الأربعاء، أغسطس 03، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 45 إلى آية 51




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ


الوجهُ العاشرُ من سورة النِّساء



يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا ) ( 45 )

يتكلَّمُ اللهُ عزَّ وجلَّ عنْ حرصِ الكافِرِين على إضلالِ المؤمِنِين غايةَ الحرصِ، باذِلِين جهدَهُم في ذلكَ،

ولكنْ لمَّا كانَ اللهُ وليَّ عبادِهِ المُؤمِنِينَ، وناصِرَهُم،
بيَّن لهُم ما اشتملُوا عليهِ منَ الضَّلالِ، والإضلالِ،

ولهذا قالَ:
{ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا }:
أي: يتولَّى أحوالَ عبادِهِ، ويلطُفُ بهِم في جميعِ أمورِهِم، 
ويُيَسِّرُ لهُم ما بهِ سعادتُهُم وفلاحُهُم.

{ وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا }:
ينصرُهُم على أعدائِهِم، ويُبيِّنُ لهُم ما يحذَرُون منْهُم، ويعينُهُم اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى عليهِم.

فولايتُهُ تَعالَى، فيها حصولُ الخيرِ، ونصرُهُ فيهِ زوالُ الشَّرِّ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) ( 46 )

ثمَّ بيَّنَ كيفيَّةَ ضلالِهِم، وعنادِهِم، وإيثارِهِم الباطلَ على الحقِّ، فقالَ:

{ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا }:
أي: اليهودُ، وهم علماءُ الضَّلالِ منْهُم.

{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ }:
إمَّا بتغييرِ اللَّفظِ أو المعنِى، أو هما جميعًا.

فمِنْ تحريفِهِم: تنزيلُ الصِّفاتِ التي ذُكِرَتْ في كتبِهِم، التي لا تنطبقُ، ولا تصدقُ إلَا على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
على أنَّهُ غيرُ مرادٍ بها، ولا مقصودٍ بها، بلْ أريدَ بها غيرُهُ، وكتمانُهُم ذلكَ.

كتمُوا أوصافَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، التي نزلَتْ عندَهُم في التَّوراةِ.

فهذا حالُهُم في العلمِ أشرُّ حالٍ،
قلبُوا فيهِ الحقائقَ، ونزَّلُوا الحقَّ على الباطلِ، وجحدُوا لذلكَ الحقَّ،

وأما حالُهُم في العملِ، والانقيادِ، فإنَّهُم:

{ يَقُولون سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }:
أي: سمعْنا قولَكَ، وعصَينا أمرَكَ، وهذا غايةُ الكفرِ والعنادِ.
العياذُ باللهِ منْ حالِهِم!

وكذلك يخاطبُونَ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، بأقبحِ خطابٍ، وأبعدِهِ عنِ الأدبِ.

فيقولُون:
{ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ }:
قصدُهُم: اسمعْ منَّا، غيرَ مُسْمَعٍ ما تحبُّ، بل مُسْمَعٍ ما تكرهُ،

{ وَرَاعِنَا }:
قصدُهُم بذلكَ، الرُّعونةَ، بالعيبِ القبيحِ،

ويظنُّونَ أنَّ اللَّفظَ -لمَّا كانَ مُحتمِلًا لغيرِ ما أرادُوا منَ الأمورِ-
أنَّهُ يروجُ على اللهِ، وعلى رسولِهِ،

فتوصَّلُوا بذلكَ اللَّفظِ الذي يلوُونَ بهِ ألسنتَهُم،
إلى الطَّعنِ في الدِّينِ، والعيبِ للرَّسولِ، ويصرِّحُون بذلكَ فيما بينَهُم،

فلهذا قالَ:
{ لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ }

ثمَّ أرشدَهُم إلى ما هوَ خيرٌ لهُم منْ ذلكَ، فقالَ:

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ }:
وذلكَ لما تضمَّنَهُ هذا الكلامُ، منْ حسنِ الخطابِ، والأدبِ اللَّائقِ، في مخاطبةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،

والدُّخولِ تحتَ طاعةِ اللهِ، والانقيادِ لأمرِهِ،
وحسنِ التلطُّفِ في طلبِهِم العلمَ، بسماعِ سؤالِهِم، والاعتناءِ بأمرِهِم،

فينبغِي عندَ سماعِك قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ، والنَّصيحةُ أنْ تقولَ:
{ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }

فهذا هو الذي ينبغِي لهُم سلوكُهُ.

ولكنْ لما كانَتْ طبائعُهُم غيرَ زكيَّةٍ،
أعرضُوا عنْ ذلكَ، وطردَهُم اللهُ عزَّ وجلَّ، بكفرِهِم وعنادِهِم،

ولهذا قالَ:
{ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }:


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) ( 47 )

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم }:
يأمرُ تَعالَى أهلَ الكتابِ منَ اليهودِ والنَّصارَى،
أنْ يؤمِنُوا بالرَّسولِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،

وما أنزلَ اللهُ عليهِ منَ القرآنِ العظيمِ،
المُهَيمنِ على غيرِهِ منَ الكتبِ السَّابقةِ التي قدْ صدقَها،
فإنَّها أخبرَتْ بهِ،

فلمَّا وقعَ المُخبَرُ بهِ، كانَ تصديقًا لذلكَ الخبرِ.

وأيضًا فإنَّهُم إنْ لم يؤمِنُوا بهذا القرآنِ،
فإنَّهُم لم يؤمِنُوا بما في أيديهِم منَ الكتبِ،

لأنَّ كتبَ اللهِ يصدقٌ بعضُها بعضًا، ويوافقُ بعضُها بعضًا.
وجميعُها منَ اللهِ عزَّ وجلَّ.

فدعوَى الإيمانِ ببعضِها دونَ بعضٍ، دعوًى باطلةٌ لا يمكنُ صدقُها.

فموسَى نبيٌّ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وكذلكَ عيسَى، ومُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

وفي قولِهِ:
{ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ }:
حثٌّ لهُم، وأنَّهُم ينبغِي أنْ يكونُوا قبلَ غيرِهِم، مُبادِرِين إليهِ.

بسببِ ما أنعمَ اللهُ عليهِم بهِ منَ العلمِ،
والكتابِ الذي يوجبُ أنْ يكونَ ما عليهِم أعظمُ منْ غيرِهِم،

ولهذا توعَّدَهُم على عدمِ الإيمانِ، فقالَ:

{ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا }:
وهذا جزاءٌ منْ جنسِ ما عملُوا،

كما تركُوا الحقَّ، وآثرُوا الباطلَ،
وقلبُوا الحقائقَ، فجعلُوا الباطلَ حقًّا، والحقَّ باطلًا،

جوزُوا منْ جنسِ ذلكَ،
بطمسِ وجوهِهِم، كما طمسُوا الحقَّ، وردِّها على أدبارِها،

بأنْ تُجعَلَ في أقفائِهِم، وهذا أشنعُ ما يكونُ، والعياذُ باللهِ!

{ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ }:
بأنْ يطردَهُم منْ رحمتِهِ،

ويعاقبَهُم بجعلِهِم قردَةً، كما فعلَ بإخوانِهِم الذين اعتدَوا في السَّبتِ.
{ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ }:

{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا }:
كانَ أمرًا مُنتهِيًا، قدْ قضاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ.

وإذا قضَى اللهُ عزَّ وجلَّ أمرًا، فلا رادَّ لأمرِهِ سُبحانَهُ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ) ( 48 )

هذهِ الآيةُ منْ أعظمِ الآياتِ في سورةِ النِّساءِ.

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ }:
يخبرُ اللهُ تَعالَى: أنَّهُ لا يغفرُ لمَنْ أشركَ بهِ أحدًا منَ المخلُوقِينَ،

ويغفرُ ما دونَ الشِّركِ منَ الذُّنوبِ، صغائرِها وكبائرِها،

وذلكَ عندَ مشيئتِهِ مغفرةَ ذلكَ، إذا اقتضَتْ حكمتُهُ مغفرتَهُ.

فالذُّنوبُ التي دونَ الشِّركِ، قدْ جعلَ اللهُ لمغفرتِها أسبابًا كثيرةً، كالحسناتِ الماحيةِ.
لقولِهِ تَعالَى:
( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )
[ هود: 114]

والمصائبُ والبلايَا المكفِّرةِ، التي تصيبُ الإنسانَ في الدُّنيا،
والبرزخِ ويومَ القيامةِ،
وكدعاءِ المؤمِنِينَ بعضِهِم لبعضٍ، وبشفاعةِ الشَّافعِينَ.
ومنْ فوقِ ذلكَ كلِّهِ، رحمتُهُ التي أحقَّ بها أهلَ الإيمانِ والتَّوحيدِ.

وهذا بخلافِ الشِّركِ،
فإنَّ المُشرِكَ قدْ سدَّ على نفسِهِ أبوابَ المغفرةِ، وأغلقَ دونَهُ أبوابَ الرَّحمةِ،
فلا تنفعُهُ الطَّاعاتُ منْ دونِ التَّوحيدِ، ولا تفيدُهُ المصائبُ شيئًا.

ولهذا قالَ تَعالَى:
{ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }:
أي: افترَى جرمًا كبيرًا.

وأيُّ ظلمٍ أعظمُ ممَّنْ سوَّى المخلوقَ - منْ ترابٍ، الفقيرَ بذاتِهِ منْ كلِّ وجهٍ،
الذي لا يملكُ لنفسِهِ- فضلًا عمَّنْ عبدَهُ -نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً، ولا نشورًا-

بالخالقِ لكلِّ شيءٍ،
الكاملِ منْ جميعِ الوجوهِ، الغنيِّ بذاتِهِ عنْ جميعِ مخلوقاتِهِ،
الذي بيدِهِ النَّفعُ والضُّرُّ، والعطاءُ والمنعُ،
الذي ما منْ نعمةٍ بالمخلوقِينَ إلّا فمنْهُ تَعالَى،

فهلْ أعظمُ منْ هذا الظُّلمِ شيءٌ؟
ليسَ هناكَ أعظمُ جرمًا، منْ عبادةِ، ورجاءِ غيرِ اللهِ.

هو الذي خلقَنا، ورزقَنا، وأطعمَنا، وسوَّانا، وأعطَانا.

ولهذا حتَّمَ على صاحبِهِ، بالخلودِ بالعذابِ، وحرمانِ الثَّوابِ:
{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }:


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) ( 49 )

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم }:
هذا تعجيبٌ منَ اللهِ لعبادِهِ، وتوبيخٌ للذينَ يزكُّونَ أنفسَهُم منَ اليهودِ والنَّصارَى،
ومنْ نَحا نحوَهُم، منْ كلِّ منْ زكَّى نفسَهُ، بأمرٍ ليسَ فيهِ.

وذلكَ أنَّ اليهودَ والنَّصارَى، يقولُون:
{ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }:

ويقولُون:
{ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى }:

وهذا مجرَّدُ دعوَى، لا برهانَ عليها،

وإنَّما البرهانُ ما أخبرَ بهِ في القرآنِ، في قولِهِ:
{ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }:

فهؤلاءِ، هُم الذينَ زكَّاهُم اللهُ، ولهذا قالَ هُنا:

{ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ }:
أي: بالإيمانِ، والعملِ الصَّالحِ،
بالتخلِّي عن الأخلاقِ الرَّذيلةِ، والتَّحلِّي بالصفاتِ الجميلةِ.

اللَّهُمَ جمِّلْنا يا حيُّ يا قيُّومُ، بأجملِ الأخلاقِ!

اللَّهُمَ اهدِنا لأحسنِ الأخلاقِ، لا يهدِي لأحسنِها إلا أنتَ،
واصرِفْ عنَّا سيِّئَها، لا يصرفُ عنَّا سيِّئَها إلّا أنتَ.

وأمَّا هؤلاءِ فهُم -وإنْ زكَّوا أنفسَهُم بزعمِهِم أنَّهُم على شيءٍ، وأنَّ الثَّوابَ لهُم وحدَهُم-
فاللهُ المستعانُ!

إنَّهُم:
{ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا }:


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا ) ( 50 )

{ انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ }:
أي: بتزكيتِهِم أنفسَهُم، لأنَّ هذا منْ أعظمِ الافتراءِ على اللهِ.

لأنَّ مضمونَ تزكيتِهِم لأنفسِهِم،
الإخبارُ بأنَّ اللهَ جعلَ ما هُم عليهِ حقًّا، وما عليهِ المؤمِنُونَ المُسلِمونَ باطلًا.

وهذا أعظمُ الكذبِ، وقلبُ الحقائقِ، بجعلِ الحقِّ باطلًا، والباطلِ حقًّا.

ولهذا قالَ:
{ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا }:
أي: ظاهرًا بيِّنًا، موجِبًا للعقوبةِ البليغةِ، والعذابِ الأليمِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى، في ختامِ الوجهِ:
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ) ( 51 )

وهذا منْ قبائحِ اليهودِ، وحسدِهِم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، والمؤمِنِينَ،

وأنَّ أخلاقَهُم الرَّذيلةَ، وطبعَهُم الخبيثَ، حملَهُم على تركِ الإيمانِ باللهِ ورسولِهِ،
والتعوُّضِ عنْهُ بالإيمانِ بالجبتِ والطَّاغوتِ،
وهو الإيمانُ بكلِّ عبادةٍ لغيرِ اللهِ، أو حكمٍ بغيرِ شرعِ اللهِ.

فدخلَ في ذلكَ السِّحرُ والكَهانةُ، وعبادةُ غيرِ اللهِ، وطاعةِ الشَّيطانِ،
كلُّ هذا منَ الجبتِ والطَّاغوتِ.

وكذلك حَمَلَهُم الكفرُ والحسدُ على أنْ فضَّلُوا طريقةَ الكافِرِينَ باللهِ -عبدةِ الأصنامِ-
على طريقِ المؤمِنِينَ،

فقالَ:
{ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا }:
أي: لأجلِهِم، تملُّقًا لهُم ومداهَنةً، وبغضًا للإيمانِ، وأهلِهِ:

{ هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا }:
أي: طريقًا.

فما أسمجَهُم، وأشدَّ عنادِهِم، وأقلَّ عقولِهِم!

كيف سلكُوا هذا المسلكَ الوخيمَ، والواديَ الذَّميمَ؟

هل ظنُّوا أنَّ هذا يروجُ على أحدٍ منَ العقلاءِ، أو يدخلُ عقلَ أحدٍ منَ الجهَلاءِ،

فهلْ يُفَضَّلُ دينٌ قامَ على عبادةِ الأصنامِ والأوثانِ،
واستقامَ على تحريمِ الطيِّباتِ، وإباحةِ الخبائثِ، وإحلالِ كثيرٍ منَ المحَّرماتِ،
وإقامةِ الظُّلمِ بينَ الخلقِ،
وتسويةِ الخالقِ بالمخلوقِينَ، والكفرِ باللهِ، ورسلِهِ، وكتبِهِ،

على دينٍ قامَ على عبادةِ الرَّحمَنِ،
والإخلاصِ للهِ في السِّرِّ والإعلانِ، والكفرِ بما يُعبَدُ منْ دونِهِ منَ الأوثانِ والأندادِ والكاذِبِينَ،
وعلى صلةِ الأرحامِ، والإحسانِ إلى جميعِ الخلقِ، حتى البهائمَ،
وإقامةِ العدلِ والقسطِ بينَ النَّاسِ،
وتحريمِ كلِّ خبيثٍ وظلمٍ، والصِّدقِ في جميعِ الأقوالِ والأعمالِ،

فهلْ يستَوِي هذا مع ذلكَ؟!

وصاحبُ هذا القولِ، إمَّا منْ أجهلِ النَّاسِ، وأضعفِهِم عقلًا،
وإمَّا منْ أعظمِهِم عنادًا وتمرُّدًا ومُراغَمَةً للحقِّ،

نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!



سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.

اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.

وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.






ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق