بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجهُ
الثامنُ من سورة النِّساء
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ
عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا
أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا
كَبِيرًا ) ( 34 )
يخبرُ اللهُ
تَعالَى أن الرِّجَالَ:
{
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }:
أي: قوَّامُون
عليهِنَّ، بإلزامِهِنَّ بحقوقِ اللهِ تَعالَى، منَ المحافظةِ على فرائضِهِ، وكفِّهِنَّ
عنِ المفاسدِ،
والرِّجالُ
عليهِم أنْ يُلزِمُوهُنَّ بذلكَ،
وقوَّامُونَ
عليهِنَّ أيضًا، بالإنفاقِ عليهِنَّ، والكسوةِ والمسكنِ.
ثمَّ
ذكرَ السَّببَ المُوجِبَ لقيامِ الرِّجالِ على النِّساءِ، فقالَ:
{
بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ }:
أي:
بسببِ فضلِ الرِّجالِ على النِّساءِ، وإفضالِهِم عليهِنَّ،
فتفضيلُ
الرِّجالِ على النِّساءِ، منْ وجوهٍ متعدِّدَةٍ:
- منْ
كونِ الولاياتِ، مختَصَّةً بالرِّجالِ،
- والنُّبُوَّةِ،
والرِّسالةِ، كذلكَ
- واختصاصُهُم
بكثيرٍ منَ العباداتِ، كالجهادِ، والأعيادِ، والجُمَع، والجماعاتِ.
- وبما
خصَّهُم اللهُ بهِ، منَ العقلِ والرَّزانةِ، والصَّبرِ، والجلَدِ، الذي ليسَ للنِّساءِ
مثلُهُ.
- وكذلكَ
خصَّهُم بالنَّفقاتِ على الزَّوجاتِ، بلْ وكثيرٌ منَ النَّفقاتِ يختصُّ بها الرِّجالُ،
ويتميَّزُون عنِ النِّساءِ.
ولعلَّ
هذا سرَّ قولِهِ:
{
وَبِمَا أَنْفَقُوا }:
وهي وظيفتُها:
القيامُ بطاعةِ ربِّها، وطاعةِ زوجِها، فلهذا قالَ:
{
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ }:
أي:
مطيعاتٌ للهِ تَعالَى.
{
حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ }:
أي: مُطيعاتٌ
لأزواجِهِنَّ، حتى في الغيبِ، تحفظُ بعلَها بنفسِها، ومالِهِ،
وذلكَ
بحفظِ اللهِ لهُنَّ، وتوفيقِهِ إيَّاهُنَّ، لا منْ أنفسِهِنَّ، فإنَّ النَّفسَ أمَّارةٌ
بالسُّوءِ،
ولكنْ
منْ توكَّلَ على اللهِ، كفَاهُ ما أهمَّهُ منْ أمرِ دينِهِ ودُنياهُ.
ولذلكَ
قالَ تَعالَى:
{
حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ }
أي
بسببِ حفظِ اللهِ عزَّ وجلَّ لهُنَّ، سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!
فلهُ
المِنَّةُ، ولهُ الفضلُ، ولهُ الشُّكرُ.
عندما
يحفظُك اللهُ، ويحفظُ بيتَك، عنْ كثيرٍ منَ الأشرارِ والآثامِ والبلاءاتِ،
فهذا
حفظٌ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ لك، فامتَنَّ لهُ سُبحانَهُ، واشكُرْهُ جلَّ وعَلا!
ولا
تسخرْ مِمَّنْ ابتُلِيَ بفسادِ طويَّتِهِ، وقلبِهِ، والعياذُ باللهِ!
احمدِ
اللهَ كثيرًا، واسألِ اللهَ لهُ العافيةَ!
ثمَّ
قالَ:
{
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ }:
أي:
ارتفاعَهُنَّ عنْ طاعةِ أزواجِهِنَّ، بأنْ تعصِيهِ بالقولِ أو الفعلِ،
فإنَّهُ
يؤدِّبُها، بالأسهلِ فالأسهلِ،
{
فَعِظُوهُنَّ }:
أي:
ببيانِ حكمِ اللهِ، في طاعةِ الزَّوجِ، ومعصيتِهِ، والتَّرغيبِ في الطَّاعةِ، والتَّرهيبِ
منْ معصِيتِهِ،
فإنْ
انتهَتْ، فذلكَ هوَ المطلوبُ،
وإلا
فيهجُرُها الزَّوجُ في المضجعِ، بأنْ لا يضاجعَها، ولا يجامعَها، بمقدارِ ما يحصلُ
بهِ المقصودُ،
وإلّا
ضربَها ضربًا غيرَ مبرِّحٍ،
فإنْ
حصلَ المقصودُ بواحدٍ منْ هذهِ الأمورِ، وأطعْنَكُم،
{
فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا }:
أي:
فقدْ حصلَ لكُم ما تحبُّون،
فاتركُوا
معاتبتَها على الأمورِ الماضيةِ، والتَّنقيبَ عنِ العيوبِ، التي يضرُّ ذكرُها،
ويحدثُ بسببِهِ الشَّرُّ.
فالإنسانُ
عندما يتعدَّلُ، ويسيرُ على الطَّريقِ المستقيمِ،
ينبغِي
أنْ لا يُذَكَّرَ بمعايبِهِ وذنوبِهِ السَّابقةِ في الماضِي،
لأنَّ
التَّذكيرَ بالماضِي، غالبًا يرُجِعُ الشَّخصَ إلى ما كانَ عليهِ،
فإذا
تابَ الإنسانُ، تابَ اللهُ عليهِ، برحمتِهِ.
{
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }:
أي: لهُ
العلُوُّ المطلَقُ بجميعِ الوجوهِ، والاعتباراتِ، علُوُّ الذَّاتِ، وعلُوُّ القدْرِ،
وعلُوُّ القهرِ،
الكبيرُ
الذي لا أكبرَ منْهُ، ولا أجَلَّ، ولا أعظمَ، كبيرُ الذَّاتِ والصِّفاتِ -
سُبحانَهُ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن
يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيمًا خَبِيرًا ) ( 35 )
أي:
وإن خفْتُم الشِّقاقَ بينَ الزَّوجَينِ، والمباعدةَ، والمُجانَبةَ، حتى يكونَ كلٌّ
منْهُما في شقٍّ،
{
فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا }:
أي: رجُلَينِ
مُكلَّفَينِ مُسلِمَينِ عدلَينِ عاقِلَينِ،
يعرفَانِ
ما بينَ الزَّوجَينِ، ويعرفَان الجمْعَ والتَّفريقَ.
وهذا مُستَفادٌ
منْ لفظِ " حَكَمًا "
لأنه
لا يصلحُ حكَمًا إلّا منِ اتَّصفَ بتلكَ الصِّفاتِ.
فينظُرانِ
ما ينقمُ كلٌّ منْهُما على صاحبِهِ،
ثمَّ يُلزِمانِ
كلًّا منْهُما ما يجبُ، ويفعلُ ما يأمُرانِهِ بهِ.
فإنْ
لمْ يستطِعْ أحدُهُما ذلكَ،
قنَّعَا
الزَّوجَ الآخرَ بالرِّضَا، بما تيسَّرَ منَ الرِّزقِ والخُلُقِ،
ومهما
أمكَنَهُما الجَمْعُ والإصلاحُ، فلا يعدِلا عنْهُ.
فإنْ
وصلَتْ الحالُ إلى أنَّهُ لا يمكنُ اجتماعُهُما وإصلاحُهُما، إلا على وجهِ المُعاداةِ،
والمقاطعةِ، ومعصيةِ اللهِ،
ورأَيَا
أنَّ التَّفريقَ بينَهُما أصلحُ، فرَّقَا بينَهُما.
ولا يُشتَرَطُ
رضَا الزَّوجِ، كما يدلُّ عليهِ أنَّ اللهَ سمَّاهُما حكَمَينِ،
والحَكَمُ
يحكمُ ولو لمْ يرضَ المحكومُ عليهِ.
ولهذا
قال:
{ إِنْ
يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }:
أي:
بسببِ الرَّأيِ الميمونِ، والكلامِ الذي يجذبُ القلوبَ، ويؤلِّفُ بينَ القرينَينِ.
{
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }:
أي:
عالمًا بجميعِ الظَّواهرِ والبواطنِ، مُطَّلِعًا على خفايَا الأمورِ، وأسرارِها.
فمِنْ
علمِهِ وخبرِهِ - سُبحانَهُ جلَّ وعَلا - أنْ شرعَ لكُم هذهِ الأحكامَ الجليلةَ،
والشَّرائعَ الجميلةَ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَاعْبُدُوا اللَّهَ
وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي
الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ
وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) ( 36
)
{
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }:
يأمرُ تَعالَى
عبادَهُ بعبادتِهِ، وحدَهُ لا شريكَ لهُ،
وهو
الدُّخولُ تحتَ رقِّ عبوديَّتِهِ، والانقيادُ لأوامرِهِ ونواهِيهِ، محبَّةً وذلًّا
وإخلاصًا لهُ، في جميعِ العباداتِ الظَّاهرةِ، والباطنةِ.
وينهَى
عنِ الشِّركِ بهِ شيئًا، لا شِركًا أصغرَ، ولا أكبرَ، لا مَلِكًا، ولا نبيًّا، ولا
وليًّا، ولا غيرَهُم منَ المخلُوقِينَ، الذين لا يملكُون لأنفسِهِم نفعًا ولا ضرًّا،
ولا موتًا ولا حياةً، ولا نشورًا،
بل
الواجبُ المتعَيِّنُ إخلاصُ العبادةِ لِمَنْ لهُ الكمالُ المطلقُ، منْ جميعِ
الوجوهِ،
ولهُ التَّدبيرُ الكاملُ، الذي لا يشرِكُهُ، ولا يعينُهُ عليهِ أحدٌ.
ثمَّ
بعدَ ما أمرَ بعبادتِهِ، والقيام ِبحقِّهِ، أمرَ بالقيامِ بحقوقِ العبادِ، الأقربِ
فالأقربِ.
فقالَ:
{
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }:
أي:
أحسِنُوا إليهِم، بالقولِ الكريمِ، والخطابِ اللَّطيفِ، والفعلِ الجميلِ،
بطاعةِ
أمرِهِما، واجتنابِ نهيِهِما، والإنفاقِ عليهِما، وإكرامِ مَنْ لهُ تعلُّقٌ بهِما،
وصلةِ الرَّحمِ التي لا رحمَ لك إلا بهِما.
وللإحسانِ
ضدَّانِ:
الإساءةُ،
وعدمُ الإحسانِ. وكلاهُما منْهِيٌّ عنْهُ.
{
وَبِذِي الْقُرْبَى }:
أيضًا
إحسانًا، ويشملُ ذلكَ جميعَ الأقاربِ، قرُبُوا أو بعُدُوا،
بأنْ
يحسِنَ إليهِم بالقولِ والفعلِ، وأنْ لا يقطعَ رحمَهُ، بقولِهِ أو فعلِهِ.
{
وَالْيَتَامَى }:
أي:
الذين فقدُوا آباءَهُم، وهُم صِغارٌ،
فلهُم
حقٌّ على المُسلِمينَ، سواءً كانُوا أقاربَ أو غيرَهُم، بكفالتِهِم، وبرِّهِم،
وجبرِ خواطرِهِم وتأديبِهِم، وتربيتِهِم أحسنَ تربيةٍ، في مصالحِ دينِهِم ودنياهُم.
{
وَالْمَسَاكِين }:
وهم
الذين أسكنَتْهُم الحاجةُ والفقرُ،
فلم
يحصلُوا على كفايتِهِم، ولا كفايةِ مَنْ يمونُونَ،
فأمرَ
اللهُ تَعالَى بالإحسانِ إليهِم، بسدِّ خلَّتِهِم، وبدفعِ فاقتِهِم،
والحضِّ
على ذلكَ، والقيامِ بما يمكنُ منْهُ.
{
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى }:
أي:
الجارِ القريبِ، الذي لهُ حقَّانِ: حقُّ الجوارِ، وحقُّ القرابةِ،
كذلكَ
{ وَالْجَارِ
الْجُنُبِ }:
أي:
الذي ليسَ لهُ قرابَةٌ.
{
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ }:
قيلَ:
الرَّفيقُ في السَّفرِ،
وقيلَ:
الزَّوجةُ،
وقيلَ
الصَّاحبُ مطلقًا، ولعلَّهُ أولَى،
{
وَابْنَ السَّبِيلِ }:
وهو:
الغريبُ الذي احتاجَ في بلدِ الغربةِ، أو لمْ يحتَجْ،
فلهُ
حقٌّ على المُسلِمِينَ، لشدَّةِ حاجتِهِ، وكونِهِ في غيرِ وطنِهِ،
بتبليغِهِ
إلى مقصودِهِ، أو بعضِ مقصودِهِ، وبإكرامِهِ وتأنيسِهِ.
{
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }:
أي: من
الآدَمِيِّينِ، والبهائمِ،
بالقيامِ
بكفايتِهِم، وعدمِ تحميلِهِم ما يشقُّ عليهِم، وإعانتِهِم على ما يتحمَّلُونَ،
وتأديبِهِم لما فيهِ مصلحتُهُم.
فمَنْ
قامَ بهذهِ المأموراتِ،
فهو
الخاضِعُ لربِّهِ، المُتواضعُ لعبادِ اللهِ، المُنقادُ لأمرِ اللهِ وشرعِهِ،
الذي
يستحقُّ الثَّوابَ الجزيلَ، والثَّناءَ الجميلَ.
ومَنْ
لمْ يقُمْ بذلكَ،
فإنَّهُ
عبدٌ مُعرِضٌ عنْ ربِّهِ، غيرُ منقادٍ لأوامرِهِ، ولا متواضِعٌ للخلْقِ،
بلْ هوَ
مُتكبِّرٌ على عبادِ اللهِ تَعالَى، معجَبٌ بنفسِهِ، فخورٌ بقولِهِ،
ولهذا
قال الله تَعالَى:
{
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا }:
أي:
معجَبًا بنفسِهِ، متَكبِّرًا على الخلْقِ،
{
فَخُورًا }:
يثنِي
على نفسِهِ، ويمدحُها على وجهِ الفخرِ، والبطرِ على عبادِ اللهِ، والعياذُ باللهِ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) ( 37 )
{
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ }:
أي:
يمنعُون ما عليهِم منَ الحقوقِ الواجبةِ.
{
وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ }:
بأقوالِهِم
وأفعالِهِم،
{
وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }:
أي: منَ
العلمِ الذي يهتدِي بهِ الضَّالُّون، ويسترشدُ بهِ الجاهِلُون،
فيكتمُونَهُ
عنْهُم، ويُظهِرُون لهُم منَ الباطلِ، ما يحولُ بينَهُم، وبينَ الحقِّ.
فجمعُوا
بينَ البخلِ بالمالِ، والبخلِ بالعلمِ، وبينَ السَّعيِ في خسارةِ أنفسِهِم، وخسارةِ
غيرِهِم، وهذه هي صفاتُ الكافِرِينَ،
فلهذا ختمَ
اللهُ عزَّ وجلَّ، بقولِهِ:
{
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا }:
أي:
كما تكبَّرُوا على عبادِ اللهِ، ومنعُوا حقوقَهُ، وتسبَّبُوا في منعِ غيرِهِم، منَ
البخلِ وعدمِ الاهتداءِ،
أهانَهُم
اللهُ بالعذابِ الأليمِ، والخزيِ الدَّائمِ.
فعياذًا
بكَ اللَّهُمَ، منْ كلِّ سوءٍ.
فجمعَ
اللهُ في وصفِهِم، بينَ البخلِ بالمالِ، والبخلِ بالعلمِ،
وهذا
دليلٌ على أنَّهُما قرينَينِ يقترنَانِ،
فالبخلُ
ليسَ كما نفهمُهُ، بالمالِ فقطِ،
لا،
فالبخلُ قدْ يكونُ في النَّصيحةِ، والتَّوجيهِ، والتَّربيةِ، والاسترشادِ، والعلمِ.
والسَّخيُّ
سخيٌّ، سواءً كانَ في مالِهِ، أو علمِهِ، أو قولِهِ، أو نصيحتِهِ، أو توجيهِهِ، أو
إرشادِهِ،
والبخيلُ
بخيلٌ، في كلٍّ ممَّا سبقَ.
نسألُ
اللهَ العافيةَ والسَّلامةَ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
سبحانَكَ
اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ
اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا
معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى
اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق