةِ من لا يمتنعُ من الإهلاكِ، ولا في قوَّتِهِ شيءٌ من الفَكَاكِ.

ومن الأدلَّةِ أيضًا، أنَّ:

{ لِلَّهِ }:
وحدَه سُبحانَهُ،

{ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }:
يتصرَّفُ فيهِم بحكمِهِ الكَونيِّ والشَّرعيِّ والجزائيِّ، وهم مملوكُون مدبَّرُون.

فهل يليقُ أن يكونَ المملوكُ العبدُ الفقيرُ، إلهًا معبُودًا غنيًّا من كلِّ وجهٍ؟
هذا من أعظمِ المحالِ!

ولا وجهَ لاستغرابِهم، لخلقِ المسيحِ عيسَى ابنِ مريمَ من غيرِ أبٍ،

فإنَّ اللهَ:
{ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ }:
إن شاءَ من أبٍ وأمٍّ، كسائرِ بني آدمَ،
وإن شاءَ من أبٍ بلا أمٍّ، كحواءَ،
وإنْ شاءَ من أمٍّ بلا أبٍ، كعيسَى،
وإنْ شاءَ من غيرِ أبِ ولا أمِّ، كآدمَ،

فنوَّعَ خليقتَه تَعالَى، بمشيئتِهِ النَّافذةِ، التي لا يستعصِي عليها شيءٌ،

ولهذا ختمَ بقولِه:
{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

- سُبحانَهُ جلَّ وعلَا!



سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.





ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق