بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجهُ
السَّادسُ من سورة المائدة
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ
يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن
يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) ( 18)
من مقالاتِ اليهودِ والنَّصارَى،
أنَّ كلًّا منْهُما ادَّعى دعوَى باطلةً، يزكُّون بها
أنفسَهُم، بأن قالَ كلُّ منهُما:
{ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }:
والابنُ في لغتِهِم هو الحبيبُ، ولم يريدُوا البُنوَّةَ
الحقيقيَّةَ،
فإنَّ هذا ليسَ من مذهبِهِم، إنَّما هو مذهبُ النَّصارَى
في المسيحِ.
قالَ اللهُ ردًّا عليهِم، حيث ادَّعُوا بلا برهانٍ:
{ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ }؟
فلو كنْتُم أحبابَهُ ما عذَّبَكم، لكونِ اللهِ لا يعذِّبُ
من قامَ بمراضِيهِ.
{ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ }:
تجري عليكُم أحكامُ العدلِ والفضلِ.
{ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ }:
إذا أتَوا بأسبابِ المغفرةِ، أو أسبابِ العذابِ، فأنتُم
بشرٌ ممَّا خلقَ.
{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }:
أي: فأيُّ شيءٍ خصَّكُم بهذهِ الفضيلةِ،
وأنتم من جملةِ المماليكِ، ومن جملةِ من يرجعُ إلى اللهِ
عزَّ وجلَّ، في الدَّارِ الآخرةِ،
فيجازيَكُم بأعمالِكُم.
وهذا طبعًا ردًّا على اليهودِ، الذين قالُوا:
{ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }:
أي: نحن منتسِبُونَ إلى أنبيائِهِ،
وهم أبناؤُهُ، وله بهمْ عنايةٌ، وهو يحبُّنا، - هم يقولُون
هذا-
ونقلوا عن كتابِهِم أنَّ اللهَ تَعالَى، قالَ لعبدِهِ
اسرائيلَ: أنتَ ابنِي بِكْرِي.
فحملُوا هذا على غيرِ تأويلِهِ، وحرّفوهُ.
وقد ردَّ عليهم غيرُ واحدٍ،
ممَّنْ أسلمَ من عقلائِهِم،
وقالُوا: هذا يُطلقُ عندَهُم،
على التَّشريفِ والإكرامِ.
كما نقلَ النَّصارَى عن كتابِهِم،
أنَّ عيسى قالَ لهُم: إنِّي
ذاهبٌ إلى أبِي وأبِيكُم،
يعني: ربِّي وربِّكم.
ومعلومٌ أنَّهم لم يدَّعوا لأنفسِهِم
من البُنوَّةِ ما ادَّعَوها في عيسَى عليهِ السَّلامُ،
وإنَّما أرادُوا بذلكَ معزَّتَهُم
لديهِ، وحظوتَهُم عندَهُ، ولهذا قالُوا:
{ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }.
قالَ اللهُ تَعالَى رادًّا عليهِم:
{ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ } :
أي: لو كنتُم كما تدَّعون أبناءَهُ وأحبَّاءَهُ،
فلمَ أعدَّ لكُم نارَ جهنَّمَ، على كفرِكُم وكذبِكُم
وافترائِكُم؟
{ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ }:
أي: لكمْ أسوةُ أمثالِكم، من بني آدمَ،
وهو سُبحانَهُ- هو الحاكمُ في جميعِ عبادِهِ.
{ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ }:
أي: هو فعَّالٌ لما يريدُ، لا معقِّبَ لحكمِهِ، وهو
سريعُ الحسابِ.
{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا }:
أي: الجميعُ ملكُهُ، وتحتَ قهرِهِ وسلطانِهِ.
{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }:
أي: المرجعُ والمآبُ إليهِ،
فيحكمُ في عبادِهِ بما يشاءُ، وهو العادلُ الذي لا يجورُ
- سُبحانَهُ !
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن
تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ۖ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ
وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( 19)
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } :
يقولُ تَعالَى مخاطبًا أهلَ الكتابِ، من اليهودِ والنَّصارَى:
أنَّهُ قد أرسلَ إليهِم رسولَهُ مُحمَّدًا خاتمَ النَّبيِّينَ،
الذي لا نبيَّ بعدَهُ، ولا رسولَ، بل هو المعقِّبُ لجميعِهِم;
ولهذا قالَ:
{ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ } :
أي: بعد مدَّةٍ متطاولةٍ، ما بين إرسالِهِ، وعيسَى ابنِ
مريمَ -عليهِ السَّلامُ.
وقد اختلفُوا في مقدارِ هذه الفترةِ، كم هيَ؟
أحدُهُم قالَ: خمسمِائةٌ وستُّونَ سنةً،
وأحدُهُم قالَ: خمسمِائةٌ وأربعُونَ سنةً،
وقيلَ ستمِائةٌ وعشرُونَ سنةً،
وقيلَ: ستمِائةُ سنةٍ شمسيَّةٍ،
وغيرِ ذلكَ من الأقوالِ.
{ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ }:
وشدَّةُ حاجةٍ إليهِ.
وهذا ممَّا يدعُو إلى الإيمانِ بهِ،
وأنَّهُ يبيِّنُ لهُم جميعَ المطالبِ الإلهيَّةِ،
والأحكامِ الشَّرعيَّةِ.
{ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ
جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ }:
يبشِّرُ بالثَّوابِ العاجلِ والآجلِ، وبالأعمالِ
الموجبةِ لذلك، وصفةِ العامِلِينَ بها،
وينذرُ بالعقابِ العاجلِ والآجلِ، وبالأعمالِ الموجبةِ
لذلك، وصفةِ العاملينَ بها.
{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }:
انقادَتِ الأشياءُ طوعًا وإذعانًا لقدرتِهِ، فلا يستعصِي
عليهِ شيءٌ منْها،
ومن قدرتِهِ، أنْ أرسلَ الرُّسلَ، وأنزلَ الكتبَ،
وأنَّهُ يثيبُ منْ أطاعَهُم، ويعاقبُ منْ عصَاهُم.
يقولُ في الحديثِ:
"وإنَّ اللهَ نظرَ إلى أهلِ الأرضِ فمقتَهم، عربَهُم
وعجَمَهُم، إلّا بقايَا من بنِي إسرائيلَ."
وكان الدِّينُ قد التبسَ على أهلِ الأرضِ كلِّهِم،
حتى بعثَ اللهُ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ،
فهدَى الخلائقَ،
وأخرجَهُم اللهُ بهِ من الظُّلماتِ إلى النُّورِ، وتركَهُم
على المحجَّةِ البيضاءِ، والشَّريعةِ الغرَّاءِ;
ولهذا قالَ تَعالَى:
{ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا
نَذِيرٍ }:
أي: لئلَّا تحتجُّوا وتقولُوا: - يا أيُّها الذين بدَّلوا
دينَهُم وغيرَّوهُ -
ما جاءَنا من رسولٍ، يبشِّرُ بالخيرِ وينذرُ من الشَّرِّ،
فقد جاءَكم بشيرٌ ونذيرٌ، - يعني مُحمَّدًا صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ.
{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }:
أي قادرٌ على عقابِ من عصَاني، وثوابِ من أطاعَني - سُبحانَهُ
جلَّ وعَلا .
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ
يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ
وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ) (
20)
اللهُ عزَّ وجلَّ يمتنُّ على بنِي اسرائيلَ، بما أنعمَ
عليهِم من نعمٍ عظيمةٍ،
فأخبرَ عن عبدِهِ ورسولِهِ وكليمِهِ، موسَى بنِ عمرانَ،
عليهِ السَّلامُ، فيما ذكَّرَ بهِ قومَهُ نعمَ اللهِ عليهِم وآلاءَهُ لديهِم ، في
جمعِهِ لهُم خيرَ الدُّنيا والآخرةِ لو استقامُوا على طريقتِهِم المستقيمةِ،
فقالَ تَعالَى:
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ }:
أي: كلَّما هلكَ نبيٌّ قامَ فيكُم نبيٌّ، من لدنِ أبيكُم
إبراهيمَ عليهِ السَّلام ُوإلى منْ بعده.
وكذلك كانوا، لا يزالُ فيهِم الأنبياءُ يدعُون إلى اللهِ
- عزَّ وجلَّ- ويحذِّرُون نقمتَهُ،
حتى ختمُوا بعيسَى ابنِ مريمَ عليهِ السَّلامُ،
ثمَّ أوحَى اللُه - عزَّ وجلَّ
- إلى خاتمِ الرُّسلِ والأنبياءِ على الإطلاقِ
مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، بنِ عبدِ اللهِ
المنسوبِ إلى إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ،
وهو أشرفُ منْ كلِّ منْ تقدَّمَهُ منْهُم صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ.
وقولُهُ:
{ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا }:
أي له: الخادمُ والمرأةُ والبيتُ.
{ وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ
الْعَالَمِينَ }:
قالَ: الذين هُم بينَ ظَهرانِيهِم يومئذٍ.
وقد وردَ في حديثِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
" من أصبحَ منكُم معافىً
في جسدِهِ، آمِنًا في سربِهِ، عندَهُ قوتُ يومِهِ، فكأنَّما حُيِّزَتْ له الدُّنيا
بحذافيرِها".
أينَ الذينَ يتسخَّطون، ويرَون أنَّهُم أقلُّ من غيرهِم؟
اشكرِ اللهَ عزَّ وجلَّ على هذه ِالنِّعمةِ التي تتقلَّبُ
بها.
وقولُهُ:
{ وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ
الْعَالَمِينَ }:
يعني أعطاكُم مكانةً في زمانِكم،
فكنتُم أشرفَ النَّاسِ في
زمانِكُم، من اليونانِ والقبطِ، وسائرِ أصنافِ بني آدمَ.
والمقصودُ هنا: أنَّهم كانوا
أفضلَ أهلِ زمانِهِم،
وإلَّا فهذهِ الأمَّةُ أشرفُ
منْهُم، وأفضلُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ،
وأكملُ شريعةً، وأقومُ منهاجًا،
وأكرمُ نبيًّا،
وأعظمُ ملكًا، وأغزرُ أرزاقًا،
وأكثرُ أموالًا وأولادًا، وأوسعُ مملكةً، وأدومُ عزًّا.
قالَ:
{ كَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ }
و الأحاديثُ متواترةٌ في فضلِ
هذهِ الأمَّةِ وشرفِها وكرمِها عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي قولِهِ:
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ
أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) ( 21)
{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ }:
أي: المُطَهَّرةَ
{ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ }:
فأخبرَهُم تَعالَى خبرًا تطمئنُّ به أنفسُهُم، إنْ كانُوا
مُؤمنينَ مُصدِّقِين بخبرِ اللهِ،
وأنَّهُ قد كتبَ اللهُ لهم دخولَها، وانتصارَهُم على
عدوِّهِم.
{ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ }:
أي: لا ترجِعُوا،
{ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ }:
فتخسَروا دينَكُم ودُنياكُم،
تخسرُوا دُنياكُم بما فاتَكُم من النَّصرِ على الأعداءِ،
وفتحِ بلادِكُم،
وآخرتَكُم بما فاتَكُم من الثَّوابِ، وما استحققْتُم
-بمعصيتِكُم- من العقابِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ
فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا
فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ) ( 22)
فقالُوا قولًا يدلُّ على ضعفِ قلوبِهِم، وخَوَرِ نفوسِهِم،
وعدمِ اهتمامِهِم بأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ورسولِهِ.
{ يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ }:
شديدِي القوَّةِ والشَّجاعةِ، فهذا من الموانعِ لنا من
دخولِها،
أي: لا نستطيعُ دخولَ بيتِ المقدسِ، لأنَّ فيها قومًا
جبَّارِين.
{ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا
فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }:
وهذا من الجُبنِ، وقلَّةِ اليقينِ،
وإلا فلو كانَ معهُم رشدُهُم، ووعيُهُم، لعلموا أنَّهُم
كلُّهُم من بنِي آدمَ،
وأنَّ القويَّ من أعانَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بقوَّةٍ من
عندِهِ.
{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ }
فإنَّهُ لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ!
ولَعلِموا أنَّهم سيُنصَرون عليهِم، إذ وعدَهُم اللهُ
بذلكَ، وعدًا خاصًّا.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ
يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا
دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ ) ( 23)
{ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ }:
اللهَ تَعالَى،
مُشجِّعينَ لقومِهِم، مُنهِضِين لهُم، على قتالِ عدوِّهِم،
واحتلالِ بلادِهِم.
{ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا }:
بالتَّوفيقِ، وكلمةِ الحقِّ، في هذا الموطنِ المحتاجِ
إلى مثلِ كلامِهِم،
وأنعمَ عليهِما بالصَّبر ِواليقينِ.
فمنْ يُوفَّقُ لقولِ كلمةِ الحقِّ، فقدْ أنعمَ اللهُ عزَّ
وجلَّ عليهِ.
منْ يُوفَّقُ إلى القيامِ بعملٍ صالحٍ، فقدْ أنعمَ
اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى عليهِ.
بدليلِ قولِهِ تَعالَى:
{ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمَا }:
أي وفَّقَهُما اللهُ عزَّ وجلَّ.
يعني: عندما نقولُ أيَّةَ كلمةِ حقٍّ، فهي إلهامٌ وفتحٌ
من اللهِ - سُبحانَهُ وتَعالَى لنا،
وهي نعمةٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ، يجب شكرُها.
وكذلكَ:
{ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا }:
بالصَّبر ِواليقينِ.
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ
فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ }:
أي: ليسَ بينَكُم، وبين نصرِكُم عليهِم إلا أن تجزِمُوا
عليهِم،
أي كونوا واثِقِين، توكَّلوا على اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى،
وهذهِ قاعدةٌ قرآنيَّةٌ:
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ
فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ }
أي توكَّلْ واجزِمْ،
فإذا كانَ لديك أيُّ مشكلةٍ عويصةٍ، وتريدُ حلَّها،
فاستعنْ بالله سُبحانَهُ وتَعالَى، وتوكَّلْ عليهِ، وابدأْ.
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ }:
أيُّها الإخوةُ! لو كنَّا نستعينُ بقوَّتِنا، لما عملْنا
شيئًا، فنحنُ لا حولَ ولا قوةَ لنا،
كلُّ شيءٍ بأمرِ اللهِ - سُبحانَهُ وتَعالَى.
والله عزَّ وجلَّ يقول لمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ:
{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ
رَمَىٰ }
اللهُ عزَّ وجلَّ إذا وفَّقَ العبدَ، فتحَ له - سُبحانَهُ!
فالأمرُ بيدِهِ، فإنَّهُ لا حولَ ولا قوةَ لنا، إلا بكَ
يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
اللَّهُمَ إنَّا نبرأُ إليكَ من حولِنا وقوَّتِنا!
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ }:
هذهِ قاعدةٌ قرآنيَّةٌ: فاستعِنْ باللهِ، ولا تقلْ:
أنا ضعيفٌ، ولا أستطيعُ.
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ }:
هذه القاعدةُ، يقولُها اللهُ لبنِي اسرائيلَ، لمَّا
رأَوا قومًا جبَّارِين عظماءَ، أجسامُهم عظيمةٌ.
{ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ
فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا
فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }
{ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ
يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا }:
وفَّقَهما اللهُ سُبحانَهُ، وفتحَ
لهُما،
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ }:
هذه قاعدةٌ ربانيَّةٌ من اللهِ سُبحانَهُ
وتَعالَى في كتابِهِ،
قاعدةٌ قرآنيَّةٌ،
فتوكَّلْ على اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى،
فإن الفتحَ والتَّأييدَ والنَّصرَ منهُ - جلَّ وعَلا - وحدَهُ.
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ
فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ }:
وعدٌ من الله سُبحانَهُ وتَعالَى، ليسَ بينَكُم، وبينَ
نصرِكُم عليهِم إلا أنْ تجزِمُوا عليهِم، وتدخلُوا عليهِم البابَ،
فإذا دخلتُمُوهُ عليهِم فإنَّهُم سينهزمُون،
ثمَّ أمَرَهم بعدَّةٍ هي أقوَى العُددِ،
فقالَا:
{ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم
مُّؤْمِنِينَ }:
هذه هي العُدَّةُ،
لا تقلْ: أنا ضعيفٌ، ولا أستطيعُ، وليسَ لديَّ أحدٌ، أو
أهلٌ.
يقولُ تَعالَى:
{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ
فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
}
فخذْ هذهِ العُدَّةِ، كما أمرَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى،
بني اسرائيلَ أن يأخذُوها،
فإنَّ في التوكُّلِ على اللهِ عزَّ وجلَّ -وخصوصًا في
هذا الموطنِ- تيسيرٌ للأمرِ، ونصرٌ على الأعداءِ.
ودلَّ هذا على وجوبِ التوكُّلِ على الله عزَّ وجلَّ،
وعلى أنَّهُ بحسبِ إيمانِ العبدِ، يكونُ توكُّلُهُ،
نسألُ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالَى أن يمنَّ علينا بكرمِهِ
وفضلِهِ وجودِهِ!
ولا ننسَى الأخذَ بالآيةِ الأخيرةِ، فهي قاعدةٌ ربانيَّةٌ
لحلِّ أيِّ مشكلةٍ أو أزمةٍ.
{ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ }:
هذا وعدٌ من اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى،
فاستعنْ باللهِ وتوكلْ، وأنتَ الغالبُ، ما دامَ الحقُّ
معك - قاعدةٌ -
سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ،
أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ
تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا مُحمَّد وعلى
آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق