الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 155 إلى آية 162

 
 
 
 
 
الوجه السابع والعشرون من سورة النساء
 
 
 
يقول الله تعالى:
(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ( 155 ) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ( 156 ) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157 ) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 158 ) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ( 159 ) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ( 160 ) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 161 ) .
 
 
 
 

 {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ }

بعد أن ذكر الله عز وجل في الوجه السابق صفات بني إسرائيل وأفعالهم بعد أن طلبوا رؤية الله سبحانه وتعالى جهرة ،
 
 
ثم لما رفع الله عز وجل فوقهم الطور :
 (وقلنا لهم لاتعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا)
فعلوا أعمالا شنيعة!
 
 
ماذا فعلوا؟
بعد كل هذا نقضوا العهود -ولاحول ولاقوة الا بالله-
 
 
أخذوا الميثاق الغليظ عليه فنبذوه وراء ظهورهم، وكفروا بآيات الله، وقتلوا رسله بغير حق،
 
 
وكذلك من قولهم أنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه،
والحال أنهم ماقتلوه وماصلبوه بل شبه لهم غيره , فقتلوا غيره وصلبوه،
 
 
وادعائهم والعياذ بالله أن قلوبهم غلف -لاتفقه ماتقول لهم ولاتفهم- وهذا من مقولاتهم ،
 
 
 
 ( وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِم)
لماذا طبع الله عز وجل عليها بكفرهم؟
إذن سبب المعاصي التي نقترفها هو بعدنا عن الله سبحانه وتعالى،
والبعض الاحيان تكون عقوبة من الله سبحانه وتعالى،
 
 
لأن الله في بني إسرائيل ماذا يقول؟
يقول: ( بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا )
 
لماذا طبع الله عليها؟
 ( بِكُفْرِهِمْ )
 
 ( فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا)
 
ففي بعض الأحيان الذنب وراء الذنب عقوبة من الله عز وجل .
نسأل الله عز وجل أن يعفو عنا وأن يغفرلنا-ياذا الجلال والإكرام-
 
 
ومن أعظم شناعة أفعالهم :
(وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا)
 أنهم يصدون الناس عن الحق ويدعوهم إلى الضلال والغي ،
 
 
 
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْه)
 وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله عز وجل لهم النهي التشديد فيه،
 
فالذي فعل هذه الأفاعيل كلها لايستنكر عليهم أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء،
 
 
وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل،
وهو أنه إذا صدر منه اعتراض باطل ماجعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حالته الخبيثة وأفعاله الشنيعة ماهو من أقبح ما صدر منه.
 
 
إذا أظهر أحدهم شبهة له حتى يضل الناس فلابد أن يبَين حالته الخبيثة وأفعاله الشنيعة حتى يظهر للناس ماهو من أقبح ماصدر منه ليعلم كل أحد أن هذا الإعتراض من ذلك الواد الخسيس الذي في قلبه فقد امتلأ قلبه حنقا وغضبا وكرها للإسلام والمسلمين
فلابد أن يبين ماهو عليه للناس وأن له مقدمات يجعل هذا معها،
 
 
فأي أحد يعترض على قضاء الله سبحانه وتعالى أو قدره أو أي أحد يعترض على أحكام الدين والشريعة،
 
 
-ومنها الليبراليين- إذا اعترضوا لابد أن يبين شناعتهم من قبل ولابد أن يظهر تصرفاتهم من قبل حتى يتبين للناس فلا يخلطون الحق بالباطل.
 
 
 
وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأي استهزاء أو سخرية بالدين وبشرائعه، لابد أن يبين للناس أعمالهم الشنيعة من قبل، حتى العامة لاتأخذ بكلامهم.
 
 
 
وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله، أو ماهو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به، ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم.
 
 
بما أنهم اعترضوا على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم،
أساسا كانوا معترضين على نبوة من كان قبله موسى عليه السلام،
فبذلك ينتهي شرهم وينقمع الباطل حتى لايشككون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
 
 
وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وماهو أقوى منها دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
 
 
من يؤمن بموسى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه ذكر في التوراة، ذكر في كتبهم، أو يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض !
 
 
 
إذا كانوا يؤمنون بالكتاب كله -كتاب التوراة- فإن محمد صلى الله عليه وسلم قد ذكر في كتبهم.
 
 
ولما كان المراد من تعديد ماعدد الله من قبائحهم،
لماذا عدد الله القبائح التي فعلوها والشنائع التي ذكروها؟
 
لم يبسطها الله في هذا الموضع بل أشار إليها إشارة،
لم يبسطها بسطا بمعنى لم يذكرها ذكرا كاملا وإنما أشار إليها إشارة، وأحال على مواضعها، وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها،
 
 
إشارات فقط :
(فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ )
(وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّه)
(ِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَق)
(ٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ )
 
عدد الله سبحانه وتعالى مافعلوه من اعتراضات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك على نبوة موسى من قبل.
 
هم الآن يظنون أن محمد صلى الله عليه وسلم لايعلم من قبل،
ويشنون عليه،وكأنهم آمنوا بموسى عليه السلام، والله عز وجل فضحهم، بأنهم كانوا يفعلون بموسى كما فعلوا بك يا محمد،
 
 
وهذا يدل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم،
وإلا كيف عرف صلى الله عليه وسلم ماذا فُعل بموسى؟
إلا أنه وحي من الله ينزل عليه من السماء.
 
 
 
{وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه}
احتمل الضمير هنا (قبل موته) يعود لأهل الكتاب،
 
فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام، فإذا رأى الموت يؤمن بعيسى ولكنه إيمان لاينفع،
 
 
وهو مايسمى بالإيمان الإضطراري، فيكون مضمون هذا التهديد والوعيد لهم، وأن لايستمروا على هذا الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم .
 
 
 
ويحتمل أن الضمير في قوله : ( قبل موته)
 راجع إلى عيسى عليه السلام،
 
فيكون المعنى وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح،
وذلك عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار،
 
 
حينما تقترب الساعة وتظهر علاماتها الكبار فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه اﻷمة،
يقتل الدجال، ويضع الجزية،
 
سينزل عيسى عليه السلام في آخر هذه اﻷمة ويؤمن به من أهل الكتاب مع المؤمنين، ويوم القيامة يكون عيسى عليه السلام شهيدا عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا ،
 
 
وحين إذ لايشهد ببطلان كل ماهم عليه مما هو مخالف لشريعة القرآن، ولما دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم.
 
 
 
وعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم بذلك عدالة المسيح، وصدقه، وأنه لايشهد إلا بالحق، وأن ماجاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، وماعداه فهو ضلال وباطل.
 
 
وأي أحد يأتي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ويدعي نبوة فهو ضلال وباطل، وأي كلام يتكلم به على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو ضلال وباطل.
 
 
 
ثم أخبر الله تعالى أنه حرم على أهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم، وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم، واعتدائهم، وصدهم الناس عن سبيل الله، ومنعهم إياهم عن الهدى.
 
 
كذلك يأخذون الربا وقد نهوا عنه، فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل، فعاقبهم الله من جنس فعلهم فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها لكونها طيبة،
 
 
وأما التحريم الذي على هذه اﻷمة فإنه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث،
 
 
كل المحرمات التي حرمت علينا ليست من الطيبات،
إنما هي من الخبائث،
 
 
لكن بني إسرائيل حرم عليهم كثير من الطيبات لأنهم والعياذ بالله لم يكتفوا إلا بالحرام، فمنعهم الله عز وجل من الطيبات.
 
 
 
أما التحريم الذي على هذه الأمة فإنه تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم، لايوجد عندنا ماهو محرم في شريعتنا إلا وهو من الخبائث التي تضرنا في ديننا ودنيانا،
فهذا حرمه الله سبحانه وتعالى، أما غيرها فحلال
 
 
-فالأصل في الأمور الحل-
الأصل في الأكل الحل،
الأصل في جميع أمورنا الحل إلا مانزل دليلا يحرم ذلك .
 
 
 
لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ( 162 ) .
 
لما ذكر معايب أهل الكتاب ذكر الممدوحين منهم،
والله عز وجل سبحانه جل وعلا عادل لايذكر هؤلاء إلا ويذكر هؤلاء،
 
 
لكن الراسخون في العلم الذين ثبت العلم في قلوبهم،
ورسخ الإيقان في أفئدتهم-اللهم اجعلنا منهم ياذا الجلال والإكرام-
 
 
فأثمر لهم اﻹيمان التام العام بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك،
وأثمر لهم اﻷعمال الصالحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللذين هما أفضل الأعمال،
 
 
وقد اشتملتا على الإخلاص للمعبود، والإحسان إلى العبيد،
و هما يدوران عليها عباداتنا جميعها في هذين العملين،
 
 
اﻷول : اﻹخلاص للمعبود، وهي الصلاة
والثاني : اﻹحسان إلى العبيد وهي تحت إيتاء الزكاة .
 
 
 
فلنأخذها قاعدة :
أي عمل يكون فيه إخلاص للمعبود لله عزوجل فإنه على عمل صالح، وأي عمل فيه إحسان للعبيد فهو يدخل تحت إيتاء الزكاة،
وهو على خير عظيم، وأي عمل يخالف اﻹخلاص واﻹحسان فلا يكون صحيحا.
 
 
(وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
آمنوا باليوم الآخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد من الله عز وجل .
 
 
(أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا)
ﻷنهم جمعوا بين العلم واﻹيمان والعمل الصالح واﻹيمان بالكتب والرسل السابقة واللاحقة .
 
 
 
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصلّ الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق