الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 171 إلى آية 175

 
 
 
 
 
الوجه التاسع والعشرون من سورة النساء
 
 
 
 يقول الله تعالى :
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ َلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)(171)
 



  { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ }
 
طبعا بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى ختام الوجه السابق
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ }
 
وضح الله عزوجل في هذه الأيه طريقين أن تؤمنوا خيرا لكم وأن تكفروا فأن الله عزوجل غني عنكم
 
{ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } 
عليما بمن يستحق حكيما في وضع الهداية في موضعها
 
 ثم قال : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ }
 صحيح أهل الخير هم على حق ولكن لاتغلو ديننا ليس فيه غلو وإنما دين الوسط
 
فالأيه لاشك أنها في بني اسرائيل  في أهل الكتاب من بني إسرائيل النصارى إلا أنها تخاطبنا نحن
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ } هذه قاعدة من قواعد القران لاغلو في الدين .
 
 
 
{ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ }
 ينهى الله أهل الكتاب من الغلو في الدين وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع إلى ماليس بمشروع .
 
 فالغلو في ديننا ممنوع وأن نأتي بشىء ليس في ديننا هذا ممنوع والزيادة في الدين هذا ممنوع
 
وذلك كقول النصارى في غلوهم بعيسى عليه السلام ورفعه عن مقام النبوة والرسالة إلى مقام الربوبية الذي لا يليق بغير الله
 
ويوجد من من يرفع الرسول صلى الله وعليه وسلم إلى مقام الربوبيه وهذا ممنوع وليس في ديننا
 
 فالذين رفعوا عيسى عليه السلام إلى مقام الربوبيه نهاهم الله عزوجل كما ينهى الذين يرفعون محمد صلى الله عليه وسلم إلى مقام الربوبية
 
ورفعه عن مقام النبوة والرسالة إلى مقام الربوبية الذي لايليق بغير الله عزوجل
 
 لايوجد من ياخذ الربوبية غيره جل وعلا سبحانه فكما أن التقصير والتفريق منهيات فكذلك الغلو كذلك . 
 
 
 { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } 
 وهذا الكلام, يتضمن ثلاثة أشياء: 
أمرين منهي عنهما : وهما قول الكذب على الله
والثاني : القول بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ورسله،
والثالث مأموربه وهو: قول الحق في هذه الأمور
 
ولما كانت هذه قاعدة عامة كلية كان في السياق في شأن عيسى عليه السلام نصّا على قول الحق فيه المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية 
{ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ }
غاية المسيح عليه السلام ومنتهى ما يصل إليه من مراتب الكمال أعلى حالة تكون للمخلوقين وهي درجة الرسالة
 
لايستطيعون أن يكونون في منزلة أعلى من هذه وهي درجة الرسالة التي هي أعلى الدرجات وأجل المثوبات عند الله عز وجل  فأرفع منزلة عند المخلوقين هي درجة الرساله . 
 
 
وأنه{ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ }
أي: كلمة تكلم الله بها فكان بها عيسى ولم يكن تلك الكلمة وإنما كان بها
 
وهذا من باب إضافة التشريف والتكريم ، أضاف الله عزوجل إليه إضافة تشريف وتكريم :
 
{ وَرُوحٌ مِنْهُ } 
 من الأرواح التي خلقها وكملها بالصفات الفاضلة والأخلاق الكاملة ،
 
 أرسل الله روحه جبريل عليه السلام فنفخ في فرج مريم عليها السلام فحملت بإذن الله بعيسى عليه السلام ،
 
فلما بيّن حقيقة عيسى عليه السلام أمر أهل الكتاب بالإيمان به وبرسله ونهاهم أن يجعلوا لله ثالث ثلاثة أحدهم عيسى والثاني مريم فهذه مقالة النصارى قبحهم الله ،
 
فأمرهم أن ينتهوا وأخبر أن ذلك خير لهم لأنه الذي يتعين أنه سبيل النجاة وما سواه فهو طريق الهلاك ،
 
 
 ثم نزّه نفسه عن الشريك والولد فقال : { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ } 
منفرد بالألوهية الذي لا تنبغي العبادة إلا له
 
{ سُبْحَانَهُ }
 أي: تنزه وتقدس
 
{ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ }
لأن:
 { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }
فالكل مملوكون له مفتقرون إليه فمحال أن يكون له شريك منهم أو ولد،
 
 ولما أخبر أنه المالك للعالم العلوي والسفلي أخبر أنه قائم بمصالحهم الدنيوية والأخروية وحافظها هو سبحانه جل وعلا ،
 
 من الذي يحفظ السموات والأرض وما فيها إلا هو سبحانه جل وعلا
 



(لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا)( 172)
 
{ لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ }
لما ذكر تعالى غلو النصارى في عيسى عليه السلام وذكر أنه عبده ورسوله ذكر هنا أنه لن يستنكف عن عبادة ربه لن يمتنع عيسى عليه السلام  رغبة عنها لا هو
{ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ }
 
 فنزههم عن الاستنكاف وتنزيههم عن الاستكبار من باب أولى ،الله عزوجل نزههم عن الاستنكاف وهو أقل من الإستكبار فالإستكبار من باب أولى
 
 وتنزيههم عن الاستكبار من باب أولى ونفي الشيء فيه إثبات ضده، فعيسى والملائكة المقربون قد رغبوا في عبادة ربهم وأحبوها وسعوا فيها بما يليق بأحوالهم
 
 فأوجب لهم ذلك الشرف العظيم والفوز العظيم فلم يستنكفوا أن يكونوا عبيدا لربوبيته ولالإلوهيته بل يرون افتقارهم لذلك فوق كل افتقار
 
 هذا عيسى عليه السلام والملائكة المقربون
 
ولا يظن أن رفع عيسى أو غيره من الخلق فوق مرتبته التي أنزله الله فيها وترفعه عن العبادة كمالا بل هو النقص بعينه وهو محل الذم والعقاب
 
 ولهذا قال:
 { وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا }
  فسيحشر الخلق كلهم إليه المستنكفين والمستكبرين وعباده المؤمنين فيحكم الله عز وجل  بينهم بحكمه وعدله  وجزائه سبحانه . 



(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا)(173)
 
ثم فصل حكمه فيهم فقال :
 { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }
  جمعوا بين الإيمان المأمور به وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات في حقوق الله وحقوق عباده ماذا تفعل بهم يا رب ؟
 
 { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ }
الأجور التي رتبها على الأعمال كُلٌّ بحسب إيمانه وعمله لن يضيع عند الله شيء , أي عمل قدمته لله عزوجل لن يضيع
 
{ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } 
 يزيدكم من فضله سبحانه  
 
يزيد من ماذا ؟
يزيدمن الثواب الذي لم تنله أعمالهم ولم تصل إليه أفعالهم ولم يخطر على قلوبهم ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب والمناكح والمناظر والسرور ونعيم القلب والروح ونعيم البدن بل يدخل في ذلك كل خير الدنيا والآخره كل ذلك رتب على الإيمان والعمل الصالح.
 
 
 
{ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا }
 عن عبادة الله تعالى
 
{ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }
وهو سخط الله وغضبه
 
وهؤلاء العكس الفريق الثاني فيعذبهم عذابا أليما وهو سخط الله وغضبه والنار الموقدة التي تطلع على الأفئدة. 
 
 
{ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا }
لا يجدون أحدا من الخلق يتولاهم فيحصل لهم المطلوب ولا من ينصرهم فيدفع عنهم المرهوب بل قد تخلى عنهم أرحم الراحمين وتركهم في عذابهم خالدين وما حكم به تعالى فلا رادّ لحكمه ولا مغيّر لقضائه .



ثم قال تعالى:
 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)(174)
 
يمتن الله تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة ويقيم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجة
 
 فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ }
 حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه وتبين ضده وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية والآيات الأفقية والنفسية
 
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} 
 
 
في قوله : { مِنْ رَبِّكُمْ }
 ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر أن أوصل إليكم البينات ليهديكم  بها إلى الصراط المستقيم والوصول إلى جنات النعيم.
 
{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا }
وهو هذا القرآن العظيم وصفه الله عزوجل بالنور المبين الواضح الجلي الذي قد أشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة والأمر بكل عدل وإحسان وخير والنهي عن كل ظلم وشر فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره .
 
 



(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)(175)
 
ولكن أنقسم الناس بحسب الإيمان بالقرآن والانتفاع به الى قسمين : 
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ }
 أي: إعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل وتنزيهه من كل نقص وعيب. 
 
{ وَاعْتَصَمُوا بِهِ } 
 لجأوا إلى  الله واعتمدوا عليه وتبرؤوا من حولهم وقوتهم وأستعانوا بربهم.
 
 أين مكانهم يارب ؟
{ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ }
 فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات ويدفع عنهم البليات والمكروهات
 
{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا }
أي: يوفقهم للعلم والعمل ومعرفة الحق والعمل به
 
 ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه ،
الذي يحفظ حروفه الذي يحفظ كلمات ولم يحفظ العمل ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه منعهم من رحمته وحرمهم من فضله وخلى بينهم وبين أنفسهم , النفس مهلكة
 
{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } 
هؤلاء الذين آمنوا بالله وأعتصموا به سيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه ليس لأنفسهم  بل إلى الله عزوجل , اذا وكّل إلينا أنفسنا فهذا شر عظيم لنا ولأنفسنا
اللهم لاتكلنا الى أنفسنا طرفة عين ولاأقل من ذلك
 
 
{وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}
 بل ضلوا ضلالا مبينا من وكلهم الله عزوجل على أنفسهم  عقوبة لهم على تركهم الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان
 
 نسأل الله تعالى العفو والعافية والمعافاة وأن يتغمدنا رحمته.
 
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
 

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق