الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة الأنعام من آية 53 إلى آية 59






بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجهُ السَّابعُ من سورة الأنعام


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) ( 53)

بعدَ أنْ ذكرَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى موقفَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ منَ الفقراءِ والبُسطاءِ،
وكيفيَّةَ وآليَّةَ التَّعاملِ معَهم في مجالسِ الذِّكرِ،

زادَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى فتنةً للكفَّارِ،
فقالَ:

{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا }:
خطابٌ قويٌّ منَ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى للكفَّارِ،

فكَونُ الفقراءِ والمساكينِ يجلِسُون في هذا المجلسِ،
وتكونُ لهُم الخاصِّيةُ في مجالسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
وهذا يغيظُكُم،
بل جعلناهُ فتنةً لكُم،

حتى تقولُوا:
{ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا }:

{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ }:
فهذهِ فتنةٌ، كونُ الفقراءِ هُم الذين يتسابقُون إلى هذهِ المجالسِ، مجالسِ الذِّكرِ والإيمانِ،
هذا فتنةٌ للأغنياءِ،

حتى أنَّ بعضَهُم يقولُ:
{ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا }:

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ }:
فلا يوجدُ حسبٌ ونسبٌ بينَك وبينَ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى،
والشَّاكرُ الحقيقيُّ هو الذي يمنُّ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى عليهِ.

ولا شكَّ أنَّ نعمةَ الهدايةِ منَّةٌ منْ مِنَنِ اللهِ،
بل هي أعظمُ منَنِ ونِعَمِ الله سُبحانَهُ وتَعالَى،

نعمةُ الصَّلاحِ والتَّوفيقِ والحكمةِ والعقلِ والفهمِ والإدراكِ والتَّعقُّلِ أعظمُ النِّعمِ.
وليسَ المالُ والشَّهواتُ أعظمَ النِّعمِ.

أيخفى عليهِ سُبحانَهُ جلَّ وعَلا الشَّاكِرُون؟!
أم تخفَى عليهِ حقيقةُ الشُّكرِ؟!

{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ }:
أي: هذا من ابتلاءِ اللهِ لعبادِهِ،
حيث جعلَ بعضَهُم غنيًّا، وبعضَهُم فقيرًا،
وبعضَهُم شريفًا، وبعضَهُم وضيعًا،

فإذا مَنَّ اللهُ بالإيمانِ على الفقيرِ أو الوضيعِ؛
كان ذلك محلَّ محنةٍ للغنيِّ والشَّريفِ.

فإن كان قصدُهُ الحقَّ واتِّباعَهُ، آمنَ وأسلمَ،
ولم يمنعْهُ من ذلك مُشارِكُهُ الذي يرَاهُ دونَهُ بالغنَى أو الشَّرفِ،

أي إذا دخلَ الإيمانُ فعلًا شغافَ قلِبِهِ، ووقرَ فيهِ،
فلا يهمُّهُ إنْ كانَ الجالسُ معَهُ غنيًّا أم فقيرًا، شريفًا أمْ وضيعًا،

وإنْ لم يكن صادقًا في طلبِ الحقِّ، كانت هذهِ ردَّةُ فعلهِ،
أي إنْ كانَتْ المسألةُ هوًى وحظوظَ نفسٍ، دخلَ فيها ما دخلَ.

فلننتبِهَ ولنحدِّدَ الرؤيةَ والمقاصدَ، فلا تختلطُ علينا الأمورُ.

حتى في تصرُّفاتِكَ وأفعالِكَ عندما تكون لديك رؤيةٌ واضحةٌ،
وهدايتُك للهِ عزَّ وجلَّ تتسهَّلُ عليك كلُّ الأمورِ،

فلا نُكبِرُ بعضَ النَّاسِ فقطْ لأنَّهُ ابنُ أو ابنةُ فلانٍ أو فلان،
ونُقلِّلُ منْ بعضِ النَّاسِ لأنَّهُ ابنُ أو ابنةُ فلانٍ أو فلان.


{ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا }:
فمنعَهُم هذا منْ اتِّباع الحقِّ،

قالَ اللهُ مجيبًا لهُم:
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ }:

الذين يعرفُون النِّعمَة، ويقرُّون بها،
ويقومُون بما تقتضِيهِ منَ العملِ الصَّالحِ،

فإنَّ الله تَعالَى حكيمٌ، لا يضعُ فضلَهُ عندَ منْ ليسَ لهُ بأهلٍ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( 54)

{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ }:
أي: وإذا جاءَكَ المؤمِنُون، فحَيِّهِم ورحِّب بهِم،
ولَقِّهم منْكَ تحيةً وسلامًا،

وبشِّرْهُم بما ينشِّطُ عزائمَهُم وهممَهُم، منْ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وسَعةِ جودِهِ وإحسانِهِ،
وحُثَّهُم على كلِّ سببٍ وطريقٍ، يوصلُ لذلك.

ورَهِّبْهُم منَ الإقامةِ على الذُّنوبِ، وأْمُرْهُم بالتَّوبةِ منَ المعاصِي،
لينالُوا مغفرةَ ربِّهِم وجودِهِ.

فالله سُبحانَهُ وتَعالَى أعطَى في سورةِ الأنعامِ منهجًا واضحًا،
وطريقةً مُبينةً كيف نتعاملُ مع الفقيرِ المؤمنِ.

وإنْ كانَ ذلك يخالفُ هوًى الغنيِّ الذي يكونُ منَ المُسلِمين،

فهناك آليَّةٌ ذكرَها اللهُ في سورة الأنعامِ:
فلا يُطرَدُ منَ المجالسِ لأنَّهُ فقيرٌ.

ولا شكَّ أنَّ سورةَ الأنعامِ سورةٌ عظيمةٌ - أيَّها الإخوةُ -،
كلُّها في تعزيزِ الإيمانِ الصَّحيحِ القويِّ،

وأغلُبها ذُكِرَت فيهِ الشُّبهاتُ القويَّةُ، والفتنُ العظيمةُ،
وكيفيَّةُ التَّعاملِ معها،
ومنْها هذهِ الفتنةُ.

فكَونُ بعضِ المجالسِ لا يكونُ فيها إلا الفقراءُ،
يكونُ في النَّفسِ شيءٌ،

كيف وأنا ابن فلانٍ، من الحيِّ الفلانيِّ، والمنطقةِ الفلانيَّةِ، أجلسُ معَ هؤلاءِ البسطاءِ!

وستأتي فتنٌ أخرَى أيضًا في سورةِ الأنعامِ غير هذهِ الفتنةِ.

ولهذا قالَ:

{ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ }:
أي: فلا بدَّ مع تركِ الذُّنوبِ والإقلاعِ، والنَّدمِ عليها،
من إصلاحِ العملِ، وأداءِ ما أوجبَ اللهُ،
وإصلاحِ ما فسدَ من الأعمالِ الظَّاهرةِ والباطنةِ.

فإذا وُجِدَ ذلك كلُّهُ:
{ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }:
أي: صبَّ عليهِم منْ مغفرتِهِ ورحمتِهِ، بحسبِ ما قامُوا بهِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) ( 55)

{ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ }:
أي: نُوضِّحُها ونُبيِّنُها،
ونُميِّزُ بين طريق الهُدَى والحقِّ من الضَّلالِ، والغيِّ والرَّشادِ،
ليهتديَ بذلك المُهتَدون.

{ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }:
تتَّضحَ سبيلُ المُجرِمين، ستأتي فتنٌ عظيمةٌ،
حتى أنَّ الحقَّ لا يُعرفُ، ويُلبَّسُ عليهِ.

{ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }:
الموصِلةِ إلى سخطِ اللهِ وعذابِهِ،

فإنَّ سبيلَ المُجرِمين إذا استبانَتْ واتَّضحَتْ، أمكنَ اجتنابُها، والبعدُ منْها،

وهذه الفتنُ التي ذُكرَت لا بدَّ أنْ نحترزَ منْها, ونعرفَ طريقةَ وآليَّةَ التَّعاملِ معها.

فما ذُكِرَ يُعتَبَرُ المنهجُ الصَّحيحُ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في التَّعاملِ مع الأغنياءِ والفقراءِ.

ولا شكَّ أنَّ وجودَ الفقراءِ في المجالسِ فتنةٌ للأغنياءِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۚ قُل لَّا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ ۙ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) ( 56)

يقولُ اللهُ تَعالَى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:

{ قُلْ }:
لهؤلاء المُشرِكين الذين يدعون معَ اللهِ آلهةً أخرَى:

{ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }:
منَ الأندادِ والأوثانِ،
التي لا تملكُ نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا،
فإنَّ هذا باطلٌ،

ولهذا قالَ:

{ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا }:
أي: إنْ اتَّبَعْتُ أهواءَكُم،

فما النَّتيجةُ؟

{ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }:
لنْ أكونَ منَ المُهتدِين،
إنْ اتَّبعتُ أهواءَ النَّاسِ وما يريدُونهُ, وحاولْتُ إرضاءَهُم.

اتِّباُع أهواءِ النَّاسِ يعني الابتعادَ عن الهُدَى.

فإذا كنْت في مجلسٍ، وقامَ النَّاسُ فيهِ ببعضِ الأمورِ التي لا تُرضِي اللهَ،
وجاريْتهُم إرضاءً لأهوائِهِم، وتجنبًا لزعلِهم،
فالنَّتيجةُ هي الابتعادُ عنِ الهدايةِ.

وكلَّما كرَّرْت فعلَك مرَّةً ثانيةً،
ازدادَت مسافةُ البعدِ عنِ الهدايةِ، بزيادةِ إرضاءِ هوَى النَّاسِ، وهكذا.

وكلَّما اتَّبعْت الحقَّ، ولم تتَّبِعْ هوَى النَّاسِ، كلَّما زادَ عندَك الهُدَى.

واللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى عادلٌ حكيمٌ ، جلَّ وعَلا.

{ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }:
بوجهٍ من الوجوهِ.

وأمَّا ما أنا عليهِ، منْ توحيدِ اللهِ وإخلاصِ العملِ لهُ،
فإنَّهُ هو الحقُّ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) ( 57)

{ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي }:
أي: أنا على يقينٍ مبينٍ، بصحَّتِهِ، وبطلانِ ما عداهُ،
على بيِّنةٍ: على وضوحٍ وهدايةٍ.

فطريقِي واضحٌ، ولا يحتاجُ توضيحًا أكثرَ،
أتلقَّاهُ عن ربِّ العالَمِين، وليسَ عنْكُم أنتُم، أيُّها البسطاءُ منَ النَّاسِ.

{ وَ }:
لكنَّكُم أيها المُشرِكُون –

{ كَذَّبْتُم بِهِ }:
وهو لا يستحقُّ هذا منْكُم، ولا يليقُ بهِ إلا التَّصديقُ،

وإذا استمرَرْتُم على تكذيبِكُم،

فاعلموا أنَّ العذابَ واقعٌ بكم لا محالةَ،
وهو عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.

{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ }:
فكما أنَّهُ هو الذي حكمَ بالحُكمِ الشَّرعيِّ، فأمرَ ونهَى،

فإنَّهُ سيحكمُ بالحكم الجزائيِّ،
فيثيبُ ويعاقبُ، بحسب ما تقتضيهِ حكمتُهُ.

فالحكم ثلاثةُ أنواعٍ:
- الحُكمُ الشَّرعيِّ: الأوامرُ والنَّواهِي التي حكمَ الله بها.

- الحُكمُ الجزائيِّ: أنَّ اللهَ وحدَهُ هو الذي يثيبُ ويعاقبُ، سُبحانَهُ جلَّ وعَلا
فإذا علمْت ذلك، فلا تتَّبِعْ النَّاسَ، فلنْ يثيبُوك، ولنْ يعاقبُوك، وليسَ لهُم منَ الأمرِ شيءٌ.

- الحُكمُ القَدَريِّ: فاللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى يتحكَّمُ بالكَونِ، وهو قانتٌ للهِ عزَّ وجلَّ،
وكل ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ تحتَ حكمِهِ سُبحانَهُ وتَعالَى.

{ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ }:
بينَ عبادِهِ، في الدُّنيا والآخرةِ، فيفصلُ بينَهُم فصلًا، يحمدُهُ عليهِ، حتى منْ قضَى عليهِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ) ( 58)

{ قُل }:
للمُستعجِلين بالعذابِ، جهلًا وعنادًا وظلمًا،

{ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }:
فأوقعتُهُ بكُم ،ولا خيرَ لكُم في ذلك،

ولكنَّ الأمرَ، عندَ الحليمِ الصَّبورِ، سُبحانَهُ جلَّ وعَلا،
الذي يعصيهِ العاصَون، ويتجرَّأُ عليه المُتَجرِّئُون، وهو يعافِيهِم، ويرزقُهُم.

{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ }:
لا يخفَى عليهِ منْ أحوالِهِم شيءٌ، فيُمهلُهُم ولا يُهملُهُم.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( 59)

هذه الآيةُ العظيمةُ، منْ أعظمِ الآياتِ تفصيلًا لعلمِهِ عزَّ وجلَّ المحيطِ،
وأنَّهُ شاملٌ للغيوبِ كلِّها، التي يُطلِعُ منْها ما شاءَ منْ خلقِهِ.

وكثيرٌ منها طوَى علمَهُ عنِ الملائكةِ المقرَّبين، والأنبياءِ المُرسَلين،

وأنَّهُ يعلمُ ما في البرارِي والقفارِ، منَ الحيواناتِ، والأشجارِ، والرِّمالِ والحصَى، والتُّرابِ،
وما في البحارِ منْ حيواناتِها، ومعادنِها، وصيدِها، وغيرِ ذلك.

{ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ }:
من أشجارِ البرِّ والبحرِ، والبلدانِ والقفرِ، والدُّنيا والآخرةِ، إلا يعلمُها.

اللهُ أكبرُّ!

{ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ }:
منْ حبوبِ الثِّمارِ والزُّروعِ، وحبوبِ البذورِ التي يبذرُها الخلقُ؛
وبذورِ النَّوابتِ البريَّةِ التي يُنشئُ منْها أصنافَ النَّباتاتِ.

{ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ }:
هذا عمومٌ بعدَ خصوصٍ.

{ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }:
الكتابُ المبينُ هو اللَّوحُ المحفوظُ، قدْ حوَاها، واشتملَ عليها،

وبعض هذا المذكورِ، يبهرُ عقولَ العقلاءِ، ويذهلُ أفئدةَ النُّبلاءِ،

فدلَّ هذا على عظمةِ الربِّ العظيمِ وسعتِهِ،
وأنَّ الخلقَ -منْ أوَّلِهِم إلى آخرِهِم- لو اجتمعُوا على أنْ يحيطُوا ببعضِ صفاتِهِ،
لم يكنْ لهم قدرةٌ ولا وسعٌ في ذلك.

فتباركَ الربُّ العظيمُ، الواسعُ العليمُ، الحميدُ المجيدُ، الشَّهيدُ، المحيطُ،
سُبحانَهُ جلَّ وعَلا.

هذا الوجهُ أيَّها الإخوةُ- وجهٌ عظيمٌ من سورةِ الأنعامِ،
ينبغِي الإكثارُ من سماعِهِ مرَّاتٍ عديدةٍ،
نحتاجُهُ في زمنِ الفتنِ.

نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يُثبِّتَنا، ويحفظَنا بحفظِهِ، ويكلأَنا برعايتِهِ، يا حيُّ يا قيُّومُ!



سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.




ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق