الأربعاء، أغسطس 03، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 27 إلى آية 33




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ


الوجهُ السابعُ من سورة النِّساء



يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) ( 27 )

{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }:
يريدُ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يتوبَ عليكُم، ويعفوَ عنْكُم، ويغفرَ لكُم، رحمةً منْهُ، وفضلًا، وجودًا، وكرمًا،

وإلّا سُبحانَهُ وتَعالَى، لا تضرُّهُ معصيةٌ، ولا تنفعُهُ طاعةٌ.

يريدُ اللهُ أنْ يتوبَ عليكُم، توبةً تلمُّ شعثَكُم، وتجمعُ متفرِّقَكُم، وتقرِّبُ بعيدَكُم.

{ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ }:
أي: يميلُون معَها- والعياذُ باللهِ- حيثُ مالَتْ،

ويقدِّمُونها على ما فيهِ رضَا محبوبِهِم، ويعبدُونَ أهواءَهُم،
منْ أصنافِ الكفرةِ والعاصِين، المُقدِّمِين لأهوائِهِم على طاعةِ ربِّهِم،

فهؤلاءِ يريدُونَ:
{ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا }:
أي: أنَ تنحرِفُوا عنِ الصِّراطِ المستقيمِ، إلى صراطِ المغضوبِ عليهِم، والضَّالِّينَ.

يريدُون أنْ يصرِفُوكم عنْ طاعةِ الرَّحمَنِ، إلى طاعةِ الشَّيطانِ،

وعن التزامِ حدودِ مَنِ السَّعادةُ كلُّها في امتثالِ أوامرِهِ، إلى مَنْ الشقاوةُ كلُّها في اتِّباعِهِ.

فإذا عرفْتُم أنَّ اللهَ تَعالَى، يأمرُكُم بما فيهِ صلاحُكُم وفلاحُكُم وسعادتُكُم،

وأنَّ هؤلاءِ المُتَّبِعِين لشهواتِهِم، يأمرُونِكُم بما فيهِ غايةُ الخسَارِ والشَّقاءِ،

فاختارُوا لأنفسِكُم، وتخيَّروا أحسنَ الطَّريقتَينِ.

{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }:

اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى لا يأمرُ بأمرٍ، وفيهِ مشقَّةٌ علينا.
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا  }
[ البقرة: 286 ]

{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }:
أيُّها الإخوةُ- اللهُ عزَّ وجلَّ يريدُ أنْ تقترِبُوا إليهِ، فيعفوَ عنْكُم، ويغفرَ لكُم، ويرحمَكُم - سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!

يريدُ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى لكُم جنَّاتٍ، ومقاماتٍ، ومنازلَ فيها،

لذلك يبتلِي اللهُ منْ يبتلِي، حتى يصيبَ هذهِ المنازلَ، لأنَّ عملَهُ لمْ يصلْ إلى هذهِ المنزلةِ،

واللهُ عزَّ وجلَّ لا يريدُ لهذا العبدِ، إلّا هذهِ المنزلةِ،
فيبتلِيهِ أنواعَ الابتلاءاتِ في الدُّنيا، حتى يصلَ  إلى هذهِ المنزلةِ، لأنَّ اللهَ يحبُّهُ!

{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }:

لكنْ على الضِّدِّ تمامًا، أهلُ الشَّهواتِ، أهلُ الباطلِ، دعاةُ الضَّلالِ،
هؤلاءِ - أيُّها الإخوةُ- يتزيَّنُون في كلِّ مكانٍ، يتزيَّنُون الآنَ في القنواتِ، وفي جميعِ وسائلِ التَّواصلِ.
-    فاحذروا أيُّها الإخوةُ!

{ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ }:
يعيشُون للشَّهواتِ، ولا يريدُون إلّا أنْ يشبِعُوها،
يركضُون، ويلهثُون وراءَها، كالحيواناتِ تمامًا - والعياذُ باللهِ!

ماذا يريدُون يا ربِّ؟

يريدًون:
{ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا }:
أنْ تميلُوا ميلًا بعيدًا، وليسَ بسيطًا.

ومنْهُم قنواتٌ كثيرةٌ، تعملُ لهذا العملِ، الشَّيءَ العظيمَ - والعياذُ باللهِ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
(يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) ( 28 )

{ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ }:
أي: بسهولةِ ما أمرَكُم بهِ، وما نهَاكُم عنْهُ.

ثمَّ مع حصولِ المشقَّةِ في بعضِ الشَّرائعِ،
أباحَ لكُم ما تقتضِيهِ حاجتُكُم، كالميتَةِ والدَّمِ ونحوِهما للمُضْطَرِّ، وكتزوُّجِ الأمَةِ للحُرِّ، بتلكَ الشُّروطِ السَّابقةِ التي ذكرْنَاها.

وذلكَ لرحمتِهِ التَّامَّةِ، وإحسانِهِ الشَّاملِ، وعلمِهِ، وحكمتِهِ، بضعفِ الإنسانِ، وعدمِ تحمُّلِهِ، منْ جميعِ الوجوهِ،

ضعفُ البُنيَةِ، وضعفُ الإرادةِ، وضعفُ العزيمةِ، وضعفُ الإيمانِ، وضعفُ الصَّبرِ،

هذا الضَّعفَ، الذي ذكَرَهُ اللهُ في قولِهِ:
{ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا }:

لأنَّهُ هو الذي خلقَنا، وهو أعلمُ بما تحوِيهِ هذهِ النَّفسُ، وما تريدُهُ، وما تكرهُهُ، وما تضعفُ عندَهُ!

فناسبَ ذلكَ أنْ يخفِّفَ اللهُ عنْهُ، ما يضعُفُ عنْهُ، وما لا يطيقُهُ إيمانُهُ، وصبرُهُ، وقوَّتُهُ.

اللَّهُمَ زِدْنا إيمانًا وتقوًى وعزيمةً وصبرًا وإرادةً، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!

أيَّها الإخوةُ- هاتَان الآيتانِ عظيمتانِ جدًّا، تتجلَّيانِ في زمنِنا تجلِّيًا واضحًا ظاهرًا:

{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا }:
وَ { يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا }:


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) ( 29 )

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ }:
ينهَى تَعالَى عبادَهُ المُؤمِنِين، أنْ يأكلُوا أموالَهُم بينَهُم بالباطلِ،

وهذا يشملُ أكلَها بالغصوبِ، والسَّرقاتِ، وأخذَها بالقمارِ، والمكاسبِ الرَّديئةِ.

بلْ لعلَّهُ يدخلُ في ذلكَ، أكلُ مالِ نفسِكَ، على وجهِ البطَرِ والإسرافِ،
لأنَّ هذا منَ الباطلِ، وليسَ منَ الحقِّ.

{ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ }:
ثمَّ إنَّهُ -لمَّا حرَّمَ أكلَها بالباطلِ-
أباحَ لهُم أكلَها بالتِّجاراتِ، والمكاسبِ الخاليةِ منَ الموانعِ، المُشتمِلَةِ على الشُّروطِ، منَ التَّراضِي، وغيرِهِ.

{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ }:
أي: لا يقتلُ بعضُكُم بعضًا، ولا يقتلُ الإنسانُ نفسَهُ.

ويدخلُ في ذلكَ، الإلقاءُ بالنَّفسِ إلى التَّهلُكةِ، وفعلُ الأخطارِ المُفضيَةِ إلى التَّلفِ والهلاكِ.

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }:
ومِنْ رحمتِهِ أنْ صانَ نفوسَكُم وأموالَكُم، ونهَاكُم عنْ إضاعتِها وإتلافِها،
ورتَّبَ على ذلكَ ما رتَّبَهُ منَ الحدودِ.

وتأمَّلْ هذا الإيجازَ، والجمعَ، في قولِهِ:
{ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ } وَ { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ }

كيفَ شملَ أموالَ غيرِك، ومالَ نفسِك، وقتلَ نفسِك، وقتلَ غيرِك، بعبارةٍ أخصرُ منْ قولِهِ:

"لا يأكلُ بعضُكُم مالَ بعْضٍ" وَ "لا يقتُلُ بعضُكُم بعْضًا"
مع قصورِ هذهِ العبارةِ على مالِ الغيرِ، ونفسِ الغيرِ فقطْ.

مع أنَّ إضافةَ الأموالِ والأنْفُسِ إلى عمومِ المُؤمنِينَ،
فيهِ دلالةٌ على أنَّ المُؤمِنِينَ في توادِّهِم وتراحُمِهِم، وتعاطُفِهِم، ومصالِحِهِم، كالجسدِ الواحدِ،
حيثُ كانَ الإيمانُ يجمعُهُم على مصالِحِهِم الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ.

ولمَّا نهَى عنْ أكلِ الأموالِ بالباطلِ، التي فيها غايةُ الضَّررِ عليهِم، على الآكِلِ، ومَنْ أُخِذَ مالُهُ،
أباحَ لهُم ما فيهِ مصلحتُهُم، منْ أنواعِ المكاسبِ، والتِّجاراتِ، وأنواعِ الحِرَفِ، والإجاراتِ،

فقالَ:

{ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }:
أي: فإنَّها مُباحةٌ لكٌم.

وشرطُ التَّراضِي -مع كونِها تجارةً- للدلالةِ أنَّهُ يُشترَطُ أنْ يكونَ العقدُ غيرَ عقدِ الرِّبَا.

لأنَّ الرِّبَا ليسَ منَ التِّجارةِ، بلْ مخالِفٌ لمقصودِها،
وأنَّهُ لا بدَّ أنْ يرضَى كلٌّ منَ المُتعاقِدَينِ، ويأتِي بهِ اختيارًا.

ومِنْ تمامِ الرِّضَا، أنْ يكونَ المعقودُ عليهِ معلومًا،
لأنَّهُ إذا لم يكُنْ كذلكَ، لا يُتَصًوَّرُ الرِّضَا مقدُورًا على تسليمِهِ،
لأنَّ غيرَ المقدورِ عليهِ، شبيهٌ ببيعِ القمارِ،
فبيعُ الغررِ بجميعِ أنواعِهِ، خالٍ منَ الرِّضَا، فلا ينفذُ عقدُهُ.

وفيها أنَّهُ تنعقدُ العقودُ، بما دلَّ عليهَا منْ قولٍ أو فعلٍ،
لأنَّ اللهَ شرَطَ الرِّضَا، فبأيِّ طريقٍ حصلَ الرِّضَا، انعقدَ بهِ العقدُ.

ثمَّ ختمَ الآيةَ، بقولِهِ:
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }:
ومِنْ رحمتِهِ، أنْ عصمَ دماءَكُم، وأموالَكُم، وصانَها، ونهَاكُم عنْ انتهاكِها.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
(وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) ( 30 )

ثمَّ قالَ:
{ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ }:
أي: أكلَ الأموالِ بالباطلِ، وقتلَ النُّفوسِ.

{ عُدْوَانًا وَظُلْمًا }:
أي: لا جهلًا ونِسيانًا

{ فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا }:
أي: عظيمةً،
كما يفيدُ التَّنكيرُ.

{ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا }:


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا ) ( 31 )


وهذا مِنْ فضلِ اللهِ، وإحسانِهِ، على عبادِهِ المُؤمِنِينَ.

وعدَهُم أنَّهُم إذا اجتنبُوا كبائرَ المَنهِيَّاتِ، غفرَ لهُم جميعَ الذُّنوبِ والسَّيِّئاتِ، وأدخلَهُم مُدخَلًا كريمًا، كثيرَ الخيرِ.

وهو الجنَّةُ المُشتمِلَةُ على ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ.

ويدخلُ في اجتنابِ الكبائرِ، فعلُ الفرائضِ، التي يكونُ تارِكُها مُرتكِبًا كبيرةً،
كالصَّلواتِ الخمسِ، والجمعةِ، وصومِ رمضانَ.

كما قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
" الصَّلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مُكفِّراتٌ لما بينَهُما، ما اجْتُنِبَتِ الكبائِرُ".

وأحسنُ ما حُدَّتْ بهِ الكبائِرُ:
أنَّ الكبيرةَ ما فيهِ حدٌّ في الدُّنيا، أو وَعيدٌ في الآخرةِ، أو نفيُ إيمانٍ، أو ترتيبُ لعنةٍ، أو غضبٌ عليهِ.
وبهذا نعرفُ الكبيرةَ، إذا وردَ عملٌ فيهِ أحدُ الصِّفاتِ الخمسةِ السَّابقةِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) ( 32 )

{ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }:
ينَهى اللهُ تَعالَى المُؤمنِينَ، عنْ أنْ يتمنَّى بعضُهُم ما فضَّلَ اللهُ بهِ غيرَهُ منَ الأمورِ المُمكنةِ، وغيرِ المُمكنَةِ.

فلا تتمنَّى النِّساءُ خصائصَ الرِّجالِ، التي بها فضَّلَهُم على النِّساءِ،
ولا صاحبُ الفقرِ والنَّقصِ، حالةَ الغِنَى والكمالِ تمنِّيًا مُجرَّدًا.

لأنَّ هذا هو الحسَدُ بعينِهِ، تمنِّي نعمةَ اللهِ على غيرِك، أنْ تكونَ لكَ، ويُسلَبَ إيَّاها.
- والعياذُ باللهِ!

ولأنَّهُ يقتضِي السَّخطَ على قدَرِ اللهِ، والإخلادَ إلى الكسلِ، والأمانِي الباطلةِ، التي لا يقترنُ بها عملٌ ولا كسبٌ.

وإنَّما المحمودُ، أمرانِ:
أنْ يسعَى العبدُ على حسبِ قدرتِهِ، بما ينفعُهُ منْ مصالحِهِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ،
ويسألَ اللهَ تَعالَى منْ فضلِهِ،
فلا يتَّكلَ على نفسِهِ، ولا على غيرِ ربِّهِ.

ولهذا قالَ تَعالَى:
{ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا }:
أي: منْ أعمالِهِم المُنتجَةِ للمطلوبِ.

{ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ }:
فكلٌّ منْهُم، لا ينالُهُ غير ما كسِبَهُ، وتعبَ فيهِ.
أمَّا أنْ تنالَ شيئًا دون كدٍّ أو تعبٍ، فهذا يستحيلُهُ العقلُ قبلَ النَّقلِ!

{ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ }:
أي: منْ جميعِ مصالحِكِم، في الدِّينِ والدُّنيا.

فهذا كمالُ العبدِ، وعنوانُ سعادتِهِ.

لا مَنْ يتركُ العملَ، أو يتَّكِلَ على نفسِهِ، غيرَ مُفتَقِرٍ لربِّهِ، أو يجمعُ بينَ الأمرَينِ، فإنَّ هذا مخذولٌ خاسرٌ.

اذًا المطلوبُ منَّا، حتى نصلَ إلى درجاتٍ عاليةِ، نريدُها:
- العملُ والكسبُ والاجتهادُ،
- وأنْ نسألَ اللهَ منْ فضلِهِ، ونطلبُهُ.

فالدُّعاءُ يفتحُ لنَا آفاقًا، وييسِّرُ أمورًا، ويختصر طرُقًا عظيمةً.
وأن نسعَى إلى ما نريدُ، سواءً كانَ علمًا أو مالًا أو منصبًا.

وهذا الأمرَانِ حدَّدَهُما اللهُ تَعالَى، فلا توجدُ أمانِيّ مُجرَّدةٌ في الإسلامِ أبدًا،
بلْ هناكَ سعيٌ حثيثٌ، وسؤالٌ للهِ عزَّ وجلَّ منْ فضلِهِ - سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!


وقولُهُ:
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }:
يعلمُ سُبحانَهُ، كلَّ شيءٍ، فيعطِيَ منْ يعلمُهُ أهلًا لذلكَ، ويمنعَ منْ يعلمُهُ غيرَ مُستحِقٍّ.

يعلمُ منْ لهُ مصلحةٌ في أمرٍ ما، ومنْ ليسَ لهُ مصلحةٌ.
وكيفَ يختصرُ الطَّريقَ لك، فتصلَ بسرعةٍ.

أنتُم لا تطلُبُون أيَّ أحدٍ،
بلْ أنتُم تطلُبون العليمَ الجليلَ العزيزَ الحكيمَ الرَّحيمَ الغفورَ- سُبحانَهُ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) ( 33 )

أي:
{ وَلِكُلٍّ }:
منَ النَّاسِ

{ جَعَلْنَا مَوَالِيَ }:
أي: يتولَّونَهُ، ويتولَّاهُم بالتَّعزُّزِ، والنُّصرةِ، والمعاونةِ على الأمورِ.

{ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ }:
وهذا يشملُ سائرَ الأقاربِ، منَ الأصولِ، والفروعِ، والحواشِي،
هؤلاءِ المَوالِي منَ القرابةِ.

ثمَّ ذكرَ نوعًا آخرَ منَ المَوالِي، فقالَ:

{ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ }:
أي: حالفْتُموهُم، بما عقدْتُم معَهُم، منْ عقدِ المُحالفةِ على النُّصرةِ، والمساعدةِ، والاشتراكِ بالأموالِ، وغيرِ ذلكَ.

وكلُّ هذا منْ نعمِ اللهِ على عبادِهِ، حيثُ كانَ المَوالِي يتعاونُون بما لا يقدرُ عليهِ بعضُهُم مُفرَدًا.

قالَ تَعالَى:
{ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ }:
أي: آتُوا المَواليَ نصيبَهُم، الذي يجبُ القيامُ بهِ، منَ النُّصرةِ، والمعاونةِ، والمساعدةِ على غيرِ معصيةِ اللهِ.
والميراثَ للأقاربِ، الأقربِينَ منَ الموالِي.

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا }:
أي: مطَّلِعًا سبحانَهُ على كلِّ شيءٍ.
بعلمِهِ لجميعِ الأمورِ، وبصرِهِ لحركاتِ عبادِهِ، وسمعِهِ لجميعِ أصواتِهِم - سُبحانَهُ، جلَّ وعَلا!



سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.

اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.

وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.





ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق