بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجهُ
الثَّالثُ من سورة الأنعام
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( قُلْ
أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ
أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا
أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا
تُشْرِكُونَ ) ( 19)
ما زالَ
اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى يتحدَّثُ عن أدلَّةِ التَّوحيدِ، والإقرارِ بهِ.
{ قُلْ
}:
لهُم -
لمَّا بيَّنا لهم الهُدَى، وأوضحنَا لهُم المسالكَ-:
{
أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً }:
على
هذا الأصلِ العظيمِ.
{ قُلِ
اللَّهُ }:
أكبرُ
شهادةً،
فهوَ:
{
شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }:
فلا
أعظمُ منْهُ شهادةً، ولا أكبرُ،
وهو
يشهدُ لي بإقرارِهِ وفعلِهِ، فيقرَّنِي على ما قلْتُ لكُم.
فاللهُ
حكيمٌ قديرٌ،
فلا
يليقُ بحكمتِهِ وقدرتِهِ أنْ يقرَّ كاذبًا عليهِ، زاعِمًا أنَّ اللهَ أرسلَهُ ولم
يرسلْهُ،
وأنَّ
اللهَ أمرَهُ بدعوةِ الخلقِ ولم يأمرْهُ،
وأنَّ
اللهَ أباحَ لهُ دماءَ من خالفَهُ، وأموالَهُم ونساءَهُم،
وهو مع
ذلك يصدِّقُهُ بإقرارِهِ وبفعلِهِ،
فيؤيِّدَهُ
على ما قالَ بالمعجزاتِ الباهرةِ، والآياتِ الظَّاهرةِ،
وينصرَهُ،
ويخذلَ من خالفَهُ وعاداهُ،
فأيُّ:
شهادةٍ أكبرُ من هذهِ الشَّهادةِ؟
وقولُهُ
تَعالَى:
{
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ }:
أي:
وأوحَى اللهُ عزَّ وجلَّ إليَّ هذا القرآنَ الكريمَ، لمنفعتِكُم ومصلحتِكُم،
لأنذركَمُ
بهِ منَ العقابِ الأليمِ.
والنَّذارةُ
إنَّما تكونُ بذكرِ ما ينذرُهُم بهِ، منَ التَّرغيبِ، والتَّرهيبِ،
وببيانِ
الأعمالِ، والأقوالِ، الظَّاهرةِ والباطنةِ،
التي
مَن قام بها، فقد قبلَ النَّذارةَ،
فهذا
القرآنُ، فيه النَّذارةُ لكم أيها المخاطَبُون،
وكل من
بلغَهُ القرآنُ إلى يومِ القيامةِ،
فإنَّ
فيهِ بيانُ كلِّ ما يُحتاجُ إليهِ منَ المطالبِ الإلهيَّةِ.
لمَّا
بيّن تَعالَى شهادتَهُ التي هي أكبرُ الشَّهاداتِ على توحيدِهِ،
قالَ:
قلْ
لهؤلاءِ الُمعارضِين لخبرِ اللهِ، والمكذِّبين لرسلِهِ:
{
أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ
}:
أي: إنْ
شهِدُوا، فلا تشهدْ معهُم.
فوازِنْ
بين:
- شهادةِ
أصدقِ القائِلِين، وربِّ العالمِين،
وشهادِة
أزكَى الخلقِ المؤيَّدةِ بالبراهينِ القاطعةِ والحججِ السَّاطعةِ، على توحيدِ اللهِ
وحدَهُ، لا شريكَ لهُ،
- وبينَ
شهادةِ أهلِ الشِّركِ، الذين مرجَتْ عقولُهُم وأديانُهُم، وفسدَتْ آراؤُهُم وأخلاقُهُم،
وأضحكُوا على أنفسِهِم العقلاءَ.
بل
خالفُوا بشهادةِ فِطَرِهِم، وتناقضَتْ أقوالُهُم على إثباتِ أنَّ معَ اللهِ آلهةً
أخرَى،
مع أنَّهُ
لا يقومُ على ما قالُوهُ أدنَى شُبهةٍ، فضلًا عنِ الحُججِ،
واخترْ
لنفسِكَ أيَّ: الشَّهادتَين، إنْ كنْتَ تعقلُ،
ونحنُ
نختارُ لأنفسِنِا ما اختارَهُ اللهُ لنبيِّهِ، الذي أمرَنا اللُه بالاقتداءِ بهِ.
فقالَ:
{ قُلْ
إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ }:
أي:
منفرِدٌ، لا يستحقُّ العبوديَّةَ والإلهيَّةَ سِواهُ،
كما أنَّهُ
المُنفرِدُ بالخلْقِ والتَّدبيرِ.
{
وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }:
بهِ،
منَ الأوثانِ، والأندادِ، وكلِّ ما أُشركَ بهِ معَ اللهِ.
فهذا
حقيقةُ التَّوحيدِ، إثباتُ الأُلوهيَّةِ للهِ، ونفيِها عمَّا عداهُ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ
فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) ( 20)
لما بيَّن شهادتَهُ وشهادةَ رسولِهِ على التَّوحيدِ،
وشهادةَ المُشركِين الذين لا علمَ لديهِم على ضدِّهِ،
ذكرَ أنَّ أهلَ الكتابِ من اليهودِ والنَّصارَى:
{ يَعْرِفُونَهُ }:
أي: يعرفُون صحَّةَ التَّوحيدِ
{ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ }:
أي: لا شكَّ عندَهم فيهِ بوجهٍ،
كما أنَّهُم لا يشتبهُون بأولادِهِم، خصوصًا البنينَ
المُلازِمِين في الغالبِ لآبائِهِم.
ويُحتمَلُ أنَّ الضَّميرَ عائدٌ إلى الرَّسولِ مُحَمَّدٍ
صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
وأنَّ أهلَ الكتابِ لا يشتبهُون بصحَّةِ رسالتِهِ، ولا
يمترُون بها،
لِما عندَهُم منَ البشاراتِ بهِ.
{ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ }:
أي: فوَّتُوها ما خُلِقَتْ لهُ، منَ الإيمانِ والتَّوحيدِ،
وحرمُوها الفضلَ منَ الملكِ المجيدِ.
{ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }:
فإذا لم يوجدِ الإيمانُ منهُم، فلا تسألْ عن الخَسَارِ
والشَّرِّ، الذي يحصلُ لهُم.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ
إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) ( 21)
{ وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ }:
أي: لا أعظمُ ظلمًا وعنادًا، ممَّنْ كانَ فيه أحدُ
الوصفَين،
فكيف لو اجتمعَا:
- افتراءُ الكذبِ على اللهِ
- أو التَّكذيبُ بآياتِهِ، التي جاءَتْ بها المُرسَلُون،
فإن هذا أظلمُ النَّاسِ، والظَّالمُ لا يفلحُ أبدًا.
ويدخلُ في هذا:
- كلُّ من كذبَ على اللهِ، بادِّعاءِ الشَّريكِ لهُ
والعَوينِ،
أو زعمَ أنَّهُ ينبغِي أنْ يُعبَدَ غيرُهُ،
أو اتَّخذَ لهُ صاحبةً أو ولدًا،
- وكلُّ من ردَّ الحقَّ الذي جاءَتْ بهِ الرُّسُلُ، أو
مَنْ قامَ مقامَهُم.
وما أكثرَهُم- قبَّحَهُم اللهُ- في زمانِنا هذا!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَيَوْمَ
نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ
الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) ( 22)
يخبرُ اللهُ تَعالَى عنْ مآلِ أهلِ الشِّركِ يومَ
القيامةِ، وأنَّهُم يُسألُون ويُوبَّخُون،
فيُقالُ لهُم:
{ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
}:
أي إنَّ اللهَ ليسَ لهُ شريكٌ،
وإنَّما ذلكَ على وجهِ الزَّعمِ منْهُم، والافتراءِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( ثُمَّ
لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا
مُشْرِكِينَ ) ( 23)
{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ }:
أي: لم يكنْ جوابُهُم حين يُفتَنُون، ويُختَبَرون بذلك
السُّؤالِ،
إلا إنكارُهُم لشركِهِم، وحلفِهِم أنَّهُم ما كانُوا مُشرِكِين.
ينفُون
ويتوقَّعُون أنَّ هذا سينفعُهُم يومَ القيامةِ!
{ وَاللَّهِ
رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }
ما أكثرَ
أقلامَهُم الآنَ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ!
وما
أكثرَ صُحُفَهُم - قبَّحَهم اللهُ!
ينكِرُونَ
الخالقَ جلَّ وعَلا سُبحانَهُ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( انظُرْ
كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )
( 24)
{ انْظُرْ }:
يا مُحَمَّدُ، مُتَعجِّبًا منْهُم ومنْ أحوالِهِم!
{ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ }:
أي: كذبُوا كذبًا عادَ بالخَسَارِ على أنفسِهِم، وضرَّهُم في ذلك
غايةَ الضَّررِ.
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }:
منَ الشُّركاءِ الذين زعمُوهُم معَ اللهِ،
تَعالَى اللهُ عنْ ذلك علوًّا كبيرًا!
اللهُمَّ سلِّم!
أيَّها الإخوةُ! جميعُ الآياتِ التي تمرُّ علينا هي
آياتُ إثباتِ وإقرارِ وحدانيَّةِ اللهِ، وإفرادِهِ بالعبوديَّةِ - سُبحانَهُ جلَّ
وعَلا.
والآنَ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، ظهرَتْ اقلامٌ
تتساءلُ عن الدِّينِ، وعن اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى.
شيءٌ عجيبٌ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى :
( وَمِنْهُم
مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا
يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) ( 25)
قبَّحَهُم اللهُ، ما أكثرَهُم في وسائلِ التَّواصلِ،
أيَّها الإخوةُ!
{ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ }:
أي: ومن هؤلاءِ المُشرِكِين،
قومٌ يحملُهُم بعضَ الأوقاتِ، بعضُ الدَّواعِي إلى
الاستماعِ لما تقولُ،
ولكنَّهُ استماعٌ خالٍ من قصدِ الحقِّ واتِّباعِهِ،
ولهذا لا ينتفعُون بذلكَ الاستماعِ، لعدمِ إرادتِهِم
للخيرِ.
{ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً }:
أي: أغطيةً وأغشيةً،
لئلَّا يفقَهُوا كلامَ اللهِ عزَّ وجلَّ،
فصانَ كلامَهُ عنْ أمثالِ هؤلاءِ.
{ وَفِي آذَانِهِمْ }:
جعلْنا
{ وَقْرًا }:
أي: صمَمًا،
فلا يستمعُون ما ينفعُهُم.
سبحانَ اللهِ!
بسببِ ذنوبِهِم، أصبحُوا لا يستفيدُون منَ الآياتِ الزَّاجرةِ
التي تُتلَى عليهِم، والتي يرَونَها!
يقولُ الله عزَّ وجلَّ:
{ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ
إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ }
أغطيةً، لا يفقهُون القرآنَ، لا يفهمُون كلامَ الله
سُبحانَهُ وتَعالَى.
{ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا }:
قلوبُهُم لا تتَّعظُ، ولا تتحرَّكُ،
وهذا غايةُ الظُّلمِ والعنادِ،
أنَّ الآياتِ البيِّناتِ الدَّالةِ على الحقِّ، لا
ينقادُون لها، ولا يصدِّقُون بها،
بلْ يجادلُون بالباطلِ الحقَّ، ليدحِضُوهُ.
والآنَ، لا بدَّ أنْ تعرفَ كيف أقرَّ الله سُبحانَهُ
وتَعالَى بوحدانيتِهِ:
كيف تقرَّ للملحِدِ الذي لا يعرفُ اللهَ سُبحانَهُ
وتَعالَى بوحدانيَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟
كيف تجعلُ الذي يتساءلُ أمامَك عن اللهِ عزَّ وجلَّ،
يقرُّ ويؤمنُ باللهِ عزَّ وجلَّ؟
هذه كلُّها آياتٌ مقدِّماتٌ عن إقرارِ اللهِ سُبحانَهُ
وتَعالَى بوحدانيَّتِهِ وعبوديَّتِهِ،
وفيما بعد ستأتِي آياتٌ تبيِّنُ كيف نتعاملُ مع منْ
ينكرُ الخالقَ؟
ويخبرُنا اللهُ لماذا لا يستفيدُ أولئكَ منَ الآياتِ
التي تُتلَى عليهِم؟
ولا ينزجِرُون، ولا يفقهُون، ولا يفهمُون؟
ولهذا قالَ:
{ حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }:
أي: مأخوذٌ منْ صحفِ الأوَّلينَ المَسْطورةِ،
التي ليسَتْ عنِ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى، ولا عن رسلِهِ.
وهذا منْ كفرِهِم.
وإلا فكيف يكونُ هذا الكتابُ الحاوِي لأنباءِ السَّابقِين
واللَّاحِقين،
والحقائقِ التي جاءَتْ بها الأنبياءُ والمرسلُون،
والحقِّ، والقسطِ، والعدلِ التَّامِ من كلِّ وجهٍ،
أساطيرَ الأولَّين؟
العياذُ باللهِ!
أعمَى الشَّيطانُ قلوبَهُم، فلا يرَون الحقَّ.
نسألُ
اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!
لا تقل أيَّها الأخ أنَّهُم بعيدون عنَّا،
لا؛ بلْ هُم منْ بنِي جلدتِنا، ويتكلَّمُون بألسِنتِنا،
وهم أخطرُ علينا من اليهودِ والنَّصارَى،
وما أكثرَهُم قبَّحَهُم اللهُ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَهُمْ
يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ
وَمَا يَشْعُرُونَ ) ( 26)
وهم:
أي المُشرِكُون بالله، المُكذِّبُون لرسولِهِ،
يجمعُون
بينَ الضَّلالِ والإضلالِ،
ينهَون
النَّاسَ عنْ اتَّباعِ الحقِّ، ويحذِّرُونَهُم منْهُ، ويبعدُون بأنفسِهِم عنْهُ،
ولن
يضرُّوا اللهَ ولا عبادَهُ المؤمِنِين، بفعلِهِم هذا، شيئًا.
الحمدُ
للهِ!
اللهُمَّ
اجعلْنا منْ عبادِكِ المؤمنين الذين لا يضرُّهُم ذلكَ، يا حيُّ يا قيُّومُ!
{
وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }:
بذلكَ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَلَوْ
تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا
نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( 27)
يقول تَعالَى - مُخبِرًا عنْ حالِ المُشرِكِين يومَ
القيامةِ، وإحضارِهِم النَّارَ:
{ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ }:
لو رأيتَهُم يا مُحَمَّدُ يومَ القيامةِ!
اللهُ عزَّ وجلَّ يفنِّدُ شبهاتِ أهلَ الباطلِ.
ولو ترَى إثباتًا للبعثِ والجزاءِ!
سنُبعثُ، وسنرَى هؤلاءِ الكفَّارِ.
حقيقةٌ قالَها القرآنُ، حقيقةُ البعثِ والجزاءِ.
انتقلَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى من إقرارِهِ
بوحدانيَّتِهِ،
إلى الإقرارِ بالإيمانِ بالبعثِ والجزاءِ،
ما الذي يدلُّ على ذلكَ منَ الأدلَّةِ؟
قوله تَعالَى:
{ وَلَوْ
تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا
نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
{ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ
بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
ماذا ينفعُ هذا الكلامُ؟!
وهذا
إقرارٌ بالبعثِ والجزاءِ، وأنَّ هذا اليومَ حاصلٌ لا محالةَ،
وأنَّهُم سيقفُون أمامَ النَّارِ، وأنَّهُم
سيقولُون ما يقولُون.
فمنَ
الدَّواعي التي تجعلُ الإنسانَ يكثرُ منَ الأعمالِ الصَّالحةِ،
الإقرارُ
بالإيمانِ باللهِ، والإيمانُ بالبعثِ والجزاءِ في اليومِ الآخرِ.
لحديثُ
النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
"من
كان منكُم يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ"
فهذانِ
الأمرَانِ مُقترِنان.
وهُما
يدعُوان إلى العملِ الصَّالحِ، ويُسهِّلانِهِ دائمًا.
الإقرارُ
والجزمُ بهذا اليومِ العظيمِ.
{ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ }:
طبعًا هذا توبيخٌ وتقريعٌ،
لرأيْتَ يا مُحَمَّدُ أمرًا هائلًا، وحالًا مُفظعةً،
ولرأيْتًهُم كيفَ أقرُّوا على أنفسِهِم بالكفرِ
والفسوقِ،
وتمنَّوا أنْ لو يُرَدُّون إلى الدُّنيا.
نعمْ، هؤلاء منْ يكتبُ ويتساءلُ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ،
ويسمُّون أنفسَهُم اللا دينييِّن،
فهؤلاءِ يومَ القيامةِ سيقفُون هذا الموقفَ أمامَ اللهِ
عزَّ وجلَّ،
وسيقفُون
أمامَ النَّارِ، وسيقولُون ما يقولُون.
نسألُ
اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!
اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بكَ منَ النَّارِ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا
يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ ) ( 28)
{ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ
}:
فإنَّهُم كانوا يخفون في أنفسِهِم، أنَّهُم كانوا كاذِبِين،
ويَبدو في قلوبِهِم في كثيرٍ من الأوقاتِ.
ولكنَّ الأغراضَ الفاسدةَ، صدَّتْهُم عن ذلك، وصرفَتْ
قلوبَهُم عنِ الخيرِ،
وهم كَذَبةٌ في هذهِ الأمنيةِ،
وإنَّما قصدُهُم، أنْ يدفعُوا بها عنْ أنفسِهِم العذابَ.
{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ }
سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا
أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ
تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد
وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق