بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجهُ
التاسعُ من سورة النِّساء
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ) ( 38 )
يخبرُ
اللهُ تَعالَى عنِ النَّفقةِ الصَّادرةِ، عنْ رياءٍ وسمعةٍ، وعدمِ إيمانٍ بهِ،
والعياذُ باللهِ!
فيُعمَلُ
العملُ لأجلِ النَّاسِ، ونيلِ مدحِهِم، وثنائِهِم، ومحبَّتِهِم، وهذا أمرٌ عظيمٌ!
فقالَ:
{
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ }:
ما هدفُهُم،
وغايتُهُم، ومقصودُهُم، يا ربِّ!
رئاءَ
النَّاسِ.
لماذا؟
لأنَّهُم:
{ لَا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ }:
لأنَّهُ
لو كانَ لديهِم يقينًا تامًّا، أنَّ ما قدَّمُوهُ للهِ، سيلاقونَهُ يومَ القيامةِ،
لما قدَّمُوا للنَّاسِ.
أي:
ليسَ إنفاقُهُم صادرًا عنْ إخلاصٍ، وإيمانٍ باللهِ، ورجاءِ ثوابِهِ.
وما
الذي يُعينُ على ذلكَ؟
الشَّيطانُ،
فهو أكبرُ وسيلةٍ، تجعلُك تعملُ العملَ لأجلِ النَّاسِ،
فلهذا
قالَ:
{
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا }:
وهذه
مسألةٌ خطيرةٌ جدًا.
فأحيانًا
نقدِّمُ العملَ، ونرَى النَّاسَ يثنُونَ علينا، فنزيدُ ونزيدُ، ولا ندرِي،
ثمَّ
يذهبُ أجرُ العملِ - والعياذُ باللهِ!
{
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا }:
أي:
بئسَ المُقارِنُ، والصَّاحبُ الذي يريدُ إهلاكَ مَنْ قارَنَهُ، ويسعَى فيهِ أشدَّ
السَّعيِ.
فكما
أنَّ منْ بخلَ بما آتَاهُ اللهُ،
فكذلكَ
منْ أنفقَ وتعبَّدَ لغيرِ اللهِ،
فكلاهُما
سواءٌ، ولنْ يجدَا أعمالَهُما يومَ القيامةِ.
اللَّهُمَ
ارحمْنا برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمِينَ!
لأنَّ
اللهَ إنَّما أمرَ بطاعتِهِ، وامتثالِ أمرِهِ، على وجهِ الإخلاصِ،
كما
قالَ تَعالَى:
{
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }:
فهذا
العملُ المقبولُ، الذي يستحقُّ صاحبُهُ المدحَ والثَّوابَ يومَ القيامةِ،
أمَّا
غيرُهُ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ:
(
تركتُهُ، وشركِهِ )
اللَّهُمَ
ارحمْنا برحمتِكَ، يا أرحمَ الرَّاحِمِينَ!
أيَّها
الأخُ- لا تجعلْ هدفَك رضَا النَّاسِ، وثناءَهُم
إذا
أرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يرفعَك، وكانَ لك مصلحةٌ في نفسِك، يعلمُها اللهُ،
سهّلَ
لك كلَّ الأمورِ التي ترفعُك - سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!
فلا
تسعَى أنت لرفعِ نفسِك، ولا تبذُلْ منْ أجلِ ذلكَ.
مَنِ
الرَّافعُ والخافِضُ؟!
إلا
اللهُ جلَّ وعَلا، الذي بيدِهِ ملكوتُ السَّمواتِ والأرضِ،
هو
الخالقُ المالكُ المدبِّرُ جلَّ وعَلا- في هذا الكَونِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ۚ
وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا ) ( 39 )
{
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ }:
ما
الذي يضرُّهُم،
أي:
أيُّ شيءٍ عليهِم، وأيُّ حرَجٍ، ومشقَّةٍ، تلحقُهُم،
{ لَوْ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ }:
لو حصلَ
منْهُم الإيمانُ باللهِ، الذي هو الإخلاصُ،
وأنفقُوا
منْ أموالِهِم، التي رزقَهُم اللهُ، وأنعمَ بها عليهِم،
فجمعُوا
بينَ الإخلاصِ والإنفاقِ،
ولمَّا
كانَ الإخلاصُ سرًّا بينَ العبدِ، وبينَ ربِّهِ، لا يطَّلِعُ عليهِ إلَا اللهُ،
أخبرَ تَعالَى
بعلمِهِ بجميعِ الأحوالِ،
فقالَ:
{
وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا }:
مُطَّلِعٌ
على أحوالِهِم، كلِّها
فاللهُ
عزَّ وجلَّ يعلمُ إذا قدَّمْت العملَ لهُ، أو لغيرِهِ
فلا
يستطيعُ أحدٌ أنْ يأتيَ يومَ القيامةِ، ويقولَ: قدْ قدَّمْتُ هذا العملَ لكَ
ياربِّ!
وهو
غنيٌّ عنَّا، فإذا أشركْنا معَهُ أحدًا تركَنا -سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ
أَجْرًا عَظِيمًا ) ( 40 )
بعدَ
أنْ ذكرَ اللهُ أنَّهُ:
{
وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا }:
فهو
يعلمُ نيَّاتِنا، ومقصودَنا، وسيحاسبُنا عليها يومَ القيامةِ،
قالَ:
{
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }:
وكأنَّهُ
يقولُ: أنا لنْ أظلمَكُم مقدارَ ذرَّةٍ،
والذرَّةُ
متناهِيةٌ في الصِّغرِ، ولذا ذكرَها اللهُ عزَّ وجلَّ في هذهِ الآيةِ.
يخبرُ تَعالَى
عنْ كمالِ عدلِهِ، وفضلِهِ، وتنزُّهِهِ،
عمَّا
يضادُّ ذلك منَ الظُّلمِ القليلِ، والكثيرِ،
فقالَ:
{
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }:
أي: لا
ينقصُها منْ حسناتِ عبدِهِ ،أو يزيدُها في سيِّئاتِهِ أبدًا - جلَّ وعَلا،
انظرْ
إلى فضلِهِ، لا إلهَ إلّا اللهُ!
{
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا }:
أي:
إلى عشرةِ أمثالِها، إلى أكثرِ منْ ذلكَ،
بحسبِ حالِها، ونفعِها، وحالِ صاحبِها،
إخلاصًاـ ومحبَّةً، وكمالًا.
وهذا
منْ رحمتِهِ، وعفوِهِ، وإحسانِهِ، وفضلِهِ،
وجودِهِ، وكرمِهِ، سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!
فلنْ
يزيدَ لنا في السَّيئةِ أبدًا، بينَما يضاعفُ الحسنةَ التي نعملُها.
أهذا
فقطْ؟
لا،
بلْ:
{
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }:
أي:
زيادًة على ثوابِ العملِ بنفسِهِ،
منَ
التَّوفيقِ لأعمالِ أُخَرٍ، وإعطاءِ البرِّ الكثيرِ، والخيرِ الغزيرِ.
يفتحُ
اللهُ لك، وإذا فتحَ اللهُ لك، فلا يستطيعُ أحدٌ أنْ يغلقَ بابَهُ.
وفضلُ
اللهِ واسعٌ!
{
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }:
مِنْ أينَ
الأجرُ العظيمُ؟
هذا لم
يذكرْهُ، ويخصّهُ في الدُّنيا أو في الآخرةِ،
فمعنى
ذلك أنَّهُ يشملُ الدُّنيا والآخرةَ.
نعرفُ
الآنَ على أيِّ أساسٍ تكونُ مضاعفةُ الحسناتِ، والأجرُ العظيمُ،
بحسبِ
حالِها، ونفعِها، وحالِ صاحبِها، إخلاصًا ومحبَّةً وكمالًا.
فنفعُك
لواحدٍ، على خلافِ النَّفعِ المتَعدِّي إلى ألفٍ، أو مائةِ ألفٍ مثلًا!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن
كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ) ( 41 )
ثمَّ
قالَ تَعالَى:
{
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ }:
أي:
كيفَ تكونُ تلكَ الأحوالُ، وكيفَ يكونُ ذلكَ الحكمُ العظيمُ،
الذي
جمعَ أنَّ منْ حكمَ بهِ، كاملُ العلمِ، كاملُ العدلِ، كاملُ الحكمةِ -سُبحانَهُ
جلَّ وعَلا،
بشهادةِ
أزكَى الخلقِ، وهُمُ الرُّسلُ على أممِهِم، معَ إقرارِ المحكُومِ عليهِ؟
فهذا
-واللهِ- الحكمُ الذي هو أعمُّ الأحكامِ، وأعدلُها، وأعظمُها.
{
وَجِئْنَا بِكَ }:
يا
مُحَمَّدُ!
{
عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا }:
فنحنُ
سنشهدُ على الأممِ السَّابقةِ، ونشهدُ للأنبياءِ أنَّهُم بلَّغُوا الرِّسالةَ،
وهناكَ
يبقَى المحكومُ عليهِم، مقِرِّينَ لهُ،
لكمالِ
الفضلِ، والعدلِ، والحمدِ، والثَّناءِ.
وهناكَ
يسعدُ أقوامٌ بالفوزِ والفلاحِ، والعزِّ والنَّجاحِ.
وعلى
العكسِ تمامًا، يشقَى أقوامٌ بالخزْيِ، والفضيحةِ، والعذابِ المهينِ.
ما
الذي أخبرَنا بذلكَ؟
أخبرَنا
القرآنُ، على لسانِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
اللَّهُمَ
اجعلْنا منْ أهل سُنَّتِكَ، وأهلِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ!
واجعلْنا
ممَّنْ يموتُ على سُنَّتِكَ، وسُنَّةِ مُحَمَّدٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، يا
ذا الجلالِ والإكرامِ!
اللَّهُمَ
اجعلْنا ممَّنْ يشربُ منْ حوضِكَ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا
يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ) ( 42 )
{
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ }:
الآن
موعدُ التأسُّفِ، والحزنِ الشَّديدِ منَ الكفَّارِ،
الذين
جمعُوا بينَ الكفرِ باللهِ وبرسولِهِ، ومعصيةِ الرَّسولِ.
يتمنَّونَ:
{ لَوْ
تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ }:
أي:
تبتلعُهُم، ويكونُون ترابًا وعدَمًا،
كما
قالَ تَعالَى:
{
وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا }:
{
وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }:
أي: بلْ
يُقِرُّونَ لهُ بما عملُوا،
وتشهدُ
عليهِم ألسنتُهُم، وأيديهُم، وأرجلُهُم بما كانُوا يعملُونَ.
يومئذٍ
يوفِّيهم اللهُ جزاءَهُم الحقَّ، ويعلمُون أنَّ اللهَ هوَ الحقُّ المبينُ - سُبحانَهُ!
فإذا
عرفُوا الحقائقَ، وشهدَتْ عليهِم جوارحُهُم، حينئذٍ ينجلِي الأمرُ، وينكشفُ، ولا
يبقَى للكُتمان موضِعٌ، ولا نفعٌ، ولا فائدةٌ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا
تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن
كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ
أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا
طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا
غَفُورًا ) ( 43 )
{ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ
تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }:
ينهَى تَعالَى
عبادَهُ المؤمِنينَ، أنْ يقرَبُوا الصَّلاةَ، وهُم سُكارَى، حتّى يعلمُوا ما يقولُونَ،
وهذا
شاملٌ لقُربانِ مواضعِ الصَّلاةِ، كالمسجدِ،
فإنَّهُ
لا يُمَكَّنُ السَّكرانُ منْ دخولِهِ.
وشاملٌ
لنفسِ الصَّلاةِ،
فإنَّهُ
لا يجوزُ للسَّكرانِ صلاةٌ، ولا عبادةٌ، لاختلاطِ عقلِهِ، وعدمِ علمِهِ بما يقولُ،
ثمَّ
قالَ:
{
وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ }:
أي: لا
تقربُوا الصَلاةَ، حالةَ كونِ أحدِكُم جنُبًا، إلَا في هذهِ الحالِ، وهوَ عابرُ
السَّبيلِ.
أي:
تمرُّونَ في المسجدِ، ولا تمكثُون فيهِ،
{
حَتَّى تَغْتَسِلُوا }:
أي:
فإذا اغتسَلْتُم، فإنَّ المنعَ يزولُ عنكُم.
{
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا }:
فأباحَ
التيمُّمَ للمريضِ مطلقًا، مع وجودِ الماءِ وعدمِهِ،
والعلَّةُ:المرضُ
الذي يشقُّ معهُ استعمالُ الماءِ،
وكذلكَ
السَّفرُ، فإنَّهُ مظنَّةُ فقدِ الماءِ،
فإذا
فقدَهُ المسافرُ، أو وجدَ ما يتعلَّقُ بحاجتِهِ منْ شربٍ ونحوِهِ، جازَ لهُ التَّيمُّمُ.
{ أَوْ
لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ }:
المرادُ
بذلكَ: الجماعُ،
فتكونُ
الآيةُ نصًّا في جوازِ التَّيمُّمِ للجنُبِ،
كما
تكاثَرَتْ بذلكَ الأحاديثُ الصَحيحةُ.
{
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً }:
لما بحثْتُم
عنِ الماءِ، وطلبتُمُوهُ، فلمْ تجدُوهُ.
{
فَتَيَمَّمُوا }:
وأنَّ
التَّيمُمَ، يكونُ بالصَّعيدِ الطَّيِّبِ،
وهو كلُّ
ما تصاعدَ على وجهِ الأرضِ، سواءً كانَ لهُ غبارٌ، أمْ لا.
ويُحتمَلُ
أنْ يختصَّ ذلكَ، بذِي الغبارِ، لأنَّ اللهَ قالَ:
{
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ }:
وما لا
غبارَ لهُ، لا يُمسَحُ بهِ.
وقولُهُ:
{
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ }:
هذا
محلُّ المسحِ في التَّيمُّمِ: الوجهُ جميعُهُ، واليدانِ إلى الكُوعَينِ،
واعلمْ
أنَّ قواعدَ الطبِّ، تدورُ على ثلاثِ قواعدَ:
حفظُ
الصِّحةِ عنِ المُؤذِياتِ، والاستفراغُ منْها، والحِميَةُ عنْها.
{
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا }:
ومنْ
عفوِهِ ومغفرتِهِ، أنَّ المؤمنَ لو أتاهُ بقرابِ الأرضِ خطايَا، ثمَّ لقيَهُ، لا
يشركُ بهِ شيئًا، لأتاهُ بقرابِها مغفرةً.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ
وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ ) ( 44 )
هذا ذمٌّ،
لِمَنْ:
{
أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ }:
وفي
ضمنِهِ تحذيرُ عبادِهِ عن الاغترارِ بهِم، والوقوعِ في أشراكِهِم،
فأخبرَ
أنَّهُم في أنفسِهِم:
{
يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ }:
أي:
يحبُّونَها محبَّةً عظيمةً، ويؤثِرونَها إيثارَ منْ يبذلُ المالَ الكثيرَ في طلبِ
ما يحبُّهُ.
فيؤثِرُون
الضَّلالَ على الهُدَى، والكفرَ على الإيمانِ، والشَّقاءَ على السَّعادةِ،
ومع
هذا:
{
يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ }:
فهُم
حريصُون على إضلالِكُم غايةَ الحرصِ، باذِلُون أقصَى جهدَهُم في ذلكَ.
والعياذُ
باللهِ!
ولهذا
قالَ:
{
وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا }:
أي:
يتولَّى أحوالَ عبادِهِ، ويلطُفُ بهِم في جميعِ أمورِهِم، ويُيَسِّرُ لهُم ما بهِ
سعادتُهُم وفلاحُهُم.
{
وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا }:
ينصرُهُم
على أعدائِهِم، ويبيِّنُ لهُم ما يحذرُون منْهُم، ويعينُهُم عليهِم.
فولايتُهُ تَعالَى
فيها حصولُ الخيرِ، ونصرُهُ فيهِ زوالُ الشَّرِّ.
إذا
نصرَك اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى، فلا غالبَ لك.
) إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن
يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ )
[ آل
عمران: 160 ]
( أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ
وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ )
كفَانا
اللهُ شرَّهُم!
سبحانَكَ
اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ
اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا
معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى
اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق