الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة الأنعام من آية 60 إلى آية 68





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجهُ الثَّامنُ من سورة الأنعام


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( 60)

هذا كلُّهُ، تقريرٌ لألوهيَّتِهِ، واحتجاجٌ على المُشرِكِين بهِ،
وبيانٌ أنَّهُ تَعالَى المُستحقُّ للحبِّ والتَّعظيمِ، والإجلالِ والإكرامِ،

فأخبرَ أنَّهُ وحدَهُ، المُتفرِّدُ بتدبيرِ عبادِهِ، في يقظتِهِم ومنامِهِم،
وأنَّهُ يتوفَّاهُم باللَّيلِ، وفاةَ النَّومِ، فتهدأَ حركاتُهُم، وتستريحَ أبدانُهُم،
ويبعثَهم في اليقظةِ منْ نومِهِم، ليتصرَّفُوا في مصالِحِهِم الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ،

وهو- تَعالَى- يعلمُ ما جرَحُوا وما كسبُوا منْ تلك الأعمالِ.

ثمَّ لا يزالُ تَعالَى هكذا، يتصرَّفُ فيهِم، حتى يستَوفُوا آجالَهُم،

فيُقضَى بهذا التَّدبيرِ أجلٌ مسمًّى،
وهو: أجلُ الحياةِ،
وأجلٌ آخرُ فيما بعدَ ذلكَ، وهو البعثُ بعدَ الموتِ.

ولهذا قالَ:

{ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ }:
لا إلى غيرِهِ، سُبحانَهُ!

{ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }:
منْ خيرٍ وشرٍّ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) ( 61)

{ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ }:
اللهُ تَعالَى ينفِّذُ فيهم إرادتَهُ الشَّاملةَ، ومشيئتَهُ العامَّةَ،

فليسوا يملكُون منَ الأمرِ شيئًا، ولا يتحرَّكون ولا يسكنُون إلا بإذنِهِ،

ومع ذلك، فقدْ وكَّلَ بالعبادِ حفَظَةً من الملائكةِ،
يحفظُون العبدَ، ويحفظُون عليه ما عملَ،

اللَّهُمَ احفظْنا بحفظِكَ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!

كما قالَ تَعالَى:
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }:
[  الإنفطار: 10- 12 ]

{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا }:
أي الملائكةُ المُوَكَّلُون بقبضِ الأرواحِ.

{ وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ }:
في ذلكَ،
فلا يزيدُون ساعةً ممَّا قدَّرَهُ اللهُ تَعالَى وقضاهُ، ولا ينقُصون،
ولا يَنفَذُون منْ ذلك، إلا بحسبِ المراسيمِ الإلهيَّةِ، والتَّقاديرِ الربَّانيَّةِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) ( 62)

{ ثُمَّ }:
بعدَ الموتِ والحياةِ البرزخيَّةِ، وما فيها منَ الخيرِ والشَّرِّ

{ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ }:
الذي تولَّاهُم بحكمِهِ القَدَريِّ،
فنفَّذَ فيهم ما شاءَ من أنواعِ التَّدبيرِ،

ثمَّ تولَّاهُم بأمرِهِ ونهيِهِ، وأرسلَ إليهم الرُّسلَ، وأنزلَ عليهم الكتبَ،

ثمَّ رُدُّوا إليهِ ليتولَّى الحكمَ فيهِم بالجزاءِ،
ويثيبَهُم على ما عملُوا منَ الخيراتِ،
ويعاقبَهم على الشُّرورِ والسَّيِّئاتِ.

وَلهذا قالَ:
{ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ }:
وحدَهُ لا شريكَ لهُ.

{ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }:
اللهُ أسرعُ الحاسِبين لأمرَين، هُما:
- لكمالِ علمِهِ،
- وحفظِهِ لأعمالِهِم،

بما أثبتَتْهُ في اللَّوحِ المحفوظِ،
ثمَّ أثبتَهُ ملائكتُهُ في الكتابِ، الذي بأيديهِم،

فإذا كانَ تَعالَى هو المُنفرِدُ بالخلقِ والتَّدبيرِ،
وهو القاهرُ فوقَ عبادِهِ،
وقد اعتنَى بهِم كلَّ الاعتناءِ، في جميعِ أحوالِهِم،

وهو الذي له الحُكمُ القَدَريُّ، والحُكمُ الشَّرعيُّ، والحُكمُ الجزائيُّ،

فأينَ للمُشرِكين العدولُ عنْ منْ هذا وصفُهُ ونعتُهُ،
إلى عبادةِ من ليسَ لهُ منَ الأمرِ شيءٌ،
ولا عندَهُ مثقالُ ذرَّةٍ من النَّفعِ، ولا لهُ قدرةٌ أو إرادةٌ؟!

أما واللهِ لو علِمُوا حُلمَ اللهِ عليهِم، وعفوَهُ ورحمتَهُ بهِم،
وهم يبارزونَهُ بالشِّركِ والكُفرانِ، ويتجرَّؤُون على عظمتِهِ بالإفكِ والبُهتانِ،
وهو يعافيهِم ويرزقُهُم،

لانجذبَتْ، دواعِيهِم إلى معرفتِهِ، وذهِلَتْ عقولُهُم في حبِّهِ،
ولمقَتُوا أنفسَهُم أشدَّ المَقتِ،
حيثُ انقادُوا لداعِي الشَّيطانِ، المُوجبِ للخِزيِ والخُسرانِ،

ولكنَّهُم قومٌ لا يعقِلُون، لم يعرِفُوا ربَّهُم.

فمعرفةُ اللهِ - أيُّها الإخوةُ- نعمةٌ عظيمةٌ!

اللَّهُمَّ ارزقْنَا تعظيمَكَ ومعرفتَكَ حقَّ المعرفةِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) ( 63)

الذين يعرفُون اللهَ - أيَّها الإخوةُ- يعرفُون مَنْ يُنجِيهم مِنْ ظُلماتِ البرِّ والبحرِ،
ولا يحتاجُون مَنْ يعلِّمُهُم عن هذا.

{ قُلْ }:
للمُشرِكين باللهِ، الدَّاعِينَ معَهُ آلهةً أخرَى،
مُلزِمًا لهُم بما أثبتُوهُ من توحيدِ الرُّبوبيَّةِ، على ما أنكرُوا منْ توحيدِ الألوهيَّةِ.

{ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }:
أي: من شدائدِهِما ومشقَّاتِهِما؟

وحين يتعذَّرُ أو يتعسَّرُ عليكُم وجهُ الحيلةِ،
فتدْعُون ربَّكُم تضرُّعًا بقلبٍ خاضعٍ،
ولسانٍ لا يزالُ يلهجُ بحاجتِهِ في الدُّعاءِ،

وتقولُون وأنتُم في تلك الحالِ:

{ لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ }:
الشِّدَّةِ التي وقعْنَا فيها

{ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }:
للهِ،
أي المُعترِفين بنعمتِهِ، الواضِعِين لها في طاعةِ ربِّهِم،
الذين حفظُوها عنْ أنْ يبذِلُوها في معصيتِهِ،
سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ) ( 64)

{ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ }:
أي: منْ هذهِ الشِّدَّةِ الخاصَّةِ، ومنْ جميعِ الكُرُوبِ العامَّةِ.

ومن الذي يُنجينا منْها إلا اللهَ- سُبحانَهُ وتَعالَى!

فلماذا تحزنُ وتتألَّمُ؟
ولماذا تتلطَّفُ وترجُو أحدًا من خلقِهِ؟ وتخافُهُ وتسألُهُ؟ وتحبُّهُ؟

بينَما اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى هو الذي يُنجِيك منْ كلِّ الكُرُباتِ!

{ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ }:
لا تَفُون للهِ بما قلتُم، وتنسَون نعمَهُ عليكُم،

فأيُّ برهانٍ أوضحُ منْ هذا على بطلانِ الشِّركِ، وصحَّةِ التَّوحيدِ؟


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) ( 65)

{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }:
أي: هو تَعالَى قادرٌ على إرسالِ العذابِ إليكُم منْ كلِّ جهةٍ،
منْ فوقِكُم، ومنْ تحتِ أرجلِكُم.

{ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا }:
أي: يخلطَكُم شِيَعًا

{ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ }:
أي: في الفتنةِ، وقتلِ بعضِكُم بعضًا.

فهو قادرٌ على ذلك كلِّهِ،

فاحذَرُوا منَ الإقامةِ على معاصِيهِ، فيصيبَكُم منَ العذابِ ما يتلفُكُم ويمحقُكُم،

ومع هذا فقدْ أخبرَ أنَّهُ قادرٌ على ذلك،

ولكن من رحمتِهِ،
أنَّهُ رفعَ عنْ هذهِ الأمَّةِ العذابَ منْ فوقِهِم بالرَّجمِ والحصبِ، ونحوِهِ،
ومن تحتِ أرجلِهِم بالخسفِ.

صحيحٌ أنَّ الله تَعالَى نفَى أن يعاقبَ أمَّتَنا بالرَّجمِ والحصبِ والخَسفِ والغرقِ،

لكنْ جعلَ لنا عقابًا منْ نوعٍ آخرَ،
وهو أنْ يذيقَ بعضَنا بأسَ بعضٍ، ويسلِّطَ بعضَنا على بعضٍ.

هذه هي عقوبةُ أمَّةِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

{ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ }:
أي: نُنوِّعُها، ونأتِي بها على أوجهٍ كثيرةٍ،
وكلُّها دالَّةٌ على الحقِّ.

{ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }:
لعلَّهُم يفهمُون ويدرِكُون ويعقِلُون ما خُلِقوا من أجلِهِ،
ويفقهُون الحقائقَ الشَّرعيَّةَ، والمطالبَ الإلهيَّةَ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) ( 66)

{ وَكَذَّبَ بِهِ }:
أي: بالقرآنِ

{ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ }:
الذي لا مريةَ فيهِ، ولا شكَّ يعترِيهِ.

{ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ }:
أحفظُ أعمالَكُم، وأجازِيكُم عليها، وإنَّما أنا مُنذِرٌ ومُبَلِّغٌ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ( 67)

{ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ }:
أي: وقتٌ يستقرُّ فيهِ، وزمانٌ لا يتقدَّمُ عنْهُ ولا يتأخَّرُ.

{ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }:
ما تُوعَدُون بهِ من العذابِ.

نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ( 68)

هذهِ آيةٌ عظيمةٌ!
لا بدَّ أنْ نفهمَها،

ما موقفُنا نحنُ عندَما نقرأُ أمرًا فيهِ شبهةٌ، أو نسمعُ إنسانًا يتكلَّمُ بالشُّبهاتِ،
ونفتحُ تويتر وغيرَهُ، ونجدُ أحدًا يكتبُ عنِ الشُّبهاتِ.

ما موقفُك عندَما يلبِّسُ أحدُهُم عليك دينَك؟ يلبِّسُ الحقَّ بالباطلِ؟

هل أردُّ عليهِ، وأناقشهُ؟

لا لسْت أنْت المخوَّلُ بالردِّ والنقاشِ.

فما الحلُّ؟

يقولُ تَعالَى:
{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }:
هذه آيةٌ منهجيَّةٌ في التَّعاملِ معَ أهلِ الشُّبهاتِ,
وما يثيرونَهُ منْ جدلٍ وباطلٍ، ويُلبِسون الحقَّ بالباطلِ.

{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ }:
أُعْرِضْ عنْهُمْ: لا تسمعْ لهُم، ولا تناقشْهُم.

{ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }:
المرادُ بالخوضِ في آياتِ اللهِ: التكلُّمُ بمَا يخالفُ الحقَّ،

من تحسينِ المقالاتِ الباطلةِ، والدَّعوةِ إليها، ومدحِ أهلِها،
والإعراضِ عن الحقِّ، والقدحِ فيهِ، وفي أهلِهِ.

فأمرَ اللهُ رسولَهُ أصلًا، وأمَّتَهُ تَبَعًا، إذا رأَوا منْ يخوضُ بآياتِ اللهِ ويشكِّكُ فيها بشيءٍ ممَّا ذُكِرَ،
بالإعراضِ عنهُم، وعدمِ حضورِ مجالسِ الخائِضِين بالباطلِ، والاستمرارِ على ذلكَ.
وعدمِ القراءةِ أو الاستماعِ لهُم، أو الذَّهابِ معهُم،

حتى يكونَ البحثُ والخوضُ في كلامٍ غيرِهِ،

فإذا كانَ في كلامٍ غيرِهِ، زالَ النّهيُ المذكُورُ.

- فإنْ كانَ مصلحة ًكانَ مأمورًا بهِ،
فإذا أوتِيَ الشَّخصُ منَ العلمِ ما أوتيَ، وكان ثابتًا راسخًا قويًّا،
يعلمُ علمَ اليقينِ أنَّهُ لن يُشكِّكَ هذا فيهِ،
فليسمعْ، وليحاجِّ.

- وإنْ كانَ غيرَ ذلك، فلا يُحاجِّ.
إذا كنْت ستبحثُ عنْ إجابةٍ، وتسألُ أستاذًا حتى تأتيَ بإجابةٍ لذلكَ الذي يخوضُ في آياتِ اللهِ،

فنصيحةٌ: لا تضعْ نفسَكَ في هذا الموقفِ،
بل أَعرِضْ عنِ الكلامِ مع هؤلاءِ.

فإن كان مصلحة ًكان مأمورًا بهِ،
وإنْ كانَ غيرَ ذلك كان غيرَ مفيدٍ، ولا مأمورٍ بِهِ.

وفي ذمِّ الخوضِ بالباطلِ،
حثٌّ على البحثِ، والنَّظرِ، والمناظرةِ بالحقِّ.

ثمَّ قالَ:

{ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ }:
أي: بأن جلسْتَ معَهم، على وجهِ النِّسيانِ والغفلةِ.

{ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }:
وهذا منْ رحمةِ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى، وحلمِهِ وسعةِ مغفرتِهِ جلَّ وعَلا،
إذا نسيتَ وجَهلتَ وغفلتَ،

لكن إنْ تذكَّرْتَ، فلا تجلسْ معَهُم.

يقولُ تَعالَى:

{ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ }:
فمَنْ الذي أنساكَ؟
نسبَ اللهُ النِّسيانَ للشَّيطانِ، ولم ينسبْهُ لكَ،

لم يتحدَّثِ اللهُ عنْك بكلمةٍ واحدةٍ، أو يسبَّك، أو يذمَّك - سُبحانَهُ جلَّ وعَلا!

واللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى يترفَّعُ عن هذا - جلَّ وعَلا!
تَعالَى اللهُ عنْ ذلك علوًّ كبيرًا!
وإنَّما ذمَّ الشَّيطانَ.

أستغفرُ اللهَ منْ كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ!

( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )

يشملُ الخائِضِين بالباطلِ، وكلَّ مُتَكلِّمٍ بمُحَرَّمٍ، أو فاعلٍ لمُحَرَّمٍ،

فإنَّهُ يحرُمُ الجلوسُ والحضورُ عندَ حضورِ المُنكرِ، الذي لا يقدِرُ على إزالتِهِ.



سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين، ما ذَكرَهُ الذَّاكِرُون الأبْرارُ، وما غَفِلَ عنْهُ الغافِلُون،
وما تعاقَبَ اللَّيلُ والنَّهارُ.




ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق